غريترود بيل
ترجمة: صلاح سليم علي
كان القائد العام التركي علي احسان باشا [قائد الجيش التركي السادس] الذي بقي في المدينة #[الموصل# ] مع عدد قليل من القوات قد أمر بإخلاء المخازن والسجلات كلها، ولكن في الأول من تشرين الثاني تم الرجوع عن هذه الأوامر فاعيدت السجلات ورجع الموظفون الى دوائرهم من نصيبين وزاخو ومن حيثما كانوا قد ارسلوا.
وبعد عدة ايام من التفاوض حول ما اذا ترتب على علي احسان باشا الإستسلام وفق بنود الهدنة. وكانت اوامر قد وصلت من القسطنطينية [اسطنبول] حول إخلائه. فاحتلت الموصل من قبل قواتنا ورفع العلم البريطاني فوق بناية السراي في 8 تشرين الثاني. [ للإطلاع على مزيد من المعلومات ينظرالتشكيلات العسكرية في الموصل منذ أواخر العهد العثماني الى 1958بقلم الدكتور ابراهيم خليل العلاف]..
وفي العاشر من تشرين الثاني، غادر علي احسان الى نصيبين وتولى مهام ادارة الموصل اللفتنانت كولونيل [ [جيرارد] لجمن بصفته اول ضابط [حاكم] سياسي لولاية الموصل..غير ان المستقبل السياسي للولاية [الموصل] لم يتضح [يتحدد] بعد فوفق اتفاقية سايكس – بيكو لعام 1916، التي يعددها الفرنسيون ملزمة بغض النظر عن التحول الجوهري للأوضاع التي تم عقدها خلالها بسبب الثورة الروسية، تقع ولاية الموصل بأكملها ضمن مجال النفوذ الفرنسي..وعلى هذا الأساس صدرت من حكومة جلالة الملك تعليمات بضرورة عدم شمول الموصل بنظام الحكومة المركزية المعمول به في ولاية بغداد..ويتوجب وضع [الكلمة التي استخدمتها بيل هيربط] الموصل تحت إدارة عسكرية [يؤكد الأنكليز في تقاريرهم على ان للموصل هوية عسكرية ولأهلها ميل قوي للأستقلال والقيادة مما جعلهم عصيون على الأنقياد أقوياء الشكيمة ليس من السهل بأي حال إرضائهم، كما في تقرير كرسته بيل لوصف الموصل حصريا، وهي تشاطر في رأيها في الموصل واهل الموصل موقف مارك سايكس الذي كان وراء تخلي بريطانيا عن الموصل لفرنسا ولعله وراء اقتراح وضعها تحت ادارة عسكرية صارمة كونه المسؤول الأول في حلقات صنع القرار الخاص بالشرق الأوسط في ذلك الوقت]..ولكن وبغضون اشهر ساد التفاهم ضمنا ان الإتفاقية [اتفاقية سايكس – بيكو] يجب ان تعدل بما يتعلق منها بولاية الموصل، على ذلك تم دمج الإدارة المدنية فيها بإدارة القسم الجنوبي من الأراضي [العراقية] المحتلة..
من الناحية الفيزياوية [شكل الأرض وتضاريسها]، تطرح ولاية الموصل متناقضات معينة لولاية بغداد. فهي تقع شمالي جبل مكحول الذي يعد امتدادا لجبل حمرين والطريق اليها يمر عبر مسافات طويلة من الأراضي الحجرية وهو تغير محبب بعد الطمي الرسوبي الممثل لجنوبي بلاد الرافدين. ومن الجهة اليمنى لدجلة أي في الجزيرة، نجد ان الريف بأكمله ارض متموجة لاتقطعها سوى كتلة جبل سنجار..ومن الضفة اليسرى [الجانب الأيسر لدجلة]، تمتد السهول على مسافات متنوعة بدءا من النهر حتى حافات الجبال الكردية. وتقدم السلاسل الأقرب [الى المدينة] من خلفية المشهد المنظور اليه عبر النهر من مدينة الموصل منظرا محببا لدى المشاهد الذي اعتاد على السهول الجنوبية لبلاد الرافدين..ولايرتفع اعلى جبال تلك المنطقة اكثر من 7000 قدم ولكنها شديدة الإنحدار وجرداء. وتشكل السلاسل المنفصلة وديان ضيقة ومتباعدة يترتب على الطرق فيما بينها اما ان تتسلق معابر عسيرة او تتبع طرقا وديانية متعرجة.. وفي التلال تتوفر المياه في اكثرها على مدار السنة اما الوديان فمكتظة بأشجار الفاكهة كالكروم والجوز واللوز وشجر الحور والصنوبر.. وتكثر على جوانب الجبال اشجار البلوط المتناثرة متمعجة الاغصان..