بقلم: عمر إسماعيل رحيم
نقله إلى العربية: سرهد أحمد
? إقرار (پیرەمێرد) التام بوحدانية الله تعالى:
- معرفة الله نوعان:
إن وجود (الله) هو الحقيقة الكبرى والمطلقة في هذا الوجود، لذلك فإن الإيمان به -جل شأنه- واتباع دينه؛ يشكل أهمية قصوى ومسألة ملحة لدى الإنسان منذ مولده وتموطنه على هذه الأرض.
كما يأتي ابتعاث الأنبياء والرسل لتأكيد وحدانية (الله) وتعريف الناس كافة بمقتضيات أسمائه الحسنى وصفاته العلى.
وانطلاقاً من هذه القاعدة الراسخة، بذل (پیرەمێرد) والفلاسفة الموحدون - كل في مضمار تخصصه الأدبي والفكري- عصارة جهدهم وخلاصة اجتهادهم، في سبيل الإتيان بدلائل عقلية ونقلية؛ تجديداً لإثبات وحدانية (الله) تعالى.
لقد حمل الدعاة والمصلحون واجب الدعوة إلى دين الله؛ بتحريك الأحاسيس الإيمانية، وإيقاظ الفطرة السليمة [فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَاَ] الروم:30، وإثارة نوازع الروح وسكونها بالتوحيد، هذه الروح التي هي سر الله الأعظم [فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ] الحجر:29
لذا، فان الإنسان في الأصل يولد على الفطرة السليمة، لكن للبيئة السيئة المعاشة دور في التخبط والتيهان، والدفع باتجاه اتخاذ أرباب من دون الله، أو النزوع نحو الإلحاد.
وباختصار؛ ثمة شواهد شاخصة في تاريخ البشرية على اعتقاد الغالبية بوجود الله، على مر العصور، في مقابل قلة ناكرة لذلك، لكن الفئة الأولى التبس عليها معنى الألوهية والربوبية.
وبالإمكان القول إن معرفة الله سبحانه وتعالى على نوعين:
- الأول: الايمان بربوبية الله، أي كونه الخالق والمدبر، وهذا ما لا خلاف فيه بين كافة بني البشر، والناكرون لهذه الحقيقة هم فئة قليلة في التاريخ، وقد أطلق عليهم القرآن وصف (الدهرية) [وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ] الجاثة:24.
وفي عصرنا الحالي ظهرت مذاهب وفلسفات وجودية إلحادية على غرار الدهرية القديمة، كالفسلفة الماركسية القائمة على إنكار وجود الخالق، رغم قلة القائلين بالعدمية على مر التاريخ.
فكما أسلفنا القول، إن (ربوبية الله) مسألة مفروغ منها؛ يتشاطر فيها المسلم وغيره، موحداً كان أم مشركاً، وكما أشار القرآن الكريم إلى ذلك [وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ، فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ] الزمر: 38.
- الثاني: معرفة، تشكل أساساً للعبادة والانقياد والالتزام بالأوامر الإلهية، معرفة تشد القلوب، فتثمر محبته والتعلق به والشوق للقياه؛ ممزوجة بخشية حقيقية، هي الخشية من إغضابه والخروج عن مراده، وهي خاصية مميزة للعشاق الحقيقيين للمنهج الرباني القويم، حيث الحرص الدائب الدائم على التفكر به من خلال آلائه، والتعمق في معاني قرآنه.
[إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ] آل عمران: 190-191
كما أن التفكر بأسمائه وصفاته، هو سبيل آخر من سبل معرفته جل شأنه.
[وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا، وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ، سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] الأعراف: 180
وعلى ضوء ما تقدم ذكره، اجتهد (پیرەمێرد) - بوصفه أديباً موسوعياً حاول مزج الفلسفة بالأدب- في الإتيان بالأدلة العقلية لإثبات وجود الله وتأكيد وحدانيته جل علاه.
