صنعاء نيوز/ الدكتور عادل عامر
وما هو الدور المنوط بتركيا في منطقة الشرق الاوسط. كل من يقوم بزعزعة هذه الجمهورية الصغرى –تركيا-التي حددت مكانتها ودورها ووظيفتها في الشرق الاوسط، ورسمت ملامح مضمونها بناءً على المعاداة الصارمة للإسلام والكرد والشيوعية، وكل من تسول له نفسه لتحريفها عن مجراها، سوف يعتبر عدواً لدوداً. لن يدخر أي جهد لإبادته والقضاء عليه. “عبد الله اوجلان”
مؤتمر السلام في باريس:
حاول الكرد من خلال هذا المؤتمر تحقيق امالهم القومية بالاستقلال عن الدولة العثمانية معتمدين على وعود بريطانيا ومبادئ الرئيس الأمريكي وودرو ولسون (ضمان سيادة الأجزاء التركية وإعطاء الشعوب الأخرى غير التركية التي تخضع لها حق تقرير المصير، وحرية المرور في المضائق لجميع السفن بضمان دولي). وقد شارك الكرد في المؤتمر بوفد غير رسمي برئاسة الجنرال شريف باشا الذي انتخب لرئاسة الوفد الكردي من قبل (جمعية تعالي وترقي كردستان، حزب استقلال الكرد، الجمعية الكردية والحزب الديمقراطي الكردي) لتمثيل الكرد في المؤتمر، وقد ضم الوفد كلا من (فخري عادل بك، عادل بك المارديني، صالح بك حسني مدير شؤون شريف باشا، غالب علي بك سكرتير شريف باشا)،
وحاول الشيخ محمود الحفيد إرسال وفد خاص إلى باريس للالتحاق بشريف باشا، إلا أن الإنكليز حالوا دون وصوله. فتركيا من جانب وبريطانيا وفرنسا من جانب اخر لم ترتاح لوجود وفد كردي مستقل يمثل الكرد في المؤتمر لأنها ارادت الانفراد بحل المسألة الكردية وفق مصالحها الخاصة. قام شريف باشا (وهو محمد شريف بن سعيد باشا بن حسين باشا الخندان، من عائلة بابان الكردية المشهورة التي تسلمت الكثير من الوظائف العليا في الدولة العثمانية، فكان والده وزيرا للخارجية ثم رئيسا لمجلس شورى الدولة. عين عام 1898 وزيرا مفوضا للدولة العثمانية في ستوكهولم وظل في منصبه حتى اعلان الدستور العثماني 1908،
عاد إلى تركيا وانخرط في صفوف الحركة الكردية وساهم في تأسيس جمعية تعالي وترقي كردستان مع أمين عالي بدرخان) بالاتصال بممثلي أغلب الدول المشاركة في المؤتمر (27 دولة),
لشرح القضية الكردية, وبشكل خاص ممثل بريطانيا, وعرض عليه وضع كردستان تحت الانتداب البريطاني. ونسق الجهود مع الوفد الأرمني الذي شارك في المؤتمر بوفدين أحدهما برئاسة اواديس اوهانيسيان رئيس وفد الجمهورية الأرمنية، والثاني برئاسة الوزير بوغوص نوبار باشا الوزير المصري السابق الذي كان يمثل المقاطعات الأرمنية في الأراضي التركية,
وقد جرى الحديث لأول مرة عن كردستان والقضية الكردية في المؤتمر في 29-01- 1919 من قبل ممثل الوفد البريطاني الذي دعا إلى فصل ( أرمينيا وسوريا وميزوبوتاميا وكردستان وفلسطين وشبه الجزيرة العربية عن الامبراطورية التركية فصلاً تاما)، ودعت بريطانيا إلى إعادة تقسيم كردستان بإعطاء أجزائها الجنوبية لبريطانيا، والجنوبية الغربية لفرنسا، والغربية والشمالية للولايات المتحدة الأمريكية، وإبقاء كردستان الشرقية على شكل مقاطعة في إيران.
مواقف الدول من الكرد
موقف بريطانيا: كانت بريطانيا من أكثر الدول اهتماما بكردستان، بسبب موقعها الهام في قلب الشرق الأوسط، التي تسعى بريطانيا للسيطرة عليه برمته. ولقربها من منطقة الخليج ومنابع النفط العربية والإيرانية. وازداد اهتمامها بها بعد اكتشاف النفط فيها وبكميات كبيرة.
