#صباح كنجي#
تعتبر ملحمة كلكامش او جلجامش من اهم واقدم الملاحم الأدبيه الأنسانيه ليس في بلاد الرافدين فحسب بل في تاريخ الحضارة الأنسانية العالمية.
ورغم كثرة الدراسات المعمقة حولها وترجمتها الى العديد من اللغات العالميه الحيه ، فأن الجدل ما زال قائما ً حول مضمونها وشخصية بطلها الرئيسي وبقية الأشخاص الذين معه.
ويشمل الجدل والنقاش المتواصل تسمية بطل الملحمة وصعب الأمر على اهم الباحثين والعاملين في هذا الميدان في معرفة مدلول الأسم ومعناه .
وإذا كان بالإمكان إعتبار الأستاذ طه باقر وصموئيل نوح كريمر اهم الباحثين في حقل السومريات بإعتبارهم من الرواد الأكفاء إلا أن السنوات الأخيرة قد كشفت عن أسماء آخرين لا يقلون شأنا ً عنهم بحكم تراكم المكتشفات الآثارية وكتابة وإنجاز المزيد من البحوث حول الموضوع.
يذكر الأستاذ طه باقر حول اسم كلكامش عدة صيغ منها (كلكامش ، جلجامش ، كلكاموس ، جيجموس ، جليموس بلفظ الجيم كافا ً فارسيه ) ، ويؤكد :-
( لا يعلم بالضبط معنى إسم جلجامش وقد ذكرت بعض النصوص الأكدية معناها ( المحارب القديم ) كما يحتمل ان يكون معنى اسمه بالسومرية ( الرجل الذي سيولد اسرة جديدة ).1
هذه النتيجة بالنسبة للأستاذ طه باقر هي حصيلة عمل متخصص لأكثر من نصف قرن ، وهي بلا شك ليست نهاية المطاف ولن يتوقف الجدل والنقاش حول الموضوع والآفاق هي اوسع من ذلك بعد إكتشاف المزيد من المعطيات الثقافية والحضارية.
واستطيع أن أؤكد إننا أمام منعطف مهم بخصوص تأريخ العراق القديم وحضارته العريقة ، وقد نبه لهذه الحقيقة الباحث الألماني موتكارت حينما تساءل وبحق :-
( ومن هم السومريين أصلا ً؟ لن نكون قد جانبنا الحقيقة إذا إستبقنا الأمور بالأجابة عن السؤال الأخير وقلنا .. لا نعرف عن السومريين حتى يومنا هذا شيئا ً جديدا ً عنهم . كل ذلك سيبقى رهنا ً بيد القدر ) ، ويضيف ( فلغة السومريين نفسها لا تساعدنا كثيرا ً في القاء الضوء على أصلهم سواء ً من ناحية تركيب الجملة او من ناحية المفردات . فهي غير مشابهة لأي لغة من لغات العالم القديم.. وبما ان السومريين وفقا ً لبعض المعطيات ليسوا من سكان البلاد الأصليين فلا بد إنهم إنحدروا من مكان ما إلى الجنوب الرافدي ولكن من اين وعبر أي طريق ؟ .
مازالت الأجابة عن كل هذه التساؤلات غامضة واقرب النظريات قبولا ً .. وذلك لأعتبارات عديدة تقول إن اصلهم ينحدر من الشمال والشمال الشرقي وذلك في الفترة الواقعة بين العصر الحجري النحاسي وعصر فجر التاريخ ) .2
وفي الصفحة التالية يؤكد انطوان موتكارت :
( إلا أن الرأي السائد هو ان نقطة الأنطلاق كانت في الشمال الرافدي ثم تحولت نحو الجنوب خلال ادوار العصر الحجري النحاسي أي ان التحول انتقل من الشمال الى الجنوب الى المنطقه التي شهدت ميلاد الحضارة السومريه فيما بعد ) .3
ولو عدنا إلى مضمون الملحمة وطبيعة الحياة الأجتماعيه والثقافيه والدينيه للعهد السومري لحصلنا على مدلولات تؤكد وجود مرادفات لغوية مشتركة بين اللغة السومرية وعدد من لغات الشرق الأوسط في المنطقة مع وجود كلمات مشتركه بين لغات هذه الشعوب وهي ( العربية، الفارسيه،الكرديه ،العبرية، التركية ،الآراميه ، المندائية ، الآشورية ، الأرمنية ، الجركسية ، الكلدانية ، السريانية ، والزازائية واللهجات المتفرعة منها ).
ومن هذه المشتركات اللغوية يمكن ملاحظة وجود كلمات ومرادفات بين الكردية والفارسية والسومرية وهو امر اوضحته في بحثين لي في مجلة ( روز ) المتخصصة وجريدة المؤتمر في رد توضيحي على مقال للباحث الدكتور مؤيد عبد الستار بخصوص تسمية (جيكور) مدينة السياب الشاعر المعروف .
وفي سيمينار أدبي خاص للدكتور مؤيد عبد الستار ايضا ً في مدينة هامبورك الألمانية حول الأدب العراقي القديم وتسمية كلكامش في عام 2002 أوضحت في تعقيب على الأسم إن تسمية كلكامش تعني ثور الجاموس .
ان هذا التشبيه والتسمية تتناسب مع طبيعة الحياة الثقافية والدينية والميثولوجية في العراق القديم في العهد السومري لأعتبارات تعود لمكانة الثور في ديانتهم كونه رمزا ً للقوة والخير والتضحية ومن مستلزمات الديانة السومرية وطقوسها التضحية بالثور في مناسبات عديدة على مدار العام وهو امر ما زال متوارثا ً لدى الأيزيديين في العراق حيث هناك طقس خاص للتضحية بالثور ( العجل ) ويعتبر من أهم وأبرز أعياد الإيزيديه في لالش معبدهم الرئيسي .
