د. أحمد ميران
أستاذ القانون الجنائي
مقدمة :
الاعتراف بوجود أزمة في التغيير، وفي أدواته، لمسيرة العمل الإسلامي، هو مفتاح البحث الجاد عن التنظير للتغيير، وخطوة أولى لمراجعة مسارات التغيير، وأسباب التطور والنمو، والمعوقات أمامهما، لفتح باب الخروج من الأزمة التي يعاني منها العمل الإسلامي في كوردستان، وذلك بدراسة الأسباب والمسببات، والبحث عن أعمق الحلول للخروج من عنق الزجاجة، الذي تعاني منه الجماعات الدعوية والعمل الإسلامي السياسي، في التمدد الأفقي والعمودي، والوصول إلى مجال الحكم والسياسة واللعب المؤثر، في كوردستان خصوصاً.
والأسباب – طبعاً – متعددة، والأبعاد مختلفة، داخلياً وخارجياً، والأزمة في كوردستان أعمق، وتخلف العمل
الإسلامي، وتقهقر مساره، أظهر وأبين؛ من حيث تراجع مستوى التأثير، ومكانة هذه الأحزاب في العملية الديمقراطية، وانزواء دورها، وتواضع أدائها في الميدان السياسيي وألاعيبه، رغم ما تمتلكه هذه الأحزاب من خزين ثقافي، ومستويات قيادية، وروح حماسية، إلا أن العمل الإسلامي في كوردستان يعيش في أزمة حقيقية، مما دعا المراقبين إلى التفكير، والبحث، عن أسباب هذا التخلف.
وبدأت بوادر حقيقية في التفكير، والحديث العلني عن ضرورة التفكير في انقلاب حقيقي على الأسس الفكرية التي بنيت عليها هذه الأحزاب، والهيكلية العقيمة التي تتحرك بها، ودائماً تأتي المقارنة بالإشارة إلى التجارب الناجحة، أو الأكثر نضوجاً وتقدماً، مقارنة بالتجربة الكوردستانية، كالتجربة التوركية والتونسية والمغربية.. ولذلك تصدر خطاب أن الحاجة إلى التغيير أصبح ضرورة.
ولكن الحاجة شيء، ووجود منهجية وأطروحات ومشاريع فعالة، شيء آخر.. فالتغيير واجب حتمي للخروج من الأزمة، ولكن الكيفية هي موضع الإشكالية، وهي المدعاة للدراسة.. والموضوع - من وجهة نظرنا - ليس بهذه السهولة والبساطة، فالإشكاليات أعمق، وتحتاج إلى حلول متدرّجة، وخطوات مدروسة، وخطة استراتجية، ومناصرة، لتوليد قناعة (بإعادة هيكلة العمل الإسلامي في كوردستان للمرحلة القادمة).
إن دراسة التجارب الناجحة - تنظيراً وتفكيراً - وارد، ويشكّل نقطة انطلاقة مهمة.. ولكن - من وجهة نظرنا المتواضعة - أن المحاكاة وإعادة العمل بنسخة طبق الأصل لتجارب دول أخرى، أو الإصرار على التشبث بها كما هي، ومن دون مراعاة الخصوصية، ودون الموائمة والتفكير من داخل رحم الأزمة، قد يكون نسخها مستحيلاً، أو ضرباً من المثالية..
وهنالك أمر آخر، هو أن مناط البحث والتغيير هنا هو عن الحركات السياسية التغييرية، أو اللاعبين في العمل السياسي في كوردستان، للبحث عن بدائل ومسارات جديدة لإدارة مستقبل العمل السياسي لذوي المرجعية الإسلامية، للخروج من أزمتها، وكسر جليد معوقاتها، وتجمّد مسارها، وتقهقرها نحو الوراء.
خصوصية الواقع الكوردستاني:
يتمتع الواقع الكوردستاني بمجموعة من المميزات الاجتماعية تميزها عن واقع الحركات الإسلامية الأخرى في العالم، وأخذ هذه الخصوصيات بنظر الاعتبار من الضرورة بمكان، الأمر الذي يساعد على إدراك التميّز والاختلاف بينها وبين غيرها من الحركات.. ولعل أهم هذه الخصائص هي:
1-الواقع السياسي غير المستقر للإقليم، وأزمة الهوية الوطنية:
يعيش الإقليم في إطار العراق الفدرالي في ازدواجية في تحديد الهوية الوطنية والقومية، رغم الضمانات الدستورية. ولكن حلم الاستقلال، ومعوقات وصعوبة الاندماج الحقيقي في الواقع العراقي، جعل الإقليم إقليماً غير مستقر؛ جيوسياسياً واقتصادياً وسياسياً.. وبالتالي، فهناك نظام حكم غير مستقر، وهناك غياب للدستور ، وهناك نظام حكم يكاد أن يكون قبلياً وحزبياً، ينخره الفساد والمحسوبية.. وهذا لا يقارن بالأنظمة المستقرة، والدول ذات السيادة.
