=KTML_Bold=منشأ الكرد وأصلهم=KTML_End=
من المحتمل جدا أن يكون الشعب الكردي قد هاجر في الأصل من الشرق (شرقي ايران ) الى الغرب (كردستان الحالي) واستوطن به منذ فجر التاريخ وهذا لا يمنع انه كان قبل قدوم هذا الشعب المهاجر، هناك في كردستان الأوسط، قوم أو أقوام مختلطة تعيش تحت أي اسم مشابه لاسم ذلك الشعب الوافد، ك(كارود) مثلا فاختلط الشعب الوافد بذلك القوم، أو بتلك الاقوام المحلية واندمج فيها اندماجاً كليا وصاروا جميعهم أمة واحدة على مدى الايام والظروف، ويقول المستشرق (تورو دالمجين - Thureau Dangin) أنه قد اطلع في المجلة الآشورلوجية، على لوحتين أثريتين، عليهما بعض نقوش وكتابات يرجع تاريخها الى ألفي قبل ميلاد المسيح، مفادها أنه كان هناك اقليم يدعى (( كار داكا)) بجوار أهالي (سو - su) الذين كانوا يسكنون في جنوب بحيرة (وان). ويقول مؤلف كتاب ((شرفنامه)) انه توجد في منطقة (بدليس) قلعة تسمى (سوى )(Suy) (Tiglath Pileser) وبعد هذا التاريخ بألف سنة حارب (تيغلات ) بلسر قوماً في جبال (آزو – Azu يدعون (كورتی – Kurtie) فانكسر في قتالهم شر كسرة ويقول المستشرق (درایور) ان جبال ((آزر)) هذه هي جبال((هازو)) الحالية أعني جبال (صاصون) ولا يذكر المؤرخ الشهير ((هرودوت)) شيئاً عن هذا الاسم أو ما يقاربه في أخبار القرن الخامس قبل الميلاد ولكنه يقول ان المقاطعة الثالثة عشرة من مقاطعات دولة (آخميني Achaemenid)، التي الحقت فيما بعد بمقاطعة ((أرمينية)) كانت تسمى حينئذ باسم (بوخته ويخ) فيقول كل من المستشرقين (نولدكه، كبرت، م. هارثمان) ان كلمة (بوختان بوهتان بوتان) الحالية إن هي الا محرفة عن الكلمة السابقة (بوخته ويخ) ويذكر (زينوفون – Xenophon) في رجعة العشرة آلاف التي حدثت في سنة (400 401 ق.م) الشعب الكردوكي قائلا ان موطنه يمتد الى اقليم ((بوهتان)) فمن ذلك الوقت نجد هذا الاسم مذكوراً دائماً مع هذه المنطقة التي تقع في الضفة اليسرى لنهر ((دجلة)) وفي أطراف جبل الجودي، حيث اطلق المؤلفون والمحررون المشاهير اسم (كوردوئين - Corduene) على هذه المنطقة يحتمل أن يكون السبب في تغيير وتحريف هذا اللفظ صعوبة النطق بالكاف . في اللغات السامية [دراوير] هذا وفي اللغة الآرامية يطلق على هذه البلاد اسم (حوض كاردو) كما أن اسم (كازارتاي كاردر) كان يطلق على مدينة (جزيرة ابن عمر) الحالية وعرفت هذه المنطقة بين الأرمن قديما باسم (كوردوز Kordudh) كما عرفت بين العرب والمسلمين (مثل البلاذرى والطبري) باسم (بقردی Bakarda وقردى)ويقول ياقوت الحموي نقلا عن ابن الأثير، أن بلاد (بقردا) قسم من بلاد (جزيرة ابن عمر) فكان ها مايتا قرية وضيعة ومدن (الثمانين، جودي،فيروز، شابور) كانت في الضفة اليسرى لدجلة ازاء (بازابدا - Bayabda) هذه المدينة كانت واقعة في الضفة اليمنى لدجلة هذا وقد اندثر أخيرا اسم (باكاردا بقردا) الذي كان يطلق في أوائل العهد الاسلامي على المنطقة كلها وحلت محله في الكتب الاسلامية والعربية اسماء اخرى مثل (جزيرة ابن عمر) و(بوهتان) الخ.
