العرافة والتنجيم فصل من كتاب “الديانة البابلية والآشورية” تأليف: صموئيل هنري هوك ترجمة: ياسر شوحان
ياسر الشوحان
في ملاحظة من سفر أشعيا توقع لسقوط بابل، حيث يناجي الشاعر المدينة المنكوبة بهذه الكلمات “دعونا الآن من المنجمين، ومراقبي النجوم، والحركة الشهرية، انهضوا وأنقذوا أنفسكم من الأشياء التي ستقع عليكم” (أشعيا، السابع والأربعون، 13) وتعني كلمة “المنجمين” في العبرية “مقدرات السماوات” في حين أن “الحركة الشهرية” تشير إلى تحديد أيام وشهور حسن الحظ وسوئه. ولكن بحلول فترة أشعيا يتضح أن التنجيم البابلي أصلاً قديم جداً، وربما أقدم من جميع الأساليب الخاصة بالتحقق من إرادة الآلهة. ووفقاً للاعتقاد البابلي، فقد كانت الأشياء التي حدثت في السماء شبيهة النمط بالأحداث الأرضية، كما تحدد حركات الأجرام السماوية مصائر البشرية، ولقد رأينا في ترتيب الكون الذي أعقب غزو تيامات (1)، وكل واحد من كبار الآلهة آنو (2)، إنليل، إيا تم تعيين جزء له من السماوات، وضمنها “طرق الآلهة” كما كانت تسمى، وكانت الكواكب محطاتهم المخصصة. وجميع الكواكب والنجوم معروفة كما هي للبابليين والآشوريين تحمل أسماء ودرجات للآلهة الكبار أو الآلهة الأقل درجة، مع أماكنهم في الأساطير والعبادة. شماش للشمس، وحدد كإله للطقس، حيث كانوا الرعاة الاختصاصيين للجانب الفلكي من العرافة، على الرغم من تعدد الآلهة الأخرى مثل نانار (3) Nannar، أو سن إله القمر ، وعشتار، ديلبات (4) Dilbat أو فينوس Venus الذين لعبوا دوراً هاماً في ملاحظة وحسابات مراقبي النجوم.
أقدم مجموعة من ملاحظة القبة السماوية ودلالاتها كطوالع، وربما تكون هي الدليل الأقدم من علم التنجيم المعروف ب “عندما آنو وإنليل..” والذي يُعتقد أنه يعود إلى العصر السومري، ويظهر العصر القديم من خلال إشارته إلى أربعة أقسام للعالم القديم، حيث أراضي أكاد وعيلام، سوبارتو، آمورو. وهي التقسيم الذي لم يُعثر عليه في فترات لاحقة، كما ذكر من قبل الملوك الأوائل مثل ريموش وإيبي سن، والتي تعود إلى منتصف الألف الثالث قبل الميلاد، ونجد أنه مذكور في وقت لاحق عند الحثيين والأخلامو احتمال أن هذه المجموعة كبرت على مر القرون من خلال إضافة ملاحظات الأجيال المتعاقبة من المنجمين.
ولا شك أن الزقورات كانت بمثابة المراصد، بل حتى في المعابد كانت هناك أيضاً غرفة خاصة للمنجمين وهي معروفة باسم بيت تاماراتي bit tamarti “بيت المراقبة” حيث شاهدوا منها القمر، ولدينا تدوين يقول: “في اليوم التاسع والعشرين بقينا نراقب في بيت المراقبة: كان غائماً، ونحن لا نرى القمر” (5). وبطبيعة الحال فقد أدى الاهتمام في حركات الأجرام السماوية إلى التقويم، ووضع الملاحظات الدقيقة والحسابات التي قام بها المنجمين البابليين، والتي وضعت الأساس لعلم الفلك، لكن اهتمامنا يتركز على الجانب الديني للموضوع واستخدام العرّافين له في معرفتهم للسماوات.
