الصحافة الحزبية الكردية من التنوير وزاد معرفي إلى زواريب الحزبية الضيقة
ابراهيم بركات
“يقول العلماء انه كلما ازداد عدد الحواس التي تشارك في نشاط انساني معين زاد إحساس الشخص بما يفعل او يمارس”.
لعبت الصحافة الورقية تاريخياً دوراَ مفصلياً في بناء الحركة السياسية الكردية ومرتكزاتها الجماهيرية مع بواكير انطلاقة أول تنظيم سياسي كردي في منتصف الخمسينيات من القرن الآفل، فكانت قيادتها للمجتمع وحشد الرأي العام وتوجيهه من خلال الصحف الورقية، وأعني بالصحافة الحزبية الورقية، تلك الصحف والمطبوعات التي تصدرها الأحزاب السياسية تخاطب عبرها حاضنتها الشعبية والجماهيرية، بغية نشر مبادئ الحزب وبرامجه السياسية ومنهاجه الفكري والإيديولوجي ونضاله على المستوى الوطني حيث ترتكز أهداف والبرامج السياسية لأي حزب كان على قضيتين مهمتين الأولى: المطالبة بحقوق الشعب الكردي الثقافية والسياسية ورفع الغبن عن كاهل هذا الشعب الذي يعيش على أرضه التاريخية، والمهمة الثانية: كانت لها بُعد وطني بالدفاع عنه وحماية حدوده واعتبار الشعب الكردي جزء من التركيبة الاجتماعية في الوطن، وتالياً يعتبر نفسه معنّي بكل ما يحدث ويحصل في الوطن.
كون قيام وتأسيس أي حزب نابع من استجابته لجملة من الأسئلة التي تشغل الرأي العام، ليناضل في سبيل البحث عن الأجوبة، بالاستناد إلى منهاجه السياسي والفكري، والتي يحدد وفقهما خياراته في النضال والكفاح، وتالياً تحقيق طموحات الجماهير في سعيها ونضالها لرفع المعاناة وممارستها لحياتها ببعُدها الإنساني والوطني في مسارها الطبيعي.
وفي تاريخ الحركات التحررية والثورية والتي كانت تقودها أحزاب الشيوعية والعمالية التي ناضلت منذ قيامها مرتكزة على النظرية الماركسية (الصراع الطبقي، هو محرك التاريخ) ، كانت الصحافة والمطبوعات التي تصدرها تلك الأحزاب تعتبر مناشير ثورية للجماهير الشعبية وتعبئته ودفعه لحشد طاقاته وإمكانياته في سبيل انتصار ونجاح الحركة في قيادة الجماهير، ووصولاً إلى تحقيق آمالها وطموحاتها.
لذلك فبقدر ما كانت الصحافة الحزبية هي الحامل لمطالب الجماهير الشعبية وطموحاتها في التحرر والعيش الكريم، كانت تلك الجماهير هي الحاضن الشعبية لتلك الأحزاب وديمومتها.
كما لعبت الصحافة الحزبية التقدمية دوراً رائداً في تزويد القارئ والمتلقي زاداً معرفياً وفكرياً يجعل منه قوة فاعلاً في مجتمعه، وتالياً خلق مناخات يؤسس لقيام حراك ثقافي اجتماعي من خلال تلك الشريحة الواعية والمثقفة التي تدرك الواقع وتقرأه قراءة واقعية وبموضوعية، وتضطلع بدورها في نشر الوعي والثقافة بين المجتمع، وإيجاد سبل كفيلة بتقدم وازدهار البنية الفوقية لهذا المجتمع تصونه من كل الأفكار والثقافة المستورة التي تهدد قيمه ومفاهيمه الأخلاقية الخلاّقة، وخاصة تلك الأفكار والمفاهيم القادمة من الدول الرأسمالية، والتي كانت تهدف اختراق بنية المجتمعات الناشئة، ومحاولة القضاء على هويتها وقيمها الوطنية، وضخ مفاهيم وثقافة رأسمالية، ونشرها في أوساط المجتمع، وخاصة شريحة الشباب.
ومع الانتكاسة التي أصابت تلك الحركات التحررية وأحزابها في مطلع التسعينيات من القرن المنصرم، وانغلاق الأفق أمامها، أدت إلى انحسار انتشار صحافتها ومطبوعاتها، بل أن كثير من تلك الأحزاب أصابها الوهن والترهل، وكون حركة التاريخ لا يمكن أن ترجع للوراء، استمرت كثير من الحركات والأحزاب الثورية في نضالها وسعيها لإعادة فتح الأفق أمام نضالها، وكانت الصحف والمطبوعات هي وسيلتها للوصول لجماهيرها وإعادة الروح لها.
ولعل الحركة السياسية الكردية والكردستانية، كانت من تلك الحركات التي تأثرت بالانعطاف الذي أصاب جسد حركات التحرر في نهاية القرن الآفل وأدت إلى تراجعها، ومع أن تسارع الأحداث أعادت الروح إلى الحركات التحررية ومنها الحركة التحررية الكردية، إلا أن صحافتها الحزبية بقيت في دوامة مخاطبة القارئ الحزبي بعينه، ثم دخلت تلك الصحافة في مستنقع السجالات بين أطراف الحركة ذاتها وتحولت إلى منصات لمهاجمة أبناء جلدتها، ونسفت قاعدة (الرأي والرأي الآخر)، ليدعي كل حزب بأنه المحتكر الذي يمتلك الحقيقة، والتمثيل الحقيقي للقضية الكردية، فلعبت الصحافة الحزبية الكردية دوراً محورياً في هذا الصدام، ومازالت.[1]