موقف فرنسا: اهتمت فرنسا بكردستان لأن السياسة الفرنسية كانت ترتكز على السيطرة الاقتصادية والمالية على الدولة العثمانية، وبسط سيطرتها على شرق المتوسط، خاصة (سوريا ولبنان). وكان النفوذ الفرنسي واضحا في كردستان من خلال البعثات التبشيرية والمدارس الفرنسية والمشاريع الاقتصادية
موقف الولايات المتحدة: رفعت الولايات المتحدة شعار حق الشعوب في تقرير مصيرها، خاصة في الامبراطورية العثمانية، ودعت إلى إنشاء عصبة الأمم. ورفضت العرض البريطاني الفرنسي بالانتداب على أرمينيا وجزء من كردستان إلا أن هزيمة الحزب الديمقراطي وانتهاء فترة رئاسة ولسون . دفعتها للانسحاب من المؤتمر.
موقف الدولة العثمانية والمملكة الايرانية: الدولة العثمانية التي استسلمت بموجب هدنة مودرس 1918 حاول وفدها برئاسة الداماد فريد باشا، وكذلك الوفد الإيراني منع مناقشة القضية الكردية، وحتى مشاركة شريف باشا والوفد الكردي في هذا المؤتمر.
ولتفويت الفرصة على الوفد التركي نسق شريف باشا الجهود مع الوفد الأرمني برئاسة الوزير بوغوص نوبار باشا الذي كان يمثل المقاطعات الأرمنية في الأراضي التركية، واصدرا بيانا مشتركا، جاء فيه :
(…إننا بالاتفاق التام معا نناشد مؤتمر السلام منحنا السلطة الشرعية وفق مبادئ القوميات، لكل من أرمينيا المتحدة والمستقلة, وكردستان المستقلة، بمساعدة إحدى الدول الكبرى، ونؤكد اتفاقنا التام باحترام الحقوق المشروعة للأقليات في كلا الدولتين).
وردا على تقسم كردستان أرسل شريف باشا رئيس الوفد الكردي في المؤتمر رسالة إلى رئيس الوزراء الفرنسي جورج كليمنصو بوصفه رئيساً للمؤتمر، طالب فيها باستقلال كردستان وعرض وجهة النظر الكردية على (المجلس الأعلى للمؤتمر) من خلال مذكرتين:
الأولى باللغة الفرنسية في 22 -03- 1919 وهي تحمل توقيع الجنرال شريف باشا، وقد طبعت على شكل كراس خاص يقع في 14 صفحة, وتضمنت (المطالبة بتأسيس دولة كردية مستقلة وفق مبادئ ولسون في حق الشعوب بتقرير مصيرها), وفيها ايضا معلومات عن الكرد ومناطق سكناهم ووضعهم وكفاحهم ومطالبهم. كذلك علاقتهم مع الأرمن. مرفقة بخارطة لكردستان ضمت كردستان تركيا، و جزء كبيرا من #ولاية الموصل# .
وقدم المذكرة الثانية في 1-03- 1920، شدد خلالها على ضرورة فصل الأراضي الكردية عن الدولة العثمانية، وتأسيس دولة كردية مستقلة على غرار الدولة الأرمنية. بحدود على بحر قزوين والبحر المتوسط، لتصدير الثروات الكردستانية إلى الخارج، ودعا فيها إلى تشكيل لجنة دولية تشرف على ضم الأراضي التي يؤلف الأكراد فيها الأكثرية إلى الدولة الكردية المستقلة.
وفي 21-01- 1920 انتهى المؤتمر واعلن عن خمس معاهدات سلام رئيسية مع افتتاح الجمعية العامة لعصبة الأمم, والمعاهدات هي:
معاهدة فرساي 28 -06- 1919 مع ألمانيا.
معاهدة سان جيرمان 10-09- 1919 مع النمسا.
معاهدة نويي 27 -11- 1919مع بلغاريا.
معاهدة تريانون 4 -06- 1920 مع المجر.
معاهدة سيفر 10-08- 1920 مع الدولة العثمانية؛ واستبدلت لاحقاً بمعاهدة لوزان 24 يوليو/تموز 1923مع الجمهورية التركية.
معاهدة سيفر:
في 0ا -08-1920 قبلت تركيا العثمانية عقب الحرب العالمية الأولى بمعاهدة سيفر بين السلطنة العثمانية وقوات الحلفاء, ولم تكن روسيا من المشاركين فيها لأنها تفاوضت على معاهدة بريست ليتوفسك مع السلطنة العثمانية عام 1918، وفي تلك المعاهدة وبناء على اصرار طلعت باشا “الصدر الأعظم”, استعادت السلطنة العثمانية الأراضي التي كانت روسيا استولت عليها في الحرب الروسية التركية خلال عام 1877-1878، وتحديدا في (أردخان ، قارس و باتومي).