ولكن في الجزيرة نجد ان المياه الوحيدة توجد في تلعفر وفي العيون المتدفقة في سفح جبل سنجار وعدد قليل من الينابيع، ومعظمها، كبريتي، تنتشر في خط التلال الممتد من القيارة وحتى تلعفر..وهذه الينابيع هي السبب في ثروة تلعفر.وتجري المياه الباقية غير المستعملة بالزراعة من سنجار في منحدر الثرثار على نحو مواز لدجلة لتصب في المستنقعات المالحة شمال – غربي بغداد.. ومياه وادي الثرثار وينابيع الصحراء كلها كانت منذ القدم وحتى الآن مالحة [خضمة، أجة أو مجة: وقد تكون مرة]. وفي الضفة اليمنى من وادي الثرثار تبرز آثار المدينة القديمة الحضر، وتعد الأراضي في تلك المنطقة أراض رعي شهيرة ل [قبيلة] شمر الجربا حيث تكثر عيون المياه المالحة في انحائها، وفي سهول الضفة اليسرى لدجلة تنتشر قرى تحتضن عيون مياه عذبة تيسر الزراعة في موسم الصيف، ولكن ثروة الضفة اليسرى [الزراعية] تعود الى وفرة المياه التي يغدق بها عليها نهر دجلة فضلا عن نهري الزاب الأعظم والخابور..وتنمو اشجار الحور والصفصاف على ضفاف الأنهار..ولكن السهول المتبقية جرداء من الشجر، ولاوجود للنخلة في الأراضي الواقعة شمالي منخفض الفتحة [وهو منخفض يقع بين بيجي والشرقاط يتجه شرقا ويقع من الناحية الجيولوجية في المنطقة الانتقالية بين السهل الرسوبي ومنطقة الجزيرة وقد دارت فيها مواجهات بين الجيش العثماني وجيش الاحتلال البريطاني..ويبدو ان بيل اعتبرتها بداية الأراضي المتموجة او شبه الجبلية حيث لاتنمو النخيل..ولا ادري اين كانت بيل قد شاهدت نخيلا بين شمال سامراء وحتى الفتحة ان لم تعتبر منطقة طوزخورماتو ضمن المناطق الصخرية]، ويوجد النفط والقير والفحم في المنطقة وكذلك نوع من المرمر الرمادي الناعم سهل القطع يستخدم كثيرا في المباني ويحفر بنماذج زخرفية تميز معمار المنطقة ويزين الجوامع والكنائس والبيوت الراقية..
ومن جانب آخر نجد ان اعادة تنظيم الإدارة اسهل في الموصل منه في أماكن أخرى..فبينما لم نجد في البصرة وبغداد سجلات [مدنية] سابقة وكان موظفوا الحكومة التركية قد انسحبوا منهما مع الجيش، وجدنا في الموصل السجلات [المدنية] كلها متوفرة وكذلك معظم الموظفين..وفي اواخر تشرين الثاني قام الكولونيل لجمن بزيارة تلعفر وسنجار وزاخو والعمادية ودهوك وقرية بيرة كبرا وعقرة، فرأى في كل تلك الأماكن العلم التركي مرفرفا وكان في معظمها جندرمة وموظفين أتراك..فعمل على صرف الموظفين والجندرمة الأتراك وأمر بإنزال الأعلام التركية ثم قام بتعيين ضباط سياسيين [اداريين] مساعدين في تلك المناطق الخاضعة لإحتلالنا. والمنطقة باستثناء سنجاق السليمانية كانت تشكل ولاية عثمانية، وسكانها أكثر تنوعا منهم في اي مكان آخر في العراق.
وقد حافظت الإدارة البريطانية على التقسيمات الإدارية التركية للولايات فأخذ الضابط السياسي أو الإداري المساعد للمقاطعة مكان قائمقام القضاء. وبما ينسجم مع ممارساتنا في أماكن أخرى [الهند] تم دمج الشؤون الإدارية بالشؤون الإقتصادية: فتم تقسيم كل مقاطعة [قضاء] الى نواح حسب الأيرادات [الدخل الوارد من كل ناحية]، وأنيطت الإدارات في النواحي لمامورين عرب يكونون مسؤولين أمام مدير الناحية في رئاسة القضاء.. وفي عام 1919 تم تعيين السيد حسن بيك [العمري]، رئيسا لقسم [الأراضي ]السنية في العهد العثماني، مفتشا للدخول [الشؤون المالية] في الموصل، وهي وظيفة اوكلت مؤقتا مرتين ولمدد قصيرة لضابط اداري مساعد [كان حسن بيك العمري فيما يذكر الدكتور ابراهيم العلاف مديرا لبلدية الموصل في عام 1919].