ويؤخذ من أقوال وروايات العرب والارمن، أن اراضي بلاد ((كاردر)) هذه ضيقة ومحدودة جدا. وفي الواقع ان حدود بلاد ((كوردوئين)) هذه غير معلومة لنا تماما وكل ما هنالك أن لدينا معلومات ومباحث عن ثلاث مدن كانت في ساحل (دجلة) وهي (ساريز) و(ستالكا) (بنياكا) [فنيك الحالية] ويؤخذ من التقرير القيم الذي وضعه المستشرق (سترابو) خصيصا لهذا الغرض، أن لفظ (كوردوا) كان يطلق ردحا من الزمن على الجبال التي بين (دياربكر) و((موش)) الحاليتين ومهما يكن من أمر فالذي لا شك فيه أن كاردوخوي، كان موجودا وكان يدل على مسماه الحقيقي ولو كان ذلك بشكل آخر والظاهر أن اللفظ الاخير أعني ((خوی)) استعمل بدل (KH) الذي هو علامة الجمع في اللغة الارمنية فنتج من هذا أن علماء اليونان والرومان اطلعوا على هذه الاعلام والاسماء في الكتب الارمنية فاخذوها كما هي مصبوغة بالصبغة الارمنية، ویری (زنيفون) أن شعب (كاردشو كاردكو) لم يكن خاضعا لاحد، لا لدولة (ارتاكسيرس) أردشير كان ولا لحكومة الارمن هذا وفي القرن الاول (ق. م) استولى (ديكران) الثاني على مملكة ((كوردوئين)) وقتل ملكﮪا (زاربيونوس) وفي سنة 115م كان ملكة((كوردوئين)) يدعى (مانیساروس) ويرى العلامة المستشرق (هابشمان) أن استيلاء الحكومة الارمنية على هذه المملكة، كان اسميا فقط، ولا يستبعد أن تكون عشيرة ايرانية قد قطنت في عهد (زينيفون) في شمال السامية (دجلة)، ولكن وجود عشيرة كهذه في تلك الجهات لا يدل على اصل القومية التي ينتسب اليها ال(كوردوش) لان لهذا الاسم اساسا واشتقاقا في اللغات معنى ((كاردو)) في اللغة الاشورية القوي أو العامل ومعنى (كارادو) كون الانسان قويا (القوة) ومن جهة اخرى فان هنالك بعض تشابه لفظي بين هذه الكلمات والالفاظ المتقدمة وبين لفظ (خالدي Khaldi) والخالديون اشتهروا في عهد الاشوريين باسم ((اورارتو Urarlu أو Urshtm)) إذ كانوا ساكنين في أطراف جبل ((آرارات)) وفي أواخر القرن التاسع قبل الميلاد كان الشعب الخلدي ﮪذا موجوداً في ((أرمينية)) ثم تمكنوا من تأسيس حكومة قوية عاشت حتى أوائل القرن السادس (ق . م) في أطراف بحيرة (وان) ويقول العلامة الهمان (خوبت) اعتمادا على كتاب (جوتنجين) المطبوع سنة [1325ﮪ 1907م] ان الشعب الخلدي هذا قد امتزجت به عناصر غريبة، ويري العلامة ((ماير)) أن الموطن الاصلي لهذا الشعب كان على الارجح في حوض (آراس آراكس) الاوسط ولذلك بحث عنهم في تلك الجهات والخلاصة ان هؤلاء الخلديين هجروا بلادهم هذه ونزحوا الى جبال (ووهاد) البلاد المجاورة من جراء استيلاء الارمن علی كردستان حوالي القرن السابع (ق. م)، ولكن اسم هذا الشعب كان مشهوراً في منطقة بحيرة (وان) ولا بد أن مدينة (خلاط) الواقعة على الضفة الشمالية لبحيرة (وان) تحتوي على آثار وعاديات متخلفة من الشعب المذكور وسواء أصح القول بان قوم (كاردو) من الاقوام السامية، أم لم يصح أو لهم سكان أصليون لبلادهم، فالذي لا شك فيه هو أن بلادهم ((كاردشو)) القديمة هي وسط الموطن الاصلي للشعب الكردي الآن فاذا ثبت هذا يجب علينا أن نسلم بأن كلا من لفظي (كوردشوی) و(كوردی) يشترك اشتراكا لفظياً مع الآخر وهذه الفكرة أصبحت بديهية منذ ابتداء القرن العشرين وإذا أمعنا النظر مرة أخرى في هذه المسألة، نجد أن الشعب الكردي بأكمله متحد مع الخلديين وأنهما من جنس واحد لا غير اذ يقول المستشرق (ريسك Bieske) في شرحه لكتاب (قسطنطين بوروفير وجنيتوس) أن كلمات (خلدي،كوردي، الكرد) مع كلمة ((كوردياي)) أسماء مشتركة تدل على مسمى واحد وهناك فكرة أخرى مثل هذه موجودة في مقدمة كتاب (ليرج) ( Lrch) وقد حولت أبحاث ودراسات العلماء أمثال (م . هارتمان، نولدكه ويسباخ) هذه المسألة الى اتجاهات جديدة، حيث يقول هؤلاء الاعلام انه يجب لمعرفة الفرق بين فرعي ((الكرد)) و((الكاردو)) القيام بدراسات لغوية عميقة، فينبغي البحث عن أصل الشعب الكردي بين (كورتيوي) و(سري - Cyrii) بواسطة دراسة الآثار والمؤلفات الشهيرة للعلماء الاخصائيين في ((عاديات)) ((میدیه)) و((ایران)) ويؤيد هذه الفكرة طبعاً وجود عشائر كردية كثيرة في ((فارس)) في عهد الساسانيين [انظر: كارنماي اردشیر بابكان] هذا وإذا كان هناك فرق لفظي ((كورد)) و((كاردو)) فلا يؤثر مثل ﮪذا الفرق في حل قضية كبيرة تاريخية كهذه ولنا أن نتساءل ونقول، كيف ومن أين جاء السيرتيون (أكراد إيران) الى غربي جبال ((زاغروس))، وأقاموا في بلاد ((كاردو)) القديمة بشمال سوريا وفي جبال ((أنتي طوروس)).
