عرض: د. محمد نزار الدباغ
تزخر مدينة الموصل بوجود العديد من القرى، ما بين كبيرة وصغيرة، موزّعة على عدد من الأقضية والنواحي، للبعض منها موقع جغرافي مميّز، ولها تاريخ عريق، لا سيّما إنْ كانت مرتبطة بوجود مناطق آثارية، وهي عامرة بسكانها من القبائل والعشائر والبيوتات.
ومن هذه القرى الموصلية: قرية (عَمار البَيت) (بفتح العين والباء على أول الكلمتين). وفي معاجم اللغة العربية يقال: عمر المكان (بفتح العين على الأولى، وضمّ النون على الثانية): أيْ عمر بالناس، كان مسكوناً بهم. وعمر المكان (بفتح العين على الأولى، وفتح النون على الثانية): أصلحه، وبناه، وأقام على زيارته، عمر منزلاً. وعمّر المكان (بتشديد العين وفتحها على الأولى): أصلحه وبناه وجعله آهلاً.
ويفهم مما تقدّم أن أصل الاسم في اللغة، هو: إعمار المكان وإصلاحه وسكنى الناس به. وهو ما ينطبق اصطلاحاً على اسم القرية، إذ إنّ اسمها كان في السابق (خربيت)، ولعلّه مأخوذ من: خرائب البيت، أو البيوت الخربة، كون أن بيوت القرية كانت في السابق قديمة ومخرّبة ومتهدّمة، ثم بعد أن بنيت القرية الحديثة، على أطلال الخرائب القديمة، أخذت اسمها الحالي بعد إعمارها.
وجاء هذا الكتاب في (139) صفحة من القطع المتوسط، بغلاف فني أنيق، وقام مكتب النسيم في الموصل بتنفيذ الطباعة الإلكترونية والتنضيد، إذ صدر بطبعته الأولى سنة 2012.
واعتمد المؤلف في منهج البحث على الانتقال من العام إلى الخاص، لأجل الإحاطة بالموضوع بشكل كامل: فمن نينوى ينتقل إلى مركزها: مدينة الموصل، إلى أقضيتها الشرقيّة، ومنها (تلكيف)، ثم إلى ناحية (وانة)، إحدى مكوّنات القضاء المتقدّم ذكره، ثم إلى قرية (عمار البيت)، إحدى مكوّنات الناحية الآنفة، وهي اﻷنموذج المختار للبحث، والتي تبعد 30كم عن مدينة الموصل.
جاء ذكر القرية في مذكرات الرحالة الألماني (كارستن نيبور) (ت1815م)، الذي قدم إلى مدينة الموصل في 18 آذار 1766م، وكتب مذكراته عنها، ومن ضمن القرى التي ذكرها في شرقي الموصل قرية (خراب بيت). ومن هنا يلاحظ أن هذه القرية من قرى الموصل القديمة، وأنها كانت قائمة في سنة 1766م، أيْ إنها كانت موجودة في مطلع القرن الثامن عشر على أقلّ تقدير.
إن التل أو الخرائب مكوّنة من أساسات بنيت بالحجارة والجص، وطرقها رصفت بالحجارة أيضاً، وهي واسعة، ممّا يدلّ على أهميّة البلد، وسعتها.. وهذه الخرائب تتّصل ببعضها، وقد تحيط بوادٍ عميق، ثم تتّصل في القرية الحديثة، التي بنيت على الخرائب القديمة.
وهناك بئر قديمة لا تزال القرية تسقي منها، وإن بعض أطرافه محروثة.. وعلى التلّ كثير من المواد السطحيّة، والصخور الكبيرة، وبعض المواد الفخاريّة المصبوغة.