ومن هنا، ارتأيت بيان الأدلة التي ساقها (پیرەمێرد) في قصائده، لكن سأستبق ذلك بعرض دلائل وحدانية الله:
• دليل الإبداع:
يعد دليل الإبداع من أقوى أدلة وجود الله تعالى وأشملها إطلاقاً؛ إذ يتضمن التمعن والتعمق في المخترعات والمخلوقات الموجودة في السماء والأرض، من نجوم وأناسي وحيوات... إلخ. وهذا الدليل الذي تستشعره الفطرة قائم على أمرين:
1- أن هذا الكون بجميع ما فيه من إبداع الله تعالى، ولا يحتاج إلى كثير فلسفة لإثبات ذلك.
2- كل اختراع له مخترع، وهذه مسلمة عقلية ومنطقية؛ تقودنا إلى أن لهذا الوجود خالقاً.
3- وعليه، فإن أي اختراع لا يمكن أن يوجد بنفسه، ولا بد من وجود مخترع من خارجه، لذلك نرى أن المخترعات لم تأت من عدم، بهذه الدقة المتناهية والهندسة العجيبة دون مخترع، وهذا المخترع يمتلك خصائص العلم والقدرة والإرادة. قال تعالى [أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ] الطور:35
• دليل الرعاية والتنظيم:
هذا الوجود، وهذه الموجودات، كما تطرقنا إليه آنفاً، هي إبداع وابتكار، والبديع موجود، حيث يمتاز إبداعها بالكثير من الدقة الهندسية المذهلة. ومثال على ذلك: الدقة في تعاقب الليل والنهار، وكذلك وجود النور والظلام، البرودة والحرارة، وتفاوت مدة الليل والنهار صيفاً وشتاءً، وحركة ملايين الأجرام السماوية في عملية دقيقة ووتيرة منظمة، لا تختل حركتها ولو بضعة أجزاء من الثانية.
إن ما تقدم ذكره يظهر أن هذا الكون في منتهى التنظيم والرقابة والإدارة. وعليه يحتم علينا المنطق الفلسفي القول:
1- إن هذا الكون منظم بإحكام؛ لا تخطئه العين.
2- إن لكل مُنَظم ناظِماً، وبالنتيجة فلهذا الوجود ناظِم.
وبمطالعة سريعة لقصائد وأمثال وكتابات (پیرەمێرد) سنلمس نهجاً أدبياً قائماً على الإيمان الراسخ القوي بوحدانية الله. فقد دعا في جل نتاجاته إلى التصديق بالوحدانية وإحياء محبة الله وترسيخها في النفوس.
لقد توطن في تصور (پیرەمێرد) أن هذا الوجود من صنع الله تعالى، وكل الظواهر الكونية إثباتات ودلائل يقينية على عظمة الخالق، وبإمكان الإنسان تحسس العظمة الإلهية المتجسدة بصور هندسية شتى في المخلوقات.
وما فتئ (پیرەمێرد) يحشد الإثباتات على وجود الله تعالى في جملة من قصائده، مستخدماً منهجاً منطقياً كالمعتمد لدى الفلاسفة المسلمين، فيستدل بالإبداع: أن لكل إبداع مُبدِع (بديع السموات والأرض وإذا قضى أمرا فإنّما يقول له كن فيكون) البقرة 117.
وفي القصيدة المعنونة (المناجات، في آهات كهل الكهول) يقول شاعرنا:
إلهي، هؤلاء الذين لا يؤمنون
لم يروا شيئاً، فهم يتساقطون
وإلا فانظر إلى بستان أزهار وورود
انظر إليه بعين القلب والعقل
هذا اللون المبهر لورقة (هرجايى)
بمجهر شعاع البصيرة
ودقق في هذه الصنعة
من يجرؤ على القول أنها من صنع الطبيعة؟
في تلك الحقبة؛ كان للأفكار الشيوعية واليسارية القدح المعلى في القول بأن الطبيعة هي موجدة هذا الكون بالصدفة، فكان (پیرەمێرد) يجادل هذه المقولات قائلاً: تفضلوا أمعنوا النظر في حديقة الأزهار، شاهدوا هذا الجمال الأخآذ، وهذه الألوان المتناسقة المتنوعة، رغم أنها تسقى بماء واحد، وتنمو في التربة ذاتها، أليس الأجدر بشخص يفكر بعقله أن يسأل: هل يمكن لطبيعة غير عاقلة مجردة من الإرادة أن تبدع هذا الجمال المتقن؟!
