#صباح كنجي#
اهداء الى العم حسو كنجي ..
جمعه كنجي .. طلال حسن .. شمدين باراني .. ثلاثة اصدقاء جمع بينهم اكثر من رابط ومهنة وموقع عمل ارتبطوا بوشائج وصلات متميزة وحملوا هموم مشتركة ومرَت بهم حكايات وأحداث مشتركة .. على الصعيد المهني جمعهم التعليم .
جمعه كنجي خريج دار المعلمين الريفية عام 1954 وطلال خريج الستينات وهكذا بالنسبة الى شمدين هو الآخر معلم تخرج منتصف الستينات ايضاً .. الرابط الآخر الذي وثق العلاقة بينهم ما يحملونه من فكر وقيم تجسدت في ميولهم اليسارية ..
جمعه شيوعي وثائر معروف منذ العهد الملكي اعتقل وفصل وعذب وسجن وساهم في التأسيس للكفاح المسلح منذ الساعات الاولى لانقلاب شباط 1963 وبقي مطارداً وملاحقاً بعد اعتزاله السياسة وابتعاده عن التنظيم لحين التخلص منهُ حيث فارق الحياة بعد جولة استدعاء للأمن وسقط في الشارع بعد مغادرة مبنى الأمن بتاريخ 18-10 -1986 .. كان غياباً يحمل الكثير من الغاز تلك المرحلة السوداء.
شمدين هو الآخر شيوعي تعرض للملاحقة ومورست عليه ضغوط .. تعرض للاعتقال عام 1974 من قبل قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني ووضع مع عبدي سمو وآخرين في سجن سرسنك ، وفي الحملة التي طالت الشيوعيين عام 1978 قرر ترك العمل السياسي بعدَ أيام من اختفائه في بغداد.
امّا طلال الذي تعرف على جمعه من خلال شقيقه حسو كنجي فكان بالرغم من صداقته للاثنين مستقلا لم ينتمي لأي منظمة او حزب سياسي .. لكنه حُسب على الشيوعيين تعرض هو الآخر للاستدعاء والمضايقة عدة مرات في العهد الدكتاتوري.
في منتصف السبعينات جمع المكتب الصحفي لطريق الشعب بينهم لأول مرة في اطار عمل صحفي مشترك .. انغمر الثلاثة في الكتابة بهمة وأصبح المكتب الصحفي في الموصل من انشط المكاتب في العراق .. استقطب العشرات من الكتاب والمبدعين .. العمل فيه يسري بصورة جماعية لا تحسُ من هو المسؤول .. أحدهم يكمل الآخر .. واصلوا كتابة المقالات الادبية والسياسية ونظموا الفعاليات الثقافية ودربوا الشباب وشجعوهم على ممارسة الكتابة وتمّ رفد الصفحات المتخصصة للأدب والفكر في صحيفة الفكر الجديد والثقافة الجديدة بالعديد من المساهمات.
كذلك تم من خلالهم دعم صفحة الطلبة والشباب التي كانت تصدر كل يوم اثنين في طريق الشعب ولعبت دوراً مهماً في متابعة اوضاع الطلبة ورصد معاناتهم بالإضافة الى تشخيص نواقص التعليم ومثالبه في ذلك الوقت.
كانت السلطة من خلال المحافظ ومديرية امن نينوى تتابع ما ينشرون .. تدقق في الكلمات وكانت الذروة في ردود افعالها وانفعالها ما كتبه جمعة كنجي في حينها من تحقيق عن حي الكرامة في الموصل الذي يسكنه غالبية من الاعزاء الشبك الذي كان يعاني من نقص الخدمات بشكل متعمد ومقصود.
في حينها جن المحافظ خالد عبد عثمان الكبيسي واعتبر المقال اهانة للبعث والحكومة بحكم ما حمله من حقائق مؤلمة عن اوضاع الساكنين في الحي .. عموماً كان ذلك المكتب البودقة التي صهرت كفاءاتهم الفكرية والثقافية وجعلتهم ايقونة ومفخرة لجيل من الشباب المهتم بالثقافة من ابناء بغداد والوسط والجنوب ناهيك عن ابناء المدينة.
في هذا الوقت ايضاً برزت توجهات واهتمامات جمعه وطلال بأدب الأطفال والقصص والمسرح .. كتب الاثنان العديد من القصص للأطفال ونشرت في الصحافة والمجلات المتخصصة .. وكان جمعه كنجي يكتب القصة القصيرة ايضاً والدراسات في التاريخ والفلكلور والأديان ، في حين توسعت اهتمامات طلال لكتابة النصوص المسرحية والميل لكتابة المزيد من القصص للأطفال .
بعد حين انتبهت السلطة لحجم نشاطهم ومدى تأثيريهم فقررت التدخل بالتدقيق ومراقبة ما ينشر.