2- المجتمع القبلي والحزبي:
فالواقع الاجتماعي في كوردستان هو ذا طبيعة قبلية، حزبية، سلطوية، والولاء المقدس هو للحزب، والقبيلة، والتوزيع المناطقي على أساس اللهجة والجغرافية أقوى من الولاء لمركزية الدولة والأنظمة.
3- ضعف مستوى الوعي السياسي والاجتماعي للجماهير، وولاؤها المطلق، وغير المتغير، ووعيها المتجمد في مسارات الإصلاح.
4- البيئة الثورية: طغيان ثقافة الإرث الثوري، والعقلية النضالية العسكرية، دون اعتبار للأبعاد الأخرى، والاتكاء على الشرعية الثورية.
5- سيطرة القوى الحزبية النافذة على مؤسسات الدولة، ومصادر القوة الاقتصادية والعسكرية والأمنية.
6- عدم الاستقلالية في القرار السياسي، والتدخل الدولي والإقليمي في القرار السياسي، وفي مؤسسات الإقليم.
7- التغيرات الإقليمية والعوامل الدولية المؤثرة على نمط الحكم: فكوردستان واقعة في بوتقة الأحداث، ونقطة تصارع الأضداد، وأصبحت مرتعاً وبؤرة لصراع العمالقة.
بعض هذه العوامل ساهمت في قتل آمال التغيير، ووأدت الأمل في وجود حلول مشجعة ومسار حقيقي نحو ديمقراطية سليمة، إلى جانب تفشي الفساد والمحسوبية، وتحجيم تطور مفاهيم حقوق الإنسان وسيادة القانون.
تحديات أمام العمل الإسلامي:
هناك مجموعة تحديات أمام العمل الإسلامي في الإقليم، يمكن أن نوجزها فيما يلي:
1/ من العمل الإسلامي إلى العمل الإنساني والحضاري:
لا بد من تحديد أن مناط السياسة غير مناط العقيدة والفقه والأخلاق، رغم ما يتمتع به كل من هذه المرجعيات من أهمية، من حيث تكوين التصور الإسلامي.. ولكن لا بد من تحديد الاختصاص عند الحديث عن العمل الإسلامي، بدلاً من هذه الشمولية في الحديث عن العمل الإسلامي كإطار عام.. ولا بد من تقييد هذا الإطلاق، من حيث ولاية العمل، ليكون الحديث عن العمل الإسلامي السياسي، والعمل الإسلامي الدعوي، والعمل الإسلامي المدني... إلخ. فمناط السياسة قائم على بناء مشروع اجتماعي لبناء حكومة راشدة، ومجال السياسة أرحب وأوسع، وأقل ضبطاً، من حيث الأنماط والأشكال والوسائل والخطاب.. ومناط العمل السياسي قائم على مشروع قيادة الإنسان للإنسان، وقيادة الإنسان للمشروع الحضاري، وبنائه العمراني.
والحقيقة أن مجال العمل السياسي له رجالاته، من حيث الخصائص والخطاب والجاذبية والقوة، ومخاطبة الجماهير، والأولويات.. إلخ. والخطاب فيه مختلف عن الخطاب الدعوي.
والإشكالية المثارة هنا، أنه ليس للعمل الإسلامي السياسي في كوردستان خطاب سياسي صادر من تيار سياسي مختص، يحمل مشروعاً سياسياً وطنياً واضحاً ومحدداً، ويتبنى خطاباً إنسانياً وحضارياً مؤسسياً، ويتناغم مع مطالب الجماهير .
