#صباح كنجي#
الانسحاب إلى معبد لالش..
في معبد لالش للايزيديين.. كانت الجموع هائلة.. آلاف المسلحين مع حسو ميرخان وقادر قاجاغ.. مع الآلاف من سكان القرى الإيزيدية الذين غادروا قراهم وتوجهوا للوادي المقدس.. اشتكى لنا سادن المعبد (الفقير مراد) من كثرة الناس وأكد.. الطعام لهذا العدد لن يكفي إلا ليومين فقط.. قلت له:
سنحاول ترتيب مساعدة لكم.. في الليل وصل المير خيري بك مع مجموعة من وجهاء الإيزيدية بمن فيهم أغوات القايدية ليلتحقوا بالانتفاضة..
بعد سقوط الشيخان.. انشغلنا بمسألتين الأولى التخطيط لاستعادتها في أسرع وقت ممكن، وضرورة تنبيه المجموعة القيادية فوراً في دهوك و زاخو لحدوث مقاومة من الداخل بفعل وجود بعثيين وعناصر للسلطة مختبئين بين الناس.. هذا ما قد يحدث لهم أيضا، وعليهم أن يتحسبوا لهذا الأمر المحتمل..
لذا غادرت ليلاً نحو دهوك و زاخو وبسبب تعبئة اللاندكروز بالكاز الأبيض بدلاً من البنزين احترق المحرك فتركناه في مقر دهوك الذي كان أصلا مقراً لحزب البعث..
في زاخو كانت المفاجأة للجميع من قيادة الحزب الشيوعي وبقية الأطراف.. نقلت لهم ما حدث مؤكداً: أني سأعود حالا واحتاج إلى سلاح وعتاد وأننا عازمون على استرجاع المدينة وتحريرها ثانية.. جئت بالدرجة الرئيسية لتنبيهكم من احتمال تكرار ما حدث في الشيخان.. خاصة المقاومة التي انطلقت من بيوت كان يتخفى فيها البعثيون والأمن.. قال ممثل حدك:..
ليست لدينا معلومات عن سقوط الشيخان ولم نسمع بالخبر.. مما حدا ب أبو جوزيف – توما توماس- للاستفسار..
هل أنت متأكد من سقوط الشيخان؟!..
تحدثت بالتفاصيل له للآخرين عمّا جرى وكيف أننا الوحيدين َمنْ قاوم.. لكن ممثل حدك عاد ليستفسر ثانية عبر اللاسلكي وكان الجواب الذي وصله.. الشيخان لم تسقط!!.. جماعتنا يقصدون بيشمركة حدك.. يقاومون تقدم السلطة في الشيخان..
نظر إلي أبو جوزيف باندهاش معاتباً.. ما الذي حدث؟.. هل تركتم مواقعكم وهربتم وبقي حدك يقاومون؟!.. هل فعلتها يا صباح وانسحبت وبقيت قوات حدك تقاوم؟... قلت في لحظة انفعال وغضب:..
ما أقوله هو الصحيح.. لا توجد مقاومة غير مقاومة الشيوعيين.. انسحبت قوات حدك بقرار من قيادتها في التاسعة والنصف صباحاً، بعد أن ركل أحد المسئولين جهاز الراكال بقدمه وقال للبيشمركة: اتركوه.. لا نستطيع سحبه وحمله.. لا نريده.. انسحبوا فوراً الجيش يطوق المدينة من جهتين..
أما نحن فقد غادرنا المدينة بعد قتال لأكثر من خمسة ساعات متواصلة لغاية الثانية عشر ظهراً وخضنا ما يمكن وصفه بحرب الشوارع في آخر ساعة منها.. لنجد قوات حدك والآخرين متجمعين في وادي لالش..
لم نهرب ولن نهرب.. وسوف أعود حالا.. جئت لتنبيهكم واخذ السلاح فقط.. غير هذا الحديث.. فمن كتب البرقية.. ومن أرسلها.. ومن يصدقها يأكل.... أكملت الجملة بكلمة وسخة بذيئة.. وصفقت الباب خلفي لأغادر.. لحق بي أبو سربست وحيدر فيلي ليهدؤني.. بعد حديث سريع معهم أخذت قطعة بي كي سي مع قاذف أر بي جي وعدد من صناديق العتاد وغادرت متوجهاً لدهوك ومن ثم للالش..
قبل الوصول توقفت متأملا ومتسائلاً.. هل يكون من المحتمل أن يبادر حدك لإعادة تحرير الشيخان بعد مغادرتي وأكون أنا المخطأ والمدان؟!!.. كنت أتأمل الموقف.. لا استبعد ذلك إن أرادوا.. فهم لا يحتاجون من الناحية العسكرية إلى الدعم وقوتهم تكفي لأسترجاع وتحريرها..
