عبد الباقي يوسف
الزمن الجميل، هو ذاك الزمن الذي أتى بما هو جميل في الفن الغنائي الكوردي، وهو جميل لأنه لبث محافِظاً على جماله، وحضوره وتفاعله مع إيقاعات الزمن، بحيث تعود الأجيال الجديدة إليه متفاعلة مع إيقاعه وكأنه أُبدِع لها.
العودة إلى زمن الفن الجميل هي محاولة لمواساة النفس بفن الحاضر، الذي يفتقد الكثير من عناصر ومقومات الأصالة والجمال، بحيث يتحوّل إلى موضات مثله مثل موضات الأزياء، التي تستمدّ ديمومتها من تحوّلها السريع، ولا خلودها، كونها لا تمت إلى روح الأصالة، ولا تنتمي إلى حضارة وتراث الأمة، وهي طارئة سريعة الحضور، وسريعة النسيان.
العودة هنا هي شبيهة بمحاولة مناجاة تلك الأغاني الأصيلة، لتعيد إلينا ذاك الزمن الجميل الذي برَحَنا، وافتقدناه، من جهة ، وكذلك محاولة عودتنا إلى روائح ولمسات ذاك الماضي البهي، الذي بنا توق إلى أيامه الغابرة.
إن ما أستمع إليه من أغنيات كوردية قديمة، تكاد تتلخّص في مجملها في ذاك التراث الغني والخصب الذي خلّفه المطربون الكورد في سائر أنحاء كوردستان الكبرى، وهي تحتفظ برائحة ذاك الماضي الجميل.
أسماء غنائية كوردية ذهبية، لبثت خالدة بفنها في ذاكرتنا، من أمثال الجميل : محمد عارف جزراوي، صاحب أغنية (ولاتي مه كوردستانه) و( سه مريتكو)، وكذلك الجميل: حسن زيرك، صاحب أغنية (أم روز مي سالي تازه يه)، والجميل: محمد شيخو، صاحب أغنية (نازكي ناز داري)، وأغنية (أز كجم كجا كوردامه)، كذلك: تحسين طه، وأردوان زاخولي، وأياز زاخولي، وعلي مردان، ورسول كردي، وحسن جزراوي، ورفيق جالاك، وعيشي شان، ومرزية، وخواداد علي، وطاهر توفيق، وغيرهم.
تلك الأغنيات التي هي كنوز إبداعية وفنية وجمالية، انبثقت من أعماق بنية المجتمع الكوردي، وتجسّد جلّ المراحل التي مرّت بها، وتواكبت بها، الأمة الكوردية، من الملاحم، والثورات، وحالات العشق، والتطورات الحضارية، مثل: ملحمة قلعة دم دم، مم وزين، زمبيل فروش، فرهاد وشيرين، سيامند وخجي، ملحمة درويش عبدي، عيشا إيبي، كولك، صالحي نازو، غزالا رشيد بكي، عزيزي تك مصطفى، أدمك، عرب صالح بك، عفدالي زنكي، مريم خان، كاويس آغا، كره بيت خاجو، شاكرو.
لقد انقسم الغناء الكوردي إلى اتجاهات متكاملة ومتناسقة مع بعضها البعض، لتغني هذه الذاكرة ببديع القصيد، والمديح، والغزل، حيث تتمتع القصائد الغنائية بمزاياها وخصائصها، كما يتمتع المديح، ويتمتع الغزل.
لقد أبدع هؤلاء في زمن بالغ الصعوبة، حيث عدم توفر كل هذه الإمكانات الهائلة التي شهدتها ثورة الأنفو ميديا، ولذلك كان الاعتماد على المجهودات الشخصية، التي تكللت بكل تلك النجاحات الباهرة، بحيث يمكننا أن نقف أمام تراث غنائي كوردي يجسّد زمناً كوردياً جميلاً، إلى جانب التراث الغنائي لبقية الأمم.
بذلك يمكنني أن أقسم الموسيقى الكوردية إلى عدّة أقسام: الموسيقى الفلاحية، الموسيقى الجبلية، الموسيقى الملحمية، الموسيقى الرعوية، الموسيقى المدنية.
عندما أستمع إلى الموسيقى الكوردية، أشعر بأنني أستمع إلى صوت الإنسان الكوردي الذي يتوحد عبر أحقاب الزمن الكوردي من خلال النغم الموسيقي، وكأن الموسيقى قامت بالاحتفاظ بنبرات الأجداد قرناً تلو قرن، لتقدمها بصوت متوحد، لتتحوّل إلى عملية خلود لهذه النبرات، من خلال تضافر الثيمات النغمية.
لذلك تمتعت الموسيقى الكوردية بخصوصية، غلب عليها الحزن في بعض المراحل، ثم أشرقت بروح الفرح وجماليات الرقص الكوردي، بحيث استطاعت هذه الموسيقى أن تُرقص الإنسان الكوردي في مناسباته، كما استطاعت أن تُبكيه، كما استطاعت أن تُطربه، كما استطاعت أن تحرّضه كي يحمل سلاحه ويتجه إلى قتال الأعداء، كما استطاعت أن تفسح في مخيلته شرفة التأمل، واقتناص لحظات الأمل الكُبرى، سواء على الصعيد الفردي، أو على الصعيد القومي.
وقد قدّم الكورد مقامين من أشهر مقامات الموسيقى الشرقية، وهما: (نهاوند)، وقد تم اشتقاق الاسم من اسم مدينة كوردية تقع في شطر كوردستان الجنوبي.
كذلك مقام (كرد)، الذي هو مقام أساس بالغ الأهمية في الإبداع الموسيقي الشرقي.كما أن الكورد قدّموا قامات موسيقية تركت أثراً بالغاً في مسيرة الفن الموسيقي، وقدّمت إبداعات موسيقية هامة، ومنهم - على سبيل المثال -: زرياب، وكذلك إسحاق الموصلي، وتُعد موسيقى نشيد ( أيْ رقيب) من الإبداعات الموسيقية المعاصرة المميزة، وقد وضعها الموسيقي الكوردي حسين البرزنجي.
كما ترك الموسيقيون الكورد أثراً على الموسيقى الإيرانية، مثل: شهرام نزيري، وسيد علي أصغر كوردستاني، وكيهان كالهور، وغيرهم.[1]