#صلاح بدرالدين#
لمعرفة اية مسألة بشكلها الصحيح علينا الإحاطة بخلفيتها التاريخية ، والظروف السياسية ، والاجتماعية ، المحيطة بها ، عن مسألة اغلاق - الادارة الذاتية – بالقامشلي التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي – ب ي د - للمدارس الخاصة ، والمعاهد ذات المناهج الحكومية السورية ، واجبار الناس التوجه الى مدارسها حيث التدريس باللغة الكردية ، وفي اول وهلة وكأن المواطن الكردي مجبر على الخيار بين لغته القومية و ( حاميها ) الإدارة الذاتية . او اللغة العربية التابعة لادارة حكومة دمشق ،أو هكذا يريد البعض تعسفا تصوير المسألة لتمرير القرار ، وقطع الطريق على إيجاد حلول عادلة ومقبولة ، تنصف التلميذات ، والتلاميذ ، واهاليهم ، وأصحاب المدارس الخاصة ، ولاتشكل عقبة امام تعليم اللغة الكردية في المناهج المختلفة .
المدارس والمعاهد الخاصة كانت موجودة ومزدهرة في القامشلي وسائر مدن المحافظة ، وفي كل المدن السورية قبل اندلاع الثورة السورية ، وبعقود زمنية قبل ظهور – ب ك ك – وتنظيمه السوري – ب ي د – وقبل الانتشار السرطاني لمناطق نفوذ الفصائل المسلحة المدعومة ، والمحروسة من الاحتلالات ، وإقامة سلطات الامر الواقع هنا وهناك وفرض سياساتها ، ومناهجها الآيديولوجية ، والدينية ، ومدارسها التعليمية ( اللاوطنية ) ، وفي ظل غياب التوافق الوطني المعارض للنظام على مستوى البلاد ، واستفراد اطراف ومجموعات ، وأحزاب بالتصرف الجانبي بالمصير لن يكون مقبولا ولن يكون مشروعا ان كان بالجانب السياسي ، او الثقافي ، او الإداري ، او الاقتصادي ، ماهو الا فترة انتقالية بانتظار الحل النهائي للقضية السورية عامة والكردية على وجه الخصوص .
بحسب المعلومات المتوفرة هناك نحو – 30 – ثلاثين معهد ومدرسة خاصة في القامشلي والمدن الأخرى ، يتعلم فيها اكثر من – 25 ألف – تلميذ ، ومن ابرزها وأقدمها مدرستا : السعادة و بيان ، وكنموذج فقد بادرت إدارة المدرستين بعد اندلاع الثورة السورية على إضافة تعديلات على المناهج الدراسية بينها تجاوز الدعاية الآيديولوجية لحزب البعث ، واضافة اللغة الكردية ، وكذلك اللغتان الإنكليزية ، والفرنسية ، ولم تصدر عن سلطات النظام الحاكم اية ردود فعل تجاه تلك التعديلات ليس لانها كانت راضية بل كانت مرغمة بسبب انتشار الثورة والمعارضة ضدها بكل مكان ، ومحاولة منها – على ماظهر – في انتظار الفرصة المناسبة للانقضاض على تلك التغييرات في الوقت المناسب عندما تتغير موازين القوى لصالحها .
أصحاب المدارس الخاصة تلك ليسوا من أمراء الحرب ، ولا مليونيرية الامر الواقع ، بل انهم مواطنون صالحون ، استثمروا ا مدخراتهم المحدودة من اجل الثقافة والتعليم ، واستيعاب الفراغ التعليمي الناشئ نتيجة الاحداث ، وكان بإمكانهم اللجوء الى طرق أخرى للاغتناء ، حيث لدينا الان بالمنطقة دزينة ( مدعومة من سلطة الامر الواقع والنظام بآن واحد ) من مليونيرية التجارة بالنفط ، والمواد الممنوعة ، وهؤلاء من الد أعداء العلم والثقافة .
هل قرار الاغلاق موقف قومي ؟؟
هكذا وبكل بساطة يتم استخدام تدريس اللغة الكردية ، او المطالبة بتدريسها مادة للمزايدة في حين ان اسم الحزب الذي يدير الإدارة الذاتية ليس كرديا ، ويطلقون على كردستان سوريا او المناطق الكردية تسميات مبهمة ومزيفة ( شمال شرق سوريا – روزآفا ) ، واعلنوا مرارا وتكرارا تخليهم عن مبدأ حق الشعوب بتقرير المصير ، وبحسب المعلومات المتوفرة فان مفاوضاتهم مع نظام الاستبداد تتركز على الإبقاء على سلطتهم الحزبية ، واعتبار اللغة الكردية متداولة الى جانب اللغة العربية في بعض المناطق ، والسقف الأعلى هو الإدارة اللامركزية التي يتبناه النظام منذ تسلط البعث على مقاليد البلاد وذلك على مستوى جميع المحافظات السورية ، وما قرار الاغلاق الاخير للمدارس الخاصة الا تغطية على تنازلاتهم في عدم تبني القضية الكردية السورية كقضية شعب من السكان الأصليين ، يستحق التمتع بحق تقرير المصير السياسي ، والإداري في اطار سوريا جديدة تعددية ، ديموقراطية ، موحدة .
