حاوره إبراهيم اليوسف
معين بسيسو كتب قصيدته عن الكرد وصلاح الدين الأيوبي في منزلي
ثمة هيمنة للجانب السياسي على الثقافي، يعاني منها المثقف الذي ينشغل بهموم أهله، وينذر لها خطابه، إلى الدرجة التي تكاد فيها ملامحه الثقافية ألا تظهر بالشكل الذي يليق بها. والكاتب الكردي المعروف صلاح بدرالدين الذين شغل مراكز متقدمة في الشأن السياسي الحزبي، يعد في الوقت نفسه أحد هؤلاء الأوائل الذين كان لهم حضورهم الثقافي الفكري في أصعب المراحل في حياة الإنسان الكردي في سوريا، تحت هيمنة آلة الاستبداد الشوفيني التي حرمت على الكردي ثقافته، ولغته، وحتى اسمه، وهويته، وكان ثمن أي اختراق لهذه الممنوعات من لدنه جد غال، بيد أن أي استعراض لمحطات العمل الثقافي والفكري والإعلامي-كردياً- يبين لنا أن للكاتب بدرالدين، سواء اختلفنا معه، أم اتفقنا، حضوره الثقافي الثقيل، إلى جانب قلة سواه، في المرحلة التي تلت ظهورأسماء الكوكبة الريادية من جيل المثقف الكردالاستناريين، من أمثال:جلادت بدرخان، و جكرخوين، وقدري جان، ورشيد كرد وآخرون كثيرون يحتاجون إلى مسرد خاص.
كما و يعد الكاتب #صلاح بدرالدين# ، بالإضافة إلى دوره في الحياة السياسية الكردية في سوريا، أحد الذين اشتغلوا في مجال الصداقة الكردية- العربية، ولعبت كتاباته التي نشرت في الإعلام الفلسطينيلاسيما في مجلتي الحرية والهدف دوراً جد كبير في التعريف بالقضية الكردية، ورفع الهمم لدى جيل كامل-أجدني منتمياً إليه- حيث كان يتم تبادل مقالاته، وردوده، ومرافعاته، يدوياً، بين المعنيين بالشأن الكردي، عبر استنساخها، نظراً لاستهدافها من قبل مقص رقيب وزارة الإعلام في سوريا، الذي كان يعرب عن تطيرأجهزة النظام السوري من اسم الكاتب، وكتاباته، في آن. ناهيك عن أن إصدارات رابطة كاوا وصلت إلى كل بيت كردي، رغم منع الكتاب المعني بالشأن الكردي. في ما يلي حوار مطول مع الكاتب بدرالدين، حول جملة من قضايا ثقافية، كان ولا يزال أحد الشهود الفاعلين فيها، بلا مراء.
-ما الذي شدك إلى عالم الثقافة؟
ج – الثقافة عالم واسع يشمل الآداب بكل تفرعاتها والتاريخ والسياسة والعلوم والفنون وهناك من يتعمق فيها الى درجة التخصص ومن ينهل منها مايشاء ومن يدور حولها ولها أيضا تعريفات عديدة ومختلفة واسمح لي أن أتعامل معها حسب التعريف الذي كان دارجا في أوساط جيلنا ومحيطنا اليساري وأقصد الثقافة الملتزمة بقضايا الشعب بحسب المنظرين الماركسيين وبينهم – كافكا – وقد جاءت الثقافة الي – إن جاز التعبير – في ثوبها السياسي عندما انخرطت في العمل السياسي القومي – الوطني واستخدمت ذخيرتي الثقافية – المتواضعة – لخدمة البرنامج السياسي الذي اقتنعت به وعملت على تطبيقه لعقود .
