=KTML_Bold=هل كان النبي إبراهيم من أسلاف الكورد؟=KTML_End=
=KTML_Underline=د. مهدي كاكه يي=KTML_End=
قبل عدة أيام بعث لي أحد الأصدقاء عن طريق الماسنجر، رسالة مرفقة بمقال عن النبي إبراهيم، يسألني فيها عن مدى صحة معلومات ذلك المقال. حاولتُ أن أعثر على تلك الرسالة ومعرفة صاحبها، للإطلاع على المقال والأجابة على سؤاله، إلا أنني مع الأسف لم أفلح في العثور على رسالته من بين الرسائل الكثيرة المتراكمة في الماسنجر. لذلك قررتُ أن أعيد نشر هذا المقال وأأمل أن يطلّع عليه ذلك الصديق وكذلك ليكون في متناول الصديقات والأصدقاء غير المطلعين عليه.
رغم الشهرة والمكانة العظيمة للنبي إبراهيم عند الأديان الكتابية الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلام)، وإنتماء أنبياء هذه الأديان (موسى وعيسى ومحمد)، إليه، إلا أنه لا يوجد أي ذكرٍ له في =KTML_Bold=المصادر=KTML_End= التاريخية والآثار المُكتشفة. نعمل في هذا المقال على تتبع أصل النبي إبراهيم ومكان ولادته من خلال المعلومات الدينية والتاريخية والجغرافية المتوفرة والتي تتضمنها النقاط التالية:
1. بالنسبة الى مسقط رأس النبي إبراهيم، يذكر كتاب العهد القديم (التوراة) بأنّه ولِد في أور الكلدانيين، والذي يُقصَد به موقع (تل المقيّر) الحالي الواقع في جنوب شرقي مدينة بابل، فهو كلام لا يتطابق مع الحقيقة التاريخية، لأنّ العصر الذي عاش النبي إبراهيم فيه يسبق وصول الكلدانيين الى هذه المنطقة بأكثر من ألف (1000) سنة1. في هذه الحالة فأنّ ولادة النبي إبراهيم تنطبق مع مدينة (حرّان) الواقعة في شمال وادي الرافدَين (كوردستان الحالية).
بسبب حدوث مجاعة في أرض كنعان، هاجر النبي إبراهيم وأسرته وإبن أخيه (لوط) الى مصر. يذكر الدكتور (سيد محمود القمني) بأنّ سفر النبي إبراهيم وأسرته حصل في القرن التاسع عشر أو الثامن عشر قبل الميلاد2. هذا يعني بأنه لم يكن أي وجودٍ للكلدانيين في مدينة (أور) السومرية في ذلك الوقت لتتم تسمية المدينة بِ(أور الكلدانيين). تسمية (أور) بإسم (أور الكلدانيين) تُشير الى أن الراوي التوراتي أو المترجم التوراتي، هو الذي أطلق هذا الإسم على المدينة وأنّ هذه التسمية جرت في عهد قدوم الكلدانيين الى مدينة أور السومرية .
يذكر المؤرخ الدكتور محمد بيومي مهران أنّ النبي إبراهيم عاش بين حوالي سنة 1950 – 1850 قبل الميلاد وحينذاك لم يكن الكلدان موجودين في بلاد سومر في جنوب العراق، حيث أنهم حكموا بلاد سومر وبابل من سنة 626 الى سنة 539 قبل الميلاد3. هذا يعضد عدم صحة تسمية (أُور) بإسم أُور الكلدانيين في الوقت الذي لم يكن أيّ وجود للكلدانيين في مدينة أور4.
يظهر أنّ أحبار العبرانيين أطلقوا إسم أُور الكلدانيين على مدينة (أور) عند قيامهم بِتدوين أسفار التوراة بعد نفي العِبران إلى بلاد بابل وجنوب كوردستان في سنة 586 قبل الميلاد، حيث كانت مدينة أُور في ذلك الوقت يحكمها الكلدان ولذلك نسبَ المدوّنون مدينة أور إلى الكلدان. هكذا فأنّ المصادر تؤكد بأن الكلدانيين لم يكونوا موجودين في مدينة أور خلال فترة حياة النبي إبراهيم. كما أنّ المرء يستنتج من ذلك بأنّ تسمية مدينة أور ب(أور الكلدانيين) في التوراة، قد تمت من قِبل مدوّني التوراة في الفترة التي كان الكلدان يحكمون مدينة (أور) ولذلك أطلقوا عليها إسم (أور الكلدانيين).
من الجدير بالذكر أنّ كلمة (أور) تعني (مدينة) باللغة السومرية1 و كذلك باللغة الخوريةa. لذلك نرى وجود مدنٍ عديدة في مناطق الحُكم السومري والخوري التي يدخل إسم (أور) في تركيب أسمائها، مثل (أُور- بيلليوم أَربيل) التي تعني (مدينة الآلهة)b، والعاصمة الخورية (أُوركيش Urkish) التي تعني (مدينة كل العالم) b و(أُورفاUrfa ) و (أُورشَليم) التي تعني (مدينة السلام). لا تزال الكلمة السومرية والخورية (أور) حيّة في اللغة الكوردية وتعطي نفس المعنى (مكان العيش)، إلا أنها متحورة بمرور الزمن الى (هَوار)، حيث تحوّل حرف الألف (ا) الى حرف الهاء (ھ) وهذا التغيّر شائع في اللغة الكوردية.