معاهدة سيفر التي تتألف من 13 بابا و433 بندا، وأعدتها خمس لجان خاصة تفرعت من مؤتمر الصلح في باريس لم تطبق بشكل فعلي على ارض الواقع, فقد رفضت حكومة أتاتورك قبول هذه المعاهدة وعملت على إخراج اليونانيين من آسيا الصغرى, وأصرت على تسوية جديدة تحققت لها بالفعل في معاهدة لوزان عام 1923 التي تجاهلت ما أقرته معاهدة سيفر من حقوق للكرد. وقد نصت معاهدة سيفر على:
منح تراقيا (تراقيا؛ هي منطقة تاريخية وجغرافية في جنوب شرق البلقان بشرق أوروبا، وتتقاسمها بلغاريا، اليونان، وتركيا الأوروبية. تجاور تراقيا ثلاثة بحار: البحر الأسود، بحر إيجة وبحر مرمرة), والجزر التركية الواقعة في بحر إيجه لليونان.
الاعتراف بكل من سوريا والعراق كمناطق خاضعة للانتداب.
الاعتراف باستقلال شبه الجزيرة العربية.
الاعتراف باستقلال أرمينيا.
اعتبار مضائق البوسفور والدردنيل مناطق مجردة من السلاح وتحت إدارة عصبة الأمم.
وتحصل كردستان على الاستقلال حسب البنود 62 و63 و64.
نص المواد التي اشارت الى قيام دولة كردية:
المادة 62: على اللجنة التي مقرها في إسطنبول والمؤلفة من ثلاثة أعضاء تعينهم الحكومات البريطانية والفرنسية والإيطالية إعداد لائحة خلال فترة ستة أشهر من تاريخ سريان هذه المعاهدة ووضعها موضع التنفيذ لنظام حكم محلي للمناطق التي تسكنها غالبية كردية والواقعة شرق الفرات وجنوب الحدود الجنوبية لأرمينيا والتي سيتم تحديدها فيما بعد,
وشمال حدود تركيا مع سوريا والعراق كما حددتها المادة /27/ الفصل الثاني /2/ و/3/ وإذا لم يتم التوصل إلى الاتفاق بالإجماع على أي موضوع، فعلى أعضاء اللجنة إحالة الموضوع إلى حكوماتهم المختصة.
وأن يتضمن النظام (الخاص بالحكم المحلي) ضوابط لحماية الأثوريين – الكلدان والأقليات العرقية أو الدينية الأخرى في تلك المناطق، ولهذا الغرض يتوجب قيام لجنة تضم ممثلين من البريطانيين والفرنسيين والإيطاليين والفرس والكرد بزيارة المناطق لتدرس وتقرر التعديلات الواجب إجراؤها إذا وجدت على الحدود التركية والمتداخلة مع الحدود الفارسية استناداً إلى نصوص هذه المعاهدة.
المادة 63: توافق الحكومة التركية على تنفيذ وقبول قرارات كلتا اللجنتين المذكورتين في المادة /62/ خلال فترة ثلاثة أشهر من إرسالها إلى الحكومة المذكورة.
المادة 64: إذا ما قام الشعب الكردي في المناطق المحدودة في المادة /62/ خلال فترة سنة من دخول هذه المعاهدة حيز التنفيذ بالاتصال ومفاتحة مجلس عصبة الأمم بطريقة تظهر أن غالبية سكان هذه المناطق ترغب بالاستقلال عن تركيا وإذا ما قرر المجلس أن هؤلاء الناس قادرون على مثل هذه الاستقلال؛ يوصي بمنحه لهم عندئذ، وتوافق تركيا على تنفيذ هذه التوصية والتخلي عن كل الحقوق والتسميات،
وأن تفاصيل هذه التخلي من البنود سيكون موضع اتفاقية منفصلة بين قوى الحلفاء الرئيسية وتركيا وإذا ما صدر مثل هذا التخلي وتم فعلاً فسوف لا يكون هناك أي اعتراض من قبل قوى الحلفاء الرئيسية للالتزام بمثل هذه الدولة الكردية المستقلة للكرد الساكنين في ذلك الجزء من كردستان التي كانت داخلة لحد الآن ضمن ولاية الموصل.
ان معاهدة سيفر تعد وثيقة مميزة في تاريخ القضية الكردية، حيث نصت على تحقيق حل للمشكلة الكردية في بعض اجزاء كردستان؛ من خلال مراحل تصل الى الاستقلال. ويعد هذا أول اعتراف رسمي دولي بحقوق الشعب الكردي.
