#صباح كنجي#
اورد المطران اسحق ساكا في كتابه الهام بعنوان.. ( تاريخ دير القديس مار متي ) الطبعة الثانية.. مكتبة خاني .. دهوك سنة 2008.. الكثير من الحقائق المغيبة عن تاريخ الدير وتسميته والمشرفين عليه وما مر به من احداث متلاحقة ابتداء من فترة انشائه في القرن الرابع الميلادي في جبل مقلوب التابع جغرافياً الى ناحية بعشيقة التي يتواجد فيها المسيحيون مع الايزيديين وهي الفترة الني تواجد فيها الساسانيون في المنطقة التي كانت تسمى كورة نينوى..
وقد ترافق هذا التواجد مع ما عرف بالاضطهاد الأربعيني الذي اثاره شابور من عام 339-379 م وشمل معظم الاماكن التي يقطنها السريان حيث قتل البعض وضيق على آخرين بالجبايات الثقيلة بالإضافة الى هدم الكنائس وحرق الأديرة ..
وجاءت هذه الاحداث في نطاق الصراع بين الامبراطوريتين الفارسية والرومانية التي تداخلت اوجه الصراع فيها بالأديان في ذلك العهد بحكم خضوع الكنائس المسيحية الى روما بعد اعتناق قسطنطين للمسيحية وجعله الدين الرسمي للإمبراطورية الرومانية..
وفيما يتعلق بمار متي فقد ثبتت المصادر السريانية ولادته في قرية أبجرشاط التابعة الى ديار بكر في الربع الاول من القرن الرابع الميلادي.. وكانت والدته قد ترهبنت بعد وفاة ابيه.. اما هو فقد بدأ بتعلم اللغة السريانية وقراءة المزامير في هذه الاجواء الدينية واستفاد من المكتبة المتواجدة في دير زوقنين قبل ان يتوجه للتنسك والتفرغ للحياة الروحية..
وحدث حينها ان انقلب يوليانوس من سلالة قسطنطين على المسيحية واخذ يلاحق اتباعها ويذلهم وشمل اضطهاده وقسوته عدداً كبيرا من الرهبان بينهم ما متي .. الذي قرر الابتعاد والانزواء في ركن دير صغير على ضفاف الخابور .. قبل ان يتوجه مع مار زكاي ومار ابراهيم ومار دانيال الى الشرق ليمكثوا في جبل مقلوب حيث سكن مار زكاي في قلاية صغيرة منقورة في الصخر تشرف على وادي الناقوط ثم انشأ له قبة او صومعة لا تزال عامرة في شعاب المقلوب وهي التي كما يقول عنها في الحاشية الاولى من الصفحة 15 ( لكنها في غفلة من الزمن صارت في حوزة اليزيدية وجعلوها مزاراً لهم ) ..
علما انه يؤكد ان بناء الدير جاء في فترة سنحاريب الذي كان ملكا على ولاية آثور النمرود وتابعاً للإمبراطورية الساسانية قبل تنصره.. بعدها يدخل الدير في فترة نمو ليصبح معقلا للكنيسة في كورة نينوى بحكم زيادة عدد الرهبان فيه أهلته ليلعب دوراً مهماً في تكوين الفكر المسيحي.. الذي شهد تشظياً وانقسامات ادخلت الدير في حلبة الصراعات التي ترافقت مع العنف والقسوة.. خاصة في عهد بهرام الخامس حيث اصبح ملاذا للمضطهدين الناجين من قسوة بهرام.. لكنه لم يسلم من كارثة حريق حلت بالدير عام 480 م افنت كل ممتلكاته وآثاره بما فيها المكتبة.. وتزامن هذا الحدث مع اضطهاد الساسانيين للكنيسة ومناوئة النساطرة للأرثوذكسيين وما لحق بالرهبان من رعب جعلهم يفرون ويتشتتون من جراء ملاحقة برصوم النصيبيني لهم..
يؤكد ابن العبري ان برصوم النصيبيني شكل مفرزة من الجيش طاف بها جميع الولايات الفارسية للفتك بالمؤمنين الذين لم يقبلوا دعوته النسطورية ولم يفلت من هذه الشدة سوى تكريت وأرمينيا وقد هاجم برصوم دير مار متي واسر 12 راهباً لم يتمكنوا من الهرب قبل ان يضرم النار فيه لتلتهم كافة محتوياته واستاق اسراه الى نصيبين وسجنهم في بيت يهودي.. ثم عاد الى نينوى ودخل بحزاني بحزانيثا ليقتل في ديرها تسعين كاهناً وقد بلغ عدد قتلاه سبعة آلاف وثمانمائة نفس.. ولما عاد الى نصيبين صلب الرهبان ورجم المطران بر سهدي حتى فاضت روحه وحمل جثمانه الى كورة نينوى حيث دفن اولا في دير بيزانيثا ثم نقل الى دير مار متي ..
