#صباح كنجي#
شكلنا مفارز من مجموعات صغيرة للبحث عن طرق للخلاص والنجاة .. أبو سلوان ومجموعة من سبعة أنصار على ما اذكر بينهم منار أياد القوشي شقيق حازم.. تحركوا نحو معابر في مناطق الدوسكي .. فشلوا وتشتتوا .. بعد أن انفصل عنهم أربعة أنصار بينهم أبو حامد وحازم وتمكنوا من تجاوز العوائق و المخاطر و الوصول إلى الحدود التركية.. في حين عاد أبو سلوان والمجموعة التي معه الى مراني.
المجموعة الثانية بقيت مع أبو ناتاشا.. وتوجهوا إلى كافيا للعبور من الزاب.. لكنهم فشلوا ولم يتمكنوا من الوصول .
أما المجموعة الثالثة فقد توجهت إلى مناطق عقره بقيادة كاروان عقراوي.. فقد تشتتوا وتعرضوا إلى معاناة شديدة وعطش.. جعلهم يفكرون بالاستفادة من البول تخلصاً من الموت عطشاً .
وقبل تحرك مجموعة أبو سالار مع توفيق وأبو سربست إلى الدشت.. وصل إلى كاره سردار عمادية والنصير أبو تاس وحيدر ابن أخت سلام عادل.. المستشار السياسي للسرية الثالثة.. وحال ما شاهدني سردار عمادية قال مهمتي انتهت..
قلت ل أبو سالار سوف أرافق مجموعة العمادية.. من أجل فتح طريق نحو الحدود التركية.. اتفقنا في حالة فتح طريق على إشارات اتصال في إحدى شعاب كاره.. بالقرب من عين ماء صغيرة .. وبالرغم من أنهم أكدوا بأنهم سوف لن يعودوا، بادر منار بالتأكيد: انه قادر على فتح طريق وسيعود.. وقد رافقنا أبو سامان البغدادي ومنار وأبو زياد.. الذي كان قد وصلنا قبل يوم واحد فقط وكان متعباً للغاية واكد : انه لن يعود بسبب التعب و الإرهاق..
توجهنا إلى بري كارا بعد اخذ كمية من الخبز .. وتطلب تجاوز المسافة لتي كنا نقطعها سابقا بأربعة ساعات سابقا مسيرة يومين متكاملين بسبب ثافة التواجد العسكري وانتشاره الواسع في كل الاماكن .. وبقينا محصورين ليومين في كارا .. الجيش كان قد سبقنا وأحرق كل شيء أثناء تواجده في المنطقة .. توجهنا لمعبر قرية كاره وجدنا الطريق مقطوعة .. لم يبقى أمامنا إلا ننزل من كاره عبر طرق غير سالكة .. لغاية الفجر فشلنا في العثور على طريق .. عند الصباح انتشرنا بين الصخور والأشجار و قبل مغادرة بري كارا خبأنا عدد من قطع السلاح في الجبل.. كي ننطلق في التاسعة ليلا نحو منفذ محتمل .. ذهب أبو تاس نحو معبر وتحركنا أنا وسردار عمادية ونصير آخر نحو كهف..
شاهدنا الجيش صباحاً منتشراً في كل مكان .. كانت الطائرات تشاهد كل شيء وهي تحوم فوقنا على ارتفاعات منخفضة لتلتقط الماشية لتأخذها و تسلبها ..
عند العصر توجه نحونا جندي .. كان بمقدورنا أسره أو قتله بسهولة.. بعد أن اقترب منا كثيراً لكننا فضلنا الاختفاء.. وكان بمقدورنا أيضا قتل الطيار بإطلاق النار عليه من بنادق الكلاشنكوف فقط .. في التاسعة ليلا وحسب الاتفاق نزلنا بهدوء من المسافة القصيرة.. و بسبب القمم المتعددة التي تمركز فيها الجيش.. توجهنا لكهف في داخله كهف آخر غير مرئي.. وبدأنا فوراً بمحاولة لأخذ قسطاً من النوم لكننا فوجئنا بوجود أفعى داخله .. كنا نراقب حركة الجيش من خلال تواصل الحراسة.. جاءنا الحرس يؤكد إن جندياً آخر يتقدم نحونا.. لزمنا الحذر وهو يقترب من الكهف .. لكنه عاد بعد أن اقترب لمسافة عشرين متراً من الحرس فقط ..
عند المساء تحركنا باتجاه قرية اسپندار.. لوجود مجموعة من الأنصار والپيشمركة هناك .. كنا نعاني من الجوع .. لكن سردار أكد وجود كمية من الشلب یمكن الاستفادة منه لإعداد وجبة من الطعام ضرورية تفادياً الجوع .. بعد تناولنا لكمية منه واصلنا السير نحو اسپندار و ديرش .. من أماكن مكشوفة .. تمكن الجنود والحراس من رصدنا.. بفعل أشعة النيران المضيئة التي كانوا قد اوقدوها تفاديا لبرد الليل.. وأطلقوا نيران بنادقهم نحونا ..