وكان مركز إدارة الأراضي السنية [وهي اراض زراعية وضع السلطان عبد الحميد يده عليها وخصص لها ادارة خاصة] لعموم العراق في الموصل. ولهذه الأراضي تنظيما خاصا بها وترتبط مباشرة باسطنبول ولذلك فهي مستقلة عن الإدارة الإقليمية. ولكي نيسر للمأمورين التعامل مع القضايا الصغيرة في الموصل وتلعفر في وقت ومكان حدوثها او طرحها، تم منحهم صلاحيات قضاة من الدرجة الثالثة. وهي تجربة حققت اجمالا قدرا من النجاح. وفي منطقة الموصل وبخاصة في السهول، حيث تكون الوحدة الإجتماعية هي القرية وليس القبيلة، يلعب المختارية او رؤساء القرى ادوارا مهمة، فهم مسؤولون عن حفظ النظام والنظافة في قراهم فضلا عن حسم النزاعات وفق العرف والعدل، وعن توقيف المخالفين في الجرائم الخطرة، ومتابعة تنفيذ أوامر الحكومة، وتوفير السكن لموظفي الحكومة وسلامة المسافرين والقوافل التي تمضي الليلة في القرية. كما انهم ملزمون بمساعدة المدراء في الشؤون الزراعية كتقدير المحاصيل. وبالمقابل من الممكن لهم استلام ايرادات معينة على سبيل المثال، نسبة مئوية على السلع التي يبيعها التجار في قراهم، كما تعطيهم الحكومة، كل في قريته، نسبة مئوية لاتزيد عن 3% من المحاصيل الشتوية ومن محصول العنب في الموصل. والموصل كبغداد والبصرة أعادت أربعة أعضاء الى غرفة [التجارة] التركية. وكان أحد هؤلاء مسيحي شهير في المدينة [الموصل] كان قد عين ملحقا سياسيا فيها. [وهو نمرود رسام الأخ الأصغر للآثاري هرمز رسام والقنصل السابق كريستيان رسام، عين ممثلا لبريطانيا في الموصل عام 1893 حتى عام 1908]..
وعند وصولنا وجدنا ان اوضاع الولاية [الموصل] كانت سيئة جدا. فالمدينة مكتظة باللاجئين وتنتشر فيها المزابل..والسبب الرئيس في ذلك الإستملاك والمصادرة والسخرة من قبل العسكر [لم تحدد بيل اي عسكر والأرجح انها تقصد الترك] فضلا عن قيام الجنود والمراتب الألمان والنمساويين بإرسال طرودا الى اوطانهم [لم تذكربيل محتوى الطرود]. وتدور الروايات عن موت 10.000 شخص بسبب الجوع خلال شتاء 1917 – 1918. وفي الولاية خارج الموصل غادر السكان قراهم باستثناء القرى المسيحية بسبب التجنيد الإلزامي. اما النقل والزراعة فقد تجمدا نتيجة مصادرة اعداد كبيرة من الحيوانات. وبلغت نسبة الأراضي غير المزروعة 50% والغلتان الرئيستان في [ولاية ]الموصل هما الحنطة والشعير حيث يتجاوز انتاج القمح في الموصل ماتنتجه ولايات الجنوب مجتمعة بكثير مما جعل بغداد تتطلع الى الموصل لتزودها بالقمح فضلا عن الفاكهة والمكسرات والخضراوات التي تتميز بنوعيتها الجيدة. بل وحتى تلك التي تنتج عند سفوح التلال..على ذلك تسبب اغلاق طريق الموصل من آذار 1917 وحتى تشرين الثاني 1918 بصعوبة ملموسة واسهمت الى نقص التجهيزات الغذائية عن بغداد خلال عام 1917. [تسببت العمليات العسكرية بإغلاق الطريق بين الموصل وبغداد].