ومن وجهة نظري نحن نحتاج إلى هذا البديل، على غرار النماذج الناجحة، من حيث وجود أحزاب جماهيرية تتبنى هذا الخطاب، كالنموذج الماليزي والتركي والتونسي. ونضج التجربة السياسية في كوردستان لم يصل إلى هذه المرتبة وهذا النضج من التخصص والتقسيم والتنويع، لأسباب كثيرة؛ منها عدم وجود قيادة سياسية تتمتع بالكاريزما، أو مجموعة تجتمع على هكذا مشروع كقيادة جماعية. علاوة على عدم قدرة الأحزاب التقليدية بالسماح لهكذا تغيير؛ داخلياً وخارجياً. ولكن تجاوز هذه العتبة مهم للحديث عن عمل حضاري يرتكز على مرجعية إسلامية، تدعو إلى الحكم الرشيدً، وتنافس على كسب ولاء الجماهير بمشاريعها ومأسستها، وليس استناداً إلى خطاب عاطفي مختلط ومشكل ومزدوج .
2/ من الخطاب الشمولي إلى الخطاب التخصصي:
مشكلة الحركات الإسلامية في كوردستان أنها نشأت نشأة شمولية؛ جمعت العمل الدعوي والقتالي والسياسي والعلمي، ولعبت دور البديل للدولة، وحمّلت نفسها أكثر من طاقتها، وحان الوقت لتوزيع الأدوار، وتنسيق الجهود، وكل فريق يؤدي دوره الدعوي في نطاق عمله المؤسساتي، وفقاً لتكامل الأدوار، وأنماط العمل، واختلاف الأولويات والتخصصات.
وأنا - من وجهة نظري – أرى أنه لا بد من ترتيب المجالات كالآتي:
- مؤسسة سياسية، تزاول العمل السياسي، بكل ما تحمله كلمة السياسة من معانٍ، وما يرافق ذلك من خطاب سياسي مستقر وواضح وشفاف. وأيضاً هيكلية تناغم هذا الخطاب، وقيادة راشدة كفوءة تقود هذا الخطاب السياسي .
- مؤسسات المجتمع المدني، لتحل محل المؤسسات، والأشكال المترهلة، التي أثقلت كاهل العمل الإسلامي؛ كقضايا بناء القيادة، والتقرّب من المجتمع، وصناعة اللوبي، والترهل في توظيف الطاقات، والاقتراب من الجوانب الاجتماعية والسياسية التي تؤثر في صياغة قوانين الدولة.. ورغم أن الإسلاميين يمتلكون طاقات قيادية لا بأس بها، ووعي وثقافة عالية لدى كوادرها، ولكن الحركات السياسية الإسلامية لم تستطع أن تفعل مثل ما فعلت الأحزاب العلمانية من توظيف الشباب، والاستفادة من طاقاتهم في هذا المجال. ومن جانب آخر: هناك كثير من مجالات المجتمع، والقطاعات الإنسانية، والعلمية، تحتاج إلى الخوض فيها. وكنموذج: لم يخض الإسلاميون في مجال المرأة، وقضاياها، والدفاع عنها، بالشكل المطلوب، ولذلك فإن حضورهم وتواجدهم ضعيف للغاية في العمل على هذا المجال.
- المؤسسات الإعلامية: العمل الإسلامي السياسي يعيش في غفلة في مجال العمل الإعلامي، وتأثيراته. ولا بأس بوجود قنوات حزبية معبرة عن وجهة نظر الحزب، ولكن من المؤسف عدم وجود قنوات مستقلة، ومؤثرة - على غرار الأحزاب العلمانية- تثير قضايا الجماهير والمجتمع.. حيث صارت هذه القنوات نموذجاً لشمولية الحزب، تطرح القضايا الاجتماعية والسياسية والترفيهية والدعوية في آن واحد، مما يربك نظرة المقابل في التعرف على خطاب سياسي واضح وشفاف.
- استثمار العالم الافتراضي: فعلاً - كما يقال – فإن الجماعات الإسلامية تعيش في فترة ما قبل العالم الافتراضي.. فالسوشيال ميديا، أقل كلفة، وأوسع انتشاراً، وأكثر تأثيراً، وليس أدل على ذلك من التجربة التونسية، ولكن مع الأسف لا يوجد مشروع للاستثمار في هذا المجال الرحب والمؤثر.. أقول: فالواجب على الجماعات السياسية استثمار هذا العالم الافتراضي، لإيصال الخطاب إلى جميع المستويات. ولا بد من وجود مراكز متخصصة في داخل الأحزاب الإسلامية، لإيصال رسالة الحزب، والخطاب السياسي، إلى جميع فئات المجتمع، وخصوصاً فئة الشباب، وتطويع هذا العالم في جميع مجالات الخطاب الجماهيري.