- كيف تصف لنا المشهد الثقافي الكردي في فترة شبابك الأول؟
ج – بالمناسبة لم يتح لي قضاء فترة الشباب بمظاهرها وخصائصها وجوانبها المألوفة والطبيعية وخاصة في العلاقات الاجتماعية ولم أجد نفسي إلا في أجواء الحركة الكردية السرية الملاحقة وضمن صفوف ( الحزب الديموقراطي الكردستاني – سوريا ) ولم تتوفر حينها المؤسسات الثقافية وانحرم جيلنا من أية فرص كنا مازلنا حينها في عصر الكتاتيب وكنت في السادسة من عمري عندما افتتحت أول مدرسة في قريتنا – جمعاية – ثم أغلقت وبعد أعوام وخاصة في مرحلة الإعدادية والثانوية انتشرت الثقافة الحزبية وكانت من أبرز تلك الأحزاب وأنشطها الحزب الشيوعي السوري وكانت في القامشلي مكتبة – اللواء – للسيد أنيس حنا مديواية وقد كان منهلنا الوحيد في الاستزادة بالكتب الأدبية والسياسية هذا الى جانب دواوين شاعرنا الكبير – جكر خوين – وأشعار – ملايي جزيري – وأحمدي خاني – ومم وزين – إضافة الى نتاج شعراء من قصائد ونثر كان متداولاً مثل : أحمد نامي – وملا أحمد بالو – و –ملانوري هساري – و معلمي ملا رمضان برزنجي – وعبد القدوس جميل سيدا – وحسن هوشيار - في الجانب الثقافي الكردي .
-من الكتاب الأوائل الذين قرأتهم؟
ج – قرأت في بداية عمري بشغف وتأثر كبيرين كتب – المنفلوطي – و – سلامة موسى – و- خالد محمد خالد - و استوقفتني كتب كثيرة منها: الرد على الكوسموبوليتية – وكتاب – الأكراد ماضيا وحاضرا – لبليج شيركو وكتاب – يوسف ملك – حول مجازر الأرمن والكرد في تركيا وقرأت كتاب – معذبو الأرض – لفرانز فانون وتأثرت به إلى حد بعيد من جهة فهم قضايا حركات التحرر الوطني من بوابة الثورة الجزائرية ثم انتقلت لاقتناء الكتب الماركسية لكل من: لينين وروزا لوكسومبورج وديمتروف ومكسيم غوركي ودوستويفسكي وبوشكين ، بالإضافة إلى كتاب ستالين حول المسألة القومية وكتبا أخرى تدور حول نشأة القومية العربية وتجاربها
- كيف كان واقع أوعية النشرالكردية آنذاك؟
ج – أوعية النشرالكردية كانت شبه معدومة .
- رغم أنك تكتب بلغتك الكردية الأم إلا أن مقالاتك السياسية تنشرباللغة العربية، ما السبب؟
ج – لست ضد الكتابة والنشر باللغة الأم بل أشجعها خاصة في مجال الأدب واللغة والقواعد والشعر وحتى السياسة والفكر عندما تكتمل شروط تحول اللغة الكردية قواعد ومصطلحات إلى لغة السياسة والدبلوماسية على المستويين الإقليمي والدولي ولكن ماأكتبه بالعربية يدور حول الوضع الكردي السياسي في الاطار السوري وبما أن قضيتنا القومية الخاصة لن تحل الا بالتفاهم مع الشريك العربي والتوافق معه وهذا يتجاوز حدود سوريا ليشمل كل المحيط العربي وعمقه الذي يربو على 300 مليون عبر الكتب والاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لذا فإننا نخاطب الشركاء ونكتب بلغتهم ( إلى حين أن يتكلموا بلغتنا ) لتسهيل فهمنا وتعميق الحوار بيننا والتوصل إلى قواسم مشتركة في الإطار الوطني من أجل مستقبل الشعبين ومصلحة وطننا المشترك .
-النظام الشوفيني الذي كان يمارس سياسات التعريب، كيف كان ينظرإلى الثقافة الكردية؟
ج – كتاب أو تقرير المسؤول الأمني – السياسي البعثي ( محمد طلب هلال ) الذي نشرته رابطة كاوا في كتاب ووثائق حزب البعث وخاصة كتابات فيلسوفه – ميشيل عفلق – ومواد صحيفته الداخلية – المناضل - منذ بداية ستينيات القرن الماضي وحتى الآن يشكل النموذج في مجال محاولات محو الثقافة الكردية فقد كان هناك ( مكتب الثقافة ) في القيادة القومية كان مسؤولاً عن وضع البرامج التربوية في سوريا وكان يحذف كل ماله علاقة بالأقوام غير العربية وخصوصا وبشكل أساسي الكورد في مواد التاريخ والجغرافيا والتربية القومية وحتى الفولكلور وهناك مئات المراسيم والقوانين والقرارات الإدارية تمنع حتى التكلم باللغة الكردية وهناك مثال أود الكشف عنه وهو أن مؤسسة شومان الأردنية كانت قد نشرت كتابا حول صلاح الدين الأيوبي من ثلاثة أجزاء وبعد حصولي على الجزء الأول والثالث سألت الصديق د أسعد عبد الرحمن مدير المؤسسة ( حينها ) عن الجزء الثاني فأبلغني أنه محجوز لدى المكتب الثقافي للقيادة القومية في دمشق، ويمنع نشره حيث يتضمن على الأرجح معلومات جديدة غير معروفة عن الأيوبيين الكرد، وبين المزاح والجد أكمل : يبدو الجماعة ( الأيوبييون ) كانوا بصدد تشكيل دولة كردية ! ومن مآثر نظام البعث أيضاً أن السلطات وضعت خطة للقضاء على اللغة الكردية فأرسلت عشرات الحكواتيين العرب من مدن الداخل الى المناطق الكردية في الجزيرة ليرووا القصص والحكايات بالعربية بدلاًعن الكردية .