2. عندما أصبح عُمر النبي إبراهيم (أَبْرام) 75 سنة، أمره الربّ أن يُهاجر من مدينة حاران (حرّان) إلى أرض كنعان (فلسطين): (وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً. وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ) (العهد القديم، سفر التكوين، الأصحاح 12، الآية 1 – 3)5. كما جاء في التوراة بأنّ النبي إبراهيم، قُبيل وفاته، طلب من كبير عبيده ألّا يزوّج إبنه إسحاق من بنات الكنعانيين، قائلاً له: (ضَعْ يَدَكَ تَحْتَ فَخْذِي، فَأَسْتَحْلِفَكَ بِالرَّبِّ إِلهِ السَّمَاءِ وَإِلهِ الأَرْضِ أَنْ لاَ تَأْخُذَ زَوْجَةً لإبنِي مِنْ بَنَاتِ الْكَنْعَانِيِّينَ الَّذِينَ أَنَا سَاكِنٌ بَيْنَهُمْ، بَلْ إِلَى أَرْضِي وَإِلَى عَشِيرَتِي تَذْهَبُ وَتَأْخُذُ زَوْجَةً لابْنِي إِسْحَاقَ) (العهد القديم، سفر التكوين، الأصحاح 24، الآية 2 - 4)5. لقد قام كبير العبيد بتنفيذ وصيّة النبي إبراهيم. من خلال ما جاء في التوراة عندما أمر الرب النبي إبراهيم أن يسافر من أرضه وأرض عشيرته وبيت أبيه (مدينة حرّان) الى (أرض كنعان) وكذلك من خلال وصية النبي إبراهيم لِكبير عبيده بأن لا يتزوج إبنه إسحاق من بنات كنعان، بل يتزوج بنتاً من عشيرته، يتبيّن بِوضوح بأنّ مدينة (حرّان) الكوردستانية هي المدينة التي وُلِد فيها النبي إبراهيم. كما أنّ (الطبري) يقول بأنّ النبي إبراهيم ولِد في (حرّان) وأنّ أباه (تارخ) أخذه الى أرض بابل6. من الجدير بالذكر أنّ مدينة (حَرّان) تبعد عن جنوب شرق مدينة (أُورفا) بِمسافة 44 كيلومتر وتقع في شمال كوردستان الحالية.
3.. الوقائع التأريخية تُشير الى أنّ مدينة (حرّان) كانت مركز عبادة إله الشمس (شيميكا الخوري و سورا الميتاني)، حيث كان الخوريون - الميتانيون يعبدون آلهة عديدة7. من جهة أخرى فأنّ مدوّني التوراة لم يستطيعوا إخفاء كون الآباء مثل إسحاق ويعقوب وغيرهما، كانوا يعبدون آلهة متعددة أيضاً. هذا دليلٌ آخر على نشوء النبي إبراهيم منذ ولادته على سُنّة وتقاليد مجتمعه الأول وخاصةّ عندما حاولت أسرته أن ترتبط بالهيتيين عن طريق المصاهرة وكذلك أنه دليلٌ على أنّ مسقط رأس النبي إبراهيم هو مدينة (حرّان).
4. يذكر (أبراهام مالمات) و(حاييم تدمور) بأنّ أسلاف الكورد الخوريين كانوا يحكمون منطقة (حرّان) وسوريا وفلسطين وقاموا بِفرض ثقافتهم وتقاليدهم على التركيب العرقي القديم للأنساب العبرية وعلى أسباط بني إسرائيل8. يستطرد هذان المؤرخان في بحثهما قائلَين بأنّه بعد تأسيس أسلاف الكورد الميتانيين لمملكتهم، أصبحت مدينة (نوزي) خلال القرن الخامس عشر والرابع عشر قبل الميلاد، مقراً هاماً للحُكم في هذه المملكة التي سكانها كانوا ينتمون إلى الشعب الخوري. هذا يُشير الى أنّ أسرة النبي إبراهيم كانت تنتمي الى أسلاف الكورد الخوريين، حيث كان سكان مدينة (حرّان) التي كان النبي إبراهيم واحداً منهم، ينتمون الى الخوريين.
5. يذكر التوراة أن النبي إبراهيم قد تزوّج أخته من أبيه (ساراي) وهو في (أور). هذا النوع من الزواج كان يتم من قِبل ملوك الخوريين وفراعنة مصر وملوك الفرس الأخمينيين. ترعرع النبي إبراهيم وعاش في الوطن الخوري – الميتاني. كما أنّ زواج النبي إبراهيم و(ساراي) حصل قبل ذهابه الى مصر وأنّ النبي إبراهيم لم يعشْ قط في بلاد فارس. زواج الأخ من الأخت غير الشقيقة، كما فعله النبي إبراهيم، يُشير الى ثقافة أسرة النبي إبراهيم الخورية وإنتمائها الى المجتمع الخوري وتشبّعها بالثقافة الخورية. هذا يعضد ولادة النبي إبراهيم في مدينة (حرّان) الواقعة في الجغرافيا الخورية.
