#صباح كنجي#
من الكتب التي تدخل في سياق الدراسات الجديدة التي أضيفت إلى قائمة الدراسات عن الديانة الإيزيدية ، كتاب ( اليزيدية من خلال نصوصها المقدسة ) ، للسيد ( آزاد سعيد سمو ) ، وقد صدرت طبعته الأولى في بيروت ، بدعم من المكتب الإسلامي ، حيث نوه المؤلف ، ( وهو كردي من دهوك يعمل مدرسا ً في جامعة أربيل حسب المعلومات التي رفد ني بها الدكتور خليل جندي حينما استفسرت منه عن هوية الكاتب ) ، إلى أن :
( الكتاب في الأصل رسالة ماجستير تقدم بها المؤلف إلى كلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية في بيروت سنة 1999م ، وقد حاز بها على شهادة الماجستير في الدراسات الإسلامية بتقدير جيد جدا ً ) ص4 .
في الأهداء يورد ( ُأهدي ثمرة جهدي هذا إلى والديّ اللّذان ربياني تربية اسلامية.
وإلى شيخي الشيخ الزاهد اسعد الكهرزي الذي درست عنده الكثير من العلوم الشرعية ، والذي كان خير عون لوالدي على تربيتي تربية إسلامية منذ صغري إلى أن أصبحت رجلا ً. إليهم اقدم خالص جهدي مع دعواتي لهم بالفوز في الدارين ...) ص5.
وفي كلمة الشكر يوجه الكاتب ( لا يسعني وقد أشرفت على الانتهاء من هذا الكتاب إلا أن أتقدم بالشكر الجزيل ، والثناء الخالص للرابطة الإسلامية الكردية ، التي قدمت لي دعمها المتواصل مما جعلني استطيع الاستمرار في الدراسات العليا ، ولا سيّما رئيس الرابطة فضيلة الشيخ علي محيي الدين القرداغي حفظه الله وأدامه ذخرا ً لطلبة العلم ، حيث لم يدخر جهدا ً تجاهي، وشجعني ، وأمدني بالدعم المادي والمعنوي مما كان له اثر بالغ على إتمام دراستي . فجزاه الله عني خير الجزاء واوفره . ) ص6.
بهذه المقدمات ، التي أسبقها بالبسملة ، يفتتح الكاتب - الباحث دراسته عن الإيزيدية ليعلن لنا بداية ً إنّ الكتاب مكتوب من وجهة نظر إسلاموية متعصبة، تفتقد ُ الحياد ، لهذا إفتقد الكتاب أهميته التاريخية وقيمته العلمية ، وهو، من هذه الزاوية ،لا يستحق القراءة والرد، فالوقت أثمن من أن نضيعة مع منتج رديء من هذا النمط من البضاعة الهابطة والتالفة، لكنّ الذي دفعني لقراءته والرد عليه بهذه اللغة ، التي يستحقها ،هما المسائل التالية :
1- إن الكاتب كردي من دهوك ، عايش وعاشرَ الإيزيديين وإختلط بهم ويستطيع الحصول على أية معلومة عنهم بدون عناء ، وهو بالإضافة الى ذلك يجيد لغتهم ( الكرمانجية البهدينانية ) التي يتحدث هوأيضا ً بها ، ولا يوجد مايصده أو يمنعه من فهم طبيعة هذه الديانة ، أو طقوسها ، و سبر غور مقدساتها ،التي يستهزءُ بها في عنوان كتابه ، من خلال وضعها بين أقواس وهنا يضع الكاتب نفسه ، أمام موقف ،غير حيادي، إزاء ظاهرة الدين ،ويفقده العلمية ،كباحث يتعاطى في جانب من بحثه ،مع معطيات التاريخ ،وهو للأسف إستاذ في جامعة أربيل ، في ذات الوقت.
2- ان الكتاب ينحو في معطياته ومحتواه ويكرر ما ورد في العشرات من الكتب التي عفى عليها الزمن ، التي كتبت بأقلام شوفينية عربية أو إسلاموية من امثال ( سعيد الديوجي و عبد الرزاق الحسني و صديق الدملوجي ) وغيرهم ،من الشوفينيين العرب ،والمتعصبين المسلمين ،ممن لا يركن إلى كتاباتهم في هذا المجال ، وتصنف خارج إطار العلم والتاريخ ، من الذين تخطاهم الزمن ، حيث يجتر الكاتب نصوصهم ويعيدها من جديد، كأنه اكتشفها هو ليسجل من خلال رؤية اسلاموية تعكس الرغبة القديمة /الجديدة للمتطرفين الإسلاميين في إلغاء بقية التكوينات الإجتماعية والدينية ، وُتشَرْعِّنُ التطرف وتبيح القتل لمجاميع بشرية مسالمة بعد أن صنفها في خانة الإرتداد، والمرتد عن الإسلام محكوم وفق نصوص الدين المذكور بالقصاص والموت وهو بهذا المنتج من البضاعة السيئة ، يدخل في خانة شرعنة الإرهاب المنفلت ويقدم التبريرات الدينية للمجرمين من القتلة الذين يتسترون باسم الدين .
