#صباح كنجي#
واصل الباحث تنقيبه للتاريخ الأيزيدي المغيب في بقية الفصول من خلال العديد من المسائل المهمة مستندا على مشاهداته الميدانية وكتب التاريخ ومن خلال المقارنة بالشكل والمحتوى من حيث التشابه والأختلاف مع بقية الديانات وهو ينتقل من فصل لآخر، وقد اختار الباحث( المكان ) كعنوان لفصله الثالث كي يواصل بحثه من معبد لالش إذ يقول:
(يقع الوادي بين ثلاثة جبال وتتميز القباب الخاصة بالمعبد بشكل مخروطي لايماثله في العراق معبداً او قبراً ، وتتضلع القباب المخروطية الى حافات مستقيمة تنخرط من الاعلى الى الأسفل ضمن دائرة تستند على قاعدة تمثل الارض ، تستقبل جميعها أشعة الشمس ، لذا يطلق الايزيدية على المكان المقدس ( مه ركه ) والكلمة تعني موطن الشمس ) ص59
ويثبت مفهوهم الميثولوجي عن اهمية المعبد باعتباره مركزا ً مركزا ً للأرض وهو مفهوم متداول ومتواتر لدى بقية الاديان إذيقول :
(بالأضافة الى الأعتقاد الذي يقول أن لالش هي مركز الأرض) .
ويتطرق الى الآراء التي تزعم ان المعبد لا يعود لهذه الديانة ويجعلون تاريخه ديرا ً استولى عليه الإيزيديون تارة او مسجدا ومصلى للمسلمين تارة اخرىً ويرفضها حيث يؤكد :
(ولو كان المكان ليس لهم لما بقوا مستمرين على تقديم التضحيات الجسام ، ولما قام أساس دينهم على المكان المقدس الذي لم يزلوا يزورونه ويتبركون به ).
(بالأضافة الى وجود عدد من الكنائس والأديرة في المنطقة لم تزل على قدمها وحالها ، لم تتغير وهي لاتتشابه قطعاً مع بناء المعبد المقدس ولم يتعرض لها احد )
(ولم يذكر أحد أن هناك في هذا المعبد قساوسة ورهبان من أهل الديانة المسيحية ، بالأضافة الى عدم وجود أية علامة دالة على تلك الهوية كالأجراص والصلبان والكتابات اللاتينية المنقوشة على الجدران والصور الرمزية التي تصور ولادة السيد المسيح او عذاباته في الصلب ومسيرة الالام . كما أن الكنيسة المسيحية تقوم بتسجيل هذه الأديرة والكنائس وتختص بأرسال القساوسة والرهبان اليها وتستمر في رعايتها وأدارة شؤونها ، بالأضافة الى لزوم وجود المسيحيين في المنطقة التي يقع فيها المعبد او الدير ، في حين أن المنطقة التي تحيط بالمعبد لايقيم فيها سوى الأيزيدية .
أن القصص التي قيلت من كون المعبد المقدس كان ديراً للمسيحيين يعوزه المنطق ويفتقر للدليل المقبول .)ص61
(أما كون المكان المقدس معبداً ومصلى تابع للمسلمين فأنه ايضا ً تصور قد يفتقد للعديد من الأسباب التي تجعله مقبولاً ، فطراز المكان المقدس يختلف عن طراز كل الأمكنة الأسلامية ،)ص61
(ومن المفيد ان نذكر ان مكان قبر الشيخ عدي بن مسافر المدفون في لالش مدفون على عكس الوضع الذي يقوم به المسلمين بدفن موتاهم مما يؤكد أن المكان لم يكن أسلامياً وان الدفن لم يكن على قبلة وطريقة المسلمين وهذه النقطة جديرة بالاهتمام.)ص61
(كما من غير المعقول ان تبقى النقوش الأيزيدية على جدران معبد اسلامي ، بالرغم من ظهور كتابات نقشت حديثاً بعد ان تم طرد الأيزيدية منه بالقوة لتحويله الى مكان لعبادة المسلمين ، حيث لم تكن تلك الكتابات العربية موجودة على جدران المعبد في العام 1849 م حسب ما صورته ( السيدة بادجر المستشرقة التي زارت معبد لالش ) ، حيث نلاحظ النقوش الحجرية والكتابات الموجودة على الجهة الغربية من الجدار الخارجي للمعبد المقدس والتي تثبت بما لايقبل الشك انها كتابات أيزيدية ) ص62
ويقول الباحث الاثاري عبد الرقيب يوسف الذي عمل مع المرحوم الديوه جي : ( أن أحد غرف المعبد المنقورة في الجبل هي التي تضم أصل المعبد ، والتي ذكرها كل من الديوه جي والدملوجي والحسني على أساس انها غرفة مخزن الزيت ، الا أن كل من الديوه جي والحسني – والكلام لعبد الرقيب يوسف – لم يستطيعا أن يدركا معاني الأشكال والرموز التي شوهدت من قبلهم منحوتة على الجدار الغربي للمرقد ، والمعبد الأصلي يتألف من منبر على شكل دكة منحوتة في الصخر وفوقها عرش ميثرا وحلقته ، وهناك الى جانب المنبر المحراب المنقور في الصخر أيضاً ، وأتجاهه يقع الى ناحية الجنوب بعكس أتجاه المحاريب في المساجد ) ص62
(ويذكر السيد يوسف انه زار موضع ( الجلخانة ) وهو موضع متكون من خمسة غرف تسبح في ظلام دامس ، وهذا الموضع قديم جداً ولربما يعود الى زمن سابق على ظهور الشيخ عدي بن مسافر ، كما أن قطع من الصخور المنتشرة في المكان المقدس والمتدحرجة من الجبل لم تزل تحمل في جوانبها رسوماً للشمس وبعض الأشارات الدينية والرموز القديمة ، وكل هذا يؤكد أن المعبد لم يكن أسلامياً بالنظر لتعارضهما ذكر مع طراز وشكل الجوامع وأماكن العبادة الخاصة بالمسلمين ، ويرى الباحث الاثاري السيد يوسف أن المعبد القديم الذي يتحدث عنه كان موجوداً في القرن الأول
قبل الميلاد.
أن نقوشاً تمثل الشمس وبعض الرمزيات يمكن تحليلها ودراسة تأريخها ، ولانعتقد ان المسيحيين والمسلمين كان يعتمد النقش على الصخور في كتابة التعاليم الدينية أو الأشارة الى مسألة تخص الديانة ، بأستثناء الديانات القديمة . ) ص63
(وبالرغم من الزيارة التي قام بها الاثاري ( لايارد ) الذي صاحب ( السيدة بادجر ) في العام 1844 م ومشاهدتهما لتلك الاثار والنقوش الا انهما أسوة بالأيزيدية في ذلك الزمن لم يفهموا من معانيها شيئا ، وبقيت تلك الصخور مبثوثة ومطمورة في الوادي ، مما يوجب اليوم أن يكون المؤتمر المختص بالدراسات عن الأيزيدية قريب من المكان المقدس بمصاحبة المختصين والمعنيين بشؤون الديانة والتأريخ الأيزيدي لتحليل تلك الرموز والنقوش وكشف حقائقها المهمة للأنسانية) ص64 .