وبوجود الملاحدة الذين ينفون أن يكون للكون مبدعاً، والقائلين بأن الطبيعة هي الخالقة بالصدفة، كان (پیرەمێرد) كثير المداومة على نسج القصائد لمحاججة هؤلاء، أملاً في دحض تخرصاتهم، فليس من المعقول أن ينبثق هذا الكون بنظامه وإبداعه صدفة ومن دون خالق.
فرغم وجود كائنات غير حية في هذا الكون، فذاك ليس مدعاة لنفي الربوبية، كما يدعي الملاحدة، فيرد أديبنا على هؤلاء بهذا المقطع الشعري:
كان أحدهم من أغوات (شيوةكةل)
وكان اسمه قادر آغا
أصيبت رجله في حادث، وأنتنت
وتناوب الأطباء على معالجته
وفي يوم قال له (مولوي)، حكيم قصبة (بانة)
رحماك بهؤلاء الصغار، وابتعد عنهم
فهذا الداء معد وربما انتقل إليهم
ولذا يجب الابتعاد عنهم
فاعتزل الآغا تحت ظل شجرة بعيداً عن القرية
فجاءته أفعى وهو مستلق تحت الشجرة
ولأنه كان آيساً من حالته، فلم يظهر أي رد فعل
ولم يحرك ساكناً حتى جاءته قريباً من ساقه
ومع أن بعضهم سارع إلى نجدته
ولكن الأفعى لدغته قبل وصولهم
ولكن الآغا صحا وطاب بهذه اللدغة
فهل تقولون إن الطبيعة أيضاً هي التي أرسلت هذه الأفعى
وكذلك الحجر الكبير في بحيرة دوكان
الذي أصبح عنواناً ومقياساً لمنسوب المياه
والذي صار مسكناً وبيتاً لمدينة النمل
فهل الطبيعة هي التي فعلت ذلك؟!
ففي هذه الأبيات، ومن خلال ضرب المثل بالأفعى، والنمل الموجود في أعماق مياه (دوكان)، يحاول شاعرنا أن يقرب للأفهام، ويثبت أن لهذا الكون، بموجوداته الحية وغير الحية؛ خالق مبدع، وليس الطبيعة الصماء، كما يزعمون.
• برهان التصميم:
يستدل علماء الكلام والمؤمنون من الفلاسفة بهذا الدليل على وجود الله سبحانه، فهذا العالم بما فيه من إتقان في الخلقة، وإحكام في تفاصيله الدقيقة المذهلة، دليل على وجود خالق فاعل يتصف بالقدرة والحكمة وسعة العلم، فهذا الكون متقن هندسياً، ومحكم في خلقته، وأن التصميم بهذا الإتقان والإحكام والدقة لا بد له من فاعل حكيم عليم.
وقد أشار القرآن الكريم الى هذا البرهان العقلي، في قوله تعالى [سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (5) سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6)] الأعلى: 1-6.
وبشأن الاستدلال بهذا البرهان الفلسفي يقول (پیرەمێرد) في القصيدة أدناه:
رفعت بصري فشاهدت السماء
قلت: محال أن يكون هذا من دون صانع
لو كان خلقاُ لغير الله
لاستحال وقوفها هكذا بغير عمد
فأي آلة يصنعها الإنسان
إلا وتتعرّض للعطب والخراب
بينما ماكنة هذا الليل والنهار
تدور دون بخار ولا وقود
لا تحتاج إلى زيوت ولا يعلوها الصدأ
لا تضطرب ولا أحد بقادر أن يتدخل في مسيرها
هي هكذا منذ أن أنشئت
لم تزل دائرة كما خطط لها
تأتي وتذهب بلا كلل
دون خلل ولا ضجة أو عطب
كلها تعمل بلون واحد وهدف واحد
لولاك لما كانت تنتظم؟!
