هيوا حميد شريف
من الجوانب الثقافية الاخرى التي عمل فيها الاستاذ #توفيق وهبي# ، هي مساهمته في النوادي والجمعيات الثقافية واشتراكه فيها وذلك بغض النظر عن مكوناته القومية، وبدأ مشواره في هذا المضمار مع بداية الثلاثينات من القرن الماضي.
وكان أول ناد ثقافي انضم اليه وهبي، هو (يانةى سةركةوتنى كوردان – نادي الارتقاء الكردي) ويعد هذا النادي من النوادي الثقافية الكردية التي عمرت طويلاً، حيث استمر لمدة ثمان وعشرين سنة (1930 – 1958). جرى افتتاح هذا النادي في بغداد في 30-05- 1930، وذلك بعد حصوله على الاجازة من وزارة الداخلية بموجب القرار المرقم (6895) في 19 آيار من نفس السنة، وقد اقيمت حفلة افتتاحية في سينما (رويال) في بغداد بحضور عدد كبير من الشخصيات الكردية وغير الكردية وعدد من اعضاء مجلس الاعيان، واختير لادارة النادي خيرة المثقفين الكرد، أمثال (محمد أمين زكي) ومعروف جياوك وآخرين.
مع أن هدف النادي في الظاهر كان ثقافياً بشكل عام، كنشر العلم وتثقيف الشباب الكردي وما الى ذلك، وعلى الرغم من تأكيده في منهاجه على عدم التدخل في السياسة بوصفه نادياً علمياً يعمل في سبيل ترقية مستوى الشبيبة الكردية العلمي والاخلاقي، إلا أنه في الواقع كان يتدخل بصورة سرية وباشكال مختلفة في الامور السياسية، فقد كانت له علاقة مع كل من الجمعيتين السياسيتين خويبوون و (هيوا – الامل).
أما نشاط وهبي في هذا النادي، فانه لم يكن من مؤسسي النادي في البداية، ومن المرجح ان يعود ذلك الى وجوده في السليمانية –حيث كان متصرفاً هناك- أثناء تأسيس النادي المذكور، إلا أنه اشترك في السنة التالية –أي سنة 1931- ولاسيما في الانتخابات التي قام بها النادي المذكور، لانتخاب لجنتين من أعضائها، لجنة للمنطقة وأخرى للإدارة، ورشح وهبي نفسه في لجنة الادارة، فحصل على المرتبة الاولى بين المرشحين في هذه اللجنة، ومن حينها أصبح عضواً بارزاً في هذا النادي، واستمرت عضويته فيه الى حين اندلاع ثورة 14-07- 1958.
وخلال عضويته في هذا النادي، قام وهبي بنشاط ثقافي ملحوظ، وذلك في اشرافه على الدورات الخاصة لتعليم اللغة الكردية، وتدريسه لهذه اللغة ولهجاتها والاملاء الكردي بالحروف العربية واللاتينية، حيث كان يجري تدريسها على المشاركين في هذه الدورات مرتين في الاسبوع. وقد شاركت في هذه الدورات فئات مختلفة من الناس، وهناك من يقول ان الملك فيصل الثاني (1953-1958) ايضاً، قد تلقى دروساً لتعليم اللغة الكردية عند وهبي، ولكن ليس معلوماً أنه أخذ دروسه في تلك الدورات أو في مكان آخر.
وخلال الاجتماع الذي عقده أعضاء نادي (سةركةوتن – الارتقاء) في 21 -12- 1956، جرى انتخاب الهيئة الادارية الجديدة له، ولم يكن وهبي بين المرشحين في هذا الانتخاب، الا ان الهيئة الادارية الجديدة، قررت انتخابه رئيساً شرفياً للنادي.
ومن الجمعيات الثقافية الاخرى التي أسهم وهبي في تأسيسها هي (كؤمةلَةى لاوان – جمعية الشباب) التي أسست في بغداد سنة 1933، وكان لوهبي دور كبير في تأسيسها وادارتها، ولا سيما أن جميع اجتماعات الجمعية كانت تجري في داره. ولم يصدر عن هذه الجمعية الا عدداً واحداً من مجلته باسم (ديارى لاوان – هدية الشباب)، ومن انشطتهم الاخرى هو عنايتهم بكتابة اللغة الكردية.