حقاً ان هذه المسألة لا تزال في حاجة شديدة الى التحقيق والتمحيص ويمكن أولا أن تكون الفتوحات الميدية والايرانية سبباً قوياً للمﮪاجرات من البلاد الايرانية، مثل مهاجرة قسم من (أساغارتيا) الذين كان موطنهم الاصلي
اقليم ((سیستان)) حيث وجدت عشيرة ((أساغارتيا)) هذه قاطنة في سهل آشوريا حوالي مدينة (أربيلا اربل) في عهد الآشوريين وكان رئيسها حينئذ (Cttahn takhma) الذي قتله (دارا) ملك الفرس ولا تزال صورة هذا الزعيم مع ثمانية من الزعماء الآخرين منقوشة على صخور ((مستون)) بجانب صورة الملك فهي تدل دلالة واضحة على أن صاحب هذه الصورة كردي خالص، هذا وفي الحروب التي دامت من سنة 220 حتى سنة 117 (ق .م) بين الرومان والسلوقين، وبين ملك (بيرغامون) اشتركت فيها جيوش مستاجرة من هؤلاء السيرتين [انظر: ليواي، بولي بيوز، ويسباخ] ونرى صفحة غريبة عن بلاد (كورجيخ جغرافي) (أرمينية في القرن السابع) حيث ورد فيه ما ياتي في عهد (فوستيوس بيزانتيوس) في القرن الرابع كان لفظ ((كورد جيج)) علما لقضاء بجوار ((سلماس)) ثم اتسعت مساحته حتى صار منطقة تمتد من (جولمريك) حق (جزيرة ابن عمر) وتحتوي على هذه (الأقضية، كوردوخ) (سیكوردریخ كوردیخ) (آیتوانخ، ایكارخ)(موثولوخ اولولانخ)، (اورسيروخ اورسیانخ)، (كارالوليخ سارايونيخ)، (جاهوك والباك) (الصغير Koreekk ) في كتاب [هارلمان، وهويشمان]
وقد بذل المستشرق (هبشمان) جهودا علمية عظيمة في التوفيق بين اسم (كوردریخ كورديخ) وبين اسم (كورتيوي) ومع ذلك ان الفرق اللساني الذي أثبته كل من (هارثمان) و(نولدكي) لا يمنع وجود شكل مختلط لأن ((نولدكی)) نفسه وضع مجموعة ثالثة فقال ان كلمة (كارتيواي) باللغة الآرامية وكلمة (كارثاوية) بالعربية ما هما إلا لفظان دالان على الشعب الكردي (هوفمان) وقد رأينا أن التطورات والتحولات التي حصلت تدريجيا وعلى مدى الأيام ما حدثت إلا في هذه الاقضية الثلاثة (كورد، كوردیخ، تموريخ) التي يقول المستشرق (فوستوس – Faustus) عنها أنها واقعة في مملكة (كوردوئين) القديمة وان (كوردوخ) صار أحد أقضية مقاطعة ((كورجيخ)) وزال اسم ((تموريخ )) من الوجود، وحل محله اسم ((كورديخ)) وهكذا اتحدت أقضية الشمال والشرق (اليمين) والجنوب واندمجت بعضها في بعض فينتج عن هذا انه في عهد الفتوحات العربية أن اللفظ المفرد (الكرد) وجمعه الأكراد، صار علما على شعب ايراني خليط أو شعب مجاور لايران وانه كان بين ذلك الشعب بعض من السكان الأصليين مثل ((كاردر)) و((تموريخ = تامورايه)) الذين كانوا متوطنين في منطقة كان مركزهما ((الكی)) و((ألك)) ومثل ((خويه يثاي الخويثية)) الذين كانوا في
((خویت)) بقضاء ((صاصون)) و((اورتاييه الأرطان)) الذين كانوا على ساحل الفرات وكان بعض هذا الشعب ساميا.
