رجاء زامل الموسوي
ادى التطور الذي شهده العراق في السنوات السابقة لأعلان الحرب العالمية الاولى ، الى ظهور مجموعة من السياسيين العراقيين ممن كانوا في مرحلة الشباب فكان جلال بابان واحداً من هؤلاء السياسيين الذين ظهروا في مدينة بغداد ، اذ عمل للقضية العربية منذ بداية شبابه ، فعندما ذهب الى اسطنبول لم يكن خاليا من الطموح السياسي والشعور القومي تجاه القضية العربية ، على الرغم من عدم انتمائه الى أي من الجمعيات الكردية هناك . وفي الأيام الأولى للأحتلال البريطاني للعراق عام 1914 كان على اتصال فعال بالاطراف الوطنية ، المتمثلة باعضاء جمعية العهد. في اسطنبول وبعد عقد الهدنة عاد الى العراق ومارس نشاطه الوطني ، فعمل للقضية العربية عامة ، والقضية العراقية خاصة ، فقد كان احد اعضاء جمعية العهد العراقي في بغداد . ونتيجة لانقسام جمعية العهد العراقي في بغداد على نفسها ، بسبب القاء السلطات البريطانية القبض على عدد من أعضائها ، اعلن كل من جلال بابان، وعلي آل بازركان ، ومحمود رامز ، وعارف حكمت ، وسعيد حقي ، وشاكر محمود وغيرهم ، في نهاية شباط عام 1919 ، عن تأسيس جمعية سياسية سرية في بغداد . عرفت بحزب حرس الاستقلال السري . انتمى جلال بابان الى حزب حرس الاستقلال وادى القسم للحزب امام رئيسه ومؤسسه علي ال بازركان وكان تسلسله العاشر بين المنتمين للحزب انذاك.
وفي اواخر آذار من عام 1919 جرى انتخاب الهيأة الادارية للجمعية ، فضمت كلاً من جلال بابان ، ومحمود رامز ، وشاكر محمود ، وباقر الشبيبي ، وصادق حبة، ومحي الدين السهروردي ، وسعيد حقي ، ومحمد حسن كبة ، وصادق الشهربانلي ، وعبد الرزاق الازري . ويقول ناجي شوكت في مذكراته عن مؤسسي ﮪذه الجمعية : اخبرني احد المنتمين الى هذه الجمعية ، بان لفيفاً من الشباب الوطني المتحمس الف حزباً سياسياً لخدمة قضية البلاد الوطنية باسم ( جمعية حرس الاستقلال ) ، واقترح عليّ ان انضم الى هذه الجمعية ، ولما اطلعني على اسماء المؤلفين لهذه الجمعية من بينهم محمد جعفر ابو التمن ، وجلال بابان ، وعلي البازركان ، وبهجت زينل وغيرهم ، وافقت بدون تردد على هذا الانتماء . وضعت الهيأة الادارية للجمعية منهاجاً لها ، استهدف استقلال العراق التام ، وتأليف حكومة دستورية ملكية في العراق تحت ملوكية احد انجال الحسين بن علي ، وبذل الجهود للانضواء الى الوحدة العربية ، ولتوحيد الكلمة في البلاد والسعي للتعاون مع الجمعيات العربية ، مع تاكيد الجمعية على انها تعمل من اجل توحيد كلمة العراقيين على اختلاف مللهم ، ويدل على ذلك المضبطة التي كانت موجهة الى مؤتمر الصلح ومجلس عصبة الامم من اعضاء الجمعية في 24-03- 1919 ، التي طالبوا فيها تحقيق استقلال العراق . يُعد #جلال بابان# واحداً من مؤسسي جمعية حرس الاستقلال القلائل ، فقد كان له دور بارز في هذه الجمعية من خلال نشره وزملائه من اعضاء الجمعية ، الوعي الوطني والسياسي بين ابناء البلاد بشكل عام ، وبين مثقفي بغداد وشبابها والمدن الاخرى بشكل خاص، مما يدخله في جملة العوامل التي عجلت في قيام ثورة العشرين ضد السلطة البريطانية المحتلة ، وبذلك يعد من مؤسسي النواة القائدة الحقيقية للحركة الوطنية في بغداد. وبهدف تنسيق الجهود الى تحقيق استقلال البلاد ، فقد عمل جلال بابان في اللجنة المشتركة لحزبي العهد وحرس الاستقلال ، للاعداد لاستقلال العراق.