تبلغ المساحة الإجماليّة للقرية بحدود (4900) دونم أراض زراعيّة، وينتسب سكانها إلى قبيلة (الحريث) الطائيّة، ومعظم الأراضي الزراعية ديميّة (تسقى بالأمطار) في المناطق الزراعية (متوسطة الأمطار)، ومحصولها الزراعي- بشكل رئيس - هو محصول الحنطة.. وهناك مساحات تتراوح بين 20 - 15% من إجمالي الأراضي الزراعية، تزرع بمحصول الشعير، مع وجود مساحات محدودة جدّاً قد تتراوح بين (50-40دونم) من الأراضي، تسقى كبساتين ومزارع خضر.
ويقوم أهالي القرية بتربية وتسمين الأغنام واﻷبقار.. وما ذكر آنفاً يعبّر عن النشاط واﻹيراد الاقتصادي الرئيس لمعظم أهالي القرية.
ويوجد في القرية ثلاث آبار تستخدم للشرب والسقي: بئر المكينة، كونه ملحق بمكينة الطحين، التي كانت قبل حوالي 150 سنة، وبئر السباهي، وبئر ثالث يستخدم لسقي الأغنام.
وفي القرية هناك مدرسة ابتدائية مختلطة، تأسّست سنة 1958، وهي المدرسة الوحيدة في القرية.. ويوجد في القرية مسجد واحد، بناه المرحوم الشيخ (أحمد محمد اليوسف).. وتشتمل القرية على تلّ أثريّ، يدعى (تل البرم).. وتشير المعلومات التاريخية عن وجود ديوان ومضيف السيد (حمود المهنا)، قبل حوالي 80 سنة، ثم ديوان الشيخ (أحمد محمد اليوسف).. وممّا جاء عن أخبار هذه القرية أنه في عام 1922 عقد تجمّع عشائري كبير لعشائر طي في الموصل، في هذه القرية، وقد تكافل أهل القرية فقاموا بواجب الضيافة، حيث نصبت لأجل ذلك 20 خيمة من الحجم الكبير. ويعدّ هذا التجمّع من أكبر التجمّعات العشائرية في نينوى آنئذ.
اشتمل الكتاب على مقدمة، وثلاثة فصول، وخاتمة.. ضمّ الفصل الأول معلومات عامة عن نينوى، وخصائصها الجغرافية، والطبيعية، ومواردها المائية، وواقعها الزراعي، ومشاريع الماء فيها. أمّا الفصل الثاني، فتحدّث فيه المؤلّف عن قضاء (تلكيف)، من خلال تقديم معلومات عامة عنه، من حيث إطاره الجغرافي، ثم ذكر الجانب التعليمي، والواقع الصحي، والزراعي، وشيء من الجانب العمراني، ثم الجانب الإداري. وجاء الفصل الثالث - وهو أهمّ فصول الكتاب - ليعرّف بقرية (عمار بيت)، ويقدّم معلومات عن القرية، وتوزيعها الجغرافي، وزراعتها، وواقعها الاقتصادي، فضلاً عن معلومات نَسَبيَّة، وذكر (قبيلة طي)، مع التركيز على (قبيلة الحريث).
واعتمد المؤلف على ما يناهز 20 مصدراً ومرجعاً، مع المقابلات الشخصية. وتنوّعت مصادره بين كتب التاريخ، والتراجم، والطبقات، وكتب الأنساب، وبعض المراجع الموصليّة الحديثة.. وألحق الكتاب بمجموعة من الخرائط التوضيحيّة، منها خارطة قرية (عمار بيت) (قرية خراب بيت سابقاً).
والمؤلّف من مواليد مدينة الموصل، له تسعة كتب مع الكتاب الذي نقدّمه في هذا العرض، وهي: (تاريخ الكهرباء: نينوى أنموذجاً)، و(التيار الكهربائي من المصدر حتى المستهلك-نينوى أنموذجاً)، و(آل شويخ في التاريخ الإداري والعسكري لمدينة الموصل)، و(تاريخ الموصل في زمن الحكم العثماني)، و(مقالات صحفيّة)، و(طيء في التاريخ ج1)، و(طيء في التاريخ ج2)، و(إمارة آل عليان الطائية في جزائر العراق).[1]