-هل في ذاكرتك أمثلة عن كيفية اقتنائكم الكتاب الكردي؟
ج – الكتاب الكردي الأول طبعا كان ديوان سيداي جكرخوين ( ثورة الحرية – ثورا آزادي ) وأعداد من ألف باء اللغة الكردية لكل من جلادت بدرخان وأوصمان صبري وكنا نحصل عليها بشق النفس لأنها ممنوعة التداول، ويؤدي اقتناؤها إلى المكتب الثاني وأقبية المخابرات. أعتقد هناك الآن في مخازن الأمن السوري أطنان من الكتب الكردية الممنوعة المصادرة ويجب إعادتها وصيانتها فور سقوط النظام .
-كيف تمت مواجهة جيلكم، جيل مابعد جلادت بدرخان والرعيل الذي تلاه لسياسات محو الثقافة الكردية؟
ج – عندما انتسبت إلى ( الحزب الديموقراطي الكردستاني – سوريا ) في منتصف خمسينيات القرن الماضي، كنا قد قررنا في الخلايا والفرق التابعة لمسؤوليتنا في ريف القامشلي ( حيث كنت عضوا في اللجنة الفرعية ) بأن يشكل تعلم الأحرف الكردية واللغة بنداً دائما في جدول أعمال كل اجتماع، وتعلم جميع الرفاق والأنصار خلال أشهر لغتهم الكردية قراءة وكتابة. هذا نموذج عن إصرار شعبنا في مواجهة التحديات الشوفينية الظالمة في القضاء على ثقافتنا ومحاولة في الحفاظ على الطابع التعددي الجميل في مجتمعنا السوري .
-رب قائل: إن صلاح بدرالدين دخل عالم الثقافة من خلال السياسة، بم تعلق؟
ج – منذ البداية تكون لدي تصور استراتيجي بأن الكفاح ضد الاستبداد والشوفينية العنصرية في حالتنا الكردية السورية يجب أن يتخذ شكليه السياسي والثقافي ويعود هذا التصور إلى أساس تاريخي وموضوعي في الأول كون حركتنا الكردية امتداداً للمدرسة البدرخانية وحركة – خويبون – التي انبثقت من مخزون تاريخي مختلط بين الثورة والثقافة فالبدرخانييون هم من قاموا بالثورات ضد السلطة العثمانية وتعرضوا للقمع والتهجير والتشتت الى جانب ارتباط بواكير الثقافة الكردية برجالاتهم ( مقداد مدحت بدرخان وثريا وجلادت وكاميران ) لذلك اتخذت الحركة الكردية السورية نهجهم بدمج النضال السياسي بالثقافة أما موضوعيا فاننا كشعب تعرضنا لعقود الى مشاريع ومخططات الصهر والتمثلية القومية والتعريب ومحو الثقافة واللغة والفولكلور وكان علينا مواجهة التحدي بالتمسك بثقافتنا ولغتنا وإبراز تاريخنا وهذا مادفعنا مبكرا الى تأسيس ( رابطة كاوا للثقافة الكردية ) في بيروت وترجمة ونشر عشرات الكتب والأعمال باللغة العربية وتشكيل عدد من الفرق الفولكلورية في مختلف المناطق وفي دمشق العاصمة من أجل اطلاع الشركاء العرب على حضارة الكرد وتاريخهم ولم تكن مصادفة اقتران ظهور وتنامي صحف ومجلات وأبحاث ودراسات ثقافية بالكردية والعربية لأول مرة بين كرد سوريا بانبثاق اليسار القومي الديموقراطي في المجال السياسي الذي سار على درب مدرسة البدرخانيين كما ذكرنا .
