#صباح كنجي#
قبل الاقتراب من الحدود جمعنا الخبز الذي معنا.. ووضعناه فوق شجرة .. كي يستفيد منه الأنصار الذين تركناهم في كاره أو من يعود منا للاتصال ببقية الانصار المتبقين والمحاصرين.. ولم نجد من له استعداد للعودة إليهم حسب الاتفاق معهم .. خاصة بعد مشاهدتنا أضويه مشعة من مصابيح الكهرباء في مدينة جلي مركز قضاء كردي في تركيا بعد منتصف الليل .. حينما كنا نستطلع طريقاً للتسلل والعبور ونحن في قمة تعلوها صخرة مطلة على هذا الفضاء الشاسع و المشع..
تفاجئنا بموقف الأنصار الرافض للعودة.. بعد نقاش طويل اضطررت كي احسم الموقف للتأكيد.. أنا سأعود .. لكن أبو زياد .. الذي كان من اشجع الأنصار وأوفاهم في هذه المحنة.. انهى الجدال وهو يخاطب الجميع : لا أبو عمشه.. أنا سوف ارجع.. قالها بثقة وحزم..
وكلفنا أبو منار بمرافقته في العودة إلى كاره.. وكتبنا رسالة تفصيلية مع أهم الحاجات الضرورية للطريق مع التفاصيل و الإشارات .. ووضع الأطعمة في مواقع محددة .. وأرفقتها برسالة ثانية كنصائح للمجموعة الثانية القادمة..
عند الزاب على الحدود التركية.. انزعج سردار وتوجس من وجود حركة في الجانب الآخر من الحدود واحتمالات وجود عناصر من مخابرات ميت التركية أو المتعاونين مع النظام العراقي.. لكني قلت له لا حل آخر لنا.. وتطوع سعد الله وحميد وسردار للذهاب، وللطوارئ كنا قد اتفقنا على وسيلة للتفاهم في حالة وجود خطورة. حينما عبروا الطرف التركي التقوا برعاة أكراد .. قدموا معلومات مهمة لهم بما فيها السؤال والاستفسار من قبل الكورد في تركيا.. عن مصير الأنصار الشيوعيين العراقيين.
في اليوم الثاني عادوا إلينا مع مرافقين من القرية يصطحبون بزن/ معزة ورز وكميات من الخبز وبقية الأطعمة.. وحينها فقط قررنا أنا وسردار .. سحب المجموعة المتبقية في كاره.. عبر هذا المنفذ الآمن.
العبور الى تركيا..
في اليوم التالي بادر احد الپيشمركة من جماعة محمد صالح هروري للتسليم للأتراك .. وقدم معلومات عن عددنا.. وبقينا ثلاثة أيام في قرية تابعة لقضاء جلي .. بعدها جاءت سيارات حمل ( قلاب ) مع عدد من عناصر الميت لنقلنا.. بينهم جندي كردي .. اخذ يطمئننا أثناء تفتيشنا وصعودنا للسيارات.. و بقي الكلب الوفي يشكو ويبكي.. بعد منع الأتراك ورفضهم له لمرافقتنا في الصفحات المقبلة من مسيرتنا..
وحينها جاء أحد الأكراد.. ليسأل ويستفسر عن احتمال وجود ب. ك. ك. بيننا .. وعموماً أهل القرية كانوا طيبين ومتعاونين رغم فقرهم ومعاناتهم من جور السلطات التركية.. كانوا يقدمون أفضل الطعام لنا .. بعد مغادرتنا وأثناء وداع أهل القرية لنا تقدم شخص نحوي.. كان حميد آميدي ضيفه.. وقال لي: أنا لستُ من هنا .. ولا انتمي لأية عشيرة .. يقول الناس أنا من أهالي باعذرة .. تذكرت ما يروى عن الفرمانات التي حلت بالايزيديين.. وما رافقها من سبي وقتل وتخريب.. وبقت ذاكرتي تقارن بين ما حلّ بنا في الأنفال وتلك الفرمانات.. وسهوت في الدقائق الأخيرة تائهاً في تأمل حزين قبل أن تتحرك الشاحنات.. بقيت مشغول البال لا ادري ماذا أقول للرجل .. فكرت باحتمال أن يكون اسيراً ايزيدياً سابقاً من زمن الفرمانات.. التي حلت بالايزيديين واسر العثمانيون لأطفالهم وسبي نسائهم ..
حاول سردار أن يدفعني لأصارحه بهويتي .. لكني قلت له: قد فات الأوان .. لا يوجد فرصة أو متسع من الوقت لسماع المزيد منه.. أو الاستفسار عنه.. بعد لحظات تحركت بنا الشاحنات وبقيت قصة و صورة الرجل العجوز وما قاله عن نفسه معلقة في ذهني لليوم ..
نقلونا إلى مفرق هكاري.. و من الجهة الثانية.. وصلت شاحنات تقل رجالاً بيشماغات حمر، تبين أنهم من محلية الشيخان لحدك، كان بينهم شرف السنجاري.. طلبنا من الجندرمة الأتراك الذين رافقونا إلى كفري أن نتوقف للراحة والاغتسال، لكنهم رفضوا.. وعندما طلبنا منهم التوقف لشرب الماء طوقونا في حلقة قبل أن يسمحوا لنا بالشرب.. كانوا حذرين للغاية.. وقدموا لنا وجبة طعام من حلاوة وخبز مع تمر وزيتون .
في كفري وجدنا طائرات هليوكوبتر في الموقع .. وبعد أن استبدل الحراس قال لنا أحد الضباط من الجيش التركي:..
سوف ننقلكم إلى إيران هذه هي مهمتنا..
عبرنا كفري إلى شمس ازدينا.. ومنها وصلنا المثلث العراقي/ الإيراني / التركي .. هناك عانينا من البرد الشديد بسبب عدم وجود أفرشة.. جاء نائب عريف كردي من تركيا وقال :
سوف أعطيكم عدد من البطانيات.. مع خشب لتتدفؤوا .. وجلب لنا معها كيك .. لكن عند الفجر سوف اسحب البطانيات.. كي لا أعاقب بسبب التوجيهات الصارمة.. مع التأكيد على عدم الحديث عن تقديم الطعام نهائياً من قبلي .
فصل عن الأنفال من مشروع توثيق بعنوان.. ( ابو عمشة يتذكر .. ).. انجز من 5 سنوات وينشر على حلقات لأول مرة.[1]