وتعتمد الغلال الشتوية في ولاية الموصل كليا على مياه الأمطار، ولكن نظرا للحاجة الماسة لمياه الصيف في السهول، فإن المحاصيل الصيفية في السهول لاتكاد تذكر، ربما بإستناء حافات الأنهار حيث تسقى البساتين بواسطة النواعير وغيرها وكذلك الحال في القرى التي تمتلك ينابيع دائمية على مدار السنة.. ويكون الري على افضل حال في حوض الزاب الكبير..اما في الجبال، من جهة أخرى، فتعد الغلال الصيفية المتمثلة بالرز [رز عقرة] والتبغ والفواكه أكثر أهمية من غلال الحبوب الشتوية..وتعد طرائق الزراعة بدائية حيث يستخدم المحراث الخشبي تجره الثيران المزاوجة بنيراو البغال او الحمير..وجرت العادة ان يزرع الفلاح نصف ارضه ويترك النصف الاخر مجذوما لحراثته لموسم آخر.ومع بذر بذور السنة الماضية، تتم حراثة المساحات المجذومة بعكس اتجاه حراثتها الماضية وتترك بدون بذار خلال الصيف. وفي الخريف وبعد بواكير المطر، تحرث طوليا وتصبح جاهزة لنشر البذور. ويستعمل افضل الفلاحين السماد. ويبلغ عطاء البذور للأكر [الفدان] الواحد حوالي 120 ليبرة [قرابة 39 كيلوغرام]. ويبلغ معدل المحصول سبعة الى ثمانية اضعاف الكمية المبذورة. وبعد الإحتلال، اتخذت خطوات فورية لأسترجاع الإزدهار الزراعي. وفي السنة الاولى تم توزيع 550 من مواشي الحراثة [المواشي التي تستخدم في الحراثة] و150.000 روبية على شكل قروض زراعية للفلاحين. بالاضافة الى كميات كبيرة من الحبوب التركية قمنا بمصادرتها وتوزيعها.
وهنالك مؤشرات الى ان القسم الأكبر من الأراضي في الولاية هو في ايدي مزارعين محليين حيث يقوم كل شخص بحراثة ارضه، ولكن ماوجدناه في الوقت الحاضر ان معظم الأراضي انتقل الى ايدي الملاكين الكبار الين يسكنون في غالبيتهم في الموصل. ويمتلكون الأراضي بطريق سندات طابو. ولكن هناك الكثير من الشكاوي حول تطبيق هذه الطريقة في انتزاع الاراضي واستملاكها. فهناك من يقول ان الفلاح يعطى 25% فقط من قيمة ارضه وإذا رفض بيعها تلفق له تهمة قتل احدهم ويرمى في السجن، ويبقى في السجن لسنوات حتى يغير رأيه. لقد اعطى استقدام الطابو وجهاء المدينة فرصا لنهب الفلاحين وانتزاع مساحات هائلة من اراضيهم بطريق وثائق مزورة هي نتيجة معاملات بيع قسرية وما الى ذلك.
وتعد الأراضي السنية في الولاية واسعة. وكانت أدارتها على عهد عبد الحميد جيدة [أوكلت إدارتها على عهد عبد الحميد الى السيد حسن العمري ويعرف العمرية منذ اوائل العهد الجليلي بمهاراتهم الإدارية والكتابية فيما يؤكد بيرسي كمب في اطروحته عن الموصل في العهد الجليلي التي قام المترجم بمراجعة ترجمتها].. وهي اراض اشتهرت بكونها تزرع على افضل الوجوه بسبب حصانتها من تجاوزات الجندرمة والإجراءات الأخرى [كونها ملكا للسلطان ولايمكن اخراجها الى التيمار او بيعها أو غير ذلك]. ولكن إدارتها، نظرا للنظام [الأتحادي] الجديد تدهورت، وعند أحتلالنا اضحت أكثر ترديا كما هو الحال في بقية انحاء الولاية.
اما فيما يتعلق بصعوبة المواصلات فان امكن حلحلتها في ولاية الموصل ستكون هناك فرصا افضل فيها من بقية انحاء العراق وبخاصة فيما يتعلق
بالمكائن الزراعية. فقبل الحرب كان العديد من كبار الملاك يمتلكون حواصيد آلية. وبما أن الأراضي الكبيرة التي تعتمد على المطر في أروائها لاتحتوي على قنوات ارواء، فإنها لاتحتوي العوائق الموجودة في أماكن أخرى لأستخدام المكائن. وحصة الطابو على الأراضي السنية هي على الدوام تقريبا 7.5%، باستثناء قرى قليلة في منطقة زاخو يوجد مقترح لضمها في نسق واحد مع القرى الأخرى. وهناك على جانب الجزيرة بشكل خاص مساحات كبيرة من الأراضي يقال أنها أراض محلولة [اي محولة الى ملكية الدولة]. ولكن ظهر من البحث في هذه المسألة أن وراء القرار في كل قضية من القضايا [اي احالة الملكية الى الدولة]، أستئناف [شكوى] لم يعرها أحد اذنا..وعندما يتم حسم القضية يبدو ان من المشكوك به ان يقضى بحق الأحتفاظ بالأرض للحكومة..