- في أي من عالمي السياسة والثقافة تجد نفسك أكثر؟
ج – أجد نفسي كالطائر بجناحي السياسة والثقافة ولايمكن الطيران إلا بهما على الأقل في جميع مراحل عمري السياسي وحتى اللحظة وقابل للاستمرار حتى توافر شروط التغيير الديموقراطي في بلادنا وينتزع الكرد حقهم في تقرير مصيرهم باطار سوريا التعددية الجديدة الموحدة .
-هل ستستمرفي مواصلة كتابة مذكراتك؟
ج – إذا طال بي العمر... نعم، ولكن المذكرات تكتب بصورة حاسمة مرة واحدة، وأنجزت ذلك أما ما يليها من كتابات فستكون بمثابة متابعات وتقييمات نقدية وشهادة على العصر الكردي السوري .
-هناك من يجد أن الكاتب الشرقي يعيد صياغة سيرته وفق الضوابط المثلى، مارأيك هنا؟
ج – نعم ليس الشرقي وحده مسكون بالأنا بل حتى معظم الغربيين ومما يعقد الموضوع أكثر بالنسبة للمناضلين الكرد ويمنع أحيانا قول الحقيقة كاملة كما هي هو اختلاط الشخصي بالحزبي والقومي والوطني وضغط الظروف الصعبة فأحيانا يتحمل الشخص وزر أخطاء حزبه أو بالعكس لذلك حاولت في مذكراتي الانتباه لتلك المسألة والتمييز بقدر المستطاع بين الجانبين وأزعم أنني التزمت جانب الموضوعية في كتاباتي ( في النهاية القارىء من سيحكم ) لأنني لا أرمي إلى الربح والمصلحة الشخصية بل أهدف اطلاع الجيل الناشيء من بناتنا وأبنائنا على ماضي آبائهم وأجدادهم وتاريخ حركتهم الوطنية للإفادة واتخاذ الدروس والعبر عموما لاأعتقد توفر المثالية التامة في كتابة المذكرات .
- هل كتبت الأدب في بداياتك؟
ج – كان هناك في البدايات بعض الخربشات في الشعر والنثر لم تصل إلى مستوى الأدب والابداع .
-كيف تقوم الواقع الثقافي الكردي؟
ج – الواقع الثقافي الكردي مشتت غير مكتمل يسوده القلق والحيرة والشرود الذهني كما هو الواقع السياسي فهناك علاقة تكاملية بين الجانبين عادة وكما يقدم لنا التاريخ نماذج وتجارب لدى شعوب أخرى قديماً وحديثاً، فإن على عاتق المثقف مهام كبرى، من بينها: إظهار الواقع الاجتماعي والسياسي كما هو ومحاولة تغييره وتقديم وصياغة البرامج والمشاريع والمقترحات ونقد انحرافات السياسي والكشف عن أخطائه، نحن الكرد السوريون نفتقر إلى مثل أولئك، وإلى مفكرين مبدعين وهناك قلة قليلة يصلحون لأن يكونوا مشاريع مفكرين في المستقبل. و بكل أسف، فإنه بدلاً من تأثير الثقافي على السياسي، فقد حصل العكس، فهناك في ساحتنا الكردية السورية من يطبل لقادة مفلسين في أحزاب مفلسة أو لتيارات حزبوية غير ديموقراطية أو للقائد الملهم المفدى الى حدعبادة الشخصية..!، أو حتى للاستبداد، وهناك من صار عبدا للآيديولوجيا الشمولية تصور معظم مثقفينا عاجزون عن تعريف الحركة الكردية السورية في وضعها الراهن، وتعريف وتقييم المرحلة، والبعض يرضخ لمؤثرات آنية وينسى الأساسي والجوهري، فتراه يتأرجح بين تأييد الثورة مثلا والكفر بها في الوقت ذاته، وهناك أيضا وللأمانة التاريخية من يلتزم بقضايا شعبه ووطنه ويبدع في الإنتاج الثقافي .