في القسم الرابع ( التاريخ ) وهو من الفصول المهمة نظرا لما احتواه من معلومات بعضها جديد سجل الباحث اسبقيته في تثبيتها واهميتها وبعضها قديم تناولها الباحث وفق منطق موضوعي بلا تحيز واجلسها على قاعدتها من جديد بعد ان كان الشوفينيون قد قلبوها ليحولوها الى ذريعة في النيل من الأيزيدية والإيزيديين فكان بحق فصلا ً ممتعا ً ثبت الكثير من المعلومات التاريخية المغيبة وباسلوب لا يخلو من النقد والأدانة لمن ساهم في تغييب الحقائق التاريخية او طمسها وتشويهها حيث يقول :
(الا ان ما وصلنا من قراءات تاريخية مجتزأة من تأريخ الأيزيدية يدل بما لايقبل الشك أن هذه المرويات كتبت بعين واحدة ووفق توجه غير محايد ، وبقصد أخفاء حقائق كثيرة عن ابناء هذه الديانة لغرض وضعهم في مشهد بائس لايمكن للقاريء أن يطلع على حقيقة تخالف هذا المشهد ، ولهذا كان الأيزيدي دوما منكسراً ومهزوماً ومسبياً بل وقابلاً بكل مايتعرض له وفي هذا الأمر خلاف واضح للحقيقة وتحريف عميق للواقع ، ويقينا لو سألت أي عراقي عن حقيقة التعتيم الذي لحق بالتأريخ الأيزيدي بالأضافة الى التشوية والتخرصات لفترة ليست بالقصيرة من عمر الزمن ، مما جعل العديد من أهل العراق فيما يخص أيزيدية العراق يعتقدون بصحة التخرصات والمرويات المشوهة عنهم ، حيث لم يكن هناك البديل الذي يعتمد الحقيقة والنقل الصادق أذ كان الأيزيدية يفتقدون الى وجود كتاب منصفين ومحايدين يكتبون حقائق تاريخهم ، ومن يقلب في كتب التأريخ الحديث يجد حيفاً وظلماً كبيرين لحق الأيزيدية دون أن يكون دافعها سوى الغل والحقد والكراهية التي تعشش في ضمير من تصدى للكتابة عن هذا الجانب ، او انه كتب خشية من سطوة التطرف او المغالاة في الفكر الديني أو القومي . ونلاحظ أن جميع الوقائع والمعارك كان فيها الأيزيدي الضحية المستكين والخانع الذي يستسلم لقدره دون ادنى موجبات القتال المقابل أو حتى الدفاع عن النفس ، وهو منطق غير مقبول وغير صادق لأن الحال في مواجهات قد تكون خاسرة ولكنها على الأقل تسجل الجزء الثاني من الحقائق التأريخية ، وجميع الكتب تتحدث عن حملات وحروب وقتال يتم شنها من قبل حكام وسلاطين وجيوش لغرض سحق الأيزيدية وإنهاء وجودهم والقضاء عليهم نهائياً ، مع أن النتيجة اليوم أننا بتنا نجد الأيزيدية أكثر تمسكاً بديانتهم وبتأريخهم وبرجال دينهم أكثر من ذي قبل ، بل وتوسعت أعدادهم وأنتشرت في مشارق الأرض ومغاربها .
عموماً فأن أغفال ذكر المعارك التي قادها زعماء أيزيديون للذوذ عن ارواحهم وشرف عوائلهم وأموالهم ، ومواجهة جيوش جرارة وتتسلح بكل صنوف الأسلحة الفتاكة في زمانها ، وفي مواجهات غير متكافئة بكل ما يعني عدم التكافؤ ، من أجل الحفاظ على الأقل على الوجود الأيزيدي في تلك القرى البائسة والنائية والتي لم تصلها الحضارة والتطور ولانظرت لها السلطات التي تعاقبت على حكم العراق حتى اليوم بعين الأنصاف والوجدان .
ولم نقرأ في التاريخ العراقي الحديث ما يذكر تلك المواجهات بسطر واحد ، وكأن الأيزيدية ليس لهم تأريخ ، وليس لهم رجال ، وليس لهم القدرة على المواجهة ، او على الأقل ردة فعل أو موقف شجاع لأيزيدي يواجه بشراً مثله ، اليس بين الأيزيدية من ذوي البأس الشديد ومعرفة فنون القتال؟ ص74-75
ويذكر السيد صديق الدملوجي في كتابه اليزيدية المطبوع 1949 عن ( خضر محمد كهية ) الذي كان يحدثه عن الحملات العسكرية التي شنتها السلطات العثمانية وواجهها الأيزيدية ومعهم محدثه ، ومن اكثر ما كان يؤلم هذا المقاتل ما تقوم به الجيوش العثمانية من اعتداء على النساء في تلك القرى وآسرهن وأقتيادهن معهم ، وخضر محمد كهية رئيس الهبابات في منطقة سنجار .
كما يذكر عن ( حمو شيرو ) وهو من عشيرة الدنادية ، وقد صار قائداً في معارك الدفاع عن الجبل وابلى بلاءاً حسناً ، وصار له صيتاً وقوة وأنتشرت أخباره وخشي منه الأعداء حتى أن الحاكم الأنكليزي ( لجمن ) أرسل بطلبه ليعينه حاكماً على جبل سنجار لما له من هيبة وسطوة وقوة ، وبقي هذا الفارس حتى بلغ المائة والعشرين عاماً دون أن يدخله الخرف ونقص الحواس ، ومن
بعده صار ولده خديدة قائدا ً مرموقا ً .
كما يورد ذكر كل من خلف بن الشيخ ناصر وداوود الداوود والشيخ خضر بن عطو وصفوق باشا .
كما تتزامن مناسبة أزاحة الستار عن النصب التذكاري لأيزيدي ميرزا قبل ايام في ناحية بعشيقة في أقليم كوردستان العراق ليدلل على وجود الرجال الذين غبنهم كتاب التأريخ من غير المحايدين والذين يبغون رضا السلاطين في كل مكان وزمان ولم يذكرونهم بأنصاف ، بينما بقيت الذاكرة الشعبية تحتفظ لهم بما سجله كل منهم في حياته ، وإيزدي ميرزا باشا الذي تولى ولاية الموصل للفترة ( 1650 1651 ميلادية ) ( 1059-1060 ﮪ ) في زمن السلطان العثماني مراد الرابع الذي أمر بترقيتة من رتبة فارس ضمن الجيش العثماني ليتولى ولاية الموصل بعد الدور البطولي الذي أبداه في معركة فتح بغداد) سنة 1638 ميلادية 1047 - ﮪ ) .
ومن الغريب والبعيد عن الحقيقة ان يذكر المؤرخ السيد ياسين العمري في ( الآثار الجلية ) أن مرزا بك ذهب الى اسطنبول مركز الخلافة العثمانية متوسلاً بمنحه منصب ولاية الموصل فلم يتيسر له ذلك ، مما دفعه للعودة الى دياره وجمع اعوانه المسلحين ليقطع الطريق وينهب القوافل ، وتمكن ( شمسي باشا ) ان يقاتل عصابته ويقبض عليه ليرسله الى السلطان محمد بن ابراهيم الذي أمر
بقتله.
غير أن الحقيقة التأريخية أن الولاية لاتطلب بتوسل أنما تقوم المرجعية بناء على معلومات أكيدة وتقارير ولاتها بتنصيب الوالي ، ومما يذكره التأريخ أن أيزيدي ميرزا تمت ترقيته الى رتبة( باشا ) ومثل هذه الرتب تمنح من الباب العالي حينها ولأسباب معروفة ، ولايعقل أن يتوسل أحد لمنحه الرتبة والمنصب ، ولو لم تجد السلطنة القدرة والأمكانية والشجاعة لدى ايزيدي ميرزا لما تمت ترقيته من جندي الى والي ، فقد ابلى المذكور بلاءاً حسناً في فتح بغداد في العام 1638 م حيث تميز بأندفاعه وقتاله وشجاعته بحيث استحق ذلك التكريم بجدارة ، وكنت شخصياً قد زرت النصب المذكور عند زيارتي لناحية بعشيقة قبل ايام من هذا الشهر 2006 ، ومن جانب آخر فقد شكل ( آل مندي ) ولاية لهم في منطقة حلب (1) ، كما تشكلت ولاية على ضفاف نهر البهتان بأسم ولاية قلب ويطمان ، كما في منطقة اربل وجبال الصوران حيث أمر السلطان سليمان القانوني أن يتم تفويض ثلاث أمارات لشخص أيزيدي ، كما في الموصل حيث ولي أيزيدي ميرزا باشا ولاية الموصل وهو ابن بعشيقة ليحكمها بما عرف عنه من شجاعة وحكمة ونفوذ .
