#صلاح بدرالدين#
في العقود الأخيرة ونتيجة لانحسار الحركة الديموقراطية على الصعد المحلية والاقليمية والعالمية وتسلط نظم الاستبداد بدأت وتيرة العودة الى ظلامية الفكر الديني الأصولي تتنامى وتتسارع وتدفع باتجاه خلط العقائد الدينية بالسياسة واستثمارها للمصالح الخاصة وبينها الوصول الى السلطة عبر كل السبل وفي المقدمة وسائل العنف والعمل الارهابي وذلك في أكثر من بلد ومنطقة وقارة الى درجة المس المباشر بتقاليد ومبادىء وقوانين حركة التحرر الوطني والحركة الديموقراطية عموما بل وأسلمتها قسرا في الكثير من بلداننا كما حصل على سبيل المثال لاالحصر في قطاع غزة على أيدي حركة – حماس – أو كما تم في لبنان من خلال الطائفية السياسية ومثالها الأقرب – حزب الله – وغيرهما من عشرات الأمثلة هنا وهناك واذا كانت حفنة من جماعات الاسلام السياسي في الوسط الكردستاني العراقي مثل – أنصار السنة – والجماعة الاسلامية – وغيرهما حاولت ومازالت بصدد اثارة القلاقل واقتراف الجرائم وتمرير أجندات الاسلام السياسي الدولي فقد لوحظ منذ فترة انتقال الظاهرة ولو بصورة أولية – خجولة – الى وسط بعض المتعلمين من أتباع الديانة الأزيدية في أرمينيا والمهجر وتحديدا في كردستان العراق على شكل اشارات ودعوات مبطنة وتمريرات في مقالات صحفية نحو تسييس الديانة الأزيدية تحت عناوين شتى تفاوتت بين نزعة الانتقام من مسببي المظالم التاريخية وهم الكرد طبعا في نظر البعض حسب الاتهام المسبق ومن دون تقييم الظروف والاحاطة بالملابسات مرورا بالانتصار للحقوق وادعاءات محاربة الفساد في الاقليم الفدرالي الوليد وانتهاء باعادة رسم الهوية والانتماء .
منذ فترة ليست بالقصيرة وأنا أتأمل اتجاهات الأحداث السياسية واشكاليات الانبعاث الثقافي الملتبس في ساحة هؤلاء الأشقاء من بني قومنا الا أن توالت وقائع ثلاث دفعتني الى تناول مسألة الأزيدية السياسية والتي ظهرت تباعا في توقيت متقارب ( في شهر آب المنصرم ) اعتبرتها ذات صلة تكاملية ببعضها البعض من حيث الدوافع والحاملة الثقافية والمضمون السياسي والأهداف المتوخاة وصلة كل ذلك مع الظروف الموضوعية الدقيقة والخطيرة التي تعيشها حركة التحرر الكردي عموما واقليم كردستان العراق الفدرالي على وجه الخصوص الذي يواجه التحديات ليس بشأن استحقاقات تشكيل الحكومة الاتحادية ودور الكرد فيها وتطبيق المادة 140 لعودة المناطق المستقطعة – وبينها شنكال - الى حضن حكومة الاقليم فحسب بل مواجهة مخاطر ومخططات تفتيت مجتمع كردستان باثارة النعرات والحساسيات ذات الطابع الأثني والديني والمذهبي التي تعمل عليه جهات محلية وقوى اقليمية للوصول الى تحقيق الهدف الأساسي وهو النيل من فدرالية كردستان كأهم وأعظم انجاز في التاريخ المعاصر وهذه الوقائع هي :