لابد من الإشارة باننا أمام تحد ثقافي استبدادي خطير من نوع آخر وهو الثقافة المضادة الوافدة وهي تتسم بنزعة الإلغاء ونفي الآخر ورفض العمل الجماعي وتخوين المختلف والقمع بالسلاح بديلا عن الحوار هذه الثقافة الوافدة تعمل على تبديل حتى قواعد اللغة الكردية من دون دراية أو أي بحث علمي والإساءة الى ماضي الكرد وقاماتهم النضالية والثقافية الطويلة وتهدف امحاء معالم الثقافة التاريخية المنفتحة الأصيلة لشعبنا وحركتنا وتلتقي من طرف آخر مع مشروع النظام الشوفيني تجاه شعبنا منذ عقود انها تعمل على تدمير العائلة وعسكرة المجتمع واثارة الفرقة والانقسام في وقت نحن أحوج مانكون الى التضامن والتكاتف والحفاظ على الوجود .
وكيف تقوم الإعلام الكردي؟
ج – نستطيع القول: إننا في بداية تشكل جنين الإعلام الكردي ويحصل انتقال مطرد من الإعلام الحزبي المنكفىء المنعزل المسير الى فضاء قومي ووطني أوسع وأكثر حرية بدأ الجيل الجديد بالتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي والانترنيت وازدادت أعداد المواقع الألكترونية التي تعني بشؤون الكرد وقضاياهم باللغات المختلفة وظهرت مئات الفضائيات الكردية والإذاعات في غضون عقد واحد بعضها حزبية والأخرى مستقلة أو يقف من ورائها رجال أعمال هناك أيضا تطور في الصحافة من حيث الشكل والمضمون ولاننسى مشهد الإعلام الثوري في الساحة الكردية الملتزم بالثورة السورية ونقاشات وحوار الناشطين بمزيد من الجرأة والشفافية ونستطيع القول: وجود إعلاميين كرد استفادوا من الخبرات ومن التطور العلمي والتكني في هذا المجال ونجد الآن مذيعات ومقدمات برامج ومراسلات للمنابر الإعلامية الكردية والعربية والتركية أعتقد هناك آفاق واسعة أمام هذا القطاع خاصة اذا تم الخلاص من الإملاءات الحزبية والآيديولوجية واستطاع الإعلامي العمل بحرية حينذاك سيحصل التقدم ويتم الابداع .
المثقف الحزبي : كيف تنظرإليه؟
ج – من الصعب أن تكون حزبيا ( في وضعنا الراهن ) وتكون مثقفا نزيها لامعا مبدعا في ذات الوقت، حيث الأحزاب بدون استثناء تحولت الى ذهنية القبيلة ومصلحة العائلة والفرد ويمكن أن تجد داخل معظم الأحزاب ( في الوقت الراهن ) كل شيء لايخطر على البال من فساد ونفاق وانحراف وتكاذب الا الثقافة القومية والوطنية الأصيلة .
-وكيف تنظرإلى المثقف المستقل؟
ج – قد تجد حالات نادرة جدا للمثقف المستقل الصلب الذي يعاني – إن وجد - العزل والقمع من كل حدب وصوب في وضعنا الراهن فحتى المثقف اللاحزبي في الغالب لديه طموحات التحزب والتفرد وممارسة الموبقات وقد شهدنا نماذج انتهازية من أولئك منذ الانتفاضة الثورية السورية حيث كانت مطعونة باستقلاليتها قبل الثورة وتحمل بذور مرض التصفيق للاستبداد .