6. يقول المؤرخ الدكتور (سيد القمني) أن إسم (أُور الكلدانيين) غير مذكور في النسخة العبرانية الأصلية للتوراة، بل أنّه وَردَ فيها إسم (أُور كسديم). يستطرد الدكتور (سيد القمني) في حديثه قائلاً أن هذا الإسم له علاقة بأسلاف الكورد الكاشيين (الكاسيين) الذين حكموا بلاد بابل وسومر حوالي منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، وأن جَمْعْ إسم (كاسي) باللغة العبرية هو (كسديم)، وإستنتج خلال هذه الدراسة أن أسرة النبي إبراهيم جاءت من المنطقة الخورية أو الكاشية9. هذا البحث يُعزّز كون مدينة (حرّان) مسقط رأس النبي إبراهيم.
7. يذكر التلمود والروايات الإسلامية أن أحداث ثورة النبي إبراهيم على معتقدات قومه ورفضه عبادة الأجرام السماوية ، كانت في عهد الملك (نمرود) الذي كان يحكم بلاد بابل وأن مدينة إسمها (كالح Kalah) كانت تسمّى (مدينة نمرود) في جنوب شرق مدينة الموصل الحالية، وكان هناك جبلٌ إسمُه (جبل نمرود) الواقع في شمال كوردستان. يعني هذا القول أنّ النبي إبراهيم كان يعيش في كوردستان عندما بدأت رسالته التوحيدية ودعوته لِقومه الى الإيمان بالله وحده وعدم الإشراك به.
هكذا أنّ الحقائق التاريخية المستندة على التوراة وجغرافية أسلاف الكورد الخوريين والكاشيين والمعتقدات الدينية والعادات الإجتماعية لأسرة النبي إبراهيم، تشير الى أنّ النبي إبراهيم كان ينتمي الى أسلاف الكورد، الأقوام الزاگروسية وأنّه مولود في مدينة (حرّان) الكوردستانية.
8. كان العرب يطلقون اسم (النبط) على السومريين. يذكر الإمام علي بن أبي طالب أن قبيلة قريش هي في الأصل من نبط كوثى، أي من السومريين، حيث يقول القزويني ما يلي: (كوثى قرية بِسَواد العراق قديمة، يُنسب إليها إبراهيمُ الخليل عليه السلام، وبها كان مولده، وطُرح في النار بها، ولذلك قال أمير المؤمنين عليّ، رضي الله عنه، مَن كان سائلاً عن نَسَبِنا فإنّا نَبْط كُوثى )10. بناءً على كلام الإمام علي، فأنّ قبيلة قريش تنتمي الى أسلاف الكورد السومريين. كما أن أفراد قبيلة قريش هم أحفاد النبي إبراهيم، حسب ما مذكور في القرآن، حيث انّ النبي إبراهيم هو أبو الأنبياء ومن ضمنهم النبي محمد وبذلك يكون النبي إبراهيم من أحفاد أسلاف الكورد الزاگروسيين. من الجدير بالذكر أنّ أفراد قبيلة قريش هم من العرب المُستَعرَبة.
المصادر
1. الدكتور سامي سعيد الأحمد و الدكتور جمال رشيد أحمد. تأريخ الشرق القديم. بغداد، 1988، صفحة 318.
2. الدكتور سيد محمود القمني. النبي إبراهيم والتاريخ المجهول. مطبعة سينا للنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1990، صفحة 38.
3. الدكتور محمد بيومي مهران. تاريخ العراق القديم. الإسكندرية، 1990، صفحة 433.
4. سبتينو موسكاتي. الحضارات السامية القديمة. ترجمة الدكتور السيد يعقوب بكر، دار الرقي، بيروت، 1986، صفحة 71.
5. الكتاب المُقدّس (العهد القديم). دار الكتاب المقدس في العالم العربي.
6. الطبري. تاريخ الطبري. تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الرابعة، 1979، صفحة 233.
7. الدكتور جمال رشيد احمد. ظهور الكورد في التأريخ – دراسة شاملة عن خلفية الأمة الكوردية ومهدها. الجزء الثاني، الطبعة الثانية، 2005، صفحة 751.
8. أبراهام مالمات، حاييم تدمور: العبرانيون وبنو إسرائيل في العصور القديمة بين الرواية التوراتية والاكتشافات الأثرية. ترجمة وتعليق دكتور رشاد عبد الله الشامي، المكتب المصري لتوزيع المطبوعات، الطبعة الأولى، 2001، صفحة 118.
سيد القِمني: النبي إبراهيم، ص 64-66، 78-79.
9. الدكتور سيد محمود القمني. النبي إبراهيم والتاريخ المجهول. مطبعة سينا للنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1990، صفحة 64-66، 78-79.
10. القزويني. آثار البلاد وأخبار العباد، صفحة 449.
=KTML_Bold=المراجع=KTML_End=
a. https://glosbe.com/en/xhu/town
b. John A. Halloran. Sumerian Lexicon.
[1]