#صلاح بدرالدين#
في جميع حركات الشعوب ، التحررية ، والوطنية ، انتصارات ، واخفاقات ، واحداث مؤلمة ، ومفرحة ، ومراحل متباينة حسب الظروف المحيطة ، وموازين القوى السائدة ، والعوامل الذاتية المتحكمة ، فلدى حركتنا كسائر حركات شعوب العالم تجارب مريرة ، ومحطات تحولت فيها مسيرة الشعب نحو الوجهة الصحيحة .
في سياق تناول مسار الحركة الوطنية الكردية السورية ،من جانب بعض المتابعين يحصل غالبا الخلط بين وقائع الماضي ، والحاضر ، ويدان كل تاريخ الحركة بذريعة الحاضر السيئ في ظل أحزاب طرفي الاستقطاب ، اما عن جهل ، وقصور في معرفة تاريخ الحركة ، أو عن سابق تصميم وهو أيضا يفتقر المعرفة ، وذلك عندما توضع أوزار ، واخطاء وانحرافات، أحزاب المرحلة الراهنة على عاتق الحركة قبل خمسين أو سبعين ، أو مائة عام ، أو القيام بتقييم سلبي لجميع المراحل التي اجتازتها الحركة الكردية بأحزابها ، وقادتها ، وتجلياتها ، وتياراتها الفكرية ، والسياسية ووضع جميع مناضليها ، وروادها الأوائل من المؤسسين ، والرعيل الثاني ، وصولا الى قيادات الصدفة ، والامر الواقع حاليا في سلة واحدة ، والحكم عليهم جميعا حسب مكيال ميزان واحد .
ويصل الامر بالبعض من الذين عاشوا وتأثروا ببيئة عائلية ، واجتماعية ، وسياسية كان وجهاؤها ، ومخاتيرها يرفضون وجود أية حركة قومية منذ البدايات ، بل ومنعوا انتشارها في مناطق نفوذهم ، الى محاولة تجريم كل من له صلة بالحركة الكردية خاصة بعد انبثاق الحزب الكردي الأول – 1957 – وماتلته من مراحل ، وذلك من دون أي تمييز ، وبمعزل عن تشخيص الأسباب ، والوقائع أي ( كل مناضل متهم ) ، ونفي تحقيق أي انجاز قومي او وطني ، او ثقافي ، هكذا بجرة قلم ، والقفز فوق معاناة الكثيرين ، وتضحيات البعض ، ونتائج كفاحهم بشكل عام على صعيد الحفاظ على الوجود القومي ، والإبقاء على القضية الكردية حية ومستمرة حتى لو ظلت دون حلول .
من المؤكد أن تناول هذا البعض امور الحركة ، حتى لو اتخذ أحيانا اشكالا مختلفة ، لاينبع من الحرص ، أو التقييم الموضوعي ، او الإصلاح ، بل من منطلق الدفاع غير المباشر عن مواقف البيئة المناهضة للحركة القومية التي ترعرعوا فيها ، ومحاولة التخفيف من آثار الخطيئة التي اقترفها آباء واجداد هذا البعض عندما حاربوا أعضاء ، وانصار الحزب الكردي الأول ، واكثر الأحيان بالتعاون مع السلطات الحاكمة ، وهناك قرائن ، ووثائق محفوظة في هذا المجال .
نعم نعترف ونقر بان تعبيرات الحركة الكردية السياسية من أحزاب ، ومجموعات ، وقيادات ، وحتى مثقفين ، وناشطين ، أصابت أحيانا ، وأخطأت أحيانا أخرى ، وظهر فيها ابطال شجعان ، وكذلك متخاذلون ، ومتعاونون مع الأنظمة المستبدة ، وهناك من صمد ، وثابر ، والتزم بالمبادئ ، وهناك من ضعف ، وانهار ، وتواطأ مع الجلاد ، هناك من أراد ترسيخ الحركة على قاعدة مبدأ حق تقرير المصير ، لشعب من السكان الأصليين ، وهناك من سعى الى اعتبارها مسألة أقلية قومية مهاجرة .