3- ان الكاتب قد إستقى جزء من معلوماته من مصادر إيزيدية مباشرة فهو يورد عدد من اللقاءات مع الدكتور خيري نعمو رئيس مركز لالش الثقافي في دهوك ، في حينها ، و شيخ علو، وغيرهم من الإيزيديين ، لكنه لم يكن أمينا ً في نقل المعلومات والتعاطي مع ما أخذه منهم من أحاديث ،هذا ما سنوضحة في سياق نقدنا للكتاب عندما يحين الحديث عن تلك المقابلات.
4- يتجاوز الكاتب حدود البحث ليطرح مشروعا ًلإعادة هؤلاء ( المرتدين) للإسلام ، وهو غاية الكتاب وهدفه الأول والآخير، ( وبعد ذلك قدمت بعض المقترحات لكيفية التعامل مع هذه الطائفة بغية إرجاعهم إلى الإسلام مّرة اخرى) ص15 .
وكذلك في الخاتمة من الكتاب التي إحتوت على مقترحات من بينها الفقرة الثانية التي نصت على:
(القيام بدعوة اليزيديين إلى الإسلام ، وذلك بإرسال الدعاة إلى قراهم ،ومناطق سكناهم ، واقناعهم بأنهم كانوا في البدء مسلمين ، وأنهم لا يزالون قريبين من الإسلام )267.
مما يؤكد وجود خطة وغاية للتعامل مع من هم خارج أ ُطر الإسلام والتحرك عليهم بغية إدخالهم في فلكه كدين يجب أن يسود وفق منطق الباحث الذي يؤمن بتعميم قناعاته ودينه على الآخرين ويبدؤها بالتمهيد من خلال اللين والمجاملة وإن لم تجلب نتيجة متفقة مع رؤياه فلا مانع من اللجوء الى نصوص الدين التي تبيح القصاص من المرتد بلا رأفة او شفقه.
( إذا ً فتقديس الأولياء والصالحين عادة صوفية، وقد بقيت تلك العادة عند اليزيديين، وإحتفظوا بها حتى بعد ابتعادهم عن الإسلام وخروجهم عنه ، وربما كان لتلك العادة ، والإفراط في حب وتقديس الأولياء والشيوخ تأثيرا ً بالغا ً في إبتعاد اليزيديين عن الأسلام ، لذلك نهى الإسلام عن الغلو في محبة الصالحين بشدة ، وعدّ بعض انواع الغلو من الشرك الذي لا يغفر لصاحبه إن لم يتب.... فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل) ص172...
طرح خطير منقول من الشيخ سليمان بن عبدالله تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد طبعة 7 بيروت المكتب الاسلامي 1988م ص228 .
ورت هذه الإقتباسات في ص172 من كتاب الباحث ، من هنا تأتي خطورة ما ورد فيه خاصة وإن الظاهرة الإسلامية المتطرفة ،أخذت تنمو وتنتشر بين الكرد في كردستان العراق ومحيطها ، إلى الحد الذي أصبحت تهدد بتنفيذ عمليات إرهابيه بعد أن حاولت العبث في الأمن والأستقرار في اكثر من مرة وهي الآن تسعى لطرح برنامجا ً وخطة سياسية لمواجهة حكومة الأقليم والتحالفات السياسية العلمانية فيها ، ولا يستبعد تواطئها مع قادة الجحوش من رؤساء العشائر في العهد الدكتاتوري ،وهو ما يجب ان تنتبه إليه الحكومة الكردية وأجهزتها الامنية قبل أن تستفحل مظاهرها ،وتتسع رقعتها وتتشعب خطواتها، لتطوق كردستان من كافة الجهات.
من هنا وجدت نفسي مدفوعا ً بالرد على الكتاب من خلال رؤية لا تتقبل الأكاذيب التي ساقها الباحث من وجهة نظر إسلامية ، وهو يجهل أبسط المعلومات عن الدين الإسلامي وطقوسه ، قبل أن يغوص في نصوص الدين الإيزيدي ليناقشها من خلال تلك الرؤية القاصرة ، وإلا بماذا يفسر لنا الباحث عدم معرفته بإتجاه القبلة عند المسلمين ، وهذا ما سنبينه في الأسطر اللاحقة.
من خلال تناولنا لمحتويات الكتاب التي جاءت في ( 336 ) صفحة من القطع الكبير ، التي إحتوت على مقدمة وتمهيد بعنوان أسباب نشوء الفرق في الإسلام يعقبه خمسة فصول وخاتمة مع ملاحق و صور .[1]