كتاب (أنساب عامة العشائر الكردية) والبعض الآخر أرمنيا على ما يظهر، حيث يقال ان أصل عشيرة (ماميكان) الكردية منحدر من عشيرة (ماميكونيان) الأرمينية، وفي القرن العشرين هذا ثبت ثبوتاً قطعياً وجود عنصر ايراني غير كوردي (مثل الكوران، والزازا الظاظا) بين الشعب الكردي كما أنه يوجد في بعض جهات اخرى من كردستان مثل (السليمانية، سابلاخ، قوطور ...الخ) بعض سلالات اجنبية وعشائر قادمة من الخارج توطنت بتلك الجهات وحكمت فيها، كبقية الكوره سينلي الذين يقيمون بين طﮪراني عشيرة الشكاك في جﮪة ((قوطور))، وخلاصة القول ان من المحتمل جدا أن تؤدي الدراسات الدقيقة والاكتشافات العلمية الجارية، يوماً من الأيام الى تعيين واكتشاف هذا الشعب القديم الذي ضاع وانقرض في وطن الشعب الكردي الحالي الذي يعتبر في الظاهر متحداً مع ذلك الشعب القديم ومتحدراً من سلالته.
(من أي سلالة انحدر الشعب الكردي)
ومن اين جاءوا ؟ ان الآثار الاسلامية والروايات والقصص الكردية لا يعول عليها كثيراً في البحث عن أصل ومنشأ الكرد فيقول المسعودي في كتابه((مروج الذهب)) ان الكرد من سلالة هؤلاء الايرانيين الذين لجأوا الى قلال الجبال فراراً من ظلم وجبروت (الضحاك) السفاك. وهذه الرواية نفسها هي التي يذكرها الفردوسي ويصفها بشعره وصفا بارعا في كتابه ((الشاهنامه)) الشهير ذكر العلامة (موريه) سنة 1812 في [Second Journey ] بحثا عن مهرجان (زماوند دماوند) فقال انه في 31 أغسطس من كل سنة كانت تقام حفلات شعبية كبيرة، بمناسبة خلاص ايران من ظلم الضحاك (بيورآسب) السفاك ولا يزال يطلق على هذا المهرجان اسم (جزن كردی العيد الكردي) هذا وان هناك من ينسب أصل الكرد الى الامة العربية فيقول المسعودي في كتابه (مروج الذهب) ان الجد الأكبر للأكراد هو (ربيعة بن نزار ابن معد) ويرى البعض من المؤرخين أنه (مضر بن نزار) وكلا هذين الشخصين كان اميراً على ديار ربيعة (ديار بكر) وديار مضر (الرقة) ويدعى هؤلاء العلماء العرب أن القوم الكرد ما هم الا عرب في الأصل انفصلوا عنهم مع الغسانيين في حادثة تاريخية واعتصموا بالجبال والوهاد حيث اختلطوا ببعض الأقوام الأجنبية فنسوا لغتهم العربية من جراء ذلك وأغرب من هذا انهم يذكرون في أنساب الكرد ﮪذه الاسماء فيقولون (كرد بن مارد ماردوي) اسم لشعب مجاور للكرد بن معصعة بن حرب بن هوازن وعلى رأي المسعودي (كردين اسفنديار بن منوجهر) ويقول ابن حوقل كردین مارد بن عمرو] ولا يبعد ان تحتوي هذه الانساب كلها على بعض من الحقائق التاريخية مثل ان ينشأ من اختلاط عشائر ((زاغروس)) واقليم فارس، شعب ايراني كان في الاصل سامياً.
