#صلاح بدرالدين#
موضوع البحث هذا لادخل له بمشاحنات – الترف الثقافي – كما أراده البعض قسرا بقدر ما هو في صلب حقائق التاريخ والجغرافيا المعلنة منها والمغيبة وفي القلب من الحياة السياسية السورية منذ فجر الاستقلال خصوصا وماقبل ذلك بعقود بوجه عام يرتبط موضوعيا بسؤال الهوية والانتماء لدى كرد سوريا منذ ساعة التوقيع على اتفاقية سايكس – بيكو بمايو – أيار عام تسعمائة وألف وستة عشر أي قبل مايقارب القرن من الزمن فمن لحظتها ظهرت تقسيمات جديدة لمختلف – ممتلكات – الامبراطورية العثمانية من بينها موطن الكرد ( كردستان ) الذي بات موزعا على كيانات قديمة وحديثة أربع وتم ترسيم الحدود بينها حسب الرغبات الخارجية ومن ضمن توزيع مناطق النفوذ بين الحلفاء المنتصرين الأقوياء ومن دون الرجوع حتى الى استمزاج آراء شعوب المنطقة الضعيفة وخصوصا الكرد الذين كانوا أكثر المتضررين حيث تعرضوا بداية القرن العشرين شعبا وأرضا الى الموجة الثانية من التقسيم على أيدي الكولونيالية الغربية بعد الأولى بداية القرن الخامس عشر على أيدي المركزين السائدين حينذاك العثماني والصفوي وماحصل للكرد السوريين من فواجع يختلف عن حالات أخرى ألحقت الأضرار بشعوب وأقوام وجماعات في التاريخ الانساني فمنها من تم ترحيله عن الأرض ومنها من انتقل الى أصقاع جديدة بمحض ارادته أو لأسباب اقتصادية واجتماعية بينما تم تقسيم الكرد أرضا وشعبا دفعة واحدة وسلم أمرهم الى كيان آخر وقوم آخر وثقافة أخرى وبدأ تاريخهم رسميا ومنهجيا من ضمن تاريخ الكيان الجديد وضم موطنهم التاريخي الى جغرافية أخرى وبيئة أخرى لها حدودها المستحدثة المصطنعة العازلة الملغومة بين بنات وأبناء القبيلة والعشيرة والعمومة لايجوز التواصل الانساني – البشري الا باذن ومعاملات تحت أعين الرقيب وفي اطار مصالح الأمن القومي السائد صاحب السلطة والقرار هذا من حيث التاريخ والجغرافيا ولاأخال أن أحدا سوي العقل وكامل الوعي ينفي هذه الحقائق .
في الجانب السياسي من الموضوع تصدت الحركة القومية الكردية عبر نشاطها السياسي والثقافي للتحديات الجديدة في مرحلتين مميزتين من تاريخنا النضالي , الأولى عندما نشأت حركة – خويبون – في أواخر عشرينات القرن الماضي وبداية ثلاثيناته انطلاقا من القامشلي و- صوفر – بلبنان ونادت للثأر من التقسيم بمختلف الأساليب من العمل الثقافي انتهاء بالكفاح المسلح حسب برنامج قومي كردستاني عام وفي مرحلة تالية كامتداد لمفاهيم الحركة ونهجها القومي وتبدأ يوم اعلان تأسيس الحزب الديموقراطي الكردستاني – سوريا أواسط الخمسينات والذي نص برنامجه على مهام تحرير وتوحيد كردستان واذا وضعنا مهمة تقييم ونقد تجربة الماضي بكل جوانبها العامة والخاصة بمرحلتيه الآنفتي الذكر جانبا فلا شك أن تيارات الحركة القومية الكردية السياسية في سوريا قد تناولت مايتعلق بمسألة الهوية ( الكردية منها والسورية والكردستانية ) والعلاقة بينها وكذلك تعريف الشعب والوطن بالمراجعة النقدية على ضوء ماشاب الوسط القيادي من خلافات وهو أمام المحاكم في الموجة الأولى من الاعتقالات ومواجهته لتهمة – اقتطاع جزء من سوريا – التي تستحق أقصى العقوبات بحسب القانون السوري استنادا الى الاسم الكردستاني للحزب الذي تم التخلي عنه تحت السبب التكتيكي المعلن درءا للأحكام القاسية – كما قيل - ومن المفترض أنه قد تم استخلاص المزيد من العبر والدروس من حينها وحتى اليوم وفي المقدمة أن المسألة لاتتوقف على المصطلحات الشكلية والاختلاف حول العبارات القانونية بل أعمق من ذلك بكثير .
