=KTML_Bold=ما الدلیل التاریخي والعلمي على أن الزاغروسیین القدماء، والآریین الذین اندمجوا بﮪم، ﮪم الأسلاف الحقیقیون للتكوین الكرد الحالي؟=KTML_End=
_ إن ظهور فجر الحضارة في بلاد الكرد أمر مؤكد عند جميع الباحثين الذين تناولوا تاريخ غربي آسيا القديم ، يستوي في ذلك الباحثون الشرقيون والأوربيون ، كما أنهم يؤكدون أن السومريين الذي أقاموا صرح أول حضارة في جنوبي ميزوبوتاميا ( جنوب العراق حالياً ) كانوا في الأصل من أبناء الجبال في بلاد الكرد الحالية ، وأن الأقوام الذين عرفوا بأسماء : لوللو ، قُوتي ، سوباري ، كاشو ، خوري ( ميتاني ) مانناي ، خلدي ( أورارتو ) ، ميدي ( ماد ) ، عاشوا أيضاً في ربوع البلاد التي عرفت بعدئذ باسم كردستان ( بلاد الكرد ) .
_ لم يذكر المؤرخون أية معلومة حول انقراض هؤلاء الأقوام ، وبقاء البلاد التي كانوا يقيمون فيها ( كردستان بعدئذ ) فارغة بلا سكان ، بل بالعكس ثمة معلومات كثيرة وموثقة ، تؤكد أن هذه البلاد كانت مأهولة بالسكان ، منذ سقوط الدولة الميدية عام ( 550 ق . م ) وإلى يومنا هذا ، وحسبنا دليلاً على ذلك ذكر الثورات التي كانت تنشب فيها ضد الأخمينيين ، والأحداث التي جرت فيها طوال العهد السلوقي والبارثي والساساني ، كالصراعات التي دارت بين البارثيين والسلوقيين ، وبين البارثيين والرومان ، ثم بين الساسانيين والبيزنطيين ، ثم بين الساسانيين والعرب المسلمين . ( ول ديورانت : قصة الحضارة ، مجلد 1 ، 2 / 422 . وليام لانجر : موسوعة تاريخ العالم ، 216 / 1 . أحمد عادل كمال : الطريق إلى المدائن ، ص 104 - 105 . عبد الحكيم الذنون : الذاكرة الأولى ، ص 151 . جمال رشيد : ظهور الكرد في التاريخ ، 249 / 1 - ( 250 ) .
_ بعد هجرة الميد في أواخر الألف الثاني قبل الميلاد ، وهجرة السكيث Scythians ( ظهروا في ميديا المركزية قبل عام 674 ق . م ، وكانوا يطاردون السيمريين الكيمريين Cimmerians ) ( هيرودوت : تاريخ هيرودوت ص 298 . دياكونوف : ميديا ، ص 250 ) ، لم يذكر المؤرخون أية معلومة عن أية هجرات كبرى ، قام بها شعب ما إلى بلاد الكرد الحالية ، وظل الأمر كذلك في العهود الأخمينية ، والسلوقية ، والبارثية ، والساسانية ، والأرمنية في عهد ديران الكبير ( ت 54 / 55 ق . م ) ، وكان هؤلاء يتصارعون فيما بينهم لبسط نفوذهم على بلاد الكرد ، ولم يقوموا بهجرات كبرى إليها ، وبعبارة أخرى : كانوا مجرد جاليات حاكمة ، وكان وجودهم ينحصر في حدود ضيقة جدا ، كما هو الأمر في كل بلد يخضع لسيطرة حكام أجانب .
_ حوالي منتصف القرن السابع الميلادي وصل العرب المسلمون إلى بلاد الكرد ، وأزاحوا النفوذ الفارسي الساساني ، وحلوا محلّهم ، وكانوا أيضاً طبقة حاكمة ، بل كانوا يستعينون في الغالب بولاة من الكرد لتسيير الأمور الإدارية ، وكان الفاتحون الأوائل يستقدمون بعض القبائل العربية البدوية ، لترعي قطعانها في المناطق المفتوحة على تخوم شبه الجزيرة العربية ، ووصلت فروع بعض القبائل إلى شمال غربي بلاد ما بين النهرين ، ومن ضمنها أجزاء من بلاد الكرد ، وما زال أثر ذلك باقياً في اسم مدينة ( ديار بكر ) الكردية بجنوب شرقي تركيا ، نسبة إلى قبيلة ( بكر ) العربية ، فالاسم التاريخي المعروف لهذه المدينة هو آمد ( آميد ) ، وصار في العهود الإسلامية لقبا لكثير من الأعلام الآمدي ) ، أما حلول اسم ( ديار بكر ) محل اسم ( آمد ) فتم في العهد العثماني ليس غير ، وحل لقب ( دياربكرلي ) محل لقب ( آمدي ) .
_ تعرضت بلاد الكرد ، في عام ( 429 ﮪ / 1037 م ) لغزو طائفة من التركمان الغز ( أوغوز ) ، لكن القبائل الكردية ما لبثت أن وحدت صفوفها ، وألحقت بهم هزيمة نكراء ، فتوجه فريق منهم إلى أرمينيا ، وتشتت الآخرون في أصقاع غربي آسيا ، ولم يتمكنوا من الاستقرار في بلاد الكرد . ( أحمد كمال الدين حلمي : السلاجقة ، ص 25 ) .
