قراءة في رواية #المجنون# “دينك” للروائي عواس علي خليل
هشام مهنا
المجنون، هو الإنسان الوحيد الذي يتكلم بالحرية المطلقة، وهو الوحيد القادر على إسعاد نفسه، ولديه لذة خاصة في الحياة، لذلك قيل “مالذة العيش إلا للمجانين”.
ومما أذكر من المجانين، أنه مرَّ بي ذات عشية مجنون ويخالط جنونه الخمر وهو يغني بصوته الرخيم “موالاً” يقول في شطرٍ منه:”من يوم فراگ الولف عگلي شرد مارد”. وتقول العامة: إنّ للمجانين ثلاثين صنفاً، الحالة الأسهل بينهم حالة أولئك الذين يمزّقون ثيابهم في الأسواق، أما التسعة والعشرون الباقية: فإنهم يندسّون فيما بيننا، ومن المجانين من كان واعظاً، كما كان عليه “البهلول” الذي عاصر “هارون الرشيد” الخليفة العباسي كذلك المجانين الذين ورد ذكرهم في كتاب “عقلاء المجانين”
ويحكى أنّه قيل لمجنون ليلى: أيهما أحق بالخلافة “علي” أم “معاوية” رضي الله عنهما؟ فقال: ليلى!يعود ذلك لربيع العام “1994”حيث كان لقاؤنا الأول في ساحة الجامعة، كان شبابنا في أوجه، وكنّا نحمل عبق الشعر، والقص، والحكايات، كانت مدينة “بيروت “مسرحاً لكلّ ما تعصف به أفكارنا، بجرائدها اليومية، ومجلاتها، ودور نشرها، وكنّا ننشر أحياناً بذات العدد، أخبرني يومها بأنه يكتب الفصول الأولى من روايته المجنون”دينك” نعم إنّها ابنة السادسة والعشرين عاماً، ترى النور، للكاتب الروائي”عواس علي خليل”والتي كتبها في بداية تعارفنا وكنت أسأله عنها، كلما التقينا.
ذات عصر في بداية هذا الصيف، قرع باب منزلي بهدوء وتوجس، ففتحته وإذ بشاب لا أعرفه: هذا الكتاب لك، ثم انسحب مبدياً عجله، فتحت الكتاب”دينك”بحلّته الأخيرة.
عملٌ روائيٌ بكرٌ بشكله وصوره وأحداثه، شجون وحكايات وتمرّد، وذكريات، وثورة، وجزئيات من حياة يومية لقرى وجبال نساها الزمن، وتركها الإعلام، ولم يعرف عنها العالم المتحضّر إلّا ما تحدّث عنه المارة من المستشرقين، والباحثين، وظّفت فيها أحداثاً جمعها الكاتب من إرثه الاجتماعي، حيث البيئة البدوية التي ورثها الكاتب عن والدته التي يعود نسبها إلى إحدى العشائر العربية البدوية العريقة، ويتجلى ذلك في مفردات الرواية الجزلة، والتي وظّفها أحسن توظيف، وبدت فيها كرصائع تزين تلك اللوحة التي حملها بين يديه بكل ثقة، وبيئة والده الكردي القادم من الشمال حيث الجبال وحكاياتها وإرثها الاجتماعي، وتقاليدها، وأفكارها، وأحلامها التي استُغلت لتظهر المفاجأة للقارئ في أحداث عدة،كما تضمنت نقل صراعات بعضها ماض، وبعضها الآخر قائم ،ثم تبدو الصورة أكثر تألقاً، في جلّ ما احتوت من أحداث؛ الحدث فيها مركب حيث يمكنك استخراج العديد من القصص منها دون تكلف أو تشابه.
أسلوب الكاتب غير تقليدي لجهة الحدث المبعثر الملفوف بعناية العارف والداري والمتخصص، حيث تجد فيها عبد الرحمن منيف في مدن الملح، والآن هنا أو شرق المتوسط مرة أخرى في الحديث عن السجون والشرق والصراعات فيه، وتجد موسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح في الحديث عن الرغبة بمجتمع يأخذ الجنس والغيرة والشك شطراً كبيراً من حياة مجتمعه.
تقع الرواية في /500/صفحة ونيف، من القطع المتوسط، تدور أحداثها في الشمال كما أسماه الكاتب لتنتقل إلى دول أوربية ثم عربية ثم يعرج الكاتب إلى أحداث في” ليبيا” ويسلط الضوء على الصراعات الإيديولوجية، والدينية، وما أنجب تزاوج السياسيات، والتي يرويها على لسان أبطال روايته، والتي ترافقه فيها جمالية المفردة أينما حل.