أولا – نشر بيان يحمل اسم الحزب التقدمي الأزيدي ينطلق من اعتبار المكون الأزيدي قومية مستقلة وليس ديانة ويطالب الحكومة العراقية بالتعامل معه مثل أي مكون قومي آخر في العراق مثل العرب والكرد والتركمان وغيرهم رافضا بشكل قاطع – التهمة - بانتمائه الكردي وطرح عبارة – يزيدخان – ( نسبة الى يزيد بن معاوية ) بدلا من كردستان وفي نفس السياق ظهور بعض الأفراد القريبين من هذا الحزب على شاشات الفضائيات ليعلنوا عن – عروبة – الأزيديين وانتسابهم الى الأمويين في حين أعلن البعض الآخر عن صلات النسب مع الآشوريين وفي المحصلة اتفاق الجميع اما على عدم كرديتهم أو جواز توزع الديانة الأزيدية بين عدة قوميات على غرار المسلمين والمسيحيين والقفز من الأزيدية كديانة الى الموقع القومي مما حدا باالكاتب – بير خدر آري – الى التوجه لهؤلاء متسائلا : الى أية جهة ستبيعوننا الآن ؟ علاويي بغداد أم دمشق أم استانبول وفي هذا المجال واضح أن هؤلاء قلة بمواجهة غالبية ساحقة ولكن علينا تفهم ارادة الآخرين مهما كانوا قلة ومن حق أي كان اعادة قراءة تاريخه وتحديد هويته ولكن ليس على الطريقة البعثية عبر استمارة – تغيير القومية – السيئة الصيت كما من واجب الآخر المقابل أن يقدم حقائق التاريخ والجغرافيا وفي جميع الأحوال فان مثل هذه الظواهر تنم عن حالة مرضية غير سوية وقد تضر بمستقبل الجميع وتؤثر سلبا على وحدة وتماسك المجتمع الكردستاني وتهدد استقرار وكردستانية مناطق عديدة من بينها شنكال .
ثانيا –خبر منشورحول اجتماع عام - للمرأة الأزيدية - في السويد لمناقشة وبحث أوضاعها بمبادرة واشراف السيدة – سندس سالم النجار – التي ألقت قصائد شعرية مع عدد من الضيوف من الشعراء العرب الذين بدورهم ألقوا قصائدهم حسب ماجاء في نص الخبر أو البيان الصادر من الاجتماع وهنا يجب التوضيح بأن أي نشاط نسوي من أية فئة وفي أي مكان هو مبعث سرورنا ولكن الى جانب ذلك نتساءل لماذا اقتصار الاجتماع على المرأة الأزيدية ؟ مع تواجد منظمات نسائية كثيرة في السويد من مختلف أجزاء كردستان وفيها أنشط النسوة الكرديات وليس في أنظمتها أي منع لانتساب جميع الفئات بسبب الدين والمذهب فلماذا هذا الطوق من العزلة المصطنعة والفرز الفئوي من جهة أخرى وبعيدا عن التعصب القومي المقيت لماذا عدم دعوة شعراء كرد وهم بالعشرات في السويد اذا كان الهدف من الاجتماع القاء الشعروهل أن النسوة الأزيديات - اللواتي لم تقتصرن على العراقيات فقط حسب الخبر المنشور وقد تجد بينهن من لاتتكلم اللغة العربية - مهتمات فعلا بفك طلاسم المعلقات السبع ولغة سيبويه ومعجبات الى هذه الدرجة بشعر عنترة والخنساء والمتنبي ولا ترغبن في سماع شعر فقي طيران وملحمة مم وزين وقصائد جكرخوين وأغنيتي – درويشي عبدي – و – كجكا سموقي – مما يدفع ذلك الكثيرين الى التساؤل والخشية من مسألة استثمار الديانة الأزيدية لأغراض سياسية وزجها في أتون حالة القلق والضياع والفراغ الهوياتي التي يعانيها ويشعر بها بعض من هواة الثقافة والكتابة .