الالتفاف على معاهدة سيفر:
لم ترق المعاهدة للأتراك وقاموا بالالتفاف عليها, فقد وصفها كمال أتاتورك بأنها بمثابة حكم الإعدام على تركيا، وقاد حربا ضد الحلفاء سميت بحرب التحرير. خلال معارك التحرير وتحديدا في ربيع عام 1920 أسس مصطفى كمال المجلس الوطني الكبير في أنقرة من ممثلي القوى الشعبية المشاركة في حرب التحرير ليتحول إلى حكومة موازية لسلطة الخليفة العثماني في إسطنبول، وفي عام 1921 أصدر المجلس المذكور القانون الأساسي الذي تزامن صدوره مع إعلان النصر وتحرير الأراضي التركية في صيف عام 1922
وأعلن فيه مصطفى كمال إلغاء السلطنة. في يوليو/تموز عام 1923 وقعت حكومة مصطفى كمال معاهدة لوزان التي كرست قيادته لتركيا باعتراف دولي، فأعلن في 29 أكتوبر/تشرين الأول من نفس العام ولادة الجمهورية التركية وألغى الخلافة، وأعلن رئيسا وجعل أنقرة عاصمة للدولة الجديدة بدلا من إسطنبول. كما تراجع الغرب عن وعوده للكرد في معاهدة سيفر وتناسوهم في معاهدة لوزان التي جاءت لصالح ما أرادته تركيا الكمالية.
السبب وراء ذلك يعود الى خوف الدول الأوروبية وبالأخص بريطانيا من استغلال الشيوعيين في الاتحاد السوفييتي الصراع لصالح نفوذهم في المنطقة. لذلك قرر الحلفاء بريطانيا وفرنسا وإيطاليا في 25 يناير عام 1921 توجيه الدعوة إلى وفد حكومة أنقرة لحضور المؤتمر القادم، الأمر الذي دلّ على اعتراف الحلفاء بالواقع الجديد في تركيا.
مؤتمر لندن: عقد مؤتمر بلندن في 26 فبراير 1921 بين الحلفاء وتركيا لبحث المشاكل العالقة، ومن ضمنها المشكلة الكردية، حيث اعتزم الحلفاء إعطاء تنازلات مهمة في هذه القضية لكن الحكومة التركية أصرت على أن المسألة داخلية يمكن حلها داخلياً، لا سيما وأن الكرد لهم الرغبة في العيش مع إخوانهم الأتراك حسب ما زعمت آنذاك، وألمحت دول الحلفاء إلى أنها تعتزم تقديم تنازلات أمام تركيا وإعادة مناقشة مستقبل كردستان وأرمينيا. وعندما وجدت بريطانيا أن حكومة انقرة ثابتة على موقفها ألمحت إلى أنها على الاستعداد لتعديل معاهدة سيفر دون المساس بجوهرها العام. وتخلت بريطانيا عن الاستقلال والدولة الكردية وطلبت من الحكومة التركية منح الاستقلال الذاتي للولايات التي يعيش فيها غالبية كردية، وتحديد حدودها بدقة.
فرد وزير الخارجية التركية بكر سامي بأن الاستقلال الذاتي لن يمنح للأكراد وحدهم، بل بوجه عام لجميع الولايات، وسيتم تطبيق لا مركزية واسعة. وبعد أن ضمنت بريطانيا سيطرتها على “ولاية الموصل” تحسنت العلاقات البريطانية – التركية، فأعلن وزير الخارجية التركية “أن ميزوبوتاميا ثمن بخس مقابل الصداقة البريطانية”.
تخلت بريطانيا في هذا المؤتمر عن كردستان لأنقرة عدا جنوب كردستان التي تقع ضمن ولاية الموصل. وعلى هامش المؤتمر وقعت فرنسا مع حكومة أنقرة اتفاقية عسكرية، سياسية، اقتصادية عززت من خلالها مصالحها في تركيا، وقامت بتعديل حدود الانتداب الفرنسي على سوريا 1921.
معاهدة لوزان الثانية:
معاهدة لوزان الثانية؛ وصفت بالثانية تمييزا لها عن اتفاقية لوزان الأولى (معاهدة أوشي) الموقعة في 18 أكتوبر عام 1912 بين إيطاليا والدولة العثمانية، والقاضية بانسحاب الأخيرة من ليبيا لصالح إيطاليا).