ومن النوادي العراقية التي اشترك فيها وهبي مع احدى وثلاثين شخصية عراقية مثقفة، تأسيس (نادي القلم). ففي أحد أيام موسم الربيع عام 1934، اجتمع ببغداد نخبة من اصحاب القلم من الادباء والشعراء والمفكرين والمؤلفين العراقيين - ومن ضمنهم وهبي –وكان هدفهم وضع اللبنة الاولى لصرح ما يسمى بنادي القلم بوصفه فرعاً لهذه المؤسسة الادبية والثقافية التي لها فروع في كثير من دول العالم المتمدن في النصف الاول من القرن الماضي.
وبعد اجتماعين توصل المشاركون الى اختيار اعضاء الهيئة المؤسسة لتلك المنظمة الادبية والفكرية والاجتماعية، وكانت على الوجه الآتي: جميل صدقي الزهاوي رئيساً ومحمد فاضل الجمالي نائباً للرئيس ومتي عقراوي أميناً للصندوق وابراهيم حلمي العمر سكرتيراً. وبعد أن حصل النادي على الاجازة الرسمية في تشرين الاول 1934، عقد مؤتمره الاول، وقد فاز محمد رضا الشبيبي بالرئاسة ومحمد فاضل الجمالي بنيابة الرئاسة.
ويعد تأسيس نادي القلم العراقي حدثاً ثقافياً بارزاً في النصف الاول من القرن الماضي، لانه أول منظمة ثقافية تمثل الادب الذي ظهرت مؤسساته بعد باسم (اتحاد الكتاب أو الادباء) وكونها أقدم نادي قلم في منطقة الشرق الاوسط. أما هدف النادي المذكور- كما جاء في نظامه الداخلي – فهو يرمي الى تعارف المؤلفين وحملة الاقلام في العراق وتعزيز الروابط بينهم وتعضيد البحث، ولا يتدخل في السياسة.
وعند تأسيس المجمع العلمي العراقي عام 1947، أختير وهبي عضواً فيه، وهو الكردي الوحيد الذي حصل على عضوية هذا المجمع، تقديراً لمنزلته العلمية. كما انتخب نائباً أول لرئيس المجمع، في 12 كانون الثاني 1948. واستمر وهبي في عضويته لهذا المجمع حتى استقالته منه في شباط 1949. وقد أصدر المجمع المذكور مجلة باسمه، أي مجلة (المجمع العلمي العراقي)، ونشر وهبي موضوعاً في عددها الاول باسم (القصد والاستطراد في أصول معنى بغداد). وفي شهر آيار 1958، بادر وهبي بتأسيس جمعية ثقافية عراقية تسهم في النهضة الادبية، وعقد أول اجتماع لهذا الغرض في داره، وحضره فريق من رجال العلم والادب، وقرروا في حينه تأسيس (جمعية التأليف والترجمة والنشر)، واختير وهبي رئيساً لهذه الجمعية، وقامت الجمعية المذكورة باصدار مجلة باسم (الكتاب)، ولم يصدر عنها الا عددين، أولها، في حزيران 1958، وثانيهما في الشهر التالي –أي بداية شهر تموز من السنة نفسها-، وذلك بسبب قيام ثورة 14 تموز، حيث أدت الى حل الجمعية واختفاء المجلة. وقد نشر وهبي في العدد الاول منها مقالة بعنوان : (أصل اسم كركوك)، أما في عددها الثاني فقد نشر مقاله الموسوم (قلعة كيانة في شمال السليمانية). وعندما أسس المجمع العلمي الكردي في بغداد في حزيران 1971، اختير وهبي من قبل هذا المجمع عضواً فخرياً فيه، ثم نشر عدداً من مقالاته في مجلة المجمع (كؤرِى زانيارى كورد – المجمع العلمي الكردي)، التي تصدر تحت اشراف المجمع، منها : (أصل الاكراد ولغتهم)، و (أصل اداة الصيغة (ئه) –المضارعة- في لهجة السليمانية). كما أهدى وهبي الى الجمعية المذكورة (350) كتاباً ثميناً عام 1972، وكان معظمها باللغتين الانكليزية والالمانية، وذلك عند استقباله لاحد اعضائها في داره في لندن.
عن رسالة ( توفيق وهبي ودوره السياسي والثقافي ) جامعة الموصل.[1]