ويلاحظ التستر والتغطية المتعمدة على أخبار القتال والحملات العسكرية التي أستمرت تشن من قبل السلطات العثمانية ومابعدها من رغبات لزعماء عشائر وحكام وولاة من أجل أجتثاث الأيزيدية وتحويلهم عن ديانتهم بالقوة ، وبعد ان نضع المبررات والتبريرات التي تضعها هذه الجهات لقتالهم ، وبعد ان يتم تمهيد الأرضية الشرعية في أصدار الفتاوى والفرمانات التي تبيح قتلهم وسبي حرائرهم والأستيلاء على اموالهم والأستيلاء على قرآهم وأراضيهم من قبل رجال دين متعصبين
ومتطرفين يمهدوا الطريق للقتل والذبح والتشريد.
ولايتطرق أحد الى واقعة غاية في الأهمية وقعت في سنة 1200 ﮪ - 1785 م حين خرج والي الموصل عبد الباقي باشا الجليلي وتوجه من مدينة الموصل بأتجاه قرى الدنادية لغرض أستباحة القرى وقتل الأيزيدية ، وتأديب القرى المجاورة لهم ، ولدى وصوله مع عساكره هرب الأيزيدية الى الجبال والمغارات فارين بأرواحهم ، وتركوا بيوتهم خالية فنهبتها العساكر على فقر موجوداتها وأنتشرت العساكر تبحث عن أي شيء للأستيلاء عليه ، وتفرقوا عن قائدهم عبد الباقي باشا الجليلي حيث كان يقف غير بعيداً عنهم ومعه شقيقه ( عبد الرحمن آغا الجليلي ) وبقيت معهم مجموعة قليلة من الجنود الحراس ، فخرج عليهم ( نمر بن سيمو ) ويلقبه الأيزيدية ( نمر آغا ) ومعه عدد من الأيزيدية المقاتلين لايتجاوز أصابع اليد الواحدة وبأيديهم السيوف ، وهجموا على القائد الذي تفرق عنه حراسه وهربوا ، وحين هرب الحراس تخاذل بقية الجند الذين لاذوا في الوديان وهم منهزمين دون قتال ، وما كان من نمر الا أن يجرد القائد من سيفه ويقتله ويقتل شقيقه عبد الرحمن ومن كان يقف معه ، وفي هذه الأثناء تكاثر الأيزيدية وتابعوا الفرسان المنهزمين الذين القى الله الرعب في قلوبهم ، ويتبعهم فرسان الأيزيدية يمعنون بهم تقتيلاً ويسلبونهم أسلحتهم وجيادهم ويعودوا بها الى قرآهم وبيوتهم المسلوبة .
هذه الحادثة وقعت بالقرب من قرية ( سميل ) الواقعة على طريق الموصل – دهوك ، وهي من أعمال منطقة كوردستان العراق ، ونمر بن سيمو أو سيبو أو شيخو كما يذكره الكاتب الدملوجي له قصر في تلك المنطقة وهو رئيس عشيرة الدنادية ، ولم يذكرها رواة حوادث تلك الفترة ولم يتطرق لها أغلب من كتب عن الديانة الأيزيدية بأستثناء الكاتب صديق الدملوجي الذي نقلها عن تأريخ جودت حيث ذكر ابياتاً من الشعر ضمن سرده للحادث يبين فيها الهروب الكبير للعسكر في هذه
المعركة فيقول :
تفرق الكل حتى ان هاربهم اذا رأى غير شيء ظنه رجلا
وواقعة مهمة في تأريخ العراق الحديث وفي تأريخ الموصل لايتم اغماض العين عنها دون سبب ، كما لم يساهم أحد من المؤرخين في تحليل أسبابها ودوافعها ولاحتى في المعاني العسكرية والأنسانية التي دلت عليها ، ولو أن نمر بن سيمو كان متخاذلاً لكتب عنه الجميع دون وجل ، ومما يلفت النظر أن العساكر في المناطق الأخرى بقيت دون حركة ولم يحرك احد قادتها ساكناً ، وانتشرت الأخبار بسرعة البرق وزاد الرواة في تصويرها ، حتى بدا أسم نمر بن سيمو مرعباً للعساكر التابعة للولاة العثمانيين في المنطقة ، وهذا الأمر أدى الى قيام حاكم العمادية (( أسماعيل باشا البهديناني )) الى ان يحل ضيفاً على نمر بن سيمو تقرباً له وأتقاءاً لشره وليأمن على سلامة جنوده ، ولم تستطع الحكومة ولا الولاة أن يستعيدوا سطوتهم على مناطق الأيزيدية بوجود نمر بن
سيمو الا بعد مضي14 سنة على تلك الحادثة.
وأذا كنا نريد تقليب ونبش الأسس التي أستندت عليها الكتابات التأريخية ، وهذه الحادثة مثالاً على الغبن الذي لحق بالتاريخ الأيزيدي ، نجد ان عدم أيراد مثل هذه الحوادث يشكل بتراً لصفحات تأريخية وتشويهاً لصورة من الزمن الأنساني ، فقد تعرض الأيزيدية لمقاتل عديدة وشنت بحقهم حملات عززت بكتائب من الجيوش المدججة بالسلاح ، تحت شتى الذرائع ، وفي مرات كانت بحجج أنهم يقطعون الطريق ويسلبون القوافل المارة ، وفي مرات أخرى بسبب الفتاوى التي تقاطرت فوق رؤوسهم دون رحمة ، وفي مرات عديدة بسبب نزوة للوالي والحاكم ولأثبات قوته في المنطقة فلايجد سوى هذه المجاميع البشرية البائسة التي ابتلاها الله بالقتل والذبح والتشريد والأنعزال ص75-79...
كأنما التاريخ يعيد نفسه هذه الأيام مع موجة الارهاب التي تعصف بالعراق والتي تهدد مكونات اساسية ومهمة من مكوناته التاريخية من صابئة مندائيين وكدوآشوريين وسريان وارمن من معتنقي الديانة المسيحية وايزيديين تطالهم يد الأرهاب التكفيري السوداء التي تفتخر وتتباهى بقتلهم من خلال شبكات الانترنيت التي توثق صفحات الفرمان الجديد والذي تكتب فصوله من خلال هدر الدماء البريئة في سنجار والموصل والشيخان وبعشيقة وبحزاني وما المجزرة التي حدثت للعمال الأيزيديين في معمل الغزل والنسيج في الموصل التي ذهب ضحيتها (24) عاملا ً قبل ايام إلا حلقة من حلقات هذا الفرمان الجديد الذي يهدد بالقضاء ليس على الإيزيديين وحدهم بل كافة المكونات الأخرى ممن اصبحوا هدفا ً للتكفيريين الجدد ، لذلك تكتسب شهادة الكاتب من خلال بحثه التاريخي في هذا المجال اهمية استثنائية كونها تدحض وتفند تبريرات التكفيريين وتفرغ ادعاءاتهم الجهادية ، المستندة على القاعدة الدينية الرافضة للغير، من محتواها والتي يضعها الباحث في خانة الذرائع التبريرية التي تمهد للجريمة والعسف بابشع صوره .