كان هدف المؤتمر التفاوض على معاهدة جديدة مع تركيا التي رفضت الاعتراف بمعاهدة سيفر. وبعد مفاوضات طويلة تم تسوية الخلافات بين بريطانيا، فرنسا وتركيا، وقد تراس الوفد التركي عصمت إينونو بمشاركة حاخام يهودي، ومنذ افتتاح الجلسة الأولى للمؤتمر لوحت بريطانيا وفرنسا إلى أنها مستعدة للتنازل والوصول إلى حلول وسط. ورضخت للشرط التركي برفض مشاركة أي وفد كردي في المؤتمر، ومنع مناقشة القضية الكردية في كردستان تركيا بشكل خاص، وكانت بريطانيا وفرنسا على استعداد للتنازل عن بعض امتيازاتهما في تركيا، خوفا من ارتمائها في أحضان الاتحاد السوفييتي، الذي بات يشكل خطرا على مصالحهما في المنطقة. لذلك وافقت على الشروط التركية،
وبذلك تعززت مواقع تركيا في المنطقة وعلى الساحة الدولية، وتغيرت موازين القوى لصالح حكومة أنقرة التي انفردت بالحكم في تركيا، بإلغاء السلطنة، ونقل العاصمة من اسطنبول إلى أنقرة، وإلغاء الخلافة وإعلان النظام الجمهوري في 1923. وبذلك ظهرت تركيا كدولة فتية قوية لأول مرة بعد قرنين، وعقدت مباحثات المعاهدة على فترتين: استمرت الأولى نحو ثلاثة أشهر بين نهاية العام 1922 وبداية العام 1923، والفترة الثانية استمرت ما بين ربيع وصيف عام 1923.
نصت معاهدة لوزان الثانية على نقاط من بينها:
– إلغاء الخلافة ومصادرة أموال الخليفة.
– نفي الخليفة وأسرته إلى خارج تركيا.
– اعلان علمانية الدولة التركية.
– منع تركيا من التنقيب عن النفط.
– جعل مضيق البوسفور الرابط بين البحر الأسود وبحر مرمرة مرورا إلى البحر الأبيض المتوسط ممرا دوليا لا يحق لتركيا تحصيل الرسوم من السفن والبواخر التي تعبره.
كما نصت على أن تتعهد أنقرة بمنح معظم سكان تركيا الحماية التامة والكاملة، ومنح الحريات دون تمييز، من غير أن ترد أية إشارة للكرد فيها، كما لم تجر الإشارة إلى معاهدة سيفر، واعتبر الكرد هذه المعاهدة ضربة محطمة لآمالهم بالاستقلال،
كما انها كانت بمثابة تامر بريطاني ضد الحقوق الكردية التي تخلت عن الكرد مقابل الحاق ولاية الموصل بالعراق. بذلك قسم الكرد بين اربعة كيانات انشات بعيد الحرب العالمية الاولى ولازالت القضية الكردية مستمرة الى الان.
وعندما تأكد للكرد أن حكومة كمال اتاتورك لا تعترف بهذه المعاهدة، وترفض منح الكرد اي حق من حقوقهم (حتى الحكم الذاتي) تحرك الزعماء الكرد. وقام خالد بك جبري بالتعاون مع عبد القادر النهري وعبد الرحمن حكاري ويوسف زيا بنشاط واسع والعمل من أجل تطبيق ما جاء في معاهدة سيفر على أرض الواقع. وأرسلت جمعية انبعاث كردستان عدة مذكرات لعصبة الأمم لتنفيذ ما ورد في معاهدة سيفر.
وتم ارسال برقية إلى مجلس الأمة التركي للمطالبة بدولة كردية في ولايات: ((ديار بكر، العزيز، وان، بتليس )) كما ورد في معاهدة سيفر، وإلا سيضطر الكرد إلى انتزاع هذا الحق بقوة السلاح. لكن حكومة انقرة راوغت وحاولت الالتفاف على الكرد بالادعاء بأن الحكومة تدرس مطالبهم، وأنها ستتخذ قرارات لصالح الكرد كذلك لشق الصف الكردي، وردا على ذلك اندلعت ثورة كردية عام 1921 (ثورة كوجكيري) شملت مناطق واسعة من كردستان، تم اخمادها بوحشية.
لوزان والاتراك:
معاهدة لوزان اعطت لتركيا الحديثة الكثير، لكنها في ذات الوقت فرضت عليها قيودا ايضا كاستخراج النفط والاستفادة من المضائق. اعترفت المعاهدة بحدود الدولة الحديثة في تركيا، وأعلنت المضائق التركية بين بحر إيجة والبحر الأسود ممرات مفتوحة للجميع. كما تخلت تركيا عن السيادة على:
العراق وفلسطين والأردن أصبحت تحت الانتداب بريطاني.
سوريا ولبنان أصبحتا تحت الانتداب الفرنسي.