ثالثا – انتشار كتابات في نفس الاطار وآخرها مانسبت الى السيد – هوشنك بروكا – حول انطباعاته عن الوضع في اقليم كردستان بعد زيارة قام بها الى بعض المناطق كما يظهر من سياقها الهجومي الجارح حتى قبل الزيارة والمشاهدة ولست هنا بكل تأكيد في مجال تقييم آرائه أو تفنيد اتهاماته أو دعم تصوراته وذلك انطلاقا من مفهوم حرية الرأي واحترام المخالف أولا ومشروعية نقد تجربة ادارة اقليم كردستان وتشخيص الأخطاء والمعوقات بنيات صافية في سبيل التطوير ثانيا ولكن مالفت نظري هو المدخل الديني في تفاصيل الشأن الكردستاني القومي والانطلاق من – الأزيدية السياسية – الخاصة في مواجهة المسلمين وليس الاسلام السياسي ومن ثم الولوج في شأن عام يتعلق بمصير الملايين الآخرين وماالتركيز الاحتجاجي بادىء ذي بدء على بند من مشروع دستور الاقليم المتعلق بالديانات وعلى وزارة الأوقاف الا تعبيرا عن الدافع الأساسي والهدف المبيت وعند ذلك تسقط قيمة النقد خاصة عندما تواجه أمرا تراه ضارا وتواجهه بمثله أو بأسوأ منه والمسألة هنا لاتتوقف على أداء حكومة تحل اليوم وتغادر غدا بل تتعلق بتخطئة الى درجة التحقير اللفظي لنظام سياسي وتجربة ديموقراطية فتية وكيان دولتي ببناه التحتية والفوقية ومشروع دستور حاز على موافقة الغالبية الشعبية ومواجهة ثقافة ومعتقد شعب بأكمله عندما يتم تشبيه كل شيء في كردستان وبمنتهى الاستخفاف بزواج المسيار وحتى العبارة هذه تنم عن ثقافة دينية متخلفة هائجة متزمتة ثم المضي بعيدا الى حد اعتبار النظام السياسي في اقليم كردستان العراق الفدرالي ظلما وبهتانا بالأصولية متجاهلا النهج العلماني السائد في حركة التحرر القومي منذ حركات البارزانيين التي اعترف الكاهن الأنكليكاني الأمريكي – ويكرام - قبل أكثر من مائة عام بتسامح وعدالة شيخ بارزان حول وبين الاسلام والمسيحية واليهودية مرورا بثورة ايلول القومية الديموقراطية التي اجتمع تحت خيمتها أقوام الكرد والكلدان والتركمان والآشور والعرب ومتدينوا الاسلام والمسيحية والأزيدية وفي السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في ظل الفدرالية الراهنة وفي مواد مشروع الدستور والقوانين وفي منظمات المجتمع المدني وفي النظام الاقتصادي والجامعات والمعاهد وفي المناهج التربوية ورغم ملاحظاتنا العديدة على أداء الحزبين الرئيسيين في الاقليم الاأننا لايمكن تجاهل دورهما في رد الأصولية ومواجهاتهما وحروبهما ضد جماعات الاسلام السياسي والتصدي لثقافتها التكفيرية الارهابية الظلامية في الماضي والحاضر .
كل من يتابع مثل هذه الكتابات النابعة أصلا من الدوافع والهواجس الدينية القلقة والمطعمة للزخرفة فقط بمصطلحات تقدموية وعلمانوية يلحظ بوضوح مدى التشابه الى حد التطابق بينها من جهة وبين كتابات مثقفي الاسلام السياسي فهناك تشارك بثقافة واحدة وتعبيرات واحدة مع اختلاف المسار الديني طبعا فالكتابات التي نحن بصددها تستحوذ ثلاثة أرباعها على العبارات الدينية المسيسة مما تدعو الى مزيد من التساؤلات لقد دفعت هذه العبارات العشوائية والأحكام القاسية على نظام الاقليم الكردستاني بعض المعادين بالأساس للكرد وقضيتهم الى اتخاذها دليلا على كون الادارة الكردستانية سلطة أصولية دينية رجعية استبدادية اسلامية كما فعلها الكاتب السوري – الأسكندروني مصطفى كمال حقي في مقالة له بنوع من الاستغراب الممزوج بالتشفي .