في هذا القسم الخامس ( الأيمان) يذهب الباحث للتاكيد على مفهوم الدين في إطار ( الدعوات الأصلاحية لتقويم الحياة الأنسانية ، وهي دعوة صريحة لتحرر الإنسان من نوازعه الذاتية السلبية... وتشكل دعوة لكبت النوازع الشريرة في الذات البشرية وتغليب الافعال الخيرة عليها ، إذ لا توجد ديانة واحدة تعتمد على الشر أو تدعو له... أو أنها تمجد القيم البذيئة والقميئة لدى الجنس البشري، إذ تعتقد جميع الديانات بأن إلها ً واحدا ً منح الحياة لكل الكائنات يحاسب على الأعمال البشرية في الحياة الدنيا ضمن حياة ابدية الآخرة بعد الموت أو بعد تقمص الروح في اديان اخرة) ص81-82..
وبالرغم من عدم توافق الاديان وعدم إتفاقها في مسالة الوحي والنبوة حيث لا تقر الوحي الديانات البودية والهندوسية والإيزيدية والزرادشتية .. لكن تجد في كل الأديان الرحمة والعفو والتوبة والخطا والغفران كوسيلة للعودة إلى الطريق القويم الذي يتجانس مع مفاهيم الدين وقيمه وتصوراته الاخلاقية وفي هذا لا تختلف الإيزيدية مع غيرها من الأديان حيث تفرض ضوابطها على معتنقيها الذين يولدون ويتوارثون الدين ويقتنعون به ، أو إن لم يكونوا ملتزمين بها أو على قناعة بنصوصها ومفاهيمها ولديهم مفاهيم أخرى مناقضة لها تشكل موقفهم الآخر وتحدد نمط تصورهم للحياة ، لكنهم يتمسكون ببعض الأعراف ويؤدون بعض الطقوس والعادات من دون أن يكونوا أو يحسبوا في عداد المؤمنين منها المشاركة الجماعية في حفلات الرقص والأفراح الدينية ونزع الأحذية والسير حفاة في المراقد الدينية والأماكن المقدسة لذلك يقول الباحث:
( ينبغي التفريق بين ما هو الهي وبين ما هو بشري في الطقوس والديانة الإيزيدية ، فالعديد من الطقوس والعادات ما توارثه الأيزيدية كمجتمع ضمن خصوصيتهم وظروفهم لا علاقة له بالدين أو بالنصوص المقدسة وانما وجدت من اجل التأثير النفسي في الفرد الايزيدي، ومنها ما ورد حصرا ً في النصوص المقدسة التي تواتر ذكرها رجال الدين سواء في نصوص مصحف رش أو في كتاب الجلوة أو بقية النصوص الأخرى من اجل اجبار الإنسان على الالتزام بها ) ص84..
ويؤكد الباحث انه يحتفظ بجزء من مخطوطة تعود لكتاب الجلوة تمكن من استنساخها من مكتبة الاوقاف في الموصل التي كانت مكتوبة على ورق قديم مصفر اللون وبكتابة قديمة تدل على أنها كتبت بالريشة المغمسة بالحبر وبالخط الرفيع ص86
ويعبر عن قناعته( بأن العديد من الايزيدية يحتفظ بالكثير من الصحف والمخطوطات النادرة التي تفيد الديانة الايزيدية وتسهل طريق الباحثين نحو الحقيقة ، وبهذا نهيب بكل من يحتفظ بمثل تلك الوثائق تمكين الكتاب أو المحققين من الأطلاع عليها تمهيدا ًلأعداد الدراسات الميدانية لاعادة كتابة التاريخ الإيزيدي بشكله الصحيح والحقيقي) ص87
ويحث المثقفين على التفكير بمؤتمر علمي يضع الأسس والخطط الجماعية لكتابة التاريخ الإيزيدي من خلال التخصصات المختلفة واستثمار الكفاءات التي ظهرت بينهم بالتنسيق مع الكتاب المحايدين المهتمين بالشان الإيزيدي ويدعو المراكز الثقافية لتبني هذه الدعوة..
ويؤكد إن الأيزيدية اقدم من االزرادشتية ( بالنظر لكون الإشارات والبراهين على وجود الديانة الايزيدية في الزمن السومري والبابلي، وهو ما مؤكد قبل سقوط الدولة الآشورية في نينوى، كما إن امتداد الإيزيديين لم يتحدد في لالش وما حولها، وانما وصل الى تكريت في العراق وعم منطقة كردستان، كما تزوج البابلين والسومريين من اليزيديات وربما يكون الزواج بسبب إن الملوك يدينون بديانتين أو انهن وقعن في السر والسبي الذي يبيح لهم الزواج منهن في تلك الحوال ) ص90 . وهذه معلومات مهمة كان من الأفضل لو توسع في معطياتها الباحث ووثق مصادرها من خلال ذكر التفاصيل المرجعية للبحث يمكن تجاوزها عند اعادة طبع الكتاب ..
وينقل من كتاب قصة الحضارة لديورانت ورود اسم اليزيديين من بين أسماء الأجناس والأديان التي ذكرها الكتاب في الصفحة ( 503 ) وهو اكتشاف آخر مهم للباحث لم يتطرق إليه من قبل كاتب آخر او ممن اهتموا بشؤون الأيزيديين ( كان الشرق الأدنى في عهد نبو خذ نصر يبدو للعين البعيدة الفاحصة كأنه بحر خضم يتلاطم فيه خليط من الآدميين، يأتلفون ثم يتفرقون، يستعبون ثم يُستعبدون، يأكلون ويؤكلون ،ويَقتلون ويُقتلون إلى غير نهاية وكان وراء الأمبراطوريات الكبرى ومن حولها مصر وبابل وآشور والفرس يضطرب هذا الخليط من الشعوب نصف البدوية نصف المستقرة : الكمريين، والقليقيين ، والكيدوكين ، والبثونيين، والأشكانيين ، والميزيين، والمينونين، والكريين، والبمفليين، واليزيديين، واللوكوانيين، والفلسطينيين، والعموريين، والكنعانيين، وافدميين، والعموريين، والمؤابيينن وعشرات العشرات من الشعوب الخرى التي كان كل شعب منها يظن نفسه مركز الأرض ومحور التاريخ، ويعجب من جهل المؤرخين وتحيزهم إذ لم يخصوهإلا بفقرة أو فقرتين في كتبهم) .
القسم السادس( الشمس) يورد الباحث ..
(وأذا كانت الحضارات القديمة تعتمد الظواهر الطبيعية رموزاً لعباداتهم وخضوعهم لما فيها من أعجاز وأسرار ، مما يعزى إلى انه لم يكن باستطاعة الإنسان في حينها أن يفككها أو يتوصل الى بعض علومها ، كما أن بقاء تلك الظواهر مقدسة ومهيبة لدى الأيزيدية يدلل على أستمرار الظاهرة القديمة التي كانت تنتشر بين الأديان والحضارات القديمة ، فلم يزل حتى اللحظة تقديساً ومهابة لكل من الشمس والقمر في الديانة الأيزيدية ، وأن دل استمرار التقديس على شيء فأنما تدل على الأمتداد التأريخي القديم والتواصل في الأعتقاد داخل هذه العقيدة .ص 100.