أرمينيا اصبحت جمهورية مستقلة بضمانات دولية, واحتفظت تركيا بالأناضول, وتخل الحلفاء عن الكرد ومطالبهم. كما تنازلت تركيا عن أجزاء من تراقيا الشرقية (الجزء الغربي من تركيا؛ منطقة غرب مضيق البوسفور، وتضم مدينة اسطنبول) وبعض جزر بحر إيجه إلى اليونان ، ودوديكانيز ورودس إلى إيطاليا، فيما تم الإبقاء فقط على القسطنطينية(اسطنبول) وضواحيها بما في ذلك منطقة المضيق “الدردنيل والبوسفور” والذي تم تحييده وتدويله. وتم الاعتراف الدولي بجمهورية تركيا كدولة خلفت السلطنة العثمانية،
و استمرت اتفاقية المضائق التركية لسنوات فقط؛ حيث حلت محلها اتفاقية مونترو (دخلت اتفاقية مونترو حيز التنفيذ في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1936، وهي تنظم حركة المرور عبر مضايق البحر الأسود للسفن التجارية في أوقات السلم والحرب. وقعت الاتفاقية في سويسرا بمشاركة دول من بينها الاتحاد السوفييتي “سابقا” وتركيا وبريطانيا وفرنسا واليونان وبلغاريا ورومانيا ويوغسلافيا واليابان وأستراليا).
مقاطعة هاتاي؛ ظلت جزءا من الانتداب الفرنسي لسوريا وفقا لمعاهدة لوزان، دولة هاتاي/لواء الاسكندرونة (كانت تعرف سابقا باسم جمهورية هاتاي، وتأسست في 7 سبتمبر 1938 إلى 29 يونيو 1939 في منطقة لواء إسكندرون أثناء الانتداب.
كانت منطقة إسكندرون تابعة لولاية حلب ضمن سوريا في العهد العثماني، ورغم اعتبارها دولة مستقلة في أعقاب صدور مراسيم التقسيم غير أنه أعيد ربطها بالدولة السورية عام 1926، قامت فرنسا بمنح اللواء حكما ذاتيا مع بقائه مرتبط من الناحية الشكلية بالجمهورية السورية،
وفي العام 1939 انسحبت فرنسا بشكل نهائي من لواء اسكندرون في حين دخلت اليه قوات تركية وقامت بضمه وإعلانه جزءاً من الجمهورية التركية تحت اسم محافظة هاتاي بعد استفتاء عام 1939. ويعتبر الانسحاب الفرنسي من لواء اسكندرون مخالفا لصك الانتداب الذي يلزم الدولة المنتدبة بالحفاظ على أراضي الدولة المنتدب عليها).
كما نظمت المعاهدة استخدام المضائق المائية التركية، وقواعد المرور والملاحة فيها زمن الحرب والسلم، واحتوت نصوصا تحدد شروط الإقامة والتجارة والقضاء في تركيا، وإعادة النظر في وضعية الدولة العثمانية، ومآل الأراضي التي كانت تابعة لها، قبل هزيمتها في الحرب العالمية الأولى خلال 1914-1918.
كما انها أبطلت العمل ب”معاهدة سيفر”، ورسّمت حدود اليونان وبلغاريا مع الدولة التركية، التي حافظت على ضم إسطنبول وتراقيا الغربية (تراقيا الغربية: هي المنطقة الجغرافية والتاريخية في اليونان، والتي تقع بين نهري نيستوس وماريتسا في شمال شرق البلاد، جنبا إلى جنب مع الأقاليم “مقدونيا، إبيروس)، وتضمنت بنودا تتعلق بتقسيط ديون الدولة العثمانية.
وقضت بتخلي تركيا عن السيادة على قبرص وليبيا ومصر والسودان والعراق وبلاد الشام، باستثناء مدن كانت تقع في سوريا، مثل أورفا وأضنة وغازي عنتاب وكلس ومرعش، وبتنازل الدولة العثمانية عن كافة حقوقها السياسية والمالية، المتعلقة بمصر والسودان اعتبارا من نوفمبر عام 1914.