لم يعد سرا ان إصرار الإدارة الذاتية على التمسك بمناهجها التعليمية لاينطلق من المفهوم القومي الديموقراطي ، بل بالتمسك بما صدر من قرارات من مؤتمرها الذي انعقد بعفرين عام 2015 القاضي بفرض منهجها العقائدي على المدارس ، بالتمجيد بالقائد الأوحد – اوجلان – ونشر ثقافة عسكرة المجتمع ، واتباع العنف الثوري تجاه المخالف ، وتجنيد النساء والقصر ، واستخدام منظمات سرية لفرض تلك التوجهات اذا عجزت المؤسسات المعلنة عن ذلك .
اما محاولات الاظهار بمظهر الحريصين على اللغة الكردية فحتى لو كانوا – صادقين – فان ذلك يعني انهم مثل العديد من الأحزاب ، والتيارات السياسية في حركتنا الكردية السورية ، يكتفون ببعض الحقوق الثقافية بينها اللغة ، ويتخلون عن الأهداف والمطالب السياسية ، والقومية ، والديموقراطية ، ونحن اختبرنا هذه العينات منذ ستينات القرن الماضي ، واكتشفنا زيفهم ، وانتهازيتهم ، والحقنا الهزيمة بمواقفهم الانهزامية ، اما الجانب القومي ، السياسي فهو الأهم الى جانب الثقافي طبعا ، بل انه جوهر المسالة الكردية في سوريا ، ومقياس جدية أي طرف في النضالين القومي ، والوطني .
ان قبول اللغات الفرعية المناطقية من كردية وسريانية وارمنية وتركمانية من اسهل الأمور لدى النظام كما ان موضوع بعض الحقوق الثقافية لايكلف النظام أي تراجع بل هو السبيل لعقد صفقات – فرادية – مع هذا الحزب او ذاك وتلك القوة صاحبة النفوذ او غيرها ، على غرار خطط خفض التصعيد ، خارج نطاق التحولات الديموقراطية على الصعيد الوطني ، وتغيير النظام السياسي ، والحل التوافقي للقضية الكردية السورية ، وهذا النهج يسهل على النظام استمراريته ، وتمرير مشروعه باقل كلفة ، أي صفقة مع سلطة ب ي د بإضافة اللغة الكردية الى مناهج التعليم في بعض المناطق ، وأخرى مع القيمين على المناهج الدراسية التركية في عفرين ، وثالثة مع منهاج تربية الجولاني في ادلب وهكذا دواليك .
من السهل السماح بتدريس اللغة الكردية في بعض المدارس ولكن من المستحيل الحفاظ على ديمومتها من دون انتزاع الحقوق القومية السياسية ، والاجتماعية ، والدستورية ، فاللغة هي احد اهم عوامل تشكل الامة ، والشعب ، والقومية ، ولكن توفرها لايعني انجاز وحل القضية الأساسية كما ذكرنا أعلاه ، فجميع الشعوب المحرومة من الحرية ، وتقرير المصير تتكلم بلغاتها والكرد السورييون يتحدثون بلغة الام ، ولكن من دون ان يحقق ذلك طموحاتهم واهدافهم ، ونعود لنؤكد ان الموضوع سياسي بامتياز وليست قضية من مع لغته الام ومن ضدها ؟! .
أي انجاز قومي كردي مهما كان صغيرا لن يتحقق الا بالشروط التالية : نظام ديموقراطي يتضمن دستوره الاعتراف بوجود الكرد وحقوقهم ، ويحظى بالتوافق مع الشركاء السوريين الديموقراطيين والوطنيين ويتم تبنيه من الحركة الكردية السورية الموحدة كمطالب واهداف سياسية وقومية وبينها الحقوق الثقافية وليس من جانب هذا الحزب او ذاك ، والشرط الأخطر هو كيفية الحفاظ عليه وتطويره أيضا ولن يتحقق الا عبر الحركة الكردية الشرعية المنبثقة عن المؤتمر الجامع ، والقيادة الشرعية المنتخبة عنه .[1]