لكن دخول سيارتنا المضيق الجبلي والوصول للنقطة العسكرية التي وضعناها كسيطرة في مدخل لالش أكد لي.. عدم تبدل الموقف.. مع هذا استفسرت منهم فأجابوا.. الجيش يسيطر على الشيخان .. الجميع يأكلون في لالش.. الوضع بات صعباً.. الغذاء لا يكفي..
في اليوم التالي عقدنا لقاء سريعاً مع كافة الأطراف.. تقرر وضع خطة للهجوم وتحرير الشيخان من جديد.. كنت في غاية السعادة لأن الاتفاق تمّ على ليلة30/31 آذار وهي ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي العراقي وسعدت أكثر بوصول رسالة من قيادة الجبهة الكردستانية في زاخو تعتذر مما حدث معي في زاخو وتشيد بمواقف الشيوعيين البطولية في الشيخان وتصديهم للجيش واعتقد ان الرسالة كان قد كتبها سامي السنجاري وتوما توماس..
عقدنا اجتماعاً للكوادر العسكرية والقوات المنتفضة بالقرب من بقايا هيكل يتوسط السيطرة والمعبد.. صوّرَ اللقاء صحافيان احدهم من النمسا والآخر ألماني.. كانت المدفعية البعيدة المدى والهليكوبترات ترشقنا بين الحين والآخر بالصواريخ والمدفعية ويتصدى لها البطل زيدو من خلال رباعية يتفنن في تحركيها.. وإطلاق نيرانها.. مع هذا استمر لقاؤنا المكرس لوضع خطة الهجوم لتحرير واستعادت الشيخان من جديد..
استفسرت من حدك عن عدد قواتهم فقالوا لدينا800 مسلح جاهز للاشتراك في المهمة.. أمّا أوك فقالوا لدينا أكثر من مائة وعشرين مسلحاً جاهزين.. مع مجموعة بقيادة جمهوري علي بك لا اذكر عددهم.. قلت أما نحن الشيوعيون فسوف نشترك بثمانية مسلحين فقط.. وقف علي كوخي قائلا:..
بشرفي سوف تقاتلون أفضل من 8000 ألاف مسلح منا.. انتم كل واحد منكم بألف.. شكرته على ثقته وتقرر توزيع المهام والانطلاق نحو الأهداف.. عصر اليوم التالي.. عند الرابعة عصراً.. توجه كفاح مع المدفعية ليتقدم نحو التلال المشرفة على المدينة.. كنا قد قررنا الانطلاق مع حلول الظلام.. بعد أن غادر كفاح مع مجموعته بقينا نتابع بعض التفاصيل وندقق في الخطة...
بعد ساعة.. حدثت مفاجأة لم نتوقعها.. ارتبك وضع المجموعة القيادية المرافقة لقادر قاجاغ وقررت عدم الاشتراك وسحبت قوات حدك المشاركة في خطة الهجوم والتحرير.. استفسرت من قادر قاجاغ.. قال: وصلتنا برقية بالبقاء في أماكننا بلا قتال.. انتقد أوك موقف حدك وأصروا أنهم سيتابعون الموقف معنا في حالة مواصلة الجهود لتنفيذ الخطة من اجل استعادة تحرير الشيخان.. لكنهم بعد ساعة، ارتبكوا وانقسموا على بعضهم، بعد أن وصلت إليهم برقية مماثلة وقرروا الانسحاب أيضا..
توقفت مع قادر قاجاغ في مدخل الوادي مستفسراً منه عن وجهتهم؟.. قال:
سنتوجه إلى اتروش..
قلت:
كاكه قادر أشم رائحة خيانة.. لا أدري ماذا أقول؟!..
أجابني:
بصراحة ليس لدي أية معلومات.. كان في غاية الألم.. وأكد.. فقط طلبَ منا البقاء في مواقعنا..
قلت:
لكن اتروش لا تصلح للبقاء والتجمع فيها.. فهي مجردة من الأشجار وسهلة المنال بالطيران..
عقدت لقاء سريعاً مع المجموعة الباقية، وطرحت لهم ما حدث وكلفنا فرهاد بالذهاب لسحب كفاح ومن معه.. في المساء توجهنا بدلا من التقدم جنوباً نحو الشيخان لتحريرها واستعادتها شمالاً إلى الخطوط الخلفية نحو اتروش.. التي كانت مرتعاً لقوات الجيش والمرتزقة بعد أن أفرغت من سكانها..[1]