وخلاصة القول ان المؤرخين المسلمين لم يقصروا في تقصي أخبار الكرد والفحص عن أنسابهم، حتى ان المسعودي بذل جهوداً لايجاد مناسبة بين لفظ (الكرد) وبين ال (كرادة) العربي وزعم بعضهم أن الكرد من سلالة ﮪؤلاء الناس الذين أسرهم (جاهيل جاساد) الشيطان أو الجني الذي طرده من بابه سيدنا سليمان عليه السلام وهناك من يقول باتحاد لفظي ((كرد)) و((كرد - جرد)) الفارسي بمعنى البطل والمصارع وهذا ناشئ من وجود حرف (كج ) البهلوي في اللغة الفارسية أيضاً.
هذا وكانت العشائر في العصور الاخيرة تتسمى غالباً بأسماء كبارﮪا وزعمائها فعلى رأي كتاب (شرفنامه) ان الشعب الكردي كان يتألف من قسمين، هما (باجناوى وبختى) اللذان المحدرا من سلالة كل من (باجان باشان) و (بخت) والظاهر أن اسم (باجنار) منشأه كلمة (باسن آر) التي كانت علما لاحدى عشائر ((دجلة)) القديمة وتدل رواية أخرى على أن الشعب الكردي كان في الاصل مؤلفاً من فريقين (ملان وزيلان) فالأول أصله وافد من البلاد العربية والثاني من البلاد الشرقية.
(كما ان هناك بعض الدراسات الاخرة تقول)،
كان هناك في العهد القديم الذي ليس لنا معلومات عنه لا قليلا ولا كثيراً منطقة شماليها بحيرة (وان) وغربيها وادي الخابور وشرقيها (كركوك) وجنوبيها بلاد ( بابل) وكان يحتل هذه المنطقة قوم يدعون (شوباري) وقد احتلها جميعاً أو بعضاً منها عدة مرات السومريون الذين كانوا حكام المدن الكبرى في الجنوب ولم تكن هناك أية علاقة بين اللغة التي كان يتكلمها سكان المنطقة المذكورة وبين لغة الساميين أو الآريين (هندو أوربي) أو لغة السومريين، ويظن بعض العلماء الألمان المعاصرون، أن اللغة الشوبارية ﮪذه من صنف مجموعة اللغات القوقاسية، وفي سنة (2500 ق .م) جاء شعب سامي اللغة فقط (الآشوريون) إذ الظاهر انه لم يكن سامياً قحاً من كل الوجوه واستوطن القسم الجنوبي من بلاد الشوباريين أعني المنطقة التي في أطراف مدينة ((آشور)) أو ((قلعة الشرقات)) الحالية، وحوالي سنة (2525 ق .م) كان جميع كردستان قسما من أقسام مملكة (سارغون) ملك ( آكاد akhad) وخلفه (نارام سين) وفي الدورة الثالثة لحكومة (أور) أعني في المدة (2300 – 2150ق .م) جردت عدة حملات عسكرية على بعض الأقسام الصغيرة من كردستان الواقعة في شرق ((دجلة)) مثل منطقة (سيمورو) التي يظهر انها منطقة (التون كوبرى) الحالية ومنطقتي (للبو) أعني حلوان و(ساسرو) وكذا منطقة (اور بيللوم) أعني (اربل) ويظهر أنه لم تكن هناك وحدة تجمع بين سكان هذه المناطق بالرغم من أنهم كانوا أبناء أمة واحدة.
وفي القرنين التاسع عشر والثامن عشر قبل الميلاد، ظهرت آثار بعض الحركات الفكرية والنهضات القومية بين شعوب وأقوام آسيا الصغرى، فأثرت في جميع الأمم الشرقية، ويظهر أيضاً أن هذه الحركات والنهضات العامة قد أثرت تأثيراً جلياً في جميع الشعوب والأقوام الهندو الأوربية (الآريون) فاستولى الحيثيون ( هتيت) وهم الذين من المؤكد أن لغتهم من شعبة (سنتيوم) أو من شعبة (لاتين) على بلاد ((سورية)) ثم أغاروا على ((بابل)) ونهبوها. كما ان شعباً متأخراً يدعى (أوممان ماندا) وهم الذين افترقوا أخيراً عن الميديين والسيثيين وكانوا يقطنون في الساحل الشرقي للبحر الأسود قد اصطحبوا طائفة صغيرة من العنصر الهندو الأوربي فجاءوا معاً إلى غربي كردستان واستوطنوا به، حتى إن أسرة مالكة من هؤلاء تدعى (ميتاني) أسست حكومة باسمها كان مركزها على نهر الخابور.