دأب جلال بابان على حضور الاجتماعات التي يعقدها اعضاء الحزب ، ففي تموز 1919 ، استقبل اعضاء الوفد الذي ارسله حزب العهد في سوريا ، والذي ضم كلاً من جميل المدفعي وابراهيم كمال ، وحلوا ضيوفا عليه في داره، كما حضر جلال بابان الاجتماع الثاني الذي عقده اعضاء الوفد مع علي ال بازركان وناجي شوكت ، للمداولة في توحيد أعمال الحزبين ، كما حرص على حضور الاجتماع الذي عقدته الهيأة الادارية لحزب الحرس في 25 -07- 1919 ، والذي تقرر فيه بالاجماع رفض المقترحات التي تقدم بها وفد حزب العهد.
وحينما اسس علي ال بازركان المدرسة الأهلية ( الثانوية) في بغداد ، لتكون معقل الحركة الوطنية وملتقى العاملين من اجل الاستقلال ، في اواسط ايلول 1919 اختار جلال بابان ليكون واحداً من اعضاء الهيئة الادارية للمدرسة ، وقد تعهد جلال بابان وغيره من اهالي بغداد بمساعدة المدرسة مادياً ومعنوياً. الا ان قوائم المتبرعين خلت من اسمه . واختير ايضا عضوا في الهيأة التدريسية للمدرسة. وفي اليوم الثاني لأفتتاح المدرسة باشر التدريس فيها جلال بابان وعدد من زملائه من دون مقابل . فقد عمل اعضاء حزب الحرس على عقد اجتماعاتهم في المدرسة الأهلية ، فأصبحت بذلك نادياً سياسياً صرفاً ، اذ كان جلال بابان وغيره من اعضاء الحزب ، يجتمعون اسبوعياً عصر يومي الاثنين والخميس للمذاكرة في تنظيم غاية الجمعية ، وهي المطالبة باستقلال العراق. وفي نيسان 1920 وجهت المس بيل دعوة الى عدد من الوطنيين ، كان جلال بابان واحداً منهم لحضور حفلة اقيمت بمناسبة قدوم والدها الى بغداد ، فرفض الوطنيون تلبية الدعوة ووقعوا على ورقة الاعتذار ، وكان جلال بابان من بين الموقعين على هذه الورقة. فقال محمود صبحي الدفتري حينها : أنني ساحتفظ بهذا القلم التاريخي الذي مسكته ايدي الشباب العاملين ووقعوا على ورقة الاعتذار عن الحضور في حفلة الشاي بكل جراءة، فاستدعى ذلك الاعتذار حضور المس بيل الى المدرسة للأستفسار عن عدم اجابة دعوتها. وبعد اندلاع ثورة العشرين في 30 حزيران ، استمر جلال بابان في حضور الأجتماعات التي قرر من حضرها مساعدة الثوار في الفرات الاوسط ، والسعي الى مد الثورة الى مناطق اخرى، فوصلت احداث الثورة الى لواء ديالى. شارك جلال بابان في بعض النشاطات الوطنية ، في مجال المطالبة باصدار فتوى لاتخاذ يوم الجمعة عطلة رسمية بدلاً من يوم الاحد ، كان من ضمن المصاحبين لرئيس حزب حرس الاستقلال علي ال بازركان لمقابلة الشيخ محمد سعيد النقشبندي والسيد حسن الصدر بغرض اصدار الفتوى ، وقد نجحت مساعي الوطنيين في اصدار الفتوى المذكورة ونتيجة لذلك صدرت فتوى دينية في 5-07- 1920 ، موقعة من رجال الدين ، عُدَّ فيها يوم الجمعة عطلة رسمية بدلاً من يوم الاحد ، ونفذت هذه الفتوى في اول جمعة بعد صدورها ، والتي عبرت عن وحدة الشعب وتماسكه ،على اختلاف مذاهبه ،ضد سلطة الاحتلال والانتداب).
