=KTML_Bold=هل الزردشتية دين كوردي أم فارسي؟=KTML_End=
=KTML_Underline=مهدي كاكه يي=KTML_End=
صحيح أنّ زردشت كان كورديا ويزدانياً، إلا أنه إنسلخ عن دينه اليزداني وأوجد الديانة المسماة بإسمه. عندما بدأ زردشت الدعوة لِدينه بين قومه الكورد، رفض الكورد دعوته وتمسّكوا بِدينهم اليزداني، مما إضطر زردشت الى ترك مدينته ورمێ (أورميه) الواقعة في شرق كوردستان والهجرة الى (باكتريا)، حيث أنه هناك أخذ يبحث عن حاكِم يسانده في نشر دينه، فإهتدى إلى حاكِم (باكتريا) الفارسي فشتاسپ (هشت أسپ)، فقام زردشت بزيارة هذا الحاكِم في مقر إقامته وشرح له دينه الجديد ودعاه إلى إعتناقه. أعدّ حاكِم (باكتريا) مناظرات بين زردشت والكهنة والسحرة التابعين له. أخذ زردشت العهد والميثاق من الحاكِم المذكور أن يتخلى عن دينه ويعتنق الدين الزردشتي فيما لو فاز في مناظرته مع كهنته وسحرته. إستمرت المناظرات لمدة ثلاث أيام، خلالها أجاب زردشت عن جميع أسئلتهم. عندما حقّق زردشت الفوز في المناظرة التي تمّ إجراؤها، قال حاكِم منطقة باكتريا: إنما هو نبي من عند إله حكيم. آمن (هشتاسپ) وزوجته وبقية أفراد عائلته بِدين زردشت، وبعد ذلك بدأت الديانة الزردشتية بالإنتشار في تلك المنطقة الفارسية.
يقول زردشت في الكتاب الزردشتي المقدّس (آڤێستا) مناجياً ربه عندما قام قومه اليزدانيون بِطرده قائلاً:
إلى أي أرض يمكنني الهروب؟
أين تتجه خطواتي؟
لقد تمّ إبعادي عن العائلة والعشيرة،
لم أعد محبوباً في القرية التي أنتمي إليها،
ولم يستمع أحد من عامة الشعب الى قولي
ولا عند حُكاّم البلد الأشرار،
كيف إذاً، أيها الرب، سأحظى بودِّك أيها الرب (1).
بعد هيمنة الفُرس على حُكم الدولة الأخمينية وتراجع الدور الميدي في المشاركة في الحكم، أدرك الميديون بأنهم فقدوا سلطتهم وأصبحوا تابعين للفُرس ولذلك بدأوا ينتهزون فرصة سانحة لإسترداد حُكمهم من الفُرس. في سنة 522 قبل الميلاد، أثناء غياب الملِك الأخميني (قمبيز) في البلاد، حيث كان يقود حملة عسكرية لِغزو مصر، إنتهز كل من (پيرتزيثيس) الذي كان كاهناً ميدياً يُدير أمور القصر الملكي الأخميني و أخيه (سميرديس Smerdis) الذي كان يُدعى أيضاً (گاؤوماتا Gaumata) فرصة غياب (قمبيز) عن البلاد، فإستطاعا تسلّم الحُكم وإستعادة السلطة الميدية من الفُرس ودام حكمهما لمدة سبعة أشهر فقط (2)، حينذاك إستطاع الأخميني (دارا) قتل الأخوَين الميديين اليزدانيين والإستيلاء على الحُكم من جديد وأصبح ملِكاً للدولة الأخمينية. إتخذ الملِك الأخميني الفارسي (دارا الأول) الزردشتية الدين الرسمي للبلاد وبدأ يشنّ حرباً شرسة على الديانة اليزدانية وكهنتها (الكهنة المجوس). يقول ديورانت بهذا الصدد:
ولعل دارا الأول حينما إعتنق الدين الجديد رأى فيه ديناً مُلهِماً لشعبه، فشرع منذ تولّيه المُلك، يثير حرباً شعواء على العبادات القديمة، وعلى الكهنة المجوس، وجعل الزردشتية دين الدولة (3).
يذكر هارڤي پورتر أيضاً حول هذا الموضوع قائلاً:
دين الفُرس هو دين زردشت الذي ذكرناه في تاريخ الميديين، ولمّا غلبوا الميديين، نسخوا مذهب المجوس الفاسد، لِ(سميرديس) الكاذب أي (گوماتيس) الذي أعاده؛ إذ كان مجوسياً، لكن دارا الذي خلّفه، أهلك المجوس بعد إرتقائه، وتمسّك بالمذهب القديم (2).
في المواجهة بين النخب الفارسية بقيادة دارا الأول من جهة، والأخوَين الميديين (پيرتزيثيس) و(سميرديس) من جهة أخرى، كان الميديون تتم تسميتهم بِ(مجوس)، ولذلك بعد مقتل الأخوَين، إنصبّ إنتقام الملِك الأخميني على (المجوس)، حيث يصف (ديورانت) (سميرديس) قائلاّ:
كان أحد رجال الدين المتعصبين من أتباع المذهب المجوسي القديم، وكان يعمل جاهداً للقضاء على الزردشتية، دين الدولة الفارسية الرسمي (4).