(وفي تأريخ الأديان تبين بأن الشعوب التي كانت تعبد الشمس كانت ترمز لها بأنواع متباينة من الطيور ، فعند المصريين القدماء كان الباز رمزاً للشمس ، وعند الأغريق الوز ، وعند الهنود طير النسر ما يرمز للشمس ، اما عند الأيزيديين فكان ولازال طير الطاؤوس رمزاً لاله الشمس ، وانقلبت تسميته بمرور الزمن وبتأثير الأديان الأخرى الى الملك طاؤوس ، اما في الديانة القديمة فيرمز طير الطاؤوس الى اله الشمس وهناك اشارة تأريخية الى أن الطاؤوس لم يكن موجوداً في وادي الرافدين بل جاء على هيئة ضريبة من الهند . ( مقالة للدكتور بير ممو عثمان بعنوان الديانة الايزيدية بين عبادة الشمس والتصوف فصلية لالش العدد 21 لسنة 20. ص100-101
(وقدسية الشمس في الأديان الأخيرة التي حلت على البشرية من خلال كونها جزء من القدرة الالهية ، ولهذا خضع الأنسان لها محتاراً في قدرتها وأستمراريتها ، وفي كتاب ( كنزا ربا ) المندائي يرد ذكر الشمس في التسبيح الثاني ضمن الوصايا ( منه كان الملائكة والأثريون * بضيائه ونوره يرفلون * أسنى من الشمس والقمر *) ، وقد ورد ذكر الشمس في القرآن الكريم 32 مرة ، وفي محاججة بين النبي أبراهيم أبو الأنبياء وبين أحد الناس يشير القرآن الى عجز الأنسان أن يأتي بالشمس من المغرب حيث يأتي بها الله من المشرق بأعتبار أن شروق الشمس من المشرق أعجازاً ربانياً لايمكن تغييره أو تبديله الا بأمر الله ، وفي سورة أخرى يقرر الأنسان أن الشمس البازغة هي الرب الذي يعبد ، لكنه يعدل عن ذلك حين تأفل الشمس وتغيب ، والله الخالق الصمد هو الذي خلق الكون وسخر الشمس والقمر كآيات معجزات من آياته المتعددة التي يعجز الأنسان أن يأتي بمثلها .
ويضع الزرادشتي اعتباراً عظيما للشمس التي يعتبرها أحد أكبر تجليات الله ( أهور أمزدا ) ولايراد بها عبادتها لأن العبادة شيء والقدسية شيء آخر) ص 101- 102
ويذكر الباحث الدكتور خليل جندي في كتابه ( نحو معرفة حقيقة الديانة الايزيدية ) بالصفحة 129 : (( الدور الكبير للشمس كمادة كونية تعطي النور ، الحرارة ، الخير والطمأنينة للأنسان ، لذا نرى أن الأيزيديون قد كرسوا – ومازالوا – أربعة من أدعيتهم للشمس ( دعاء الفجر ، الصبح ، الظهيرة ، المساء ) ، يقفون بكل تبجيل في حضرة هذه المادة الخارقة ويتحركون كزهرة عباد الشمس مع حركة الشمس من الشرق الى الغرب عند اداؤهم لهذه الأدعية )ص103 -104
(ويقول الاثاري السيد عبد الرقيب يوسف : لقد ذهب العديد من الكتاب والمؤرخين والبعض من المستشرقين وعلماء الاثار الى لالش بقصد الحصول على المعلومات عن كثب ، ولكنهم لم ينتبهوا الى المعبد القديم وكذلك الى تلك الأشكال والرموز التي لها علاقة بالديانة المثرائية المنقوشة على صخور جبل عرفات في خارج معبد الشيخ آدي ، منها رسوم الطاؤوس والحفر الدينية ورسوم القبة السماوية بنجومها ( فصلية لالش) العدد 21 لسنة 2004 ص 93 .
ومن اللافت للنظر ان يذكر الباحث المذكور ان كل من المؤرخ عبد الرزاق الحسني والكاتب والآثاري سعيد الديوه جي ومعهم ( ويكرام ) قد زاروا المعبد ( لالش ) ودخلوا الغرفة المنقورة في الجبل والتي تضم أصل المعبد ولكنهم لم يتعرضوا الى قدمها وأهميتها ، ولم يعرضوا استنتاجاتهم في علاقة المعبد القديم بالمثرائية والأستنتاج الذي يؤكد قدم الديانة الأيزيدية وفق ما لمسوه وشاهدوه في تلك الغرف المحفورة في جسد الجبل ، لأن الغرفة المذكورة لايمكن ان تكون مجرد مخزن لزيت الزيتون ، حيث ان مثل هذه الغرف لايمكن ان يتم النقش على جدرانها أو يتم رسم اشكال مهمة في الديانة الأيزيدية مالم تكن جزء من المعبد القديم حيث يمكن القبول كما استنتج الباحث الاثاري عبد الرقيب يوسف من الأيزيديون كانوا في الأصل مثرائيون ، على الأقل كقرينة لأثبات قدم الديانة الأيزيدية ) ص108 مناقشة
القسم السابع ( القوال) يقول :
( لاتتحدد اهمية القوال في الديانة الأيزيدية كونه ينشد الأناشيد والمدائح والوصايا الدينية في الحفلات والمراسيم ، وليس في ترديد فضائل الشخصيات الدينية والمشائخ ورواية القصص والحكايات التاريخية عنهم ، وليس في العزف ومصاحبة السنجق عند تجواله في قرى الأيزيدية ، ولافي اجراء مراسيم دفن الموتى ، ولا في معرفة بعض مابقي من الذاكرة التأريخية الأيزيدية المبعثرة المتداخلة مع القصص والأساطير الشعبية ، أنما تكمن أهمية القوال في قدرته على حفظ النصوص الدينية وثقافته الدينية التي لايستهان بها بالنسبة للمجتمع الأيزيدي الذي كان يفتقر لوجود المثقفين الذين يتحملون على عاتقهم معرفة التأريخ والدين الأيزيدي كما في الوقت الحاضر) ص111
(أن التواشيح الدينية التي يرددها القوالون في المناسبات والأعياد الدينية تكون باللغة العربية التي تتخللها اللغة الكردية) ص112 .
اعتقد ان الآمر قد التبس على الباحث في هذا الموضوع لأن غالبية التواشيح التي يرددها القوالون هي باللغة الكردية التي اضيفت اليها بعض الابيات والمفردات التي تتداولها العربية بصيغة مشتركة وتوافقية مع العديد من لغات شعوب المنطقة المنحدرة من جذور مشتركة من جهة ولأن لغة القوالين بإعتبارهم من سكان بعشيقة وبحزاني حصرا ً هي لغة مكونة من مفردات متداخلة تجمع بين الكردية والعربية ومفردات من لغات اخرى في سياق ظاهرة تاريخية وميثولوجية ثقافية فريدة لم ينتبه لها الباحثون في علم اللغات ولم تدرس من قبل المختصين لحد اليوم وقد نوهت لهذا في دراسة سابقة بعنوان ( ابعاد ودلالات لغة بعشيقة وبحزاني) ، وقد علق عليها الباحث نبيل فياض اثناء تواجده في المانيا هذه اول مرة يطرح فيها كاتب من خلال بعد ثقافي وجود شيء مشترك يجمع بين العرب والكرد ، ويمكن الرجوع اليها من خلال الرابط التالي. (2)
ويتمتع القوال بمنزلة أجتماعية مرموقة وأحترام ملحوظ في أوساط المجتمع الأيزيدي ، لذا فأنه يكون من الملتزمين أجتماعياً ومن القدوة بين الناس في التصرفات والأفعال .
