المسرح.. مرآة المجتمع
عبد الباري أحمه
لا يختلف اثنان بأن المسرح من أجمل الفنون والعلوم الإنسانية, بما له من تأثير مباشر على الناس, كونه يعكس الواقع وبشكل مباشر على خشبة المسرح, وقد أكد أكثر من باحث ومؤرخ بأن المجتمعات التي لا تملك الميثولوجيا والمسرح هي مجتمعات عرجاء في تراثها, لهذا يبقى المسرح أبو الفن وأولها.
المسرح بشكله البسيط هو مكان تمثل فيه المسرحية, وجمعه مسارح, أما من الناحية الفنية فهو تحويل نص مسرحي أولي إلى مشاهد تمثيلية يؤديها ممثلون على خشبة المسرح أمام الناس, والمسرح بشكل آخر هو لقاء ثقافي يراد منه الوعي الجمعي بين الممثل والمشاهد, وبالنتيجة هو تعبير عن المشاعر والأحاسيس لدى الإنسان وتوجيهها عن طريق الكلام والأفكار والحركة.
البدايات:
يؤكد أغلب الباحثين بأن المسرح الحقيقي بدأ في القرن الخامس قبل الميلاد عند الإغريق, لكنني أعتبر هذه الآراء غير منصفة، فقد سبق الإغريق كثير من الشعوب في إرساء دعائم المسرح ولو بشكل بدائي, من هنا لا يمكن تحديد الزمان والمكان الحقيقيين لبداية المسرح في التاريخ, لكن يمكن اعتبار أعالي ميزوبوتاميا المكان الأقدم الذي انطلق منه المسرح, كون هذه الجغرافية هي مهد الحضارات البشرية, والتي ظهرت فيها أولى معالم الحضارة والثقافة الكونية, وخاصة بعد العصر الجليدي الرابع (20 ألف ق.م).
قد تكون مغاور وكهوف وأكواخ تلك المجموعات البشرية البداية الحقيقية للمسرح البدائي الذي كان يقوم بتجسيد التراتيل والطقوس والقرابين للآلهة. لكن المسرح الحقيقي وبمقوماته الحديثة ظهر في أثينا ومن ثم في روما, ويعتبر سوفوكليس أبو المسرح لما له من الأثر الواضح في إرساء قواعد وأسس المسرح بكل عناصره التقليدية.
=KTML_Bold=التعريف:=KTML_End=
المسرح هو من الفنون التي تجسد أو تترجم قصص ونصوص أدبية أمام الناس, ويتخلل هذا الفن أو يرافقه حوار أو إيماءات وموسيقى. وحتى يكتمل المسرح لا بد أن يحظى بمكونات أساسية وضرورية, منها المشاهد والمنتج والفنان أو الممثل والمخرج والديكور والموسيقا التصويرية، ويبقى للمسرح أنواع وأشكال مختلفة منها المسرح الجاد والميلودراما, والكوميديا والدراما السوداء (الكوميدي) والاستعراضي والعرائس والتجريبي والموسيقية (الغنائية) والصوتي الدرامي (الأوبرا) والباليه والرقص الحديث.
=KTML_Bold=المسرح في سوريا:=KTML_End=
بدأ المسرح في العالم العربي أولاً في الشام ومصر. وكان لأبو خليل القباني الفضل في انطلاقة هذا الفن عام 1871 حين قدم أول أعماله المسرحية بعنوان (الشيخ وضاح ومصباح وقوت الأرواح).
تبع القباني اسكندر فرح ويعتبر من أهم رواد المسرح السوري, ولكن النهضة السورية في المسرح جاء على يد كل من رفيق الصباح وشريف خزندار.
وكون روج آفا جزء من الخارطة السورية فقد تأثر كثيراً بالمسرح السوري, وقد ارتبط المسرح الكردي بشكل عام وقبل عام 2011 بالفرق الفلكلورية بكل الأحوال, ولم يكن هناك مسرحاً حقيقياً, كون الفرق المسرحية الكردية لم تحظى بمساحة او هامش ديمقراطي بتقديم نشاطاتهم سواء بالمسرح او بالدبكة وغيرهما.
فعلى مدى عقد ونصف وأكثر قدمت هذه الفرق وخاصة في عيد النوروز مسرحيات قصيرة تشبه إلى حد ما (النمرة) وهي قريبة من حالة تقريرية اكثر منها مسرحية. بنفس السياق قدمت بعض الفرق عروضاً مسرحية كاملة اكتسبت لمسات فنية إخراجية جيدة, وقدمت هذه الأعمال في بعض القرى أو الساحات المختفية عن أنظار الشرطة والأمن.
وبعد الأزمة السورية عام 2011 نال هذا الفن مساحة جيدة من العمل كون الإدارة الذاتية في شمال وشرقي سوريا باتت تدار من قبل سكان المنطقة. ونتيجة هذه الحرية في العمل تشكل في كل مدينة فرق مسرحية، وتوجت هذه الحركة بإقامة مهرجان المسرح الكردي بمشاركة كل الفرق من كل المناطق. واحتضنت قامشلو المهرجانات التي أقيمت فيها اعتباراً من عام 2016, ولكن في عام 2018 تأجل المهرجان بسبب احتلال تركيا لمنطقة عفرين، ففي 27 آذار من كل عام يحتفل الكرد وبقية المكونات بهذا المهرجان الذي يخلد ذكرى الفنان (يكتا) الذي أشعل النار بجسده في ساحات حلب.
واللافت هذه السنة أن فرقة الرقة للمسرح افتتحت المهرجان بعمل عمل مسرحي متميز وباللغة العربية. ومن طقوس المهرجان تخصيص اليوم الأخير لتوزيع الجوائز على أفضل العروض وأفضل ممثل وموسيقا وديكور وغير ذلك. من هنا حرصت الإدارة الذاتية على إقامة المهرجان المسرحي كل سنة لما لهذا الفن الجميل تأثيره المباشر على سلوك وثقافة الناس.
كلمة لا بد منها:
كي نعيش مسرحاً جماهيرياً وجاداً لا بد أن نعمق رسالة المسرح الإنسانية في كل من يعمل في المسرح أولاً, كون هذه الرسالة سامية, ويجب أن يتمتع الممثل بأداء متميز وأن “يتمتع بملكات روحية وعملية خاصة وبمعارف ومران ومهارة وعقيدة وموقف”.
من جهة أخرى يبقى للتاريخ الكردي المصدر والمنهل المتدفق الذي يشد الناس لمتابعة الأعمال المسرحية، كون التاريخ والثقافة له نكهة وذكريات وتراث من عمق الحكاية الأولى للكرد. كما أن هذا التاريخ ينشط الذاكرة الجمعية والفردية ويشبع الوجدان، وأخيراً يبقى المسرح ومن يقوم بترجمته, كأنه يترجم تلك الذاكرة ويتم إعادته وإحيائه وتفعيله بشكل مناسب.
=KTML_Bold=المراجع:=KTML_End=
أحمد إسماعيل إسماعيل، كتاب “مسرحنا المأمول”، دمشق 1997م.
سيد علي إسماعيل، كتاب “تاريخ المسرح في العالم العربي”، مصر 2012م
هبة الطباع، مقال “ما هو المسرح”، موقع موضوع “https://mawdoo3.com“، نشر بتاريخ 17-10-2018م.
[1]