واذا أخذنا صفات الآلهة السومرية ومن بعدها البابلية نرى إنهم يشبهونها بالثور وعلى سبيل المثال (ايل ) .. الذي كان يعبد في بابل و أوكاريت و إيبلا وعند العرب الكنعانيون في الجزيرة والذي يعتبر في نفس الوقت اكبر الآلهة.. يجسد على شكل ثور ويدعونه بثور ايل .
وجسد الآشوريون ايضا ً الإله ( ايلو )على شكل ثور مجنح وتدخل كلمة ( ايلوهيم ) في حالة الجمع في الكتاب المقدس كاحدى تسميات الله.
وتركز الملحمة على قوة البطل الخارقة في مسعاه للبحث عن الخلود وتعتبر ثلثاه من اله وثلثه من بشر ، تحدى الصعاب وجاب البراري وقد شبه بالثور لأنه أي الثور رمز للقوة والخصب والعطاء . وتسمية الأشخاص التاريخيين من الملوك والآلهة بهكذا تسمية طبيعية وتستند الى مدلولات ميثولوجيه متعارف عليها وتتناسب مع طبيعة الديانه السومرية.
والملفت للنظر ان الايزيديين اليوم يشبهون الرجل القوي البنيان بالثور (افا كايه – هذا ثور) او يقارنون حجمه (هندي كايه كة ، هو بحجم الثور ) كذلك يطلق الكرد تسمية الكافان على راعي البقر والكاران على قطيع البقر .
علما ً ان القراءة المتأنية للنص وتحليله تؤكد هذا الإستنتاج وتعطيه المصداقية في اكثر من من بيت وعمود في القصيدة، من الواح الملحمة ، نفسها .
واستطيع ان ادعم رأي هذا بتلك الأبيات الصريحة والواضحة التي لا تقبل اللبس أو التأويل ولا المغالطة فقد ورد في الفصل الأول من اللوح الأول وفي الحقل الاول من ترجمة طه باقر. 4
(إنه البطل
سليل اوروك
والثور النطاح
نسل.. لوكال بندا ) .ص77-76
كما ورد في العمود الثاني من الصفحة 78 في وصف كلكامش.5
( كان طوله احد عشر ذراعا ً
وعرض صدره تسعة أشبار
ثلثاه إله وثلثه الآخر بشر
وهيئة جسمه مخيفة كالثور الوحشي ) .
وفي الصفحة 94يصف الصراع بين أنكيدو و كلكامش بقوله :
( وتصارعا وخارا خوار ثورين وحشيين ). 6
وإذا خرجنا من النص وعدنا الى اللغات المتداولة في العراق القديم والمعاصر لوجدنا إن كلمة كلكامش تتطابق مع مفردات بعض اللغات منها على سبيل المثال:-
(كاميش ) في الكرديه والفارسيه تعني ثور الجاموس وهي مكونة من قسمين كا ( الثور ) وكاميش اي الجاموس .
وفي اللغة العربيه جاموس تلفظ في المصريه كاموس.
وفي اللغة الفرعونيه فإن (كامس) تعني روح الثور حسب ما ورد في كتاب الباحث المصري الشهير السيد اسامه السعداوي المتخصص بتاريخ مصر واللغة الفرعونيه حيث ورد في كتابه ( القاموس) الموضوع على الأنترنيت وفي فصل أسماء ملوك مصر الفرعونية ( كامس ) تعني روح الثور.
وفي التركية جاموس
اما السريانيه/ الآشورية/ الكلدانية ففيها ( كوموشو )7 تعني الجاموس حسبما ورد في قاموس اللآلىء السريانية للسيد جوزيف اسمر ملكي في الصفحة 210 ، مطبعة اليمامة حمص .
والأمر لا يتوقف عند حدود اللغات في الشرق الأوسط فقد وجدت ما يفيد المعنى في عدد من اللغات الأوربيه منها الأنكليزيه والألمانيه حيث تدخل مفردة الكا أو الكو كجذر يفيد بمعنى من المعاني للدلالة على البقر مثل مفردة الكابوي أي راعي البقر وكذلك في الاسبانية lavaca هي البقرة وفي الفرنسية avaca وفي الألمانية kuh وفي الروسية كاروفه والبرتغالية avaca وفي الأيطالية lamucca وفي لغة الماندرين gongniu .
وجميع هذه اللغات تشترك في معنى الثور الذي لقب به كلكامش وكان بحق اسما ً على مسمى ، وسيبقى كلكامش ابن البقرة شاغلا ً للناس والباحثين ونأمل ان يلقى جهدنا اهتمام من له شأن في هذا المجال
• ارسلت هذه المادة الى مجلة آفاق اسبي ريز في دهوك
المصادر:
1- طه باقر..ملحمة كلكامش وقصص اخرى عن كلكامش والطوفان ، دار المدى الطبعة الخامسة 1986صفحه50.
2- نفس المصدر
3- انطوان موتكارت فنون سومر وآكاد دار العربي للطباعة والنشر دمشق صفحة7.
4- نفس المصدر
5- طه باقر نفس المصدر
6- طه باقر نفس المصدر
7-اللآلي السريانية لجوزيف اسمر ملكي مطبعة اليمامة
حمص- سوريا
8- معلومات شبكة الأنترنيت- مواقع تهتم بلغات الشعوب.[1]