- المؤسسات الدعوية والفكرية: نحن في كوردستان نقتقد آليات مأسسة العمل الدعوي، لعدم وجود صيغ قانونية لتشكيل الجمعيات والمؤسسات الدعوية التي تخفف العبء عن كاهل الأحزاب الإسلامية في تنوع الخطاب الدعوي والسياسي. وهذا يشمل مراكز الدعوة، والجمعيات، والعمل الخيري، والأكاديمي، والمرجعيات الفقهية، والفكرية.. إلخ.
ومن الناحية القانونية، يمكن سدّ هذه الثغرة بقوانين تنظم العمل الخيري، والجمعيات الدعوية، والمرجعيات العلمية والشرعية.
3/ من القيادة الدعوية إلى القيادة السياسية:
من الأولويات في إشكالية القيادة في العمل الإسلامي، أننا دائماً نبحث عن القيادة الدعوية للعمل السياسي، والقيادة السياسية للعمل الدعوي، وكلاهما مجانب للصواب. والمفترض التفكير في:
- التحول من القيادة الدعوية إلى القيادة السياسية:
فللسياسة فلسفتها ونطاقها المحدد ، والممارسة السياسية - بغضّ النظر عن الإطار النظري - لها تنظيرها الخاص، ورجالاتها الملمين، فلا بد لمن يمارسون السياسة ويخوضون في هذا المضمار أن تختلف أدوات عملهم؛ من حيث الكاريزما، وقوة الخطاب، ومخاطبة الجماهير، والبراجماتية المنضبطة، وسرعة التجاوب، والإلمام بالأبعاد الدولية من حيث التأثير، والأبعاد الإقليمية، والقدرة على التحليل، والإمكانات اللغوية.. وأن يكونوا رجال دولة، لا قيادات دعوة.. وهذه بعض الصفات التي قد لا تشكل أولوية بالنسبة للداعي، ولكنها ضرورة بالنسبة لرجال السياسة.
- من القيادة التقليدية إلى القيادة المهنية: قيادات العمل الإسلامي اكتسبوا الشرعية في نطاق الدعوة، ولم يكتسبوا الشرعية السياسية من المجتمع؛ الهدف المباشر لجماعات العمل الإسلامي.. فالقيادة السياسية لا تخاطب الدعاة، ولا تستمد شرعيتها من سلك الدعوة، بل تستمد شرعيتها من حاجات الجماهير، وهموم الشعوب.. وعالم الدين، والمتدين المحافظ، والفقيه، والخطيب، إنما يستمدون قوتهم من النطاق الفقهي، أو الأخلاقي، أو الروحي.. وإذا كان هنالك مختصون في هذه المجالات، فلماذا لم يولّد العمل الإسلامي قيادات سياسية تعمل في نطاق الأصول السياسية لممارسة العمل الحزبي من حيث تداول السلطة وطرح المشروع السياسي، مع الاحتفاظ بالمرجعية الإسلامية؟.
وعلى العمل الإسلامي تدارك المهنية في ممارسة السياسة، كما يُمتهن العمل الدعوي، وهذا يحتاج إلى تأهيل قيادي، وتأهيل علمي وأكاديمي.
من قيادة الشيوخ إلى قيادة الشباب:
لا يشك أحد - في عصر العلوم والتكنولوجيا السائلة- ما للشباب من دور في التغيير، فكثير من التجارب السياسية أفشلها الشباب.. وكم من مشروع سياسي مغمور أعلى شأنه الشباب.. ومع الأسف فرغم الطاقات الشبابية التي يتمتع بها العمل الإسلامي، إلا أن فرص الصعود والاستثمار في القيادة غير مرضية، علاوة على أن الاستثمار في الشباب لا حديث حوله في مجال القيادة والواجهة وفي الطرح، بل في استقطابها واستثمار حاجياتها نحو العمل الإسلامي.. فتأثير الشباب حاسم، ولكن خطابنا وإدارتنا لمشاكل الشباب وحاجياتهم غير متناغم مع الواقع المفروض.
4/ من الهيكل الشمولي إلى الهيكل السياسي التخصصي:
لعل موضوع الدعوة والسياسة في العمل الحزبي من أهم الإشكاليات، وقد طرح من قبل، وهو مطروح بقوة للمناقشة، وثمة إمكانية للتناغم بين التخصصين المتكاملين.