عند ديرش في مواجهة العمادية شرقاً عبر شعاب ومداخل الجبل.. شاهدنا آثار العوائل وبقايا طعام في قدور و صحون لم يتناولها أصحابها .. بحثت عن أدوية وحصلت على كمية من حبوب الروماتيزم .. و في منعطف الوادي وجدنا بيوت لم يكتشفها ويشاهدها الجيش و الجحوش سلمت من الحرق والعبث بمحتوياتها ..
كانت الأبواب مشرعة والحاجيات كما هي.. وقبل الوصول إلى اسپندار انحرفنا نتسلق الجبل نحو القمة للاختفاء بعد أن أخذنا كميات من الطعام والسكر والطحين مع نصف بطانية لكل واحد منا وبقينا من تاريخ 12/9 لغاية 18/9 نجمع الطحين والمواد الغذائية.. كانت القرى تتعرض لثلاثة مراحل تخريب.. تبدأ بالحرق ومن ثم التفجير وفي المرحلة الثالثة حرثها ودكها مع تجفيف العيون و الينابيع .
في هذا المجال لا بد و أن اذكر.. إن حميد عمادية كان قد اختفى و معه ديندار آميدي عم هاوار.. الذي كان هو ألآخر من الپيشمركة.. لمدة عشرين يوماً في الوادي بين بساتين المدينة و الروبار .. كأي فلاح في مزرعته.. واضطر للتعامل مع الجنود و الجحوش الذين كانوا يقتربون منه وباتوا يسلمون عليه بشكل طبيعي.. بعد أن سألوه عما يفعل في البستان؟.. فأجابهم بهدوء.. انهُ صاحب البستان ..
وفكرنا من باب الاحتياط جلب حبل مع جوب تاير جرار زراعي كي نستخدمه لعبور الماء عند الضرورة لكننا لم نحتاجه ونستخدمه.. و بقينا نواجه مشكلة إعداد الطعام بسبب الطيران وعدم تمكننا من إشعال النيران.. استخدمنا الصنوبر القديم الجاف الذي يمكن إشعاله بسهولة دون دخان.. كي لا نتعرض للكشف و الرصد .. بهذه الطريقة صنعنا الخبز والزلابية ليوميين متتالين .. وفي احد الأيام توجهنا لقرية مشي فوق العمادية ووجدنا فيها عسل و رز .. وعلمنا بوجود محمد صالح الهروري هناك مع امرأة من أقربائه وراعي اطرش من حمايته .. كذلك علمنا بوجود مجموعة من العمادية .. بينهم خالد توفيق وخالد صالح الذي كان لديه شقيق شيوعي مع جعفر آميدي.
كانوا قد خططوا للبقاء لفترة طويلة هناك.. ونسقوا مع محلية الشيخان للحزب الديمقراطي الكردستاني .. وتحسبوا لمدة ستة أشهر قادمة.. وحينها علمنا من خالد توفيق أول خبر مؤسف عن مجموعة عقرة .. إذ قال لنا: للأسف هناك احتمال أن يكون هاوار و رزكار و ريبوار .. الذين نزلوا من كلي سيدرا نحو مراني قد وقعوا في كمين للجيش و الجحوش.. أو انهم لم يتمكنوا من المقاومة والإفلات .. وبعد انقطاع الصلة بالشيخان لم نعرف الجديد عن أمرهم ومصيرهم..
وحينما التقيت ب كاروان عقراوي لاحقاً.. أكد انه أرسلهم .. لكن أخبارهم انقطعت.. وعلمنا لاحقاً من مصادر أخرى .. إنهم قد وقعوا فعلا في قبضة الجيش و اعدموا.
وفي فترة وجودنا جمعنا كميات من المواد الغذائية.. لكي يستفيد منها الآخرين من بعدنا أو ان تطلب العودة لبعضنا منها.. وعندما جاء حميد من قمة ديرش وجد معلبات للجيش .. لكن لم نتجرأ من استخدامها.. إلا بعد أن أطعمنا قط وكلب منها.. كنا نعاني من مشكلة الماء الذي نتمكن من جلبه في الليل فقط .. وفي النهار نثبت ونتوقف عن الحركة نهائياً .
واجهنا ايضا خطر الحيوانات المتوحشة ووجود الدببة في الأماكن الوعرة التي كنا نلجأ اليها .. مرة أثناء النوم اقترب دب من أبو تاس ونهشه.. في اليوم التالي واجهني نفس الموقف.. قد يكون نفس الدب حاول نهشي .. لكني انتبهت فولى هارباً ..
بتاريخ 18/9.. قررنا مع مجموعة من حدك.. التوجه نحو الحدود المواجهة لتركيا.. عبرنا محور العمادية / دير آلوك .. قاد المفرزة خالد وسردار.. بعد وصولنا الشارع وجدنا الآليات العسكرية للجيش متلاصقة في حشود لا تسمح بإمكانية العبور .. وعند تسللنا شاهدنا جحوش الربيئة من فوق التل.. اكتفوا بمراقبتنا ولم يطلقوا النار .. حاولنا التوجه لطريق يؤدي لمقر القاطع.. لم نتمكن من عبور در كلي بسبب وجود الجيش ..