وفي الأبيات الأخيرة إشارة الى برهان آخر من براهين وجود الله تعالى وهو برهان الاستمرارية، أي أن هذا الوجود يتصف بالاستمرارية، وكل ما فيه من أجرام يؤدي وظيفته على أكمل وأدق وأجمل وجه، أي تحقيق الهدف، وهذا دليل واضح لا لبس فيه، ليس فقط في إثبات وجود الله، إنما دليل على أن الله الخالق هو من يدير الوجود ويشمله برعايته، وبخلاف ذلك ما كان ليكون.. وبكل بساطة كما ذهب شاعرنا قائلاً:
الطاحونة لا تدور دون الطحان، والثور الذي يجر المحراث لا يتحرك دون إيعاز من المزارع، فكيف لهذا الكون على سعته، وكثرة أجرامه، أن يوجد من عدم، ويتحرك بكل دقة دون خالق.
لولا وجود اليد الصانعة كيف كان لهذه الأفلاك
أن تدور إلى الآن
الطاحونة دون وجود الطحان لا تدور
والثور لا يتحرك لولا إيعاز الفلاح
وأنا أبحث كي أعرفك
ولكني لا أجدك، أنا الأعمى
فهب لي عيناً أراك بها
لا أقول (أرني)....
... فلا تردني خائباً خجلاً
فأمام عفوك يستوي قليل الذنب وكثيره.
وعلاوة على ذلك، فإن (پیرەمێرد) يقر بعجز العقلي البشري عن معرفة كنه الخالق وحقيقته، ولا سبيل لأي مخلوق في الإحاطة بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وقدرته جل شأنه في إيجاد كل هذه المخلوقات، ولا سبيل لمعرفة يد القدرة كيف تتحكم في عملها، لذلك لا مناص من الانقياد له والتسليم لأمره.
• إفراد الله بالوحدانية:
ليس كمثله شيء، لا يشبهه تعالى ولا يماثله شيء من مخلوقاته، لا في ذاته، ولا في صفاته، لانفراده وتوحده بالكمال من كل وجه، فهو أرحم الراحمين.. لذلك يدعو (پیرەمێرد) المؤمنين للرضوخ له والانقياد لأمره سبحانه، فهذا من تمام العبودية لله الواحد الخالق.. ويشير في الأبيات أدناه إلى هذه الحقيقة:
إذا عرفت الله فتضرع إليه
وتكلم معه وناجه بلسانك
فالله سبحانه هو الملك الصمد
لا شريك له، ولا صاحب، ولا تحويه آلة ولا مكان
إلهي، لقد أعطيتني الفهم لأفهمك
فأدركتك أنت بلا زيادة ولا نقص.
• الإله المعبود:
تناول (پیرەمێرد) في العديد من قصائده الحكمة من خلق البشر، وساق أبياتاً كإثباتات على أن الله تعالى لم يخلق الإنسان عبثاً.
فالله الذي خلق الإنسان أراد له أن يعمل وفقاً للهدف الذي وضعه له، وأن يكون في دائرة المسؤولية التي ألقاه فيها، ويوصل الأمانة الملقاة على عاتقه إلى مبتغاها، حينها سيؤتيه الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة. ويقول عن هذه المسألة البالغة الأهمية في قصيدة مطلعها:
إلهي، لقد قلت في قرآنك
عن عبادة الجن والإنس
أن خلقهم إنما هو لأجل العبادة
وأن عبادتك هو طريق السعادة
والأبيات الآنفة بمثابة تفسير للآية (56) من سورة الذاريات [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ. مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ. إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ].
• العدالة الإلهية:
أشار (پیرەمێرد) في إحدى الأمثال التي نظمها إلى غرور (هتلر) وتجاوزه كل الحدود، وكأن لسان حاله يقول {أنا ربكم الأعلى}، فقد استهان بالنفس البشرية، فأزهق الأرواح وسفك الدماء بغير وجه حق.. أنى له أن ينسل من كل هذه الجرائم دون عقاب.. العدالة الإلهية ستقتص منه لا محالة.