والقوال لايحلق لحيته ولاشاربه ، ويجيد التراتيل والأنشاد و الضرب على الدف والعزف على الشبابة كما يخلفه اولاده في عمله ومهمته ، أذ ان الوظيفة وراثية محصورة بعائلة القوالين ، تنتقل بينهم جيلاً بعد جيل ص 113
(والقوالين لايتزوجون الا من طبقتهم او من طبقة المريدين ، وهم يفضلون التزاوج بين ابناء صنفهم من اسر القوالين)113
ومن الثابت أن القوالين في الأصل ينتمون إلى عشيرتين إيزيديتين هما عشيرتي الهكاري والدوملي ص113
وهم مكلفين بتوزيع ( البراة ) وهي حجرة صغيرة من الطين بحجم البندقة مأخوذة من مكان مقدس في منطقة لالش يمنحها الأيزيدي شيئا من القدسية والتبجيل ص114
(كما تتميزالآيزيدية بوجود مهمة ليس لها نظير في الديانات الاخرى وهي مهمة الكواجك وهم رجال دين يتصلون بالملكوت الاعلى كما يزعمون فتنكشف لهم حجب الغيب، فيتمكن احدهم من معرفة الغيب والمستقبل أحيانا ًبواسطة قواه الروحية ص 114
(وهذا يظهر جلياً حتى في عصرنا الحاضر، حيث يلعب القوالون دوراً متميزاً في العديد من الأعياد، ويعزفون على الموسيقى المقدسة، ومن تلك الأعياد: عيد (جز الصوف)، حيث يجلب الأهالي الأغنام، ويقومون بجز صوفها وأثناء هذا ينقر القوالون على الدفوف ويعزفون على آلة الشبابة (الناي). هذا الطقس العيد لا يزال يمارس بين الأيزيدية في قصبتي بعشيقة وبحزاني في شهر نيسان، وبعد عيد رأس السنة (سه رسالى Sersalِ) مباشرة، وفي هاتين القصبتين يجيء إحياء طواف (غفورى رييا Xefurِ rِya) حيث يقوم القوالون بإحياء تلك الذكرى القديمة. )) ( د. خليل جندي - نحو معرفة حقيقة الديانة الأيزيدية – السويد 1998) ص117 .
وهنا اود ان اضيف الى ما اورده الباحث من ان ما اسماه عيد جز الصوف هو في الأصل مناسبة تدعى طهوغ الغنم اي ختان الغنم ،التي يتم فيها جز الصوف وهي تقوم من خلال تطواف الغنم حول مرقد الخفيغ ( الخفير) او مايعرف احيانا بخفيري ريا اي حارس الطرق وقد جلب انتباهي في هذا الموضوع مسالتين الأولى وجود اله للغنم بأسم ( لخفار ) عند السومريين وهو اسم مطابق للخفير لدى الأيزيدية من جهة والثانية هي تسمية الحارس (الغفير) التي مازال يستخدمها اهالي بعشيقة وبحزاني كوصف وتسمية للحارس وهي ذات التسمية في اللهجة المصرية الغفير والتي تداخلت فيما بعد لتستخدم في وصف الشرطي الذي يؤدي مهمة الحراسة واعتقد منها اخذت كلمة مخفر اي مركز الشرطة التي نتداولها اليوم.
وفي مقاربة مهمة يقول الباحث صباح كنجي:
(لقد زودتنا النصوص المسمارية السومرية بمعلومات قيمة ودقيقة تتعلق بالموسيقيين وأصنافهم وإختصاصاتهم ومراكزهم الوظيفية، ويستفاد من هذه النصوص، إن معظم الموسيقيين في العهد السومري كانوا من الكهنة ورجال الدين التابعين للمعبد ومهنة الموسيقى كانت في العراق القديم من المهن التي يتوارثونها عن الآباء1 . وأثبتت النصوص المسمارية أيظا ً( إن الموسيقيين في العراق القديم كانوا قبل أكثر من 4500سنة مصنفين إلى ثلاث درجات، وكانت الوظائف الموسيقية في المعبد حسب التخصص تقسم إلى قسمين يعرفان في اللغة السومرية بإسم كالا ... GALA )والثاني نار Nar
وبالأكدية( كالو ... KALU ونارو ... NARU ) 2.
تصرف وتشير الكلمة السومرية (كالا) باللغة الأكدية(كالو) إلى الكاهن الذي يرتل ويعزف الألحان الحزينة عند دفن الموتى وغيرها من المناسبات، ويقسم هذا الصنف الى ثلاث درجات هي :
أ- كالا- ماخ GALA-MAK.
تعني هذه الكلمة السومرية الكاهن الموسيقي الكبير للغناء الحزين وهذا الصنف هو اعلى المراتب ويعود شاغرها إلى طبقة رجال الدين والمعبد .
حول هذه النقطة يمكن القول أن صفة كبير القوالين عند اليزيدية اليوم هي نفسها من حيث الأهمية والدور شكلا ً ومضمونا ً مع سابقتها الموسيقي الكبير عند السومريين.
والملاحظة الثانية إن لفظة( ماخ .. ماك MAK ) بالكردية تحديدا ً وهي لغة الأيزيديين اليوم وتلفظ كما تكتب باللاتينية والأنكليزية (ماك) هي الأم أو العرق الرئيسي ، ولا زال المزارعون الكرد يطلقون على أية عقدة في الشجرة قابلة للقص والزرع والأنبات لفظة ماك = الأم = الأصل.
إذن فإن ال ( كالا ... ماك) هي التسميه المشتركة التي كانت تطلق على اعلى مرتبة عند السومريين وهي نفسها التي تطلق على ( كبير القوالين ) اليوم عند الأيزيديين.
ب- كالا ... GALA
كالا ... KALA السومرية وكالو KALU الأكدية تعني الكاهن الموسيقي والذي يأتي بعد كالا .. ماك.
يشارك هذا الكاهن الموسيقي في شعائر دفن الموتى بإداء وظيفة الغناء والعزف على الآلة الوتريه المعروفة عند السومريين باسم( بالاك ) ... BALAG وبجانب مهامهم الموسيقية فإن هؤلاء الكهنة الموسيقيون يقومون بأداء أعمال أخرى تخص حقول وابنية المعبد وتنظيف قنوات الري لأن القسم الأعظم من اراضي دويلات المدن في العصر السومري القديم يعود إلى ملكية المعبد ، وكان الكهنة الموسيقيون من هذا الصنف يستلمون لقاء اعمالهم المواد والملابس والأصواف والفضة . يوجد تشابه إلى حد ٍ كبير بين الصنفين ، ال( كالو) من السومريين الأسلاف و(القوالين ) من اليزيدية المعاصرين. فالقوالون لا زالوا يؤدون نفس المهام ، حيث إن الأيزيديون يدفنون موتاهم على انغام الموسيقى ( الدف والشباب ) المقدستان التي يعزف عليها القوالون فقط
وتؤكد الباحثة (ايفلين كينكل) على إن :
(كان الكهنة يعزفون بالآلات الموسيقية الألحان الجنائزية ويتهيئون لإجراء مراسيم الدفن . ويشترك هؤلاء العازفون بأخذ ثمن اتعابهم من الحنطة أو الخبز وبقايا مخلفات الموتى بما فيها الصوف والملابس)4 ، وتضاف اليها الآن عند اليزيديه الحلوى والنقود.
وعند انتهاء اعياد الأيزيديه في وادي لالش الذي يتواجد فيه معبدهم الرئيسي بنفس الأسم- لالش - يقوم القوالون من أهالي بعشيقة وبحزاني مع عوائلهم بإدامة وادي لالش وتنظيفه بعد مغادرة الزائرين له ، وهي مهمة ذات امتداد تاريخي ومتوارثة ميثولوجيا ً رغم البعد السحيق زمنيا ً، اصلها كما ورد سابقا ً، تنظيف قنوات الري في العصر السوري القديم من قبل الكهنة الموسيقيين بحكم عودة ملكيتها للمعبد .
وتقع على عاتق القوالين أيظا ً مهمة قطف الزيتون بعد نضجه من البساتين العائدة للمعبد في وادي لالش ، الذي يستخدم زيته في إشعال نيران المصابيح عند رموز الأرباب المتواجدة فيه ليلة كل اربعاء والجمعة وايام الأعياد، ولا يشترك مع القوالين في مهمة قطف الزيتون إلا عوائلهم وابناؤهم فقط ... وهذه المهام ل( كالو) والقوالين لم تتغير في العهدين رغم مرور آلآف السنين بين الطرفين .
ج- كالا- تور GALA .