وابتداء من هذا التاريخ انفصل القسم الغربي من بلاد ((شوباری)) عن القسم الشرقي منها وأطلق عليه اسم (خوري) وعرفت اللغة السائدة فيه بﮪذا الاسم أيضاً، وفي اثناء ذلك حدثت بعض انقلابات وتطورات بين الكاسيين في منتهى الحدود الشرقية لكردستان أفضت الى نهضة ، الشعب الذي أقدم على اجتياح بلاد الحيثيين، وتمكن بعض من رجاله وزعمائه البارزين من تأسيس حكومة مستقلة في بلاد ((بابل)) ويظهر أن هناك بعض علاقات ومناسبات بين لغة هذا الشعب وبين لغة الايرانيين (الفرس).
وفي القرن السادس عشر قبل الميلاد، حكمت الاسرة الميتانية قليلا من الزمن جميع كردستان تقريباً، لغاية مدينة (آرابخا كركوك) فامتد سلطانها لبلاد( أشور) وسهول (أربل) إلا أن دوام الاضطرابات الداخلية وفساد ادارة الحكومة، أفضى الى شطر بلاد هذه الحكومة الى قسمين قسم (الميتانية الاصلية) وهو بلاد السهول وقسم بلاد (خوري هوري) وهو عبارة عن الأخير من منطقة الجبال وطور عابدين القسم وفي خلال هذه المدة ظهرت أسرة مالكة أخرى كانت تدعى بأسرة (خاني كالبات) فأسست حكومة مستقلة في تلك الجهات وحكمت بلاد اشور ردحاً من الزمن، حيث كانت عاصمتها مدينة (نسيبيس) التي صارت فيما بعد (نصيبين).
وفي أوائل القرن الرابع عشر قبل الميلاد، قامت الحروب بين الحكومتين الميتانية والحيثية، حول الاستيلاء على (سورية) مما أدى الى ازدياد نفوذ الآشوريين وتفوقهم على منافسيهم (الميتانيين) وتمكنهم من الاستيلاء على قسم من كردستان أعني المنطقة الجنوبية الشرقية التي كان ملوك بابل الكاسيون يدعون لملكها وخضوعها لسلطانهم ولكنه ظهر في أواخر القرن الرابع عشر شعب حديث آخر في تلك الجهات وحاول الاستيطان في البلاد الواقعة على شاطئ (دجلة) الغربي قرب جبل الجودي فوقعت الحرب والنزاع بين الآراميين وغيرهم من العناصر الأخرى بشمال ((سورية)) وبين الآشوريين وادى ذلك الى فشل المحاولة المذكورة وعدم تحقق الاستيطان والسبب في ذلك هو ما كان عليه الاشوريون عندئذ (في القرن الثالث عشر ق . م) من القوة والنفوذ وسبب آخر هو استيطان شعب جديد في هذا الوقت نفسه في المنطقة الممتدة بين بحيرة (وان) وبحيرة (أرمية) وابتداء من هذا التاريخ سميت هذه المنطقة ب (أورارتو) أو (آرارات) وهو الاسم الذي ورد عنه في الكتاب المقدس ان أول من ذكره في سنة 1260ق .م هو الملك (شلماناسر الاول) غير ان اسم سكان هذه المنطقة ليس معروفا تماماً ولكنه يظن على العموم ما يأتي حيث ان إسم معبودهم كان (خلديان) فلا بد أنهم أولئك الذين أطلق عليهم الرومان اسم (خلديوي) الذي يجب تفريقه عن كلمة (كلدان) ويعتقد الاخصائيون ان اللغة التي كان هؤلاء الخلديون يتكلمون بها كانت من الشعبة القوقاسية وعلى ما يؤخذ من الآثار والوثائق القديمة التي اكتشفت في مدينة (وان) نفسها ومدينة (طبراق) قلعة القديمة الواقعة بجوار (وان)، أن من المحتمل جدا أن تكون هناك علاقة بين حضارة هذا الشعب وبين الحضارة التي كانت سائدة حينئذ في سواحل البحر الأبيض المتوسط والاثر البارز الذي نشأ من ذلك في شمالي كردستان هو اضطرار سكانه الاصليين الى الهجرة من جنوب (وان) الى الجهات الغربية والجنوبية، مما أدى الى تشكيل بعض إمارات عرفت في عهد الاشوريين فيما بعد باسم (نايري) وهذه الامارة كانت خاضعة على العموم لسلطان (اورارتو).