في تلمس جوهر قضايا الخلاف ضمن صفوف الحركة القومية الكردية التي تفجرت وسارت باتجاه الحسم النهائي بوضوح تام وشفافية منقطعة النظير للمرة الأولى في تاريخ حركتنا في كونفرانس الخامس من آب لعام خمسة وستين وتسعمائة وألف نلحظ أن مضمون الاجابة على سؤال الهوية ( من نحن ؟ ) كان حاضرا بقوة هل نحن شعب أصيل يقيم على أرضه التاريخية المجزأة أم أقلية قومية أو أثنية مهاجرة استوطنت أراضي الآخرين ؟ وعلى ضوء ذلك ماهي استحقاقاتنا المشروعة ؟ حقوق شعب وقومية مكتملة العوامل والشروط في كيان متعدد القوميات والمكونات أم بعض المطالب الثقافية وحقوق المواطنة ؟ ولمن ننتمي الى وطننا الجديد سوريا نهائيا أم الى العمق الكردستاني المجاور ؟ وكانت اجابة التيار القومي اليساري الديموقراطي على تلك التساؤلات واضحة : نعم نحن شعب من السكان الأصليين نقيم على أرض الاباء والأجداد منذ القدم قبل قيام الدولة السورية الراهنة وحتى قبل ظهور الامبراطورية العثمانية ومن حقنا من حيث المبدأ تقرير مصيرنا في اطار سوريا الواحدة وتجسد كل ذلك في برنامجنا وخطابنا السياسي كرديا وسوريا وخارجيا كما أصبح بعضه شعارا يزين الصفحة الأولى للجريدة المركزية كما كانت اجابتنا على سؤال الانتماء بالشكل التالي : للكرد وحركتهم جانبان متكاملان متوازنان : وطني سوري وقومي كردستاني وهذا يعني أنني سوري وكردستاني في آن واحد في الأول على أصعدة الجغرافيا والتاريخ الحديث والدستور والقوانين والسياسة والحياة اليومية والعيش المشترك والمصير الواحد وفي الثاني على أصعدة التاريخ والجغرافيا والثقافة القومية والحلم المشترك وكما أرى لايناقض الواحد الآخر .
لم يقتصر الصراع حول قضايا الخلاف هذه مع اليمين القومي الكردي الذي انتصر لسلطة الاستبداد وفتح علينا أبواقه الاتهامية بأننا متطرفون بل انتقلت المعركة الرئيسية الى الصف المواجه لسلطة الاستبداد حيث المفاهيم التي حملناها حول الشأن القومي تناقضت بصورة جوهرية وميدانية عملية مع مشروع النظام الشوفيني القاضي بتنفيذ مخططات الاحصاء والحزام في منطقة الجزيرة كخطوة أولى ثم الاستمرار في المناطق الكردية الأخرى وذلك لتحقيق هدف تحويل الكرد في مناطقهم الى ( أقليات عددية ) أمام الغالبية العربية ومحو أي أثر لكردية مناطق التواجد الكردي أو كردستان سوريا كما نؤمن نحن وكل من عاصر سنوات منتصف الستينات يدرك الآن أن سلطة وأجهزة النظام استنفرت ضد اليسار القومي واستهدفت نشطاءه ليس لأنه التزم بمبادىء اليسار وليس لأنه أيد ثورة أيلول بقيادة البارزاني الخالد فحسب بل بالدرجة الأولى والأساس لأنه انطلق في نضاله ومفاهيمه من شعب يقيم على أرضه التاريخية وموطنه المجزء ( كردستان ) ومن خارج سياسة السلطة لمسنا مدى معاداة التيارات الشوفينية لتوجهنا الوطني – القومي من اليسار واليمين والتي اعتبرت اطروحات اليمين الكردي أكثر قبولا تماما مثل موقف السلطات .
على ضوء تلك المنطلقات أصدرت منذ 24 عاما كتابي غرب كردستان ( بحسب علمي كنت السباق في استخدام هذا التعبير ) بعد أن تبنى الحزب الذي كنت أقوده هذا المصطلح في أدبياته السياسية وخطابه ولم يكن ذلك تعصبا أو دعوة لكره الآخر غير الكردي بل كنا نحن كمدرسة فكرية – ثقافية متجذرة ومستمرة حتى الآن ونهج سياسي يساري أقرب من كل التيارات الأخرى الى القضايا العربية ومسألتها المركزية فلسطين كما كنا جزءا أساسيا في النضال الوطني الديموقراطي السوري ومن الداعين الى مواجهة سلطة الاستبداد واسقاطها والتفاعل مع المعارضة الديموقراطية والحرص على الوحدة الوطنية وأخيرا أقول وأكرر أنا كردي وسوري وكردستاني في آن واحد وبانتفاء أي ضلع من هذا المثلث أو تغييبه سأفقد هويتي وأخسر انتمائي .[1]