صفحات ناصعة في تاريخ حركتنا مصدر الالهام والاعتزاز مثل :
أولا – عندما تنادت جماعات من المتنورين القوميين الى المؤتمر التاسيسي الأول لحركة – خويبون – والذي عقد على مرحلتين : الأولى بمنزل – قدور بك – بالقامشلي ، والثانية بلبنان ، وذلك كرد على الهزيمة التي الحقت بانتفاضة الشيخ سعيد ، وتصميم على المضي قدما في احياء الوعي القومي وتنظيم الصفوف .
ثانيا – تحرك الفئات المثقفة ، والمتأثرون باالوعي القومي ، نحو تشكيل الجمعيات الثقافية ، والروابط الشبابية ، والنوادي الرياضية ، والكشفية ، من مختلف المناطق من الجزيرة وصولا الى عفرين ، مرورا بكوباني ، والجماعات الكردية بدمشق ، وحلب ، مما فتح ذلك سبل التواصل بين الكرد السوريين جميعا ، ومهد لخطوات أوسع ، واشمل .
ثالثا – من اجل تنظيم وتوحيد الطاقات السياسية ، والثقافية ، والحفاظ على وحدة الهدف ، والمصير بادر الرعيل المتقدم الأول الى الاتفاق على تشكيل الحزب الكردي المنظم الأول في سوريا ، من كرد جميع المناطق ، وكانت خطوة بالغة الأهمية في حياة الكرد السوريين ، دشنت حقيقة وجود شعب ، وقضية للمرة الأولى بتاريخ البلاد .
رابعا – بعد نحو عقد من التاسيس ونشوب الخلافات ، وموجات الاعتقالات ، وتفكك التنظيمات الحزبية ، وازدياد مخاطر النهج اليميني لزعزعة اركان التنظيم ، وتحويله الى مايشبه الجمعية الثقافية ، والترويج لمقولة – الأقلية – بدلا من الشعب ، وتفشي الضبابية ، وعدم الوضوح في سياسات الحزب الوطنية ، والكردستانية ، الى جانب اعتقال القيادة الفعلية الأساسية للحزب باستثناء رموز اليمين ، تحركت القواعد الحزبية ، والكوادر المتقدمة سعيا وراء انقاذ الحزب .
خامسا – توج التحرك بانعقاد الكونفرانس الخامس بالخامس من آب 1965 بقرية جمعاية ، الذي أعاد الحزب الى مساره الصحيح، واتخذ جملة من الخطوات المدروسة المتطورة ، العميقة بمحتواها في إعادة تعريف الشعب ، والقضية ، والدور ، والبرنامج السياسي ، والمواقف الوطنية ، والكردسانية ، والتواصل مع العالم باسم الكرد السوريين وحركتهم ، قد تكون للمرة الأولى بذلك الزخم ، وانتهاج النضال الثقافي الى جانب السياسي ، والفكري ، باحياء الفولكلور الكردي عبر الفرق ، والمنصات ، وانشاء ( رابطة كاوا للثقافة الكردية ) وترجمة وطبع ونشر عشرات الاعمال ، وارسال المئات من الطلبة المحتاجين بمنح دراسية الى الخارج ، وارسال الناشطين الى معاهد بناء الكوادر ، كل ذلك بامكانيات ذاتية محدودة ، وفي ظروف امنية بالغة الخطورة .
خامسا – بالإضافة الى ماذكرناه أعلاه من جهود جماعية ، وخطوات ، وانجازات فكرية ، وسياسية ، وعمليات تطوير ، وإصلاح ، وصولا الى قيام حركة سياسية مرموقة ، وقضية قومية كردية ذا شان ، فقد رافقت مسيرة النضال السري ، والشبه علني ، والمرافعات امام محكمة امن الدولة العليا ، والمحاكم العسكرية ، والصمود بمعتقلات الامن ، ظاهرة البطولات الفردية من جانب العديد من قادة الحركة وهي تشكل الرصيد الإيجابي لشعبنا بنهاية الامر .