واذا كنا نؤمن ونكتب ونعلن في كل مناسبة عن رفضنا لتسييس الاسلام وأسلمة السياسة على المستوين القومي والوطني نرفع الصوت بنفس القوة : لا للأزيدية السياسية في الساحة الكردية ولكل ديانة أخرى يراد لها التسلل الآيديولوجي نحو منظمات وأحزاب وحركات العمل القومي الكردي العاملة في السياسة وتحويلها عن برامجها الكفاحية العلمانية وأجندتها الاجتماعية والسياسية التي تهدف كما هو مثبت في برامجها الى حرية كل الطبقات والفئات والأطياف من دون التوقف على معتقداتها الدينية ولاشك أن النهج الثقافي العلماني الذي يجمع كل أطراف حركة التحرر القومي الكردستاني من دون تميز ( بخلاف جماعات اسلاموية حديثة العهد وغير مؤثرة ) صفة ايجابية ثمينة ومبعث الاعتزاز لمجتمع كردستان وعنوان تاريخي لجميع انتفاضات وثورات الكرد في العصر الحديث ولحركته السياسية والثقافية الراهنة في زمن نلحظ فيه ماحلت من كوارث بشعوب مجاورة جراء موجات عاتية لحركات أصولية دينية - سياسية التي تنتهج كل السبل بمافيها الارهاب والتطهير الآيديولوجي والعنصري وسيلة لفرض أجندتها وتقوم بدعواتها الشمولية وعنفها ودمويتها بتفريق الصفوف والفرز الديني ( أليس المسيحييون والأزيدييون من ضحاياها الآن في الموصل ومدن عراقية أخرى ؟ ) وتسعير الاقتتال بين أبناء القومية الواحدة والشعب الواحد والوطن الواحد بالرغم من أن بعض تلك البلدان والشعوب التي تحل فيها مثل تلك الآفات والمواجهات ذات الطابع الديني والمذهبي اجتازت مرحلة التحرر الوطني ومتقدمة اقتصاديا واجتماعيا وفيها دول مستقلة ذات سيادة أعضاء بهيئة الأمم المتحدة فكيف اذا ابتلي شعب كردستان الأعزل المسالم بهذا الطاعون القاتل وهو لم يزل في المراحل الأولى من كفاحه التحرري وفي بداية اختبار تجربته الفدرالية الديموقراطية أحوج مايكون الى الوحدة ( شرط التحرر ) والتكاتف بين كل مكوناته التي لها مصلحة في الخلاص واستعادة الحقوق حسب مبدأ حق تقرير المصير هذا الشعب الذي يجسد العامل القومي – وليس الديني – المذهبي - بمضمونه الديموقراطي الانساني المتسامح المنفتح عنوان الصراع في حياته السياسية بالداخل والخارج في المرحلة التاريخية الراهنة .
دستور الاقليم شرع وقونن حقوق وواجبات كل المكونات الكردستانية القومية منها والدينية عبر ممثليها في البرلمان والمؤسسات الرسمية وأجاز لممثلي كل مكون النقد والرفض والمطالبة لما يرونه أنسب واذا كان المكون الأزيدي يخضع لخانة القومية الكردية ( على الأقل بغالبيته الساحقة ) ويسري عليه مايسري على الآخرين من الكرد قوميا فلاحاجة للانعزال والتفرد والخصوصية أما بشأن الأمور الدينية فهناك مثل المسلمين والمسيحيين مؤسساته ومرجعياته الروحية وقوانين وآليات تنظم تلك الأمور ولايجوز استخدام هذا الجانب في الأجندة السياسية والحزبية أو زجه في المهاترات ومقالات التشفي وتصفية الحسابات والأهداف الذاتية .
وختاما نقول أن الحلم المشروع في الخلاص والتحرر لم يغادر الانسان الكردي منذ أحمدي خاني وهناك من يحاول أن يبني الكيان القومي الديموقراطي العلماني المرتجى اليوم وحسب مقاييس العصر وعلى مبدأ المقولة الخالدة الدين لله والوطن للجميع لتحقيق حلم الملايين بصبر وأناة وقد يخطىء وقد يصيب في الميدان العملي وهناك من يريد أن يهدم بعصبية وعصبوية ضيقة وبدون أي شعور بالمسؤولية وهناك من يسطر التاريخ ومن يعيش على هامشه هذه هي حقيقة الكون والبشر وقد تكون هذه سنة الطبيعة تسري على الأحياء من انسان وحيوان ونبات .[1]