وحقيقة المشكلة ليست في مشاركة علماء الدين في الانتخابات، أو ترّشحهم على قوائم الإسلاميين، أو المشاركة السياسية، فهذا تصغير للمشكلة، وهذا الحق يجب ألا يحاصر، ولكن الإشكالية تكمن في الهيكل والبرنامج الحزبي الذي يتولى تقديم المرشح.
والأسئلة المطروحة هنا: هل الدعوة بمفهومها الوارد لها الأولوية والسيطرة على الخطاب السياسي والممارسة السياسية؟ وهل مفهوم الدعوة وآلياتها تتقاطع مع الممارسة السياسية، أم أن الإشكالية فقط إشكالية تنظيمية تتعلق بالتخصص وفك الارتباط بين الدعوة والسياسة؛ من حيث النطاق والإجراءات والخطاب والقيادة؟ وهذا ما أتفق معه، ويجب على العمل الإسلامي التوجه نحو التخصص والتمايز بين النطاقات، كالآتي:
1/ نطاق السياسة: وهو قائم على المقاصد الإسلامية العليا، بعيداً عن التعمق في الخلافات الجزئية. ونطاق السياسة قائم على إدارة مشروع الدولة، والتعامل مع الآثار والأبعاد والأطر الخارجية والداخلية، الإدارة الرشيدة، والحكم الرشيد، تحقيق المقاصد الإنسانية للشعب، والارتقاء بها .
2/ شخوص السياسة: شخوص السياسة مدركون للخطاب السياسي، فكراً وممارسة، يتمتعون بروح الريادة والقيادة، مقبولون اجتماعياً، لديهم خبرة عملية في السياسة، يديرون المجتمعات وليس الأحزاب والجماعات، الكاريزما، التخصص، القدرة على المراوغة والتفنن في إدارة المجتمع، والقدرة على الإقناع، مراعاة الحسابات الجيوسياسية.
3/ الخطاب السياسي: خطاب جماهيري لاكتساب شرعية الحكم والإدارة.
4/ الإطار والهيكل: حزب سياسي، أو تيار سياسي يمارس السياسة وفقاً للمرجعية الإسلامية.
ولا بد من فك الاشتباك بين التخصصات، والعمل وفق آلية التكامل، وليس آلية الاندماج والتعارض.
5/ الآلية التطبيقية للتغيير:
الكثيرون يسأمون التنظير، أو سأموا منه، ويريدون الحديث عن الخطوات العملية، ولذلك أقول إن رياح الحاجة للتغيير موجودة، وهذه الحاجة تنزل منزلة الضرورة، فمن ابتدأ بالتغيير فله السبق، ومن تأخر فلن يحصل إلا على الفوات.. وعليه أقول:
1- يجب إعادة هيكلة العمل السياسي الإسلامي: فالتغيير يبدأ أولاً من الهياكل الموجودة على الساحة السياسية، بأن تتجرأ على المراجعة العملية والحقيقية، وتفسح مجالاً للتغيير عن طريق النقاش وفتح فضاء التغيير ومساحات التعبير، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن التغيير يجب أن يقوم على أسس منهجية ومخططة ومدروسة، ولكن وفقاً لخارطة مدروسة وواضحة.
2- التغيير لازم من قبل النخبة السياسية، والمفكرين، والمنظرين المستقلين، عن طريق طرح أفكار تنظيرية وعملية، وفتح باب النقاش، وتهيئة الأرضية.. ويجب أن تشمل هذه الأطروحات جميع الأقطاب والأصناف والمجالات في نقاشات مباشرة، لإيجاد تقاربات وتفاهمات أكثر، وتفهم الواقع والبناء الواقعي.
3- وضع خطط واستراتيجيات من قبل مراكز الفكر والدراسات المتخصصة، ومن قبل ذوي الخبرة والمتمرسين، خلال السنتين القادمتين، للتجهز للمرحلة القادمة من الجولات الانتخابية.
4- التغيير من خارج الهياكل الموجودة في العمل السياسي، لطرح البدائل.. والتجارب كلها تحدثنا أنك إذا لم تتغير، فإن الظروف، أو الأمم والشعوب، أو الأنظمة والضغوط، ستجبرك على التغير. و{إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم...}.[1]