تدل هذه الكلمة السومرية على الكاهن الموسيقي الصغير أو المبتدىء أو المتدرب ، وهي شبيهة إلى حد ما لفئة القوالين الذين لا يمارسون مهمة إداء الشعائر والطقوس الدينية ويجري التعامل معهم شكليا ً كونهم من القوالين ويسميهم عامة الناس الأيزيدية : بالقوالين، وتشمل التسمية جميع أهالي بعشيقة وبحزاني سواءً كانوا من القوالين المنشدين فعليا ً أم من المحسوبين عليهم فقط ، بإختصار انه لقب عام لكافة أهالي المدينتين. )ص121)
في القسم الثامن ( النص المقدس) يشير الباحث ( لعل ظاهرة النصوص المقدسة وما تحتويه من دلائل تشير إلى تلك الخصائص التي اختصت بها الديانات بشكل عام والديانة الايزيدية بشكل خاص، تعبر عن المكونات الاساسية لتلك الديانات، فالنص المقدس دائما يعبر عن القيمة والقدرة الحقيقية للتواصل بين الله وبين البشر التي يجسدها إي دين... والمهم أن ندرك الزمن الذي تم فيه وضع النصوص... وتدقيق توافقها مع المنطق والمقبول ضمن التحولات الزمنية...لذا يتوجب أن ندرس بدقة الزمن الذي جاءت به تلك النصوص ... لاهمية هذه الدراسة والمعرفة في التوصل إلى حقائق دينية وتاريخية مهمة، كما سيسهل علينا أيضا معرفة مدى التأثير على النفس البشرية من خلال الإلزام الطوعي بالدين والاعتقاد العقلي بصحة تلك الافتراضات... وما من شك إن للديانة الايزيدية كتب مقدسة والمعروف عن الايزيدية إن لديهم كتابان مقدسان هما ( الجلوة ومصحف رش ) ... وتعددت القصص حول مصير هذين الكتابين رغم ان الثابت من المرويات التاريخية انه كانت في لالش بمرقد الشيخ عدي بن مسافر مكتبة تضم مخطوطات وكتب قديمة، وقد تعرضت للتلف والتمزق والحرق...) ص123-127 ويستشهد في ما قاله الكاتب ب.ش دلوفان في مجلة لالش الذي يؤكد فيها اطلاعه على كتاب الجلوة عام 1999 بواسطة شخص ايزيدي لم يذكر اسمه ولا مكان اقامته وهوكتاب مخطوط بقي في حيازة الكاتب مدة نصف ساعة تمكن من نقل محتويات صفحة واحدة...
كما يذكرواقعة أخرى ايدها عدد من الباحثين والكتاب تدلل على مشاهدة السيد ملا خليل مشختي عام 1927 في صحن لالش قرابة عشرين كتاب كان البابا جاويش بير جروت قد نشرها امام حرارة الشمس لتجف من اثر الرطوبة..ص126
ويتطرق إلى محاولات الكتاب الايزيديين لتدوين ادبهم الشفاهي..
وينقل نصوص دينية ترجمت إلى العربية ويعلق عليها ويقارن مضمونها مع بقية الاديان ويتساءل ( كيف صادف تطابق الاساطير والملاحم التي وردت في الكتب المقدسة لجميع الاديان مع كتب الايزيدية؟ كما إن أسلوب كتابة الجلوة المقدس يشابه إلى حد ما أسلوب كتابة العهد القديم ولا يشابه غيره من الكتب الحديثة العهد ) ص138
وتتطابق الديانة المانوية مع الايزيدية في الطبقات الدينية الترتيبية حيث تكون هذه الطبقات ثابتة ولا يجوز التزاوج إلا بين أبناء الطبقة الواحدة في كلا الديانتين ص139
( إن النصوص الدينية الايزيدية ليست فيها تشريعات مثل كيفية الزواج والارث والطلاق والموقف من الاديان الأخرى.. الخ بل هناك قانون اخلاقي شفهي متعارف عليه بين الايزيدية يتعاملون على أساس نصوصه )ص140
ويطرح تساؤلا مهما ( إلا يكفي هذا الامر لإعادة التقييم والنظرة إلى مثل تلك المجتمعات التي لم تتلق سوى الموت والخراب والدمار والقتل بسبب اختلافها في طريقة الايمان في منطقتنا، إلا يدعو الأمر إلى المزيد من البحث والتنقيب للتواصل إلى الحقائق بديلا عن لغة الموت والذبح والاقصاء؟ ص141
( وان هذا التنوع العقائدي والتعدد في الاديان يطرح مسالة التعايش الوجود بين الجماعات البشرية بعيدا عن التطاحن والقتال ومحاولة انهاء الاخر وبعيدا عن التفكير والذبح والتسفيه واللجوء إلى الحوار والتقارب والتفاهم وانه لا وجود لطريق اخر أمام البشر لتامين سعادتهم في الحياة الدنيا سوى عن هذا الطريق )ص147
ويتطرف الباحث في القسم التاسع ( الصوم) إلى وجود ظاهرة الصوم في كافة الديانات كممارسة انسانية قديمة .. واعتقد السيد عبدالرزاق الحسني في كتابه ( اليزيديون في حاضرهم وماضيهم) ( قد يكون اصل هذه الجماعة -ويقصد الفقراء- من الهنود، كان للشيخ عدي فقراء من الهنود وعلى هذا ربما كان فقراء الايزيديون الحاليون من احفاد اولئك الفقراء الهنود) ص152 والمعروف أنهم يطلقون في الهند صفة -الفقير- على كل زاهد متقشف مسلما كان أم هندوسيا وقد اشار إلى هذه الملاحظة الدكتور خليل جندي في كتابه نحو معرفة حقيقة الديانة الايزيدية المار ذكره بالصفحة 65 وعزز قول الحسني حسب راي الدكتور جندي إن القسم الاعظم من عشيرة الفقراء في سنجار تتم تسميتهم بالشرقيين ص153
ولهذا اعتقد الكاتب الدكتور خلف الجراد في كتابه ( اليزيدية واليزيديون ) اصدار دار الحوار دمشق 1995 ص 160 أن أصل الفقراء الأيزيدية من الهنود استنادا لما مر آنفاً ، غير أن أصول الايزيدية الكوردية التي لم يختلط نسبها يتناقض مع هذا الرأي ، فلم يعرف التاريخ أن موجات هندية اختلطت بالكورد في المنطقة ، كما لايقبل أنتماء من خارج الدم الأيزيدي في الديانة الأيزيدية كما أسلفنا .
ان الاحتمالات التاريخية تؤكد ان الايزيدية هم بقايا شعوب جبال زاكروس ومن السلالات الاولى التي سكنت كوردستان ، كما ان العشائر الايزيدية تعود إلى شجرة واحدة من عشيرة ( الهكارية ) القديمة والتي لم تتداخل معها موجات بشرية أخرى ، فكيف يمكن التمازج بين الهنود القادمين وبين الأيزيدية الكورد مما يضعف الأحتمال الوارد في كتاب الحسني من كون عشيرة الفقراء في سنجار من أصول هندية . .