من المحتمل أن القمر أول الأجرام السماوية الذي أصبح موضوع المراقبة. فهو أقرب إلى الأرض، ومكنته التغييرات المنتظمة والمدهشة على حد سواء التي تطرأ عليه من الاعتراف بأهميته لأغراض العرافة في وقت مبكر جداً. إذ لا يمكن تحديد مراحل القمر بدقة رياضية، إذ شكّلت أوقات زواله وظهوره مراقبة دقيقة وكبيرة، وكان لهذه الاختلافات دلالات تُنذر بالسوء. ولدينا تدوين باكر يتعلق بشؤم ظهور القمر في الشهر الكبيس: “عندما يكون القمر في اليوم السابع والعشرين من الشهر واضحاً كما في اليوم الأول من ظهوره، فإنه يدل على سوء حظ لعيلام. عندما يكون القمر واضحاً في اليوم الثامن والعشرين كما في اليوم الأول من ظهوره فهذا يدل على سوء حظ لآمورو” (6). والجدير بالذكر أنها إشارة إلى سوء طالع الجوتيين وأكاد على التوالي عندما حدثت الظاهرة نفسها في التاسع والعشرين أو في اليوم الثلاثين من الشهر ذاته. ليكون شاهداً آخر في الأحداث السماوية مع ظهور الشمس والقمر معاً في السماء. وقد يحدث هذا في أي يوم من الأيام التي تقع بين الثاني عشر والعشرين من الشهر، ويختلف الطالع حسب ذلك اليوم الذي وقع فيه. وفيما يلي بعض الطوالع المُستقاة من هذا الحدث:
“إذا رأيت الشمس والقمر معاً في اليوم الثاني عشر. فإن ذلك يدل على نهاية السلالة، وهلاك الرجال، وقطع رأس السارق، وإذا شوهد القمر والشمس معاً في اليوم الثالث عشر، فإنهما يدلان على الاضطرابات، ولن تزدهر التجارة أو التبادل التجاري في الأرض، وقدم العدو ستكون في الأرض ثابتة، وسوف يستولي العدو على كل شيء في الأرض. وإذا شوهد القمر والشمس معاً في اليوم الرابع عشر، فهذا يدل على الازدهار، وقلب الأرض سيُبشر بالخير. وسوف تفكر آلهة أكاد بالصلاح، وسوف يفرح الرجال، وسوف تستلقي مواشي أكاد في الحقول بسلام” (7) وتستمر القائمة بسرد الطوالع للأيام المتبقية حتى اليوم العشرين.
من بين أحداث سوء الطالع خسوف القمر بشكل خاص، وقد يكون سبباً في نشأة الأسطورة الخاصة به، وهذا رأي السيد جاد في ذلك: “عيّن إنليل (8) سن وشماش وعشتار أدلاء لهدي السماوات، ولكن (الشياطين) السبعة سيطروا على إله القمر وحاصروه وهكذا صار الخسوف الذي أحدث ذعراً وسط الآلهة، شاهد إنليل ضائقة سن فأرسل رسوله نوسكو (9) من أجل نقل الأخبار المتعلقة بإيا (10) الذي نعرفه بسيد التعاويذ. عندما سمع إيا هذا ملأ المحيط بالعويل وشق شفته، هذا المشهد التقليدي يرد فيه الكثير من الطلاسم. فيرسل إيا ابنه مردوخ لرؤية الشر الذي حدث أو وصفاً لمعاناة الرجل، عاد مردوخ بتقرير طالباً مشورة والده بعد تكرار الصيغة المهذبة، مما يدل على أن مردوخ يمتلك بالفعل كل المعرفة بتفاصيل الوسائل السحرية التي سوف تستخدم للعلاج من سوء التصرف. وهناك المُكون المنتظم في الطلاسم وهو التعرف على الكاهن مع إيا، بحيث أن أقواله وأفعاله تصبح رمزية من الإله نفسه” (11). من الواضح أن التعاويذ والطقوس المرافقة للأسطورة تعد جزءاً كبيراً منها، حيث قامت السلطة بالإفراج عن إله القمر السبب في الخسوف. وبطبيعة الحال فإن خسوف القمر وبالإضافة إلى كونه ذو أهمية كبيرة كمصدر للطوالع كان أيضاً مناسباً للطقوس الخاصة التي تهدف إلى تُجنِّب المدينة أو الدولة أية شرور قد يُهدد بها الخسوف. وفيما يلي بعض المقتطفات من وحي الطقوس المتصلة بخسوف القمر: “في يوم خسوف القمر يقوم كهنة بيوت الآلهة تيرانا Tiranna بوضع غاراكو garakku (مذبح) على بوابة بيت آلهتهم. وعند تلاشي الضوء عليهم أن يبكوا بصوتٍ عالٍ على وقوع الكارثة، فالخسوف يجلب القتل والتمرد، والقصر ليس قريباً من أوروك، وأيضاً ضريح إيانا (12) Eanna وبيوت آلهة تيرانا كذلك. ولأن الخسوف يثير العويل يجب أن يصرخوا، وينبغي أن يبكوا بصوتٍ عالٍ حتى يزول الخسوف” (13). وكان جلب الآلات الموسيقية من المعابد أحد عناصر طقوس الخسوف: “في يوم خسوف القمر، عليهم أن يجلبوا من المنزل خلخلاتو ḫalḫallatu النحاسي (نوع شبيه بالبوق أو الفلوت)، والإيرشيمّا ershemma النحاسية (ربما القيثارة المقدسة) ، وليليسّو lilissu النحاسي (الطبل المُقدّس) (14) ، أخيراً فإن هذه المقدسات ذات شكل غريب، وفي الحقيقة فإن القمر اعتُبر كإله وظهوره بشكل واضح يعني طمأنة الناس في وقت الخسوف أو الظلام غير الطبيعي.
