#كاوە نادر قادر# / هولير
لا يخفى على القاصي والدَّاني، أن القضية الكردستانية هي قضیة تحرر قومي وطني؛ للتخلص من نير الاضطهاد وقساوة الاحتلال، كما أن إقامة العلاقات بين الدول والشعوب، هي سلوك طبيعي وشرعي، إن لم تكن على حساب مصالح الدول والشعوب الأخرى، وَأَلّا تكون مخالفة للقانون الدولي.
فلو التزمنا جدلا بالمبدأ القائل “الغاية تبرر الوسيلة” حسب نظرية المفكر، والفيلسوف، والسياسي الإيطالي “نيكولو ميكافيلي”، فإن إقامة العلاقات مع الدول كافة، بما فيها إسرائيل واردة أو مسموح بها، إِنْ لم تُؤَثِّرْ سلبا على حقوق الشعب الفلسطيني، إلا إن هذا لا يعنى التغاضي عن سلوك الدولة الإسرائيلية وسياستها الخارجية حول استخدام الأقليات المهمشة في البؤر المتوترة والمناطق، التي تنشط فيها الصراعات الأثنية أو الدينية، أو الطائفية كورقة ضغط ضد أندادها في تلك المناطق، ناهيك، أن إسرائيل كدولة، لم تساند، ولن نتوقع منها أن تساند كفاح شعب مضطهد محتل من أجل الحرية أو التحرر قط.
ولم يُسْتَثْنَ الشعب الكردستاني ولا حركته التحررية من هذه القاعدة بتاتا فحسب، بل عانيا الأمرين في الأجزاء المختلفة من كردستان نتيجة ذاك السلوك الإسرائيلي اللاإنساني.
فلو مررْنَا بِعُجالة على بعض محطات حركة التحرر الوطنية الكردستانية في القرن العشرين، ستبدو الصورة أكثر وضوحاً لمن تخول له نفسه من أن ينعت الحركة التحررية للشعب الكردستاني بصنيعة إسرائيل! أو أن إقامة كردستان مستقلة ستكون بمثابة إسرائيل ثانية في المنطقة! أو أن القضية الكردستانية هي عبارة عن خنجر مسموم في خاصرة الأمة العربية!؟.
فلنعد بالذاكرة التاريخية قليلاً إلى الوراء، ولنقف عند بعض المنعطفات الحساسة التاريخية في حركة التحرر الوطني الكردستانية في النصف الثاني من القرن الماضي، وكيف جنت إسرائيل على تلك الحركة وما فعلت بها.
– بعد توقيع شاه إيران رضا بهلوي وصدام حسين اتفاقية الجزائر المشؤومة في السادس من آذار عام 1975، قطعت إسرائيل كافة المساعدات العسكرية واللوجستية عن الحركة الكردية آنذاك، ولا غرابة في ذلك أن يكون مهندس تلك الاتفاقية هو “هنري كيسنجر” اليهودي الأصل، الذي شغل منصب وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية حينذاك، والمعروف بتعاضده وتعاطفه مع الفكر الصهيوني.
حيث كان جُلُّ مسعاه، هو رفع ضغط الثورة الكردية في باشور كردستان عن كاهل الجيش العراقي؛ كي يتفرغ لحشد قواته على الحدود السورية مهدداً نظام البعث السوري كي يرضخ لإملاءات أمريكا، فضحى كيسنجر بالحقوق المشروعة للشعب الكردستاني دون أن يثنيه أي رادع أو وازع أخلاقي، أو إنساني عن المضي قُدُماً في مشروعه الجهنمي، فقدم تَطَلُعاتِ الشعب الكردستاني قرباناً على مذبح المصالح الدولية.
– أما مشاركة إسرائيل في عملية اختطاف وأسر القائد الكردي “عبد اللە أوجلان” من كینیا وتسليمه إلی الدولة التركیة، فليست بخافية على من يود البحث عنها، فهي موثقة، حيث تم وضع خطة تلك العملية وتنفيذها بتنسيق أمني مخابراتي مباشر بين أمريكا وإسرائيل بالتعاون مع عدد من دول المنطقة، بغية تقديم العون لتركیا في حربها القذرة على الحركة التحررية الوطنية الكردستانية بشمال كردستان (باكور كردستان) مستهدفة إضعافها وكسر شوكتها، أو القضاء عليها، وإبراز دور كل من “مسعود البارزاني وجلال الطالباني” على الساحة السياسية الكردستانية؛ كي يحتلا مركز الصدارة في التأثير على مجريات القضية الكردستانية، وشل الدور البارز لأوجلان بهذا الخصوص.
– فما جرى في واشنطن أيلول عام 1998من توقيع على اتفاقية بين الطرفين المتحاربين (الاتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الديمقراطي الكردستاني) لم يكن سوى نقلة في هذا الاتجاه لإنهاء النزاع العبثي المسلح بينهما، والتفرغ لإنجاز هذه المؤامرة الدنيئة بحق أماني الشعب الكردستاني، واللافت في الأمر أن من وضع يد البرزاني بيد الطالباني هذه المرة كانت “مادلين أولبرايت” اليهودية الأصل، والتي شغلت وقتها منصب وزيرة الخارجية الأمريكية، التي توفيت مؤخراً في الرابع والعشرين من آذار الجاري عن عمر ناهز ثمانية وأربعين عاماً.
– أما الدور الإسرائيلي في تصميم وبناء “مشروع جنوب شرق الأناضول” المعروف اختصارا بمشروع GAP التركي فواضح وضوح الشمس في كبد السماء، هذا المشروع الذي بدأ العمل فيه عام 1988 يتكون من اثنين وعشرين سداً، وتسع عشرة محطة كهرومائية على مجرى نهري دجلة والفرات، سيؤدي تنفيذ هذا المشروع إلى حرمان مساحات زراعية شاسعة تقدر بمئات الآلاف أو ربما الملايين من الهكتارات من الإرواء في كل