اعتبرت كتابات جمعه للأطفال قصص مُلغزة الغرض منها استهداف السلطة وجرى تعميم كتاب الى الصحف والمجلات ينص بمنع نشر أي مادة له بما فيها ما كان يكتبه من مواضيع تخص التراث في مجلة التراث الشعبي التي كان صديقه سعدي يوسف مشرفاً عليها .. حيث بلغهُ بأسف : ابو باسل وصلنا كتاب بمنع النشر لك.
طبعَ لجمعه ..
الثور المجنح .. قصة للأطفال عن دائرة ثقافة الاطفال
بنت الثلج .. قصة للأطفال
نشر وكتب في جريدة فتى العراق منذ الخمسينات ومن ثم في الفكر الجديد وطريق الشعب و روز كردستان شمس كردستان والمزمار وطبيبك والتراث الشعبي وله مجاميع قصصية غير منشورة بالإضافة الى مخطوط كتاب عن الايزيدية .
ذلك المسافر مجموعة قصصية عن دار بترا في دمشق عام 1996
اما طلال فقد تلاعبوا بنص مسرحي له كتبه عن كفاح الفلسطينيين من باب التضامن مع المقاومة الفلسطينية ينتهي النص بعبارة الى أن تتحقق اهداف امتي.
اضاف اليها البعثيون اثناء الاخراج .. في الوحدة والحرية والاشتراكية. فأصبحت نهاية المسرحية.. حتى تتحقق اهداف امتي في الوحدة والحرية والاشتراكية .. ولم يكن امام طلال الا خيار التوقف عن كتابة هكذا نصوص في ذلك الزمن.
مضت الأعوام .. فقدنا كنجي بعد ان تركَ لنا مجاميع قصصية والعديد من قصص الاطفال والمسرحيات بالإضافة الى مخطوطة كتاب غير مكتمل عن الايزيدية.
وضِعَ قسماً منها على الانترنيت في موقع الحوار المتمدن و بحزاني والناس وطبعت له مجموعة ذلك المسافر في دمشق عام 1996 .. ومن المؤمل مواصلة طبع نتاجاته عام 2014 .
اما طلال حسن فزاول الكتابة ونشر في مجال ادب الأطفال وقصص اليافعين والنصوص المسرحية اكثر من 25 كتاباً بين قصة ورواية و 44 نصاً مسرحياً من بينها ..
عش لأثنين قصص للأطفال
الاعصار مسرحية للفتيان
ككامش مسرحية للفتيان
الاطفال يمثلون عام 1971
العكاز مجلة المزمار سنة 1975
الحمامة دائرة ثقافة الطفل عام 1976
ليث وملك الريح رواية للأطفال
نداء البراري
الفراء
وما زال نشطاً يواصل ويكتب و اصدر ثلاث مجلات للأطفال هما الينابيع عام 2003 وقوس قزح عام 2010. و بيبونة نهاية عام 2013 .
حصل طلال على تقدير وتكريم جهات ومؤسسات عديدة .. وفازت اعماله بعدة جوائز عراقية وعربية منها:
الجائزة الثانية عن مسرحية الضفدع الصغير والقمر في ابو ظبي عام 2000
الجائزة الثانية عن سيناريو لصوص التاريخ من دائرة ثقافة الاطفال عام 2007
الجائزة الثانية عن مسرحية وداعاً جدي عن دار ثقافة الاطفال بغداد 2009
الجائزة الأولى عن مسرحية النملة الصغيرة والصرصار من دائرة ثقافة الطفل بغداد 2010.
كتب طلال عن جمعه كنجي قصة مؤثرة بعنوان الوصية بعد سقوط الدكتاتورية ، ويقول عنه في حوار مع عمر حماد هلال .. ( أما من غادرني ولم يغادر ذاكرتي ، وسيبقى خالداً فيها فهم ، جمعه كنجي ، وعزيز الوهاب ، ومؤيد نعمة .. الخ ) ..
طلال كاتب مبدع لم يغادر عالم الطفولة .. يكتب بلغة راقية وأسلوب فيه البساطة والعفوية تلامس شغاف القلب ونقاوة الاطفال وبراءتهم .. كاتب جعل من الكتابة هدفاً له لا ليشتهر بل ليقدم لعالم الاطفال ما يمكن ان يقدمه في هذا العصر المجنون الذي يتناطح ويتصارع فيه الكبار بأنانية ووحشية على اشياء يمكن التقاسم بها وتكفي للجميع في محتوى يعكس قيماً انسانية وميلاً للسلم والعدل والتعايش المشترك يفيض بحب الحياة ويتشبث بجمالها بفرح وسعادة ويتابع فصولها محملا بالأمل والتفاؤل .
قصصه تستحق الترجمة الى اللغات العالمية ويتطلب من وزارة الثقافة ودائرة ثقافة الطفل ووزارة اقليم كردستان الانتباه اليها وإعادة طبعها والمساهمة في ترجمتها.
