#صلاح بدرالدين#
تمر علينا هذه الأيام ذكرى اجراء الإحصاء الاستثنائي لمحافظة الحسكة كمقدمة لتطبيق الجزء المكمل بحرمان الكرد من أراضيهم وأملاكهم بغية حرمانهم وتهجيرهم وتعريب مناطقهم .
حدثان مترابطان متكاملان من أجل هدف واحد : تغيير التركيب الديموغرافي لمناطق الكرد ، وحرمان الكرد من حقوق المواطنة التي تندرج في اطارها حق العمل والتعليم والضمان الاجتماعي والاستِثمار والتطوع بالجيش والانتساب للوظائف والعمل الاقتصادي وذلك بهدف التهجير وتقليل نسبة أعداد الكرد بمحافظة الحسكة بذلك الوقت والتي كانت تشكل المورد الرئيسي للحبوب والقطن والفاكهة والخضار والتي تعوم على بحر من النفط بالإضافة الى موقعها الاستراتيجي وحدودها المحاذية لتركيا وإقليم كردستان العراق والعراق ككل .
وباالعودة الى ضلعي مخطط التغيير الديمو غرافي و تعريب الكرد وتهجيرهم ( الإحصاء الاستثنائي والحزام العربي ) في ستينات القرن الماضي علينا تسجيل الملاحظات التالية :
أولا – الذين أعلنوا النفير العام ضد ( المتسللين ) الكرد وأطلقوا نداءات مفعمة بالمشاعر الملتهبة لإنقاذ محافظة الحسكة من ( الهجوم الكردي الانفصالي ) وخطره على وحدة البلاد كانوا بحاجة الى شماعة يعلقون عليها فشلهم في بناء دولة المواطنة وعجزهم أمام العدوان الإسرائيلي واثارة الفرقة والانقسام بالصف الوطني على قاعدة ( فرق تسد ) ومن أوائل هؤلاء وأبرزهم شخوص منتمون الى الفكر القومي الاستعلائي من بعثيين وقوميين شوفينيين يتصدرهم – زكي الأرسوزي –وهو المعلم الروحي لحافظ الأسد الذي سبق الجميع وكتب يشبه الكرد بالحشرات يجب القضاء عليها ومن بعده وزير الخارجية – أسعد محاسن – ومحافظ الحسكة – سعيد السيد – اللذان لعبا دورا في تلك اللعبة العنصرية البغيضة .
ثانيا – كما تدل القرائن والوثائق لم يكن المخطط الشوفيني مقتصرا على محافظة الحسكة بل كانت البداية من هناك لتشمل بعد ذلك منطقتي كوباني وجبل الأكراد كخطوات تالية اذا ما تم التطبيق بالخطوة الأولى .
ثالثا – صحيح أن الإحصاء الاستثنائي تم بعهد الانفصال ولكن المشروع كان قيد الدراسة قبل ذلك كما أن انقلاب الانفصاليين لم يغير من التركيببة الإدارية الحاكمة في جميع مفاصل الدولة وبينها الأمنية والتي كانت تدار من جانب القوميين الراديكاليين والبعثيين .
رابعا – نفس الحالة تنطبق على مخطط الحزام الذي عبر عمليا عن منطق الشوفينيين وفي المقدمة البعثييون فقد كان واضع مخطط الحزام بعثيا ( محمد طلب هلال ) الذي كان يدير حينذاك جهاز الامن السياسي في القامشلي كما ان المشروع صودق عليه رسميا ووضع قيد التطبيق في عهد حكومة يوسف زعين رئيس حكومة البعث والعضو الأبرز في القيادة القطرية وأتذكر وكنت في برلين ( الشرقية ) عندما عقد زعين القادم من زيارة الى كوبا مرورا ببرلين ندوة للطلبة السوريين وكنت بين الحضور حيث مررنا اليه سؤالا عبر صديق عربي شيوعي حول كيف انه وقع على مشروعي ( الحزام والاحصاء ) ضد الكرد السوريين وهما من من وضع حكومة الانفصال ففوجئ بالسؤال وأجاب انهم مسؤولون عن وحدة البلاد وليس هناك أي مخطط كما انكر وجود الكرد أصلا بسوريا .
خامسا - فور انتهاء تقرير مسؤول الامن السياسي بالقامشلي الملازم أول – محمد طلب هلال – والذي عنونه بدراسة اجتماعية سياسية اقتصادية حول محافظة الحسكة وهو بالحقيقة مخطط عنصري كما تتضمنت مواده لتغيير التركيب الديموغرافي وتهجير الكرد وجلب عرب محافظة الرقة للاستيطان في أراضي الكرد أقول بعد ارساله الى دمشق مباشرة وقع بين أيدينا بفضل تعاون أحد الوطنيين السوريين من عائلة ( المسلط ) والذي كان موظفا في الحسكة وسلمنا التقرير قبل تواريه عن الأنظار ( له كل التقدير والاحترام أين ما كان الآن ) وذلك لحرصه على التعايش العربي الكردي وعدم اقتناعه بذلك المخطط الخطير وقمنا بدورنا بتوزيع التقرير وترجمته الى الإنكليزية وتوزيعه في أوروبا والعالم ثم أصدرته ( رابطة كاوا للثقافة الكردية ) في كتاب وزع على نطاق واسع وشكل ذلك فضيحة مدوية للشوفينية والعنصرية .