سادسا – في كل سنوات الصراع الفكري ، والتنافس السياسي ، والاختلافات العميقة خصوصا بين اليسار ، واليمين ، لم تحصل حالات التصفية ، والمواجهات العنفية في صفوف الحركة الكردية السورية ، وهذه ميزة جديرة بالتقدير والاعتزاز .
مراحل البناء ، والنهوض ، والانحطاط
وحتى نقطع الطريق على محاولات الخلط بين الصالح ، والطالح ، يمكننا تقسيم نضال الحركة الكردية السورية بشكل عام الى المراحل التالية :
1 – مرحلة بدايات ظهورالحركة القومية الكردية ابتداء من منتصف عشرينات القرن الماضي .
2 – مرحلة تشكل الحزب السياسي المنظم أواسط الخمسينات .
3 – مرحلة التصحيح ، والتطوير ، والنهوض القومي الكردي ، أواسط الستينات .
4 – مرحلة الاختراق الأمني ، والانقسام ، والانحطاط منذ بداية التسعينات .
لاشك ان لكل مرحلة من تلك المراحل ، سماتها ، وأسبابها الداخلية والخارجية ، وظروفها المؤثرة ، تحتاج الى البحث ، والتقييم ، والمراجعة النقدية ، كما لاشك فيه أيضا أن المرحلة الأخيرة لم تكن نتيجة طبيعية لمرحلة النهوض ، او من صنعها ، بل كانت انتقاما منها ، وردا عليها ، وتوسعت بفعل قرار نظام الاستبداد ، ووضع كل ثقله في تحقيقها ، إضافة الى عوامل أخرى مساعدة ، وقد دشن النظام أسس هذه المرحلة بهدف القضاء على الحلم الكردي ، وادامتها الى مالانهاية ، ومدها بعوامل الاستمرارية بين فترة وأخرى ، وكان آخرها احضار جماعات – ب ك ك – وعملية التسليم ، والاستلام منذ اندلاع الثورة السورية .
يشار أحيانا الى ان سيطرة – ب ك ك – كانت بسبب حصول فراغ سياسي بالساحة الكردية السورية ، وهذا صحيح ولكن يجب توضيح أن الوافد الجديد حل بعد حصول مرحلة الانحطاط والردة ، واختراق الأحزاب ، وشقها ، وتكريد الصراع ، بارسال الضابط الأمني - محمد منصورة - لتنفيذ مخطط القصر الجمهوري معززا بكل الصلاحيات ، والامكانيات اللازمة ، وكانت الضربة الأولى موجهة الى حزب الاتحاد الشعبي لما كان له من رمزية المواجهة ، ومعارضة الاستبداد ، والنقاء الفكري ، ووضوح الرؤيا .
نحن في الاتحاد الشعبي ( سابقا ) كنا اعتمادا على نهجنا ، وتاريخنا النضالي السد المنيع امام توسع – ب ك ك – كرديا ، وعربيا ، وامميا ، وخلال لقائي الأول والأخير مع – عبد الله اوجلان – عام 1983 ، طرح علي بإلحاح فكرة توحيد حزبينا قائلا ( لو نتوحد سنسيطر على الحركة الكردية ) فاجبته : ( أولا انتم حزب كبير ونحن حزب صغير ، ثم نحن بحاجة الى معرفة اجاباتكم على تساؤلاتنا التالية : 1 – لماذا تخونون وتصفون الاخر المختلف ،2 – لماذا لاتعملون مع القوى الكردية الأخرى في تركيا بجبهة واحدة 3 – لماذا تقفون مع الطالباني ضد البارزاني ، 4 – لماذا انت بسوريا ؟ ،( وهناك شهود على المحادثات احدهم من رفاقه يعيش في بروكسل ) .
لذلك كله أأليس من المنصف القول : علينا الحفاظ على الصفحات الناصعة لتاريخ حركتنا ، وتقاليدها النضالية الديموقراطية المدنية ، والاستفادة من دروسها ، وفي الوقت ذاته تشخيص كل السلبيات بصورة شفافة ، وعدم الانزلاق نحو التعميم ، او العدمية .[1]