كما نصت معاهدة لوزان على حماية الأقلية المسيحية الأرثوذكسية اليونانية بتركيا، والأقلية المسلمة باليونان، وألزمت الحكومة التركية بالمحافظة على حياة وحقوق وحرية جميع المواطنين ضمن أراضيها، وبمساواتهم أمام القانون، بغض النظر عن الأصل والقومية واللغة والدين. وألزمتها بعدم وضع أي قيود على المواطنين في استخدام أي لغة يختارونها مهما كانت، سواء أكان ذلك في العلاقات الخاصة أم في الاجتماعات العامة أم في مجالات الدين والتجارة والإعلام والنشر، ومع التأكيد على حقوق السيادة السياسية والاقتصادية للدولة التركية، وإلغاء تطبيق نظام الامتيازات الأجنبية على أراضيها. كما انها تشير الى إمكان تركيا بعد انتهاء مدة المعاهدة، التنقيب عن النفط، وتستطيع الانضمام إلى قائمة الدول المنتجة للنفط، إلى جانب تحصيل رسوم من السفن المارة عبر مضيق البوسفور، وحفر قناة جديدة تربط بين البحر الأسود وبحر مرمرة، والتي كانت محظورة على تركيا من قبل.
فيما تناست المعاهدة الكرد وحقوقهم بتجاهل منحهم الاستقلال بدولة قومية خاصة بهم، كما نصت عليه معاهدة سيفر او حتى الحكم الذاتي كما جاء في مفاوضات مؤتمر لندن. ولعدم وجود وفد كردي مستقل يمثل الكرد في المؤتمر لم تطرح القضية الكردية في لوزان، وتجاهلت القوى المتصارعة خاصة بريطانيا وفرنسا مصير الشعب الكردي، ووعودهم بإنشاء دولة كردية، وقد استخدم اسم الكرد وكردستان من قبل الجميع للابتزاز والمساومة، والانطلاق منه لتحقيق مصالحهم الخاص، وفي 24 تموز 1923 تم طي صفحة سيفر، ولم يرد ذكر للكرد في بنود المعاهدة الجديدة.
العلاقة التركية الكردية:
وقف الكرد الى جانب الاتراك في حرب التحرير الوطنية بين عامي 1919 – 1922 كعنصرين رئيسيين, وكان هذا الموقف يتناسب مع تقاليدهم التاريخية؛ كالعلاقة بين السلالات السلجوقية والايوبية والعثمانية. ورغم محاولات إفشال هذه الشراكة بتأثير من الهيمنة الإنكليزية التي تلاعبت بالطرفين خلال القرن التاسع عشر، إلا إنها لم تلق نجاحا في ذلك الحين، فدامت الشراكة. كما إن تقاليد نفس الشراكة التاريخية تلك لم تستطع إفسادها مؤامرات “جمعية الاتحاد والترقي” الذين تمسك بزمام امرهم الحركة الصهيونية اليهودية والماسونية. بتلك الشراكة التاريخية تكللت حرب التحريرِ الوطنية بالنصر في نهاية المطاف.
لكن لماذا يتم انكار الوجود الكردي ودوره, وهو الذي يعد الحليف الاستراتيجي والعنصر المؤسس الأصيل في الجمهورية على مدى حوالي تسعمائة سنة؟. لقد قام أصحاب “تركيا الفتاة” ومؤسسو “جمعية الاتحاد والترقي” باعتلاء عرش السلطة (يرى السفير الإنكليزي في تلك الفترة إلى تربع أعضاء “تركيا الفتاة” و”جمعية الاتحاد والترقي” على دفة الحكم بانه استيلاء لليهود على الإمبراطورية). وهكذا، نجحوا في شل تأثير السطان العثماني عبد الحميد عن طريق الحكم الدستوري الثاني (1908), وانقلاب 31 آذار 1909، تماما مثلما فعلوا مع الملك الفرنسي والقيصر الروسي. ومع اعلان الجمهورية، بلغوا بنفوذهم في بلاد الأناضول وميزوبوتاميا إلى أَوجه.
إن جمعية الاتحاد والترقي، التي أَمسكت بزمام الأمور ثم استحوذت على السلطة بالتوالي في الإمبراطورية العثمانية، تعبر عن الريادة الأيديولوجية والميدانية للحركة اليهودية ولقوى رأس المال اليهودي. في حين إن دور المؤسسين والقادة من القوميات الأخرى غير محدد داخل الجمعية، بما في ذلك القائمون على المجازر من أتراك وكرد. ذلك أنه غالبا ما أدى الأعضاء الأتراك والكرد دور المموه للنفوذ اليهودي فيها.