سادسا – بدأنا كحزب ( البارتي اليساري ثم الاتحاد الشعبي ) بالتواصل مع القوى السياسية السورية التي كان يمكن اللقاء بها خصوصا الحزب الشيوعي الرسمي وبعض أجنحة حركة القوميين العرب وتاليا بعض خلايا حركة فتح في سوريا لوضعهم جميعا في صورة الوضع خاصة حول مخطط الإحصاء والحزام وشعرنا بخيبة الأمل لعدم تجاوب الأحزاب السورية بل قيام الحزب الشيوعي بتنفيذ خطوات من المخطط عندما أطلق عليه ( مزارع تعاونية اشتراكية ) ونفذ مسؤول الجزيرة وعضو المكتب السياسي ( المرحوم رمو شيخو – أبو جنكو ) قرار الحكومة بالانتقال الى ( قلعة الهادي ) وترك مناطقهم وشكل ذلك وصمة عار في جبين الحزب الشيوعي الرسمي وقادته .
سابعا – التقيت بسجن القلعة بدمشق عام 1968 – 1969 في مهجع المعتقلين السياسيين السيد – أسود الكنو – وكان خلال تطبيق الحزام والاحصاء رئيسا لاتحاد الفلاحين بالجزيرة وعضوا مسؤولا بحزب البعث واخبرني أنهم كانوا يتابعون نشاطاتنا حول فضح المخطط وجاءتنا التعليمات لاقامة ندوات لتكذيب ماتقومون به ولكننا عجزنا عن اقناع أحد وقال بالحرف : ( ماكانت تتركع ) .
ثامنا – كثيرا ماكانت تدور نقاشات مع متطرفين سوريين حول أن هناك تسللا كرديا مرسوما للقَضاء على عروبة سوريا وتشكيل جيب انفصالي عميل لإسرائيل ومتواطئ مع البارزاني ومن الغرابة ان مثل هذه المواقف التي تتسلح بها تيارات سياسية وأفراد حتى بعد اندلاع الثورة وفي وسط مجموعات ( معارضة ) وقد اصطدمت شخصيا ببعض هؤلاء في ندوة شارك فيها معظم تيارات المعارضة بالبحر الميت بالأردن عام 2012 عندما صرح أحدهم امام الجميع بأنه معارض لنظام الأسد في كل شيء تقريبا ماعدا موقفه من الكرد وموضوع الحزام والاحصاء حيث كان موقفا قوميا مسؤولا وأن الكرد متسللون في محافظة الجزيرة وكان الشخص المتكلم ( رجاء الناصر مدعوما من محمود مرعي ) ولم يعترض عليه أي من الحاضرين من ( أقطاب المعارضة !!) .
تاسعا – الى جانب فضحنا كحزب وموقف عام لمخطط الحزام العربي فقد قررنا في اجتماعات القيادة بوجوب التصدي للمخطط بكل الوسائل السلمية والجماهيرية الممكنة لوقفه حتى أن خيار حرق المحاصيل في أراضي الفلاحين الكرد التي كانت مستولى عليها من جانب السلطة كان أحد الخيارات المطروحة وقد حدثت تحركات ضد السلطة والمخطط في بعض المناطق والقرى ( علي فرو ) و ( كري بري ) شارك فيها أيضا بعض الرفاق من منتسبي الحزب الشيوعي من دون قرار من حزبهم وقبل ذلك قام رفاقنا بتوزيع قصاصات من حوالي عشرين شعارا معاديا للسلطة ومنددا بالحزام والاحصاء تم توزيعها من جانب رفاقنا بوقت واحد في كل المدن والبلدات بالجزيرة تمهيدا للتصدي في خطوات لاحقة وقد كتبت تلك الشعارات بنفسي وكنت حين ذلك بمنطقة القامشلي ملاحقا قامت االسلطة على أثرها بحملة اعتقالات واسعة .
عاشرا – لابد من تسجيل أن حزبنا كان الوحيد الذي يحاول معالجة درء أخطار تلك المخططات وكان حزب اليمين كما هو معلوم قريبا الى درجة التعاون مع السلطة وبطبيعة الحال كان يسير مع موقف النظام ولم يكن هناك على الصعيد الوطني حليف معتمد في صفوف الحركة الوطنية السورية يمكن أن يتضامن مع محنة الكرد ورفع الصوت ضد النظام لذلك شكل هذا التقصير ضربة لحزبنا الذي كان يدعو الى التضامن وتشكيل جبهة وطنية سورية معارضة للنظام .
حادي عشر – في تلك الفترة وخلال لقاء بدمشق مع – مراد القوتلي – عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري في مكتبه وبعد انتهاء اللقاء الذي تضمن أساسا مناقشة مخطط الإحصاء والحزام دخل – فؤاد قدري جميل باشا – وكان يعتبر نفسه قريبا من الشيوعيين ويعمل أيضا مع النظام فتدخل ووجه كلامه للقوتلي : لاتصدقوا هؤلاء قومييون كرد ويبالغون فماقررته السلطات صحيح وعادل يجب عودة كرد الجزيرة الى ديارهم الذي جاؤوا منها ثم أجبته بعد استغرابي الشديد : اذا كان صحيحا ماتقوله فانت كنت آخر من دخل سوريا فابدأ بنفسك أولا طبعا بدت على معالم وجهه الغضب من دون ان يرد والآن فان خليفته – قدري جميل – يسير على خطى أبيه .[1]