العمل غير المشروع لن يدوم طويلاً
سيأخذ الله حق كل مظلوم حتى الجمّاء من القرناء
وعن القضية ذاتها يفرد (پیرەمێرد) الأبيات التالية:
سيقتلع الله المسيء من جذوره
ويأخذ بحق الحمل الذي لم تنبت قرونه
بعضهم يشير باستهزاء ويقول انظر
كل المساجد مهجورة وخربة.
• أحياناً يروم الإنسان القيام بعمل أو مشروع، فيضع لأجل تحقيقه البرامج والخطط والوسائل حتى يصل مبتغاه، لكن يحدث أمر طارئ على حين غرة؛ لم يخطر على البال إطلاقاً، فينقلب الشيء المراد تحقيقه؛ رأساً على عقب بمشيئة الله، فهذا هو القضاء والقدر بعينه.
وقد كان (پیرەمێرد) راسخ الإيمان بقضاء الله وقدره، وبتحكم إرادته وعلوية مشيئته، فلا أمر يحدث إلا برضاه سبحانه وتعالى، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
وترك الإيمان بالقضاء والقدر أثراً في قصائده التي حاك أبياتها بأسلوب سهل وجميل، إذ يقول في الأبيات التالية:
إذا عملت ولم تقعد مستسلماً
فلن تقع في المصيدة، وستكون في المقدمة دائماً
فالله هو الذي علق التغيير على التدبير
فمن الأفضل أن نؤمن بالتقدير
كثيرا ما يسقط رزقك من السماء بلا انتظار منك
وأحياناً تسقط اللقمة وهي في فمك .
• حكمة الله في كل ما يقع بالكون:
كل ما يحدث من تغيرات، جزء من إرادة الله ومشيئته في تدبير أمور هذا الكون ، فلا شيء يتحرك بهذا التناسق والدقة المتناهية إلا وفيه منفعة للوجود، ومصلحة للحياة البشرية، ربما لا تظهر هذه المصلحة ظاهرياً، أو أحياناً لا تدرك عقولنا القاصرة كنهها. وعن هذا يقول (پیرەمێرد):
بعد العسر يأتي الله سبحانه باليسر
وأحياناً يعهد بالخراف إلى عهدة الذئاب
لا عمل لله من دون حكمة
ولكن القليل من يدرك مقصده وحكمته
• الحكمة من خلق السموات والأرض في ستة أيام:
آمن (پیرەمێرد) بأن هناك حكمة في خلق السموات والأرض خلال تلك المدة التي أشار إليها القرآن الكريم {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ}الأعراف/ 54.
وكان راسخ الإيمان بأن ذلك لا يتعارض مع قدرته على خلقها في أقل من هذه المدة، لقوله تعالى {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ}البقرة/ 117.
وقد انساب هذا الإيمان في قصائده، كنوع من الرد على المشككين أو الملاحدة في هذه المسألة، إذ كان أديبنا وهو في ريعان شبابه؛ يحاجج شباباً من بني قومه اتخذوا الشيوعية المادية منهجاً.
وها هو ذا يقول:
كان الله قادرا ب (كن فيكون)
أن يقيم أمر الكون كلّه
ولكنه - كي نقتدي به - خلقه في أسبوع
وفي ذلك حكمة يعرضها لنا
ويوضح شاعرنا بأن الحكمة من خلق السموات والأرض خلال المدة المذكورة، وليس ب(كن فيكون)، هو التدرج.. وهذا بيان بأن الإقدام على أي عمل أو مشروع؛ لا بد من مراعاة التدرج، لأن فيه ضمانة للنجاح.