“بطل الرواية”دينك” المجنون الذي يظهر في قرية جبلية في الشمال اسمها “تل الرماد”حيث يظهر بعريه الذي يزرع الشك والغيرة في قلوب بعض رجال تلك القرية. وحيث “ريما” التي ركنت قلبها للزمن، وغموض الحدث الذي يجد فيه القارئ صوابية اختيار الكاتب له؛ عندما ينتهي من قراءة الرواية، يمسي متوجساً بكل مايحيط به ليس إلا حالة من التناقضات؛ الحب، الحرب، الثلج والنار، القصف والمشافي، لكنّ العشق الأزلي يبقى بين روح الكاتب وأنفاسه، ليرسمه بريشة الفنان البارع، الحكيم الذي علمته التجربة ذلك “العشق يا صاح يشرب الإنسان كما تشرب الشرفات نور الصباح الدافئ، عندما تستأنس بروحك فاعلم أنك عاشق” هكذا هي وهكذا وجدتها وألفتها كما ألفت كاتبها، حب، وإخلاص، وحنين، وأخلاق قلّ نظيرها.
=KTML_Bold=التعاريفُ الممكِنة لبعضِ الشّخصيات في الرواية=KTML_End=
الخال: بقامتهِ الطويلة وجلستهِ المعتدلة، وهو يخللُ لحْيته الكثَّة مُحركاً كتفيهِ بينَ اللحظةِ والأخرى… بدا كقائدٍ شجاعَ، خسِرَ كُلَّ حروبِهِ، وهوَ ينتظرُ خلفَ أبواب الحياةِ…
تذكرتُ قولَ “ثورة”: (بعضُ الناسِ الّذينَ نتعثرُ بهم بينَ زحمة الجسور المتشابكة، يجعلوننا نتساءل: – منذُ متى نحنُ نعرفهُمْ…؟)
وددتُ لو أصرخ بهِ بأعلى صوتي؛ إيهْ، أنت أيُها البحْرُ الخاسرُ حتى ملوحته، رغبتُ بأن أفتشَ جيوبه.. أنبشها، من المُؤكّد أنّني سأعثرُ على سنداتٍ مستحقة الدفع، للخطوط الوهمية المحفورة على جبينه بإتقان، فنان مخبول، أكثر من شخص منحشر بداخل شخصية واحدة.
دينك: هو الشخص الوحيد الذي يمدّ يده باتّجاه الشمال، ملوّحاً لكلّ العابرين؛ تعالَوا ذاك هو القبر..! أو الزول الوحيد الذي يقف أمام ناصية القبر المزخرف كلّ صباح، ضاحكاً من قلبه وبكلّ حماقته مشيراً إلى ما بين ساقَيه… ماذا أخذتَ معك..؟
ناي: هو نايٌ مصنوع من الحديدِ، يجهل الأنغام، منغلق من الطرفين، يعزفُ به دينك أنغاماً لخسارته الكبرى.
ريمة: امرأة متناثرة ملء الكون، لها رائحة الشيح والنعنع البرّي، طعمها عذب كالتراب، مجهولة تعثّر بها “محمّد صالح” على دروب الضياع المؤبّد، صديقها الوحيد هو الجدار المطلي بالطين وكومة القش، امرأة غير موجودة ويستحيل العثور عليها إلّا في الشرق… تتقن التنقيب في فضلات فناجين القهوة عن آمالِ من لا أمل له… وأحياناً تجيد صناعتها.
شريف: رجل ساخر من كلّ الأشياء، وعندما لا يجد مَن يسخر مِنه، يسخر مِن أصابعه الطويلة وأنفه المحدوب… قنبلةٌ موقوتة بالضحك.
العاصي: شاب مطارَد حتى في أحلامه. خيول العالم كلّها في إمرته، لا يعيقه عائق من الوصول إلى مَن يريد. شاب غير قابل للانكسار أبداً.. مملوء بالحبّ والأغاني الغجرية. يرقص للا شيء…حكيم لغيره.
حارس الشهيد: رجل مخصيّ من أعماقه يبحث عن خزن مفقودة، وثائر منهار، لا يملك من الأصدقاء إلا الليل والجبل وحفيف الأشجار ودينك…
الحفيد: رجل مكسور الخاطر مع امرأته، غير قادر على المقارعة المعهودة، يحلم بالشيء الذي يفتقده… تستهويه رائحة الأنوثة الدافئة.