تكتسب هذه المعلومة اهميتها لأنها تعكس طبيعة الصراعات الوحشية داخل المسيحية التي نشأت فيها الفرق والطوائف والمذهب ولم تتمكن من التعايش ولجأت للفتك والتخلص من الخصوم.. وايضا ما ذكره عن بحزاني والتواجد المسيحي فيها ووجود الدير وتأتي اهميتها لتؤكد وجود الفئة الاولى من المسيحيين فيها قبل ظهور الاسلام من جهة.. وما تعرضوا له من ابادة لم تبقي لكنيسة المشرق الا قاليروس اسقف سنجار .. وأدت لتدخل مار خرسطوفورس جاثليق الأرمن عام 544 م ليختار الراهب كرماي مطراناً للدير خلفا لبرسهدي وجاءت هذه مترافقة مع ظهور هرقل وعقده صلحاً مع اكاسرة الفرس ساهمت في احلال فترة من السلام والهدوء ساعدت على استعادة الدير لدوره من جديد..
في العهود التالية التي ترافقت مع ظهور الاسلام وما تلاها يؤكد المطران اسحق ساكا تعرض الدير للهجر عام 1171 م بسبب شن الف وخمسمائة من الاكراد المسلحين غارة عنيفة على الدير وقتلوا فيه خمسة عشر راهباً وحمل الاكراد من الدير اموالا كثيرة .. وقد استأجروا حراسا ً له لحمايته بعد مغادرة الاكراد وابتعاد بقية الرهبان الناجين منه وتوجههم الى دير ما بهنام ودير المجدلية في القدس والى نواحي اخرى فيها اديرة استقبلتهم ليمكثوا فيها..
ولا بدّ من التأكيد ان هذه الفترة تترافق مع ظهور صلاح الدين الايوبي وجملة احداث متداخلة لها علاقة بالصراع الذي كان قطباً فيه سيف الدين غازي الثاني الأتابكي صاحب الموصل ونور الدين محمود والي دمشق والنزاع بين والي سنجار ووالي الموصل.. وقد ذكر ياقوت الحموي الذي زار الدير في عهد بدر الدين لؤلؤ في مطلع القرن الثالث عشر ..انه وجد نحو مائة راهب فيه ..
ويبدو من خلال سياق ما ذكره اسحق سكا في كتابه.. ان حوادث الاعتداء من قبل الاكراد قد تكررت على المسيحيين عام 1258 وهي الفترة التي اعقبت ولاية بدرالدين لؤلؤ وما تلاها في عام 1261 من قدوم للتتر الى الموصل.. حيث استغلها الاكراد من جديد ونهبوا وسرقوا وقتلوا النصارى كما يذكر في الصفحة 29 من مؤلفه ..
ثم تتالت الاعتداءات عام 1369 واشترك في الغارة عصابة بقيادة سرونشاه.. وكذلك واصلت مجموعات من الاكراد والتركمان اضطهادهم.. وفي عهد تيمور لنك تحول الدير الى مأوى للمجرمين الذين استوطنوه وبقي مهجوراً ومنسياً لأكثر من 130 عاماً متوالية ..
وشهد في عام 1609 محاولات لترميمه وعودة بعض الرهبان اليه ومن ذلك التاريخ لا توجد احداث كبيرة تتعلق بالدير الا ما له علاقة بالترميم والتوسيع والتجديد وتكوين مكتبته لغاية ظهور الامير الاعور الراوندوزي المعروف بميري كورا الذي شملت جرائمه احتلال دير مار متي الذي اصبح مهجوراً من جديد لمدة 12 سنة وتحول الى ملجأ لرعاة الكوجر ..
وفي عام 1846 عاد اليه الرهبان من جديد لكنه تعرض من جديد لحادثة سطو مسلح من عصابة علي دز عام 1863 الذي حاصر الدير.. لكن اهالي بحزاني وبعشيقة هرعوا لنجدة الرهبان المحاصرين وساندوهم وعندها فرّ علي دْزْ وافراد عصابته وهربوا وفي طريقهم توجهوا الى قرية ميركي الأرمنية واحرقوها ..
وفيما يخص بحزاني يذكر المؤلف ان المطران الياس قدسو الذي رسم مطرانا للدير عام 1872 شيد في ابريشة الدير ثلاث كنائس من بينها كنيسة مار كوكركيس في بحزاني سنة 1884 وكنيسة شموني في بعشيقة عام 1890 1892 .. وايضا لابد وان نذكر انه يوجد في دير مار متي حوش بمحاذاة طريق الجنينة يسمى حوش بحزاني ..
و ورد في الكتاب ايضا معلومات مهمة عن الصراعات الداخلية في المسيحية اسفرت عن حرق الكتب الدينية في عهد الراهب رابولا في القرن الرابع الميلادي.. الذي جمع الاناجيل ونسخ الياطسرون لطيطانس الاثوري واحرقها فارضاً على كنائس ابريشته الأناجيل الاربعة المعروفة.. وهناك ايضا البطريك افرام الآميدي الذي شتت 800 ناسك و اضطهدهم سنة 667 م..
كما يذكر طقس تلبيس الاسكيم للرهبان وكذلك طقس الباس اسكيم الجلد للمتعبدين منقولا من الحبشية السريانية وما يرافقها من طقوس وقوانين تشبه الى حد كبير في الجوهر لبس الخرقة عند الايزيديين.
كذلك معلومة هامة عن تنقيط الحروف السريانية في القرن السابع الميلادي في دير ما متي من قبل راميشوع وجبرائيل ابناء اللغوي سبروي حيث انكبا على كتب الدير لتصحيحها وتنقيطها وتشكيلها بالعلامات ..[1]