• الحكمة من خلق الحيوانات والطبائع المغروسة فيها:
لقد انتهج (پیرەمێرد) في نسج قصائده أسلوباً توضيحياً مقنعاً في التقريب لأفهام العامة من الناس حتى في أدق المسائل؛ كالحكمة من خلق الحيوانات والطبائع المغروسة فيها، فيرد على بعض ممن يظنون بأنَ هناك حيوانات لا تعود على الإنسان بأي نفع، ولا تضيف للحياة شيئاً، بل ربما تسبب له الضرر، متناسين – والقول لشاعرنا في الأبيات أدناه- أن ذلك جزء من المحافظة على التوازن البيئي، ناهيك عن فوائد أخرى لا حصر لها:
هذا الكلب والذئب والقطة والفأر
هذه الزنابير والحية والعقرب
لا أحد يعلم الحكمة من خلقها
فلنقل أن بعضها آفة للبعض
فليس منها من يأتلف مع الآخر
وكثير من الناس الأشرار هم بطبيعتهم أعداء للخير والإحسان
هذه طبائع زرعها الله فيها
وجعل بعضها في عداء مع البعض عن قصد وتصميم
والحكمة من ذلك أن نعلم
أن لا سلام في هذا العالم الفاني
•لا قدرة للإنسان على تعليل أفعال الله، وإثبات الحكمة فيها:
أدرك (پیرەمێرد) أن الله تعالى لم يخلق خلقاً إلا لحكمة، ولم يشرع شرعاً إلا لحكمة، وليس بالضرورة أن تصل عقول العباد إلى تلك الحكم دائماً. وعن هذه المسألة يقول في الأبيات الآتية:
لا أحد يدرك الحكمة في أفعال الله
فهو الله، ويعطي القدرة والقوة من يشاء
فالثلج يجمد الملايين بصقيعه
ويمسك المطر ويحبسه في خزائنه
وبدلاً من المطر تمطر علينا القنابل
وحشرة السون تفتك بالزرع
الدنيا أصبحت ديجوراً مظلماً
وطوفان البلاء بلغ الزبى
حتى الأب تراه يطحن أبناءه
إلهي، متى متى تغمرنا برحمتك!
•أثر الإيمان في حياة الفرد المسلم:
كان (پیرەمێرد) على يقين أن لعامل الإيمان آثاراً كثيرة في توجيه السلوك وتهذيبه، فمن ثمار الإيمان القضاء على البغي والظلم، والتقاطع والعقوق والجفاء، والتوقف عن تجاوز الخطوط الحمر، والحؤول دون التعدي على حدود الآخرين، والتهرب من المسؤولية، والتنصل من الواجبات، والعنف والشدة، فالرقيب الصارم على تصرفات الأفراد هو الإيمان فقط، و لايعدل ذلك شيئاً حتى القوانين المفروضة. يؤشر شاعرنا هذه المسألة بشكل مبسط للغاية في الأبيات التالية:
عندما لا يبقى في قلوبنا خوف من الله، ولا نخشى مساءلته
يزداد (الاحتكار) وينتشر
ويل لمن يفعل ذلك.
•الإيمان باليوم الآخر والثواب والعقاب الإلهي:
شكل الإيمان باليوم الآخر، وبمبدأ الثواب والعقاب الإلهي، حيزاً كبيراً من الاعتقاد الراسخ ل(پیرەمێرد)، بوصفه مسلماً ملتزماً، حتى إن نتاجاته الأدبية والشعرية عكست إيديولجيته الدينية، لدرجة لم يهدأ له بال، إذ بقي منشغلاً بالدعوة إلى الله، في وقت عشش الإلحاد في عقول النخبة الكوردية، التي كانت تتصدر المجتمع آنذاك.
فشاعرنا كان ينادي بأن الإيمان باليوم الآخر وما فيه من بعث وحساب وثواب وعقاب ركن من أركان الدين وجزء من عقيدة المسلم لا يجوز التخلي عنه أو التشكيك فيه، وقد نسج قصيدة مطولة عن هذا الركن قال في مطلعها:
على المرء أن يكون متفائلاُ، وليس قاطعاً للأمل
كيف تعيش إذا كنت فاقداً للأمل
فالأمل هو الذي يجعلك تطيق مصائب الدنيا
وعندما تفقده تخور قواك أمام الشدائد
فليكن لك أمل في الله
وأن الأجر والجزاء عنده يوم القيامة
والظالم الذي لا يخشى الله في الدنيا
اعلم أنه سيسأل عن كل شيء في قبره
ويقول في موضع آخر:
يأتي يوم وهذه كلها ك (طي السجل)
تلملم ويقال : هذا يوم التلاقي !
يا سعد من أرسل اليوم أمامه حصته
فهو آمن مستريح، إذ يجد أعماله في استقباله.[1]