بالعودة إلى خسوف القمر كنذير شؤم نجد أن الطوالع تختلف وفقاً للشهر وساعات الليل عندما يقع الخسوف. وبالتالي : “إذا حدث الخسوف في نيسان في الساعة الأولى، سيكون هناك دمار، والأخ سيذبح أخيه، وإذا حدث ذلك في أيار، فسوف يموت الملك، ولن ينجح ابن الملك بالحصول على عرش والده، وإذا حدث ذلك في تموز ، فسوف تزدهر الزراعة، وإذا حدث في آب فسيرسل حدد الفيضانات إلى الأرض” (15) وهكذا دواليك. تُشعر العديد من المراسلات الملوك الآشوريين بالقلق من التقارير الواردة من المنجمين الملكيين بشأن الخسوف وغيره من جوانب ظهور القمر والطوالع الناجمة عنه.
لم يكن القمر هو المصدر الوحيد للطوالع، على الرغم من أن الشمس لم تكن بذات أهمية القمر، ومع ذلك فقد كان يُراقب بدقة، فالخسوف ولونه في وقت اتساقه أو أفوله كان مناسباً للطوالع، ويعتبر كسوف الشمس بشكل كامل فأل شر. كما تُعد الكواكب الأخرى ذات أهمية أيضاً للعرافة، وخصوصاً كوكب الزهرة الذي كان يُطلق عليه في البابلية اسم ديلبات Dilbat ، حيث تمت مراقبة شروق وغروب هذا الكوكب بعناية، والتي أسفرت عن العديد من الطوالع كما يلي: ” عندما يختفي كوكب الزهرة في الثاني عشر من شباط عند شروق الشمس فهذا يعني أن الزراعة ستكون مزدهرة ” (16)، كان المشتري أو نيبيرو Nibiru كوكب مردوخ، مصدراً للبشائر الإيجابية، وكذلك زحل، كما كانت النجوم الثابتة والمذنبات والشهب أيضاً مصدراً للبشائر. ولدينا نصاً من الفترة البابلية المتأخرة يظهر فيه تأثير النجوم المحددة على كل حالة في الحياة اليومية. ومن هنا نشأ الاعتقاد الراسخ لدى عامة الناس في تأثير النجوم والأجرام السماوية على ميلاد ومستقبل الشخص، واستمرت ممارسة اللجوء إلى العرّافين لقراءة الطالع فيما بعد وهي الممارسة التي تنتشر في جميع أنحاء الغرب حتى يومنا هذا.
أخيراً نصل إلى بشائر الطقس والذي كان يعتقد بشكل عام أنه تحت سيطرة حدد. وتتوقف أهمية الرعد على الشهر الذي يُسمع به صوته “عندما يطلق أدد صوته يُسمع في نيسان، ستتوقف سيادة العدو، وعندما يحدث ذلك في تموز، فسوف تزدهر الزراعة، وعندما يحدث ذلك في آذار، ستثور الأرض على الملك، عندما تكون الرعود مثل كلب كبير فسيظهر الأُمّانماندا ummanmanda (أي) السكثيين (17)، الذين لا منافس لهم وعندما تكون الرعود مثل صوت الأسد، فسيسقط الملك”(18) وهلم جرا . وتكمن أهمية البرق في جهة السماء المنظور إليها: “عندما يكون البرق في الليل بالجنوب، فسوف يسبب أدد الفيضانات، وعندما يكون البرق في الليل بالشمال فسوف يسبب أدد الفيضانات للجوتيين” (19) وهكذا لكل ربع من أرباع البوصلة، كما كان يسقط المطر وفقاً لأهمية اليوم من الشهر الذي سقط فيه، بينما كانت الزلازل تجلب الكارثة، ويعتبر قوس قزح فأل خير للمدينة وللملك والنبلاء.