وواصل جلال بابان نشاطه مع اعضاء حرس الاستقلال لايقاظ نار الثورة ، حتى القت سلطات الاحتلال القبض عليه في 13-08- 1920 ، ونفي الى جزيرة هنجام ، وارسل مكبلاً بسلسلة واحدة مع جعفر الشبيبي احد رجال الحركة الوطنية. وتمخض عن ذلك حل الحزب ، واغلاق المدرسة الاهلية ، والغاء اجازتها ، مع انها اجيزت مرة اخرى في ايلول 1920 ، ولكن تحت اسم مدرسة التفيض الاهلية ، وبذلك انهت السلطة نشاط اكبر منظمات الوطنيين والمثقفين ، التي تميزت بالمواقف الثابتة لاعضائها في مقاومة الاحتلال البريطاني.
وقد تساءل عبد الرزاق الحسني عن الأسس والدوافع لاعلان الثورة العراقية الكبرى، وحجم المساعدات المقدمة للثوار من الداخل والخارج ، وانعكاسات الثورة على الحياة السياسية. ونتيجة لموضوعية آراء جلال بابان ودقتها في الناحية السياسية لثورة العشرين ، فقد كان من بين من اختارهم الحسني للاجابة عن اسئلته الثلاثة التي تضمنها كتابه ( الثورة العراقية الكبرى ) . واجاب جلال بابان على الاسئلة المذكورة آنفاً ، موكداً ان عدم الوفاء بالعهود من قبل الحلفاء ، ونكولهم في تحقيق اماني العرب ، كانت عاملاً اساسياً في شعور العراقيين بان من واجبهم العودة الى الجهاد والتضحية في سبيل تحرير العراق مهما كلفهم الامر ، كما اكد أن الثورة اعتمدت على امكانيات الثوار الذاتية ، اذ لم تحصل على اية مساعدات من خارج البلاد ، على عكس ما ادعى امين سعيد ، مؤلف كتاب الثورة العربية الكبرى ، الذي ذهب الى القول بان الاحزاب السياسية في العراق في تلك المدة كانت قد اعتمدت في تمويل شؤونها من سوريا ، وهو القول الذي كان قد استدعى رداً من جلال بابان فقال : ان امين سعيد كذب في ادعائه ان الاحزاب السياسية في العراق آنئذ لم تحصل من رجال سوريا ما عدا مبلغ زهيد كان قد اعطي من قبل جميل المدفعي عندما جاء الى العراق وهو (150) باون الى حزب حرس الاستقلال . واكد جلال بابان جازماً بان العراق حصل على احسن ثمن لقاء ثورته الوطنية ، وهو تأسيس كيان العراق السياسي ، وبزوغ الدولة العراقية كدولة بين الامم الحرة. وهو ما يؤكد قول كوتولوف بأن الاتجاهات القومية كانت تسيطر على سياسة الجمعية ، لذلك فانها لم تطرح مسألة الاتحاد مع الحركة الوطنية التحررية الكردية ، ومع ان بعض المثقفين الاكراد قد اشتركوا بصورة مستقلة في الجمعية – مثلاً الضابط الكردي جلال بابان وضباط اخرون – الا انه الحركة الوطنية الكردية ككل لم تكن مرتبطة بهذه الجمعية ، بل تطورت بصورة مستقلة . مما تقدم يمكن القول بان الدور الذي لعبه جلال بابان في جمعية حرس الاستقلال كان دوراً مميزاً ، ولم يمثل باشتراكه في هذه الجمعية الا كونه عراقي ، اذ لم يكن يمثل المشاركة الكردية في هذه الثورة ، بل مثل المشاركة العراقية مع اعتزازه بكرديته روحياً ، وهذا ما يؤكد قول كوتولوف المذكور آنفاً .[1]