طلال حسن .. الكاتب المبدع .. الانسان النقي .. هذا الطفل الكبير .. يستحق ليس تكريماً من العراقيين فقط .. بل التفاخر به كإيقونة ومثلا في الكفاح والصبر والعطاء المنتج للقيم الانسانية الراقية .. الطيب ينضح ويرافق ابداعه الجميل في كل ما كتبه للأطفال وغيرهم .
أما شمدين الذي كان يكتبُ باسم شمدين خدر وتحول لاستخدام اسم جدته وأصبح شمدين باراني ، فقد واصل اهتمامه بالتراث والتاريخ والفكر دون أن ينشر وكادَ أن يتوقف عن النشر كما اعتقدَ الكثيرون بحكم ممارسته للتجارة حيث انشأ معملا للراشي لحين سقوط النظام.
عندها بدأ ينشر كتاباته ومتابعاته النقدية في الصحف والمواقع الالكترونية وقد فاجأ القراء بطبع كتابه المعنون .. (حكايات شمدين) التي طبع في اربيل قبل اشهر أي في عام 2013 من قبل مطبعة الثقافة.
حكايات شمدين عبارة عن قصص للأطفال كتبها على امتداد اكثر من ربع قرن تدور احداثها على لسان الحيوانات بأسلوب فيه الكثير من التورية ، تعكس طبيعة المرحلة التي عاشها الكاتب ، عكسَ فيها الكثير من الحكم والأمثال والوصايا والدروس والعبر بأسلوب شيق لا يخلو من السخرية والمرارة تدور حول الامبراطور وحاشيته وتحكي قصصاً عن ممارساته وخبثه وقمعه نجح وأبدع فيها شمدين.
حكايا سطرها بأسلوبه الرشيق ولغة جميلة تستحق التوقف عندها والتمعن بها ومقارنتها مع حكايا الف ليلة وليلة وما يماثلها في تاريخ الشعوب ابتداء من حكايا أحيقار الآشوري الذي ترك لنا قصصه في القرن السابع قبل الميلاد محملة بقيم اخلاقية وحكماً وعبراً ودروساً انعكست على ثقافات بقية الشعوب في فترة عمله كاتباً ووزيراً ومستشاراً لدى سنحاريب.
وهكذا الحال بالنسبة ل ايسوب في الادب والتاريخ اليوناني و كيريلوف لدى الروس بحكاياتهم والأساطير التي تنسب اليهم .. التي تتحدث عن ادب الحكمة وتجارب الناس والمفكرين مع رجال السلطة والسطوة من عبيد ومظلومين وأصحاب رأي.
شمدين في حكاياته التي تتمحور حول الامبراطور وحاشيته الفاسدة الحاقدة على الناس هي تجسيد لأجواء العهد الدكتاتوري وملابساته وحالة النفاق المتفشية تنساب في حوارات ومقالب واستدراج لكمائن من قبل حيوانات الغابة لبعضهم تستعير من حالة الحرب والصراعات الدموية التي كانت ترافقها الكثير من المؤامرات والخديعة والمقالب بأسلوب ساخر لا يخلو من الحكمة والموعظة والدروس الغنية التي تأتي في متن الحكايات على شكل سرد او في حوار او من خلال حلم وذكرى بين اسد وقرد وأرنب وضفدع وحمار تارة أو بين راعي وتاجر ومستشار وعامل وفلاح تجمع بينها حكايا شمدين لتؤلف منها منولوجاً ابداعياً ينقل في طياته حكايا التاريخ والزمن وقصة كفاح الانسان ومعاناته من جور السلاطين الاغبياء الذين يفتقرون للمؤهلات وينزعجون من فطنة وذكاء مستشاريهم ، والمتأمل لنص الحكاية لا يصعب عليه ان يكتشف ان حكاية الحارس و الامبراطور في ص 188 او حكاية الاحتفال في الصفحة التالية مثلا ليست الا انعكاساً وتوثيقاً او تنويهاً لحكاية صدام وممارساته وسلوكه.
تعكسُ حكايات شمدين ايضاً استلهامه التاريخي للدين و حكايا آيا وأور وإلهُ الشمس ومفاهيم الروح والماء والتكوين و الافعى التي تتكرر في الصفحات عبر استرداد اساطيرها في الحكاية ، موقفاً علمياً من الدين والظاهرة الدينية تدفع من يعتبرها حكاية للأطفال الى التفكير والاستنتاج العقلي بينما يجد فيها المدركون عمقاً ومعنى وأفكار فلسفية تتصارع وتتجادل لصالح انتصار العلم والمعرفة والإدراك ، بعيداً عن اوهام الاساطير وسطوة الدين على العقل.
انها تحمل فكراً ناقداً وتمرن الانسان على عدم الرضوخ وتنمي روح التحدي وعدم الانصياع لسهولة الافكار واليقين السطحي بها وتتطلب التعمق والغوص في التجارب لاستشراف المزيد من المعرفة.[1]