وأذ يترك الفقير الايزيدي الدنيا وزينتها ، فأن له منزلة محترمة في المجتمع الأيزيدي ، ومن المحرمات على الفقير قص الشوارب واللحى ، ويرتبط الفقراء بعشيرة تدعى عشيرة الفقراء ، ويبجل المجتمع الايزيدي الخرقة التي يرتديها الفقير ، ويصل التبجيل حد القسم بالخرقة ، كما لايمكن الأعتداء على لابس الخرقة أو تمزيقها ، والخرقة لباس من الصوف الخالص يصبغ باللون الاسود بواسطة اوراق وقشور شجرة الزركوز ، يلبسه الرجال من الزهاد ، وعشيرة الفقراء في سنجار ، وتسمى هذه العشيرة ايضا به ( الشرفيين ) ، يلبسون جلهم لباس الخرقة مع تربية اللحية والشوارب ويضعون خيطا منسوجا في عنقهم يسمى ( المفتول ) ، أو طوق طاؤوس الملائكة وأيزيد كما يضعون طاقية على راسهم تسمى ( كمة الفقير ) اما بقية ملابسهم بيضاء ناصعة . الدكتور خليل جندي – نحو معرفة حقيقة الديانة الأيزيدية – المصدر السابق – ص64
ولابد من بحث جذور طبقة الفقراء لدى الأيزيدية ، لفهم أسس ترك الدنيا وتجنب لذاتها وهجره لمباهجها والأكثار من الصوم والتعبد طمعاً في رضاء الله ، يشد الفقير فوق خرقته حزاماً أحمر من الصوف فيه حلقة صفراء ، ومن التقليد الديني أن يتم دفن الفقير بخرقته . 154
وقبل ان اختتم ما وددت ان اسجله من انطباع ممتع وقييم عن الكتاب اود ان اتطرق الى ما ذكره الباحث في عنوان تكميلي لاحق لما ورد في الكتاب تحت عنوان هل كان ابو سفيان ايزيديا ً؟ حيث ذكر فيه معلومه هامة للغاية تفيد بوجود الطاؤوس كرمز يودع في الكعبة قبل الاسلام ، وهي اشارة مهمة تدعم المعلومات التاريخية التي تؤكد انتشار العديد من الديانات في منطقة الجزيرة منها اليهودية والمندائية والزرادشتية والمسيحية والمانوية واليوم يضيف الباحث زهير كاظم عبود الأيزيدية ، بالأضافة الى احتفال العرب بعيد النوروز قبل الأسلام كسائر الشعوب التي كانت تحتفل به وقد ثبتت هذه الحقيقة من خلال قصائد الشعر في مراحل سابقة للأسلام ، إذ يقول الباحث :
( كان ابو سفيان - صخر بن حرب57هجرية - من اسياد مكة وكان يعبد تمثالا ً يجسد الطاؤوس يضعه تارة داخل حجرة الكعبة ، ويميز مكانه وموضعه، ويشرف على تنظيفه وتقديسه، ولطالما انسحب من بين الجموع التي تقف خاشعة امام اللات والعزى وهبل ليدخل دار حجرة الكعبة ويجثو على ركبتيه، امام الطاؤوس رافعا كلتا يديه اليه، يرجوه ان يشفع له عند الله، وكان احيانا ً ينقله معه الى حجرته في بيته يتعبده مع اهله، وحين شعر ان هجوم الجيش الاسلامي وشيك لفتح مكة ، وحين تاكد له ان الرسول محمد (ص) وجيش المسلمين قادم لا محال، وانه سينتصر عليهم، قام بنقله بمعاونة ولده معاوية الى بيته القريب من دار الكعبة ، وبقي التمثال في بيته دون ان يتعرض له بالرغم من زعمه الدخول في الدين الجديد تحت وطاة الخوف من القتل....
واللافت للنظر إن فكرة الأسلام لم تدخل عقل ابا سفيان فبقي لا يؤمن بالنبوة حيث يعتبرها ملكا عضوضا، ولا يؤمن بجنة او نار الاسلام ، غير ان احدا لم يبحث عن الدين الخفي الذي بقي يتمسك به، وعن مصير تلك الطواويس التي كان يتعبد بها الله.... كانت القبائل العربية تعبد الأصنام ولكل قبيلة صنمها الخاص، فما علاقة الطاؤوس بابي سفيان وهو المعروف بكثرة اسفاره وترحاله التجاري في مدن تقدس الطاؤوس وتتبرك به الى الله....
والديانة الإيزيدية كانت موجودة حتى حدود تكريت التي خصص لها رجال الدين سنجقا ً خاصا يدعى سنجق تكريت، والسنجق الثالث كان على تكريت وسامراء كما يقول اسماعيل بك جول في صفحة 79 من كتابه اليزيدية قديما وحديثا ً...
واللافت للنظر ان الأيزيدية لا تقبل الانتماء اليها من خارج ديانتها،غير ان هذا الامر لا يمنع من انها كانت منتشرة في مناطق عدة من العالم، والعديد من العشائر العربية كانت تدين بالديانة الإيزيدية ثم تحولت الى المسيحية اوالى الاسلام تحت تأثيرات عدة ومختلفة ويمكن للباحث والمتابع ان يستقصي تلك الحقيقة من عشائر وبيوتات الموصل العربية، ولكن ابو سفيان لم يكن يلتزم بدين معروف ومحدد قبل ان يدخل الاسلام عنوة ، ولعه اعتقد بقدرة التمثال على التقرب الى الاله كما يعتقد الالاف غيره من ابناء الجزيرة قبل ان يحل الأسلام وينتشر، وربما جلبه معه اثناء سفراته التجارية ومروره باقوام تعبد الاله وتقدس الطاؤوس ملك وتتخذ له شكلا رمزيا ً، او حقا ً كان يعتقد بعبادة دين الايزيدية وتقديس طاؤوس ملك الذي لم يتسن له ان يحضر احتفالات السناجق السبعة في كل عام ومن ثم اسلم ظاهرا مذعنا لمنطق الخوف والخشية من ان تضرب عنقه في تلك اللحظات الحرجة، مخفيا ما به من ايمانه بالأيزيدية ) .
وقد نشردراسته هذه في العديد من مواقع الأنترنيت وهي بحق دراسة جديدة تحوي مادة غير مطروقة تؤكد بالفعل على اسبقية الديانة الأيزيدية كحقيقة تاريخية قبل الإسلام وهو ما يدحض كل المحاولات السابقة وينسفها التي ارادت ان تضع الأيزيدية في خانة الفرق الإسلامية المنشقة واستطيع ان اؤكد بان الباحث قد اغلق هذا الباب الذي كان يستند عليه المتعصبون من القومجيين العرب والأسلاميون ممن حاولوا شرعنة الأضطهاد الديني وتبرير الجرائم المرتكبة بحق الأيزيديين بعد ان اعتبروهم من المرتدين وللأسف الشديد فإن هذه التبريرات مازالت تتردد في كتابات جديدة لكتاب جدد يسعون لتكفير الأيزيديين وكان آخرهم ماجاء في رسالة ماجستير في سنة 2001 للكاتب( آزاد سعيد سمو ) المدرس في جامعة اربيل الذي سوف نتناول دراسته ( اليزيدية من خلال نصوصها المقدسة والذي ساهمت في دعمه الرابطة الأسلامية الكردية حسبما ورد في تقديمه للكتاب المشفوع بالشكر لهذه المؤسسة ) وبحثه بالنقد كنموذج آخر من الكتابات التي فند ادعاءاتها الباحث زهير كاظم عبود لكنها ما زالت تعشش في الزوايا السوداء من التاريخ بيننا كنموذج للفكر العنصري المتعصب الذي ينبغي مواصلة الكفاح ضده كما فعل الباحث في تنقيبه في التاريخ الإيزيدي القديم الذي يستحق الثناء والتقدير وهو يكافح من اجل حقوق الناس ومساواتهم من خلال البحث عن الحقيقة التي يحاول العنصريون تغييبها.. لكن راية الباحث وهامته اطول من ان تطمسها رغبات من يحاول تقزيم و تزييف حقائق التاريخ .. وتحية للمدافعين عن حقوق وحرية البشر ومساواتهم حيثما كانوا.
(1) هي امارة كلس في حلب ( ص . ك)
(2) للمزيد من المعلومات يمكن فتح الرابط التالي
http://www.gilgamish.org/viewarticle.php?id=index-20060626-101.[1]