وفي عهد انقراض الامبراطورية الحيثية في القرن الحادي عشر قبل الميلاد كان الشعب الموشكي مستوليا على جميع البلاد الشمالية لكردستان حيث دامت حكومتهم فيها زهاء خمسين سنة فهذا الشعب الناشيء قد استولى على القسم الجنوب من أقليم (كبادوكيا)، وعلى أقليم (كلكيا) واستوطنهما وكان الرومان يطلقون على هذا الشعب اسم (موشوي موشكي) ولما أراد هؤلاء الموشكيون توسيع حدود سلطانهم حقى شرقي بحرة (وان) اصطدموا بقوات الملك الآشوري (تيجلات بلسر) في سنة (1100ق .م) فانهزموا شر انهزام.
وفي المدة بين القرن العاشر وأوائل القرن التاسع قبل الميلاد اجتاح الشعب الآرامي وادي الخابور، واستولى نهائيا على جميع بلاد (خوري) القديمة أي القسم الغربي لبلاد (شوباري) إذ كان الآشوريون باسطين حمايتهم وسلطانهم على القسم الشرقي من تلك البلاد، في المدة بين القرن الرابع عشر وأوائل القرن التاسع قبل الميلاد وكان للحكومة الآشورية هذه، نوع من المراقبة على ﮪذه المناطق غير التابعة لها مباشرة من بلاد كردستان الشرقي التي كان سكانها في ثورة دائمة ضدها ويؤخذ من الوثائق والآثار الآشورية التي يرجع تاريخﮪا الى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، أنه لم يحدث في هذه المنطقة حادث سوی ظهور شعب (بابي) وهذا الاسم حتى هذه الايام الاخيرة قرئ هكذا (كوري) وجعله البعض متحداً مع اسم (كرد)، غير أن الوثائق التي اكتشفت أخيراً في بلدة (بوغازكوی ) تفيد بوجود شعب آخر يدعي (بابالغني) فمن المحتمل أن يكون هذا الاسم مشتركا مع اسم (بالنجي) وأنه قرى سابقاً غلطا وفي خلال القرن الثالث عشر قبل الميلاد أخذ الحيثيون يبثون الدعاية ويدسون الدسائس ضد الآشوريين، ولكنهم لم يفلحوا في مساعيهم تلك كثيراً ويجب ألا يغيب عن الذهن أن أهالي كردستان الشرقي كانوا واقعين تحت نفوذ مدنية الشروباريين والكلدانيين والآشوريين وهذا ثابت ومؤيد بالمستندات التجارية والقضائية القديمة التي اكتشفت أخيراً في أطراف (كركوك) ويرجع تاريخ هذه المكتشفات الأثرية الى القرن الخامس عشر والسادس عشر قبل الميلاد. ورغما عنه أنه كان هناك بعض من الاختلاف والشقاق بين أهالي تلك البلاد، إلا أنهم كانوا جميعاً متحدين في الدين والاجتماع والعادات والقوانين مصبوغ كل ذلك بالصبغة الوطنية ضمن مدنية وحضارة حوض ((دجلة)).
هذا وتدل سجلات ووثائق القرن التاسع والثامن والسابع قبل الميلاد من عهد الآشوريين، على أنه قد حدث تبديل وتغيير في شرقي كردستان وذلك من جراء مهاجرة شعب آري (هندو اوربي) من شرقي البحر الأسود الى المناطق الجنوبية وأول من ذكر اسم (ميديا) هو الملك الآشوري (شلما ناصر) الخامس [823 – 810 ق .م] حيث صار هؤلاء الميديون بعد هذا التاريخ خطرا يهدد حكومة الآشوريين بصفة دائمة لأنهم احتلوا أولا المنطقة الشرقية لبلاد ((ميديا)) وما حل القرن السابع إلا وكان أمراء وزعماء هذا الشعب الفتي باسطين سلطالهم ونفوذهم على جميع البلاد التي سميت فيما بعد بمملكة ((ميديا)) وفي خلال ذلك احتل شعب يدعى (ماندی) ولا يعرف عن لغته شيء منطقة صغيرة في الجنوبي الشرقي من بحيرة (أرمية) ويظﮪر أن منطقة ((بارسواس) في الجنوب الغربي من البحيرة المذكورة، كانت مسكونة في ذلك الوقت بشعب (بارسيوي) ليس ((برساي)) الذي كان يقطن الجهة الشرقية من بلاد (جاكسارت) في عهد البارثيين فكل ﮪذه العناصر السياسية الجديدة أصبحت أخيراً مقدمة لمهاجرة أقوام وشعوب كبيرة أخرى وفي الواقع ان السينيين ابتداءاً من القرن السابع قبل الميلاد أخذوا يشنون الغارات على مملكة (آشور) للنهب والسلب فاضطر الآشوريون في عهد (أسرحدون) الى أن يعقدوا معهم معاهدة صداقة وحسن جوار وبذلك تمكنوا من المحافظة على بلادهم حتى القرن السابع.