-خلال حياتك الحافلة بالحراك السياسي والثقافي التقيت بالكثيرين من أعلام الثقافة الكرد والعرب والعالميين، هل بإمكانك أبرز هؤلاء الذين توثقت علاقتك بهم؟
ج* – كرديا التقيت وصادقت الشاعر الكبير – جكرخوين – وتعرفت مطولا إلى الشاعر – قدري جان – وتعاملت مع آخرين مثل أحمد نامي وحسن هوشيار ومعلمي ملا رمضان برزنجي والشاعر – محمد علي حسو - وغيرهم ووتعرفت على – آرام ديكران – عندماكان مقيما في لقامشلي الذي دشن مدرسة غنائية كردية جديدة، والفنانين – سعيد يوسف – و عبدلو – ومحمود عزيز – و – رفعت داري - وكان لنا اهتمام خاص بأولئك الفنانين وصادقت مطولا الكاتب والمثقف – شكور مصطفى - كما تعرفت على وصادقت الشاعر الكردي الإيراني – هيمن – وكذلك – هزار – والشاعر الكردي العراقي –شيركو بيكس – واجتمعت بالجواهري – و لميعة عباس – وصادقت – مظفر النواب – وتعرفت على صالح القلاب و صادقته – وهكذا بالنسبة إلى عبد الحسين شعبان - و– فواز طرابلسي – و – كريم مروة – و – كمال الصليبي – و – حسين مروة - وتعرفت على – ياشار كمال - وصادقت الشاعر الفلسطيني – معين بسيسو – الذي كتب قصيدته حول الكرد وصلاح الدين الأيوبي في منزلي في تونس وكذلك – محمود درويش – و – أحمد دحبور - وغيرهم وتعرفت على الشاعر السوري علي الجندي – والنقابي المثقف – خالد الجندي – في سجن القلعة في دمشق وتعرفت على الشاعر – ممدوح عدوان - وصادقت المسرحي التونسي المعروف – توفيق الجبالي – والكاتب والمفكر التونسي – العفيف الأخضر - كما صادقت الكتاب الكرد السوفييت – شاكرو محوي – وجليلي جليل – وجاسمي جليل – وأورديخان جليل - وتعرفت على الكاتب الأرمني السوفيتي – حسرتيان – والعالم – لازارييف – وعميد الاستشراق البلغاري – بوييف - .
-كيف كنتم توطدون العلاقة مع المثقف غيرالكردي؟
ج – كان يجمعنا الفكر والموقف السياسي غالباً وكذلك المشاعر الإنسانية وهذا كاف لتعزيز العلاقة والصداقة واستمراريتها وتجربتي الشخصية في هذا المجال عبارة عن مبادرة مني أولا على الأغلب وحالات من الآخرين من أجل تعريف قضايانا للآخر وعندما كانت الأمور تسير بشكل طبيعي نصبح أصدقاء هكذا بكل بساطة .
-ماذا عن المثقفين غيرالكرد الذين وقفوا مع القضية الكردية؟
ج – معظمهم حسب تجربتي لبنانييون وفلسطينييون وأردنييون وبعض الخليجيين والبعض من شمال افريقيا وسوفييت وبلغار وألمان ولايتسع المقام لذكرهم وهناك مجموعة كبيرة من الذين وقفوا الى جانب الحقوق الكردية المشروعة أصبحوا من أصدقائي المقربين ومازالوا لتعرف غالبيتهم على القضية الكردية من خلالي ورفاقي في التيار السياسي الذي نمثله .
وماذا عن هؤلاء المثقفين غيرالكرد الذين وقفوا ضد قضيتنا؟
ج – مثقفوا الأنظمة وخاصة نظاما البعث في سوريا والعراق ونظاما تركيا وايران مع حالات هنا وهناك عن جهل .
-هل أنت راض عن أداء المثقفين الكرد منذ بداية الثورة السورية وإلى الآن؟
ج – المسألة نسبية وبشكل عام الجواب سلبي واذا كانوا مقصرين تجاه قضيتهم الخاصة فمن تحصيل حاصل أن يكونوا كذلك حيال القضايا الوطنية العامة أيضا أصيبوا بأمراض المسؤولين الحزبيين ولم يتخذمعظمهم الموقف الإيجابي من الثورة مبكرا والقليل منهم وقف الى جانب الحراك الشبابي الكردي الثوري وعجزوا عن أداء رسالتهم المفترضة تجاه الثورة السورية وبعضهم مارس التشكيك تجاهها وبعض آخر راح ضحية الفكر الشوفيني المتطرف والشعارات البراقة ونشر ثقافة العداء تجاه الآخر اسوة بأقرانهم من الطرف الآخر وقسم هام وقف الى جانب الثورة أيضا ومازال .