قول الملك الأخميني دارا الأول المحفور في نقش بيستون يدعم ما يذكره كلٌّ من ديورانت وهارڤي پورتر، حيث أنّ دارا الأول يفتخر في النقش المذكور بإنجازاته بعد قضائه على ثورة الأخوَين الميدييَن قائلاً: إن المعابد التي هدمها (گوماتا) قمتُ بإصلاحها كما كانت، والتي أخذها (گوماتا) الموغ، أرجعتُها(5).
أود هنا أن أذكر بأن هناك أناساً كثيرين يظنون أن الدين المجوسي هو الدين الزردشتي وهذا غير صحيح، حيث أن الدين المجوسي هو الدين اليزداني الذي هو أقدم من الدين الزردشتي بآلاف السنين، حيث كان ديناً لأسلاف الكورد الخوريين. أحب أيضاً أن أشير الى نقطة مهمة أخرى وهي أن الديانة اليزدانية كانت إلهاماً روحياً لأسلاف الكورد الميديين، غير أن الفُرس قطعوا الصلة الروحية للميديين بالديانة اليزدانية حينما ألغوا الدين اليزداني وبذلك ألغوا المرجعية الدينية الميدية والثقافة الميدية وتبنّوا الديانة الزردشتية بعد تعديلها لتكون في خدمة القومية الفارسية. من هنا نرى أنّ اليزدانية هي الدين الأصيل للشعب الكوردي ورغم أن زردشت كان كوردياً، إلا أنّ الديانة الزردشتية تمّ تبنّيها وإستغلالها من قِبل الفُرس وبها أسقطوا المملكة الميدية وقطعوا صلة الكورد بِمعتقداتهم الدينية وصلاتهم الروحية ومرجعيتهم الدينية وبذلك قطعوا الطريق على الكورد في تأسيس كيانٍ سياسي لهم. من الجدير بالذكر أن العرب، عن طريق الخطأ، يطلقون عبارة الفُرس المجوس على الفُرس، حيث يتضح مما سبق بأن الكورد والفُرس والأرمن والشعوب الأخرى التي كانت تابعة للمملكة الميدية، كانوا يعتنقون الدين المجوسي (اليزداني)، بينما بدأ الفُرس بإعتناق الديانة الزردشتية بعد تأسيسهم للمملكة الأخمينية.
عند مقتل الملك الميدي المجوسي (گوماتا) أُقيمت لِموته المآتم والتعازي من قِبل كافة سكان غربي آسيا، بإستثناء سكان المنطقة الفارسية [a]. إقامة التعازي على روح الملِك الميدي (گوماتا) من قِبل سكان منطقة غربي آسيا يُشير الى أن سكان هذه المنطقة كانوا يعتنقون الدين الميدي (الدين اليزداني) وكانت لهم ثقافة مشتركة مع الميديين، بإستثناء الفُرس، حيث كانوا يعتنقون ديناً آخراً ولم تربطهم صلات ثقافية مع سكان غربي آسيا. كما أن موالاة سكان غربي آسيا للملِك الميدي (گوماتا) تُشير الى أنه بالإضافة الى إعلان نفسه ملِكاً لميديا، لقد كان ل(گوماتا) سلطة دينية على سكان المنطقة. هدف الفُرس من عمليات الإبادة التي قاموا بها ضد رجال الدين الميديين، كان إضعاف الميديين والتقليل من سلطتهم ومنعهم من العودة الى حُكم المنطقة، حيث كانت للميديين إمبراطورية كبيرة وقوية تحكم المنطقة، بما فيها منطقة الفُرس.
(أزْدَهاك) كان آخر ملوك المملكة الميدية. إسمه مُركّب ومؤلّف من إسمَين هما (أَزْد/يَزْد) و(دَياك)، حيث أن (أَزْد/يَزْد) هو إسم الدين الذي كان يعتنقه هذا الملك الميدي، بينما (دَياكو) هو إسم مؤسس المملكة الميدية والذي الملِك (أزْدَهاك) هو حفيده. هكذا فأن إسم هذا الملِك الميدي يعني (دياكو اليَزداني)، نسبة إلى الإله (يَزْدان). هذا يُشير بِوضوح الى إعتناق الميديين للدين اليزداني وأنّ هذا الدين كان الدين الرسمي للمملكة الميدية.
هكذا نرى أن الفُرس قاموا بِتبنّي الدين الزردشتي، وليس الكورد وإتخذ الأخمينيون الفُرس الديانة الزردشتية كآيدولوجيا في القضاء على الإمبراطورية الميدية وألغوا الديانة المجوسية (اليزدانية) وجعلوا الزردشتية الدين الرسمي للمملكة الأخمينية. من هنا يتأكد لنا بأنّ الديانة الزردشتية هي ديانة فارسية رغم أنّ زردشت كان كوردياً.
=KTML_Bold=المصادر=KTML_End=
1. ياسنا 1، 46.
2. هارفي بورتر (1991). موسوعة مختصر التاريخ القديم، صفحة 178.
3. ديورانت. قصة الحضارة، مجلد 1، الجزء الثاني، صفحة 426.
4. المصدر السابق، صفحة 406.
5. دياكونوف (1998). ميديا. ترجمة وهيبة شوكت، دمشق، الناشر محمود أيوب، صفحة401.
a. Cook, J. M. (1985). The Cambridge History of Iran: The Median and Achaemenian periods. Volume 2 of The Cambridge History of Iran, The Rise of the Achamenids and The Establishment of their Empire. Cambridge University Press, Cambridge, page 218.
ملاحظة: الصورة الثالثة هي صورة للمجزرة التي قام بها الزردشتيون ضد المجوس (اليزدانيين).
[1]