وكنا قد بدأنا في تطوير الغابات الحكومية وإعادة تاهيلها [يعود الفضل للأنكليز في اعادة تأهيل غابات الموصل في الجانب الأيسر للمدينة بينما قام بعض من يعدون انفسهم وجهاء ببيع بيوتهم في مناطق سكنية مقبولة للغرباء في ظروف الفوضى العارمة التي اجتاحت البلاد ليشتروا اراض وسط الغابات ليبنوا فيها بيوتا ويقضموا بذلك جزءا من الغابات على حساب المصلحة العامة]..بعد ان طالتها يد التخريب بلا رحمة لتجهيز الجيش العثماني [ كما استخدم العثمانيون الأخشاب لعمل عوارض سكة حديد بغداد – برلين في اجزائها في ولاية الموصل فضلا عن استخدامها في عمل الخوازيق والفلقات وفي عمل السليقة وللطهي في القرى وغير ذلك]. ولابد ان تكون الغابات في آخر المطاف على قدر كبير من الأهمية والفائدة.
وتعتمد بغداد كليا تقريبا في الأوقات الإعتيادية على مناطق الجبال الشمالية لتزويدها بالإخشاب. كما ان الطوافات المعروفة بالأكلاك تعمل من قضبان من الخشب تحمل على جلود منفوخة [يستخدم جلد المعيز الذي يعتنى في قطعه وتحويله الى جرب كبيرة تنفخ بالهواء المزفور وتوضع تحت القضبان المشدودة بالحبال احدها الى جانب الاخر لعمل الأكلاك] التي نشاهدها مصورة في الجداريات الآشورية في المتحف البريطاني [لم يقلد أهل الموصل أسلافهم الآشوريين في عمل الأكلاك بل انتقلت اليهم بحكم التوارث الحضاري كون الموصل هي نينوى الغربية] وهي عائمة في نهر دجلة محملة بالحطب او بضائع أخرى. وعندما تصل الأكلاك الى بغداد تفكك فيباع الخشب. وتحمل القرب الجلدية بعد تغريغها من الهواء على ظهور الحمير الى الموصل لكي تستخدم من جديد. وتعد ضرائب الأخشاب والفحم أحدى مصادر الدخل في ميزانية الموصل.
وفي الموصل يتقابل الشارعان الجديدان في زاويتين قائمتين احدهما مع الآخرغير انهما في باكورة التنفيذ لأنهما لم يكونا قد اكتملا قبل الإحتلال فعمدنا الى اكمالهما عام 1919. وسيكونان جديران بالأموال المنفقة عليهما سواء في التعويض [اي تعويض الناس الذين هدمت بيوتهم ومحلاتهم في مواقع قطع الشارعين] والإنشاء، على الرغم من ان ذلك تضمن منحا مساعدة كبيرة قدمناها للبلدية.
والجسر القديم في الموصل مايزال قائما. ولكن فيه خصوصية تكونه من جزء من القوارب يبدأ من وسط النهر.ويصار الى رفع هذا الجزء [المرتكز على القوارب] فيترك ها الجزء من النهر مفتوحا تماما في اوقات الفيضان خوفا من ان تجرفه مياه النهر. وعندما يحصل الفيضان فإن الأراضي في النهاية الشرقية للجسر [الجانب ألأيسر] تنغمر بالمياه بينما تبقى دعامات الجسر [الحجري] شاخصة للعيان مهجورة ولكن على نحو ملفت للنظر في وسط النهرالفائض بالمياه. لكن جسرا جديدا هو الان قيد الإنشاء وننظر في وضع خطط لتجهيز المدينة بمياه الشرب. فالمدينة اليوم نظيفة وأولئك الذين يحتفظون بصور ذهنية عن المسالخ عند نهاية الجسر القديم [كما وردت في رحلات مارك سايكس ورحلات أخرى] في العهود التركية سيجدون صعوبة في التعرف على موصل اليوم وسيتساءلون إن كانت هي نفسها موصل الأمس.
ملتقطات من ترجمة لنص طويل للمس بيل (الخاتون).[1]