-ما سبب هذه التشرذمات في المشهد الثقافي الكردي؟
ج – يعود السبب الرئيسي باعتقادي الى انتقالية المرحلة وضبابيتها كرديا وسوريا أولا وعدم اكتمال شروط تكون الكتلة الثقافية الكردية التاريخية الى درجة أن البعض يعتقد بعدم وجود مثقفين كرد أصلا ثانيا وتأخر إيجاد حل عادل للقضية الكردية السورية وانعدام الديموقراطية في البلاد ثالثا وتعدد المفاهيم والأفكارالتي يحملها المثقفون الكرد الى درجة التناقض كفئات تنحدر من جميع الطبقات الاجتماعية التي تختلف مصالحها وتتناقض طموحاتها رابعا والدور السلبي للحركة الحزبوية الكردية في مجال الفرقة والشقاق بين الوسطين الشبابي والثقافي ولاننسى طبعا دور نظام الاستبداد التخريبي للنفوس في عقود ماقبل الثورة .
-لماذا رابطة كاوا للثقافة الكردية؟
ج – لإعادة التوازن إلى حالة غير سوية وسد فراغ عميق بخصوص جهل النخبتين السياسية والثقافية العربية والسورية منها على وجه الخصوص لحقيقة الكرد عموما والسوريون خاصة وتاريخهم والأهم موقعهم في المجتمع ودورهم الماضي والحاضر على الصعد الوطنية ومعارك الاستقلال والتحرر الوطني ولذلك بدأنا بترجمة ونشر أعمال مهمة الى اللغة العربية تخدم فكرتنا من الأرشيف السوفيتي الغني جدا بوثائق قديمة وحديثة حول الكرد والقضية الكردية وإعادة طبع أعمال لم تعد متوافرة في المكتبات في مرحلة تواجد الرابطة في لبنان قدمت حوالي خمسين كتابا الى المكتبتين الكردية والعربية وأكملت مهامها بعد الانتقال الى أربيل عاصمة إقليم كردستان منذ أواخر تسعينات القرن الماضي بعد انقضاء حوالي ستة أعوام صعبة في لبنان بسبب الحرب الأهلية ودخول الجيش الإسرائيلي المحتل الى بيروت ومن الأسباب الأخرى هو ( الثأر ) الثقافي لنكسة الحركة الكردية في مركزها الرئيسي في كردستان العراق عام 1975 بعد التآمر المحبك من جانب صدام حسين وشاه ايران وهواري بومدين وسكوت المجتمع الدولي حينها أراد أعداء الكرد أن يوحوا بأن الكرد انتهوا والبارزاني مريض وغادر الى الولايات المتحدة الأمريكية للعلاج من مرض السرطان وأن ثورة أيلول أخفقت وأن كل مطامح الكرد وآمالهم أصبحت مجرد أحلام وأردنا أن نثبت العكس بطريقتنا الناعمة .
-من كان أوائل مؤسسي هذه الرابطة؟
ج – للأمانة التاريخية أقول أن قيادة الحزب الذي كنت أترأسه وبشكل خاص مكتبه السياسي ( حزب الاتحاد الشعبي الكردي ) هو المؤسس فقد بحثنا وناقشنا المقترح والفكرة والجدوى والهدف والمستلزمات بعدة اجتماعات وتم الإقرار وتكليفي شخصيا بتنفيذ المشروع وهذا ماحصل وتم إصدار تعميم حزبي لجميع رفاقنا في الخارج بدعم المشروع كل في مكانه وهو ماتحقق .
-لماذا الخلافات التي ظهرت بين أبنائها؟
ج – منذ نشوئها كانت الرابطة مستهدفة من الأجهزة السورية وعملائها وأزلامها حتى أن مسؤول الأمن السوري في لبنان ( حيث كان البلد تحت هيمنة ووصاية نظام الأسد ) استدعى مدير دار ومطبعة الكاتب شريك الرابطة وأجرى معه تحقيقا واسعا وهدده إضافة الى منع كتب الرابطة من الدخول الى سوريا وقد تمت محاولة من قبل أحدهم لإنشاء رابطة بديلة عن طريق شخص كنا قد طبعنا له كتاباً- وبتمويل شخص مقرب من النظام السوري- ولكن المحاولة باءت بالفشل. طبعا لم يحصل أي خلاف بين مؤسسي الرابطة ولكن سمعنا أن أحد الأشخاص طالب بحصة مالية لأنه ساعد الرابطة علماً أن المؤسسة لم ولن تكون ربحية ونشطت بدعم الأصدقاء وخاصة الأشقاء في إقليم كردستان كما أن أحد مستخدمي الرابطة بأجر قام بإنشاء دار نشر بموافقة السلطات السورية قبل الثورة بخمسة أعوام واستغل ممتلكات الرابطة من الكتب لمصلحته الخاصة من دون تبرئة ذمته رغم إلحاحنا عليه مرات عديدة .