محمّد صالح: شاب تستهويه الخسارات الكبرى، وهي تزحف على أذيالها، قايض عقله بكّومة من الأحجار وحفنة من التراب، وخصلات شعر ناعم مربوط بسنارة صدئة. غير قابل للبكاء، مفعم بالتناقضات متّحد مع دينك اتحاداً وهميّاً صنعته الصدف العابرة، وبعض الحقائق التافهة، ويضيف قائلاً: – وامرأة متناثرة..
رجل متغيّر بين لحظة وأخرى، في اليوم تمرّ به فصول متعذّرة التحديد، تكوينه الفلكي: نار وهواء وماء وتراب، لا يمكن أن تحكمه قوانين روحية، يحبّ حسب قناعاته المتحولة.. رجل خاسر حتى النَّقيّ.
حكمته المعهودة: – عندما تتثاءب الجدران من حولك، لملم أشياءك وارحل. عالم بالجهات والدروب، فاشل حتى الفجيعة.
بكر: ابن عجوز أرملة، منفتح على العبث بكلّ ما هو جديد، تعلّم التلاعب بالأحرف الأبجدية، ومن عبثه تولّدت لديه روح الثورة على كلّ ما هو قديم، ينقطع صوته من اتّجاه، فينفتح باتّجاه آخر، فيتحوّل إلى ثائر متصوّف، تسوقه الثورات الفاشلة إلى القباب والمحراب.
ثورة: فتاة مغامرة، رصيدها الوحيد؛ … قلوب المجانين.
“شمِّه”: كأي امرأة في الشرق تتحكّم بها الأقدار، دائمة النعاء لحبّها المفقود.
شيخ الجناح: رجل ذو عانة لامعة كالشمس، يطارد الطنين في الليل، رأسماله حمار ولحية وبعض التسبيحات، محارب شرس لأبجدية التجديد، له تكية، ومريدون، ونساء.
تل الرماد: قرية منثورة على صدر تل من الرماد، ليس لها حدود معروفة ولا جهات معلومة.. مربوطة بخيوط كرَكوزية، خارجة عن قانون الجاذبية، تظهر صباحاً وتختفي مساءً، محاصرة بالجبال.
الأكتع: رجل فقد ذراعه، وعوّضه بصوته.
الأعرج: رجل لم يخسر في عمره كلِّه سوى فضلاته المطروحة.
ريتا: امرأة لا يمكن أن نجدها إلّا عبر أسلاك الهاتف، ساقتها الأقدار إلى شِباك دينك، فاقتادها عنوةً إلى الشمال، فجُبلت في أوهام وأساطير الشرق، امرأة هاربة إلى الشرق الفاضح بعناده الأبديّ.
نينو، أو العرّاب، أو الخال: رجل عاشق أبديّ للوفاء، يمتهن الحب الأبديّ، أقحمه “محمّد صالح” عنوةً في معمعة الشرق، فاقتاده إلى أحضان الشمال، استطاع أن يحقّق نصف أحلامه، والباقي دسّها في جيب شرواله، أخذها معه، ربّما إلى حياة أخرى يظنّ بها ما يظن، أسبل رمشيه في مواجهة الفجر، وظهره مسنَدٌ على صخرةٍ بدل جذع السنديانة.
الرجل المُعطَّر: رجل ذو حبّ مُشوَّه وأحلام صغيرة، وحكيم فاشل حتى القلق، تستهويه المدن والنساء المشوَّهة، والدروب الطويلة، فاشل في كلّ الجهات، لكنّه مدير ناجح في فشله وأحلامه وعمله.
كانَفيرو: سيد لذاته فقط، عكازٌ للمسافات القصيرة، وُلد ويده في جيوب الآخرين.
حارث البحر: شخص يقترن اسمه بشخصيته، اقتراناً عجائبياً، زاهد بكلّ الأشياء، يبكي لأبسط الأمور، ويضحك في عزاء أمّه، لا يعرف الخجل، مالُه ورأسماله خزانة محشوَّة بالكتب والمجلات المهترئة، وديون معدومة، ليس لهُ أصدقاء سوى المنحرفين عن السلطة، مدوِّن سيرة دينك.
دَيانا: أرملة، تستهويها الكلمات المدّاحة، يُمكنكَ أن تربحها بكلمة طيبة، أملها أن تصحوَ يوماً فتجدَ نفسها فوق عربة تجرّها الخيول إلى حيث الشخص الذي تحب.
موزاك: رجلٌ يمتهن الصمت: قال عنه “الرجل المُعطّر”: إنه يتّخذ من جسده أرضية لأيّة لوحة لا يجد لها أرضية من القماش. رسامٌ مرَّ كأيّ عابر بهذه الرواية، دسّ يده في جيب بنطاله الفضفاض، وتوقّف قليلاً، ثمّ هزّ رأسه ومضى.