غير أنه في سنة (625 ق.م) تحالف الملك (نبو بولاسير) الذي كان قد أعلن استقلاله وملكيته في (بابل) مع الميديين وهؤلاء السيثيين ضد الآشوريين فأفضى ذلك الى نشوب الحروب في سنة (616 ق.م) ودامت معارك ﮪذه الحروب الى سنة 612 (ق.م) حيث قضي على الدولة الآشورية نهائياً وخربت مدينة (نينوى) العظيمة.
وقد ورد ذكر لاسم (الكرد) خلال عهد انقراض حكومة الآشوريين وقبل هذا التاريخ أيضاً، مرات متعددة وبالأخص ذكرهم (زنفون) في أخبار تقهقر العشرة الآف في سنة (0401 ق.م) وبين هاتين المدتين فترة لا تقل عن مئتي سنة كما لا يخفى وهي ليست بقليلة. والدلائل التاريخية الوحيدة التي من شأنها أن يكون لها الأثر الفعال في تاريخ كردستان ولا سيما الألواح المكتوبة التي خلفها الملوك (الاخمينيون ) الايرانيون، لا تذكر شيئاً صريحا عن أصل الكرد ومنشئهم.
ويجب ألا يغيب عن ذهن الباحث وهو يدرس أصل الكرد وتاريخهم، حالة هؤلاء العناصر العديدة والشعوب المختلفة التي كانت ساكنة مع السكان الأصليين في جبال ووهاد كردستان من الكرد والأرمن والأشوريين والتركمان.
على أن المهم ليس البحث عن هؤلاء من وجهة الدم والعنصر، بل من جهة اللغة واللسان فلا شك اذن من هذه الجهة ان ((كار دوخوي)) الذي ذكره (زنيفون) عبارة عن الشعب الكردي الذي كان نزاعا الى الاستقلال والحرية القومية لأن لغته كانت مستقلة وخاصة به.
وفي هذا العصر الاخير تغيرت نظريات العلماء والباحثين في اللغة الكردية تغيراً كبيراً، فيرى هؤلاء العلماء الاخصائيون الذين يمكن الاعتماد على آرائهم، أن اللغة الكردية ليست لغة مشتقة عن اللغة الفارسية أو محرفة عنها، بل هي لغة مستقلة تمام الاستقلال لها تطوراتها الحقيقية القديمة، إذ هي أقدم من اللغة الفارسية المكتوب بها لوحة (دارا) الشهيرة، فاذا صح هذا فيحق لعلماء التاريخ بطبيعة الحال أن يقولوا ان اللغة الكردية كانت موجودة في القرن السادس (ق .م) وكانت لغة مستقلة وقائمة بنفسها وان الشعب الكردي قوم من اقوام وشعوب (هندو ايراني) قدموا إلى ((كردستان)) في الوقت الذي قدم فيه الميديون الى ((ميديا)) والفرس إلى ((فارس))فيستخلص مما تقدم أن التاريخ التقريبي لقدوم الكرد الى كردستان هو تاريخ ما بعد سنة (650 ق.م) لان السجلات والوثائق الاشورية التي يرجع تاريخها الى ما قبل ﮪذا التاريخ، لا تذكر شيئا عن ذلك, والظاهر ان قدوم الشعب الأرمني الذي ﮪو من شعوب (هندو أوربي) ايضاً إلى (أرمينية) نتيجة لمهاجرة حدثت في الوقت الذي حصلت تلك المهاجرات السابقة فيه وينبغي الا يعزب عن البال أن هذا الرأي مبني على نظرية اللغة واللسان، وأما الذين يعتقدون أن اللغة الكردية إن هي إلا لغة فارسية محرفة خليطة، فليعلموا علم اليقين أن الدراسات العلمية والابحاث التاريخية على عكس ما يذهبون اليه ويعتقدونه تماما، هذا وإن لم يكن في الامكان الآن اثبات نظرية وجود روابط وعلاقات بين سكان (اورارتو) الاصليين وبين الكرد، إلا أن نظرية القول بتمثيل الشعب الكردي لجميع الشعوب المختلفة القديمة بكردستان، نظرية قوية جداً.
المصدر: كتاب (تاريخ الكرد و كردستان)
اعداد و تلخيص و تقديم: صفحة آل شيكاك Alshkaki
نرجو من متابعيننا الإعجاب و المشاركة و ابداء الرأي.
-نتمنى من متابعيننا قراءة ممتعة و شكراً لكم.[1]