-ما الذي قدمته الرابطة كمركز ثقافي ودار نشر، منذ بداية السبعينيات وإلى الآن؟
ج – في مرحلتها اللبنانية قامت الرابطة بمهام الترجمة والطبع والنشر وفي مرحلتها الكردستانية – الأربيلية – وبعد طبع ونشر مجموعة أخرى من الكتب والأعمال الثقافية بلغت الستين انتقلت الى مهام تنظيم وعقد الندوات الحوارية ومستمرة فيها حتى الآن وكانت تجربة الحوار والنقاشات جديدة في ساحة كردستان العراق وبلغت الندوات الحوارية ( 410 ) شارك فيها أكثر من ( 80 ألف حول مختلف القضايا من العلاقات الكردية مع العرب والأقوام الأخرى الى المسألة القومية وقضايا الأكراد في تركيا وايران وسوريا ومسألة المرأة وتجربة إقليم كردستان الفدرالية والأوضاع الاقتصادية والأمنية والثقافية بالاقليم ومسائل اللغة الكردية والعلاقة بين أربيل وبغداد والثقافة الكردية والإرهاب وتعايش الأديان والتعليم والتربية طبعا نحن قمنا بواجبنا في أصعب الأوقات وفتحنا الأبواب على مصاريعها وعلى الأجيال الجديدة استكمال المسيرة وتطوير العمل والاستفادة من التقنيات المتوفرة .
- لقد استقلت منذ العام 2003من العمل الحزبي اليومي ألا ترى كان من الضروري تكريس جهودك في المجال الثقافي أكثر؟
ج – مغادرتي للعمل الحزبي لم يغير في الأمر كثيرا حيث مازالت القضايا عالقة في سوريا وطنياً وقومياً والهم مسكونا وانسحبت من الحزب وليس من السياسة و- الكردايتي – مازلت بعد الانسحاب أعيش مع بلدي وشعبي ووطني في كل لحظة وهذا يقودنا الى التأكيد مجددا على أنه ليس بالضرورة أن يكون المناضل لقضيته حزبيا خاصة وأنه أعقب ذلك حصول – الهبة الكردية – المقاومة عام 2004 بالقامشلي وبعد ذلك كان ربيع دمشق ثم الانتفاضة الثورية وتعددت المسائل وتوفرت معطيات جديدة في مجال الفكر والثقافة تحتاج الى متابعة وتقييم وتطوير ثم أنني لاأعيش في وطني الأم بل بين أشقاء أعزاء ولهم همومهم وأولوياتهم وهم منوطون بعد استحصال السلطة والإدارة الفدرالية ومواجهة التحديات برسم المشاريع في اقليمهم بحسب مايرونه مناسبا وليس بحسب مايتمناه الآخرون .
- ماذا عن مشاريعك القادمة؟
ج – في اطار التمنيات العودة الى منزل والدي في قريتي جمعاية بعد زيارة قبر والدتي ووالدي وأقاربي وأهل جمعاية كلهم في مقبرتنا في قرية – نعمتلي – مسقط رأسي واللقاء بكل أفراد ضيعتي القدامى منهم والمواليد الجديدة وأسأل عن أحوالهم وأسهر معهم وأستعيد الذكريات الجميلة ثم أزور مدرسة القرية التي قامت بمبادرة مني شخصيا عندما خرجت من السجن وكانت مقفلة بسبب الإهمال وعدم الصيانة حسب ماذكر لي مدير تربية الحسكة حينها، ثم أقوم بزيارة قبر رفيق الدرب الشهيد مشعل التمو والشهيد الشيخ معشوق وكل الشهداء ثم الاتجاه الى جبل الأكراد والوصول الى قبر صديقي ورفيق دربي سامي بافي جوان . وان ساعدت الظروف السياسية وتم اسقاط النظام ودحر شبيحته وقرر السوريون مصيرهم في سوريا الديموقراطية التعددية الجديدة سأقدم طلبا للترخيص لرابطة كاوا للثقافة الكردية وتوسيعها واستحداث فروع لها إضافة الى القامشلي في كوباني – عين العرب وعفرين والعاصمة دمشق .[1]