ثم جاء دور التركمان السلاجقة ، فغزوا غربي آسيا ، بما فيها بلاد الكرد ، وبعد أن دخلوا بغداد عام ( 447 ﮪ / 1055 م ) توغلوا في شمالي كردستان ، وأخضعوا الدولة الأوستكية ( المروانية الكردية عام ( 449 ﮪ ) ، ثم قضوا عليها عام ( 478 ﮪ / 1086 م ) ، ومع ذلك لم يستقروا في كردستان ، وإنما اتخذوها معبرا ومنصة انطلاق إلى آسيا الصغرى ( غربي تركيا حاليا ) . ( الأصفهاني : تاريخ دولة آل سلجوق ، ص 14 - 15 . ابن أبي الهيجاء : تاريخ ابن أبي الهيجاء ، ص 104 . الفارقي : تاريخ الفارقي ، ص 236 ) .
_ بين عامي ( 625 - 628 ﮪ ) تعرضت بلاد الكرد - وخاصة المناطق الشرقية الشمالية - للغزو الخوارزمي بقيادة السلطان جلال الدين خوارزمي ، وكان هارباً أمام الزحف المغولي ، لكنه ما لبث أن قتل فيها على يد حد الكرد ، وتشتت جنوده . ( الهمذاني : جامع التواريخ ، 281 / 1 - 283 ، 290 . ابن الأثير : الكامل في التاريخ ، 481 / 12 - 500 ) .
ثم تعرض جنوبي كردستان للغزو المغولي منذ حوالي سنة ( 655 ﮪ ) ، واتخذها المغول معبرا وقاعدة انطلاق نحو عاصمة الخلافة بغداد ، من ناحية ، ونحو سوريا من ناحية أخرى ، وفي الحالين قاومهم الكرد ، ولم يستقروا في كردستان . ( الهمذاني : جامع التواريخ ، 281 / 1 - 320 ) . | الإضاءة السابعة : بعد الغزو المغولي صارت كردستان عرضة للغزو الشتري بقيادة تيمورلن بين عامي ( 796 - 805 ﮪ ) ، واتخذها الشر معبراً ومنصة انطلاق للهجوم على العثمانيين في آسيا الصغرى ( ابن عربشاه : عجائب المقدور في نوائب تيمور ، ص 73 - 76 ، 124 ، 128 ، 398 ) ، ولم يستقروا في كردستان ، كما أن كردستان كانت ساحة قتال بين الجيوش العثمانية والصفوية ، منذ حوالي عام ( 1506 م ) ، إلى عام ( 1639 م ) ، وهو العام الذي تقاسمت فيه الدولتان بلاد الكرد بموجب معاهدة تنظيم الحدود ) . ( عباس إسماعيل صباغ : تاريخ العلاقات العثمانية - الإيرانية ، ص 46 - 47 . يلماز أوزتونا : تاريخ الدولة العثمانية ، 219 / 1 . منذر الموصلي : عرب وأكراد ، ص . ( 202 ، 196 ، 179)
_ كان هؤلاء الوافدين جميعاً فاتحين أو غزاة عابرين ليس أكثر ، ولم يقيموا في بلاد الكرد بشكل دائم ، وإنما كانوا يديرون المناطق التابعة لهم من خلال زعماء الكرد التابعين لهم . وأقصى ما فعلته الدولة العثمانية هو زرع بعض الجاليات التركمانية على الطرق والمواقع الإستراتيجية في تخوم بلاد الكرد الغربية الجنوبية خاصة ، لتستعين بها في إحكام سيطرتها على البلاد والعباد ، وهذا أمر مألوف عند معظم الفاتحين عبر التاريخ .
_ خلال العهود الإسلامية من القرن التاسع الميلادي إلى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي تأسس عدد غير قليل من الحكومات في بلاد الكرد ، وكانت حكومات كردية قادة ورعية ، نذكر منها :
الحكومة الروادية في أذربيجان ( 230 - 618 ﮪ ) والحكومة الحسنويهية في همذان ( 330 - 405 ﮪ )
والحكومة الأوستكية ( المروانية ) في كردستان الوسطى ( 350 - 478 ﮪ )
الحكومة العنازية في حلوان ( 380 - 446 ﮪ )
الحكومة الكورية الكبرى في لورستان ( 550 - 827 ﮪ ) ، الحكومة الثورية الصغرى في لورستان ( 570 - 1250 ﮪ )
الحكومة الأردلانية في جنوب غربي إيران ( 617 - 1284 ﮪ
إمارة بدليس ( قضى عليها العثمانيون عام 1836 م ) ،
إمارة بابان في جنوبي كردستان قضى عليها العثمانيون عام 1850 م )
وإمارة الهكارية في كردستان الوسطى ( قضي عليها العثمانيون عام 1845 م )
والسؤال الذي يفرض نفسه هو : بما أن بلاد أسلاف الكرد لم تكن خالية قط منذ سقوط دولة ميديا عام ( 550 ق . م ) ، ولم تصبح عرضة لهجرات كبرى ، ولم يقم فيها الفاتحون بشكل يغير طابعها الديموغرافي الأصلي ، وقامت فيها حكومات كردية بقادتها ورعيتها ، ولم نقرأ في التاريخ أن ثمة أناسا هبطوا على كردستان من كوكب آخر ، أو انبثقوا من الأرض ، إذا من هو الشعب الذي أقام - وما يزال يقيم في بلاد الكرد ؟ هل هناك تفسير تاريخي ومنطقي سوى أن الكرد الحاليين هم أحفاد أولئك الأسلاف القدماء.
المصدر _ جزء من بحث د.احمد محمود خليل
[1]