خيزران: جوقةٌ من المتناقضات، فتاة دون ذاكرة، صحفية تستهويها مطاردة المجانين، متألّبة على ذاتها، منغلقة بامتياز على خصائصها الموروثة من الشرق، تطارد سيرة حياة مجنون، تعثّرت به على دروب ليس لها حدود سوى المعابر المتثائبة، عاشقة لرجل بلا عنوان.
الإمام: إمام أحد الجوامع في الجهة، رجل متحوّل يشكّ بأنه على دراية بحياة دينك والغريب والخال، رجلٌ طارئ على الجهة، مثله مثل الغريب، لا أحد يعلم الأقدار، أمّا الدروب… فاقتادته إلى هذه الجهة…
قال البعض: إنّ الله استدرجه رحمة إلى هذه الجهة فقط، كأي وليّ من أولياء الله الصالحين.
زوجة الإمام: امرأة، مجرّد امرأة، تجيد الصلاة والدعاء علناً، والرقص سراً كأيّ امرأة في الشرق.
حقيبة الغريب: مجرّد حقيبة حبلى بأشياء لا معنى لها، اعتادت مرافقة الغريب في أسفاره الباحثة عن أداةٍ لرفع الظلم في قلب الإنسان.
ثورة: ابنة “حارث البحر” فتاة تتطابق مع محبوبة الغريب في صباه، يستهويها الحبّ الطائش. تعثّرت بالغريب في غربتها التي انتهجتها للدراسة، ترجمت سيرته إلى لغات عدّة.
روكسَن: فتاة انفلتت من قيود الشرق على يد والدها، قلبُها يحتوي على فتافيت من مخلفات الحياة، تمارس الصحافة على أصولها، فقدنا عنوانها بين زحمة الهتافات والرقص المتهالك على إيقاعات ثورية لبلدانٍ سقطتْ سهواً من حقيبة التاريخ أو عنوة.
أبو سيف: رجلٌ من الشرق تطاول على محرّمات الشرق نفسه، فزُجّ به في غياهبه، يصلّي في اليوم خمسة فروض، وأحياناً ستة.
يصوم ويفطر بكأس من الخمرة، يقول وعلى ذمته، إنّ ما يأتيه سُنّة مؤكدة، وأنّ الخمرة تجعله الأقرب إلى الله، شاهداً، وسارداً لوقائع التعذيب.
روحٌ نبيلة في جسد هشّ.
هيوا أو غريب: طبيب منفرد الخصوصية، شغله الشاغل؛ إنقاذ الأطفال من مسنّنات طواحين الشرق المستدامة (حروب على السلطة)، لم يجد الوقت الكافي لبناء أسرة في مهبّ الشرق، انتصر على غرائزه ببعض المسكّنات، وما شابه ذلك. يقول: – الثقافة النبيلة تضعف الغرائز..
عابر الخليل: شاب ثائر فاشل في مهنته، لا يجيد القتل، بل يجيد امتهان الصيد بشِباك سياسية حاكها له الزمن، يتسلّل من المعابر الضيّقة خفية، كاد أن يتسلّل إلى قلب خيزران في لحظة ضعف ما، تنقطع رسائلُه لأسباب مجهولة، ثم ما تلبث أن تظهر، تناقلت أخبارَه الصحفُ والإعلام المجترّ بين فكَّي السلطة والمال… ليس له عنوان ولا وطن ولا حتى حبيبة، يسير ووجهه إلى الوراء، ليلمح أثره، امنيته أن يرقص لحبيبته” فيما لوكان له حبيبة” عارياً تحت المطر.
مروان: كأيّ ثائر شريف في نهاية الثورة، ليس له مكان إلّا عتبة الوطن، وبعض الأحلام اللولبية، وأعرام من الخيبات المجنية من الثورة، هذا إذا لم تنوبه عاهة مستدامة كأقرانه. حكمته المفضلة؛ (مَن يروّض الحمير فعليه أن يتحمّل رفسها). خرجَ مِن بين الجموع وغابَ في وسطها.
مروج وزهور: فتاتان من جهة ما ليس لهما من الصفات ما يذكر.
حورية: لحظة عشق عابر في جلسة طارئة.
بعض الشخصيات التي لمحنا عبورها مِنْ بُعد: الرجل الطائر كريستينا قنديل هابين منزّل دحام سالم مضر الاطفال، محمّد صالح، ريمة، دوشير، وموج الرجل ذو الحزام العريض، وبعض الشخصيات السياسية التي لا نجرؤ على النطق باسمها.[1]