=KTML_Bold=الهوامش والمصادر=KTML_End=
تيامات: هي إلهة المحيط في ديانات حضارات ما بين النهرين، والتي تزوجت من الإله أبزو إله المياه العذبة ترمز تيامات لفوضى الخلق البدائية وتُصوّر بهيئة تمثل الأنوثة والجمال (المترجم).
آنو هو إله السماء في حضارة بلاد ما بين النهرين، وهو من حيث الأهمية يقع في المرتبة الأولى عند السومريين والبابليين، وقد سُمي بأبي الآلهة، وكان يُعتقد أن مقره في السماء العليا، وكان يُرمز له بنجمة ذات ثمانية رؤوس والتي تُشير غلى جهات الكون الجغرافية (المترجم).
نانار: إله القمر في بلا بابل وآشور، كذلك عُرف باسم أو سن أو سين نانار أو نانا وتعني المنير.عُبد الإله سن في كل المدن الكبر لممالك بابل وآشور (المترجم).
ديلبات هو كوكب الزهرة وإلهة، وايضاً أُطلقت التسمية نفسها على تل الديلم الواقع على بعد 22 كم إلى الجنوب من مدينة الحلة (المترجم).
Dhorme, les Religions de Babylonie et d’Assyrie, p.285.
Missner, op.cit., vol II, 248.
Missner, cit., vol II, p.248 – 249.
إنليل أو إيليل، إله الريح والهواء والأرض والعواصف وسيد كل الآلهة، صور السومريون إنليل إله الخير، وهو الإله الأب الذي يراقب الناس ويعتني بهم، تُعد مدينة نيبور مدينته المقدسة (المترجم).
إله النار والليل، وهو ابن ووزير الإله إنليل، ويُرمز له بالمصباح الزيتي أو الشعلة المُحترقة (المترجم).
أيا أو إيا أو آيا: إلهة الماء العذب أو إلهة المياه عند السومريين والبابليين. هي زوجة إله الشمس (شمش) في الأساطير البابلية والآشورية، يعني اسمها بيت الماء، ويُطلق عليها اسم إنكي، وتُسمى أحياناً ماكاتو makkatu أي السيدة الخليلة الملكة. وربما كانت أيا في الأصل إلهاً محلياً للشمس. ثم تغيّر جنسه إلى أنثى عندما أصبح شمش (إله الشمس) أكثر تعظيماً منه. وإثر ذلك اصبح إلهاً محلياً اقل مكانة منه فحوّل إلى أنثى وزُوّج إلى شمش. للاستزادة Jordan، Michael (2002). Encyclopedia of Gods. Kyle Cathie Limited (المترجم).
هوك ، الأسطورة والطقوس ، ص 65 .
إيّانا Eanna سيدة السماء، وربما سُميت به لسكنها في (بيت السماء) كما ورد في أحد النصوص (إنانا والسماء الكبيرة)، ومن صفاتها صقر الآلهة وملكة السماء وسيدة القصر “نينجالا”، كانت أوروك مدينتها المقدسة ومعبدها فيها والُهرة كوكبها، ولها تجسدات عديدة أبرزها إلهة الحب والحرب (المترجم).
طقوس الاحتفال في الخسوف R.4 ، رقم 6 .
Meissner, cit., vol II, p.249.
Meissner, op.cit., vol II, 249.
Meissner, cit., vol II, p.254.
السكثيين: قبائل بدوية متنقلة تنحدر من أصول إيرانية بلغت قوتهم ذروتها في القرن الثامن ق.م، ثم تصدت قوة جيوش السكثيين للملك الفارسي داريوس الأول عام 513 ق.م، ومن الملفت أن لفظ السكثيين كان يُطلق على قبائل عديدة امتدت من شمال تركيا إلى أقصى شرق روسيا، وبلغت شمال الصن. ولعل هذا الاستعمال الاصطلاحي للكلمة جعلها تشمل أيضاً اجداد ما يُعرف حالياً بالهون والترك والتتار والمغول، ولكل من هذه القبائل خرجت غارات مُدمرة اشهرها جنكيز خان وتدمير الخلافة العباسية (المترجم).
Meissner, cit., vol II, p.258.
Meissner, cit., vol II, p.249. ..[1]