فوق جبل العمادية مباشرة كانت ثمة عين ماء نتوقف عندها.. لكن تفاجئنا بوجود الجيش حولها .. الجنود أخذوا يصيحون حرامية .. حرامية.. كي ينبهونا لنبتعد وننجو مِنْ خطر الوقوع في قبضتهم..
الشئ بالشيء يذكر .. عندما حاول ميرزا كورو عبور الشارع أوقف الضابط الآليات كي تعبر العوائل .. كان بين الجيش الكثير من الشرفاء .. وأصحاب الضمير من أبناء شعبنا الطيبين .. من مختلف مدن العراق.. ممن رفضوا الالتزام بتوجيهات السلطة .. وساهموا في إنقاذ الكثير من المحاصرين في الأنفال المشؤمة..
تذكرت يوم تقدم الجيش السوري، بقيادة فهد الشاعر إلى مناطق كابارا و طفطيان .. قارنت بعض التفاصيل في سلوك الجنود العراقيين المجبرين.. وهمجية واندفاع جنود الجيش السوري لارتكاب المزيد من القتل والتدمير .. وبتُ أقارن الحال بما يحدث في سوريا اليوم من خراب ودمار بمشاركة الجيش السوري ..
في هذه المقارنات والحالات التي لا تخلو من عواطف.. اذكر أيضا الكلب الذي رافق سردار.. و أخذ يسير معنا من جبل لآخر لحين دخولنا تركيا دون أن يطلق صوتاً.. إذ كان مثلنا يحسُ بالخطر .. وعند رأس العمادية حينما قرر الأدلاء التوجه لقرية آشورية وبقينا معلقين بين الأشجار ليوم آخر.. وقبل أن نتحرك سألت سردار عن المسافة الباقية للوصول إلى الحدود التركية لكي نتحسب للأكل والطعام..
قال: ثلاثة أيام.. أخذنا ما يكفي لستة أيام معنا.. مع قهوة وحليب و سكر .. كنت أعاني من حساسية من الحليب.
في الطريق أحسست بوجود حصى في المثانة بدأت تزعجني.. كنا في قمة هلكورو بمجموعتين .. أبو تاس مع مجموعة من حدك في طرف.. وقسم مع صالح هروري توجهوا للطرف الآخر .. كان دليلنا يعرف الجبل صخرة.. صخرة .. لكنه أطرش.. والموعد في اليوم التالي الساعة 12 ليلا في قمة العمادية ..
في اليوم الثاني ودعونا .. لكنهم عادوا إلينا وتوجهنا إلى مكان آمن بالقرب من الطريق .. وحينما انكشف النهار مكثنا بين الأشجار والصخور دون حركة .. مع وجود زمزمية ماء لكل منا فقط رغم الحر الشديد .. كنا أنا وسردار والنصير آلان في مثلث آمن ..
عند الصباح اختبأنا بين الأحراش بالقرب من الجيش والشارع.. كنا نشاهد الجنود ينقلون الماء.. وشاهدنا امرأة بملابس عربية تولول على ابنها .. أحد الجنود توجه نحونا يصيح .. كريم .. كريم .. أخذت البندقية من نصير بقربي .. وحينما اقترب مسافة خمسة أمتار منا عاد يركض ولم اضطر لإطلاق النار عليه .. كان الجيش ينتقل من قمة لأخرى ليتحكم في المعابر .. بعد وصولنا قمة الجبل حيث موعد اللقاء لم نرى أحدا في الموضع المتفق عليه حسب الموعد المقرر..
زحفنا نحو قرية طروانش .. بعد نزولنا القمة كانت الأشجار الكثيفة توفر لنا غطاءً للتحرك والاختفاء وسط عيون الماء .. كان حميد يستطلع قمة ( سه ر زير رأس الذهب ) في أطراف كاني ماسي بالناضور، بعد تفحصه للمشهد قال: من المستحيل العبور من هناك .. كانت الربايا متسلسلة .. طلب عدم إبلاغ الأنصار كي يحتفظوا بمعنوياتهم .. بعد ساعات عاد فرحاً ليقول : تعال شاهد الربايا تنسحب مع بقاء الربايا الثابتة الرئيسية ..
بذلك أصبح ثمة أملا كبيراً للتسلل والعبور .. مع حلول المساء قررنا فورا ً النزول إلى طروانش .. اخذ سردار يستطلع الموقف.. جاءت سيارة مكتوب عليها زاخو/ دهوك عبر مسلك الطريق الحلزوني الذي تخترق المكان و ننوي العبور منه .. تردد حيدر في العبور وحينما صاح جندي بنا.. توقف وعاد من جديد ليلحق بنا..[1]