هذا وكان للجمهورية جانبها التحرري الديمقراطي أثناء تشييدها، بقدر اتسامها بالجانب التحرري الوطني. وكانت قد نجحت في البداية بوصفها ثورة أُنجزت بتحالف القوى الوطنية الديمقراطية (تحالف واتفاق بين الشيوعيين والإسلاميين القوميين والشركس والكرد والأتراك). ومثلما حصل في الثورتين الفرنسية والروسية، ايضا في ثورة الأناضول اتبعت الأساليب التآمرية في تحويل البنية ذات الطابع الوطني الديمقراطي الى دولة قومية ديكتاتورية. وهنا أيضاً كان الدور الرئيسي من نصيب الهيمنة الإنكليزية. ولم يقض على العناصرِ الوطنية الديمقراطية فحسب، بل تم تصفية أمر أربعة من الباشوات الخمسة الذين قاموا بالدور الريادي باستثناء مصطفى كمال، وأُنشئت الجمهورية التركية بمنوال مغاير كليا لما جرى تصوره، وكأنه أُعيد رسم ملامحها مجددا في حرب التحرير الوطنية بحيث باتت واحدة من أحجار الزاوية لنظام الدول القومية الصغرى (الدول القومية التي ستبقى ضمن حجم يمكن بسط الهيمنة الإنكليزية عليها)، الذي هدفت إنكلترا إلى ترتيبه والتسويق له في منطقة الشرق الأوسط. وهكذا تم هيكلتها كدولة إسرائيلية بدئية على الدرب المؤدي إلى تأسيس إسرائيل.
وهذا الخليط الطبقي الهجين والهلامي الجديد المؤلف من البورجوازية التركية والعناصرِ اليهودية؛ والذي يشكل أقلية قليلة, يسمى “بالأتراك البيض”. وقد تبنى هؤلاء القومية – العلمانية كدين شديد الصرامة، وأَقصوا جميع العناصرِ الديمقراطية من الجمهورية. وعليه، فتاريخ الجمهورية هو عبارة عن صون لهذا المضمون. ومن حاول من رجالات الدولة تجاوز مضمون الجمهورية قليلا شل تأثيرهم وسوي امرهم امثال “عدنان مندريس وتركوت اوزال”,
وحوفظ على “القانون الفولاذي” للمضمون الديكتاتوري بكل إصرار. ولهذا الغرض بالتحديد أُبقيت في الأجندة دوما عمليات التصفية الممارسة بالاستفزاز والمؤامرات والدسائس حيال الكرد والمسلمين والشيوعيين. ولم تغب قط المجازر والاعتقالات والإعدامات من الميدان. ودُخِلَ إلى حلف الناتو، ليقوم جيش الناتو السري المسمى بشبكة الغلاديو بإدارة دفة الحكم في تركيا فعليا بدءا من عام 1952. ولطالما كانت شبكة الغلاديو موجودة خلف المراحل المسماة بوصاية الجيش والانقلابات العسكرية (شبكة الغلاديو؛ اسسها حلف الناتو كجيش سري تابع له لمواجهة التمدد الشيوعي، ومواجهة الثوار في إيطاليا واليونان وتركيا وألمانيا. ومع انهيارِ الاتحاد السوفييتي وخروج روسيا السوفييتية من كونها تهديدا ملحا, خسر الجيش أهميته في البلدان الأعضاء في الناتو، فيما خلا تركيا التي ارتفعت فيها أهميته. وقد لعبت الثورة الإيرانية (1979) واحتلال أفغانستان من قبل الاتحاد السوفييتي دورا هاما ارتفاع اهميتها).
كما وأُبقي على التوترات والحزازيات “الفكرية والمذهبية والقومية” عقيمة بلا حل لتستطيع الديكتاتوريةِ العسكرية والمدنية من بسط هيمنتها؛ كحالات الاستفزازِ التي استهدفت الكرد بعد سنة 1925. هذا وأُريد لتركيا القيام بأدوار اخرى إبان الحرب الباردة مع اكتمل تأسيس إسرائيل، وأُحرز تقدم ملحوظ في بسط الهيمنة على الشرق الأوسط بزوال خطرِ الاتحاد السوفييتي من الميدان عام 1990،
وبذلك تكون الهيمنة العالمية على منطقة الشرق الاوسط قد اكتملت. ورغم ذلك فالخطر المحدق بإسرائيل كان لا يزال قائما من قبل المحيط العربي الذي يغذي فكرة العداء لإسرائيل كمحتل للأراضي العربية ولفلسطين.
لذا كان من الضروري تأمين حلفاء دائمين خلال عشرينيات القرن الماضي. هذا وبمستطاعِنا قول الأمر عينه بصدد حرب الخليج الثانية التي نشبت في مستهل أعوام الألفين. كما ان انهيار الاتحاد السوفييتي في مطلع التسعينيات قد أدى إلى إبراز إشكالية تحديد عدو جديد بالنسبة للهيمنة العالمية الرأسمالية. وفي النتيجة، اتخذ أمن إسرائيل معيارا، وأُعلنت التيارات السلفية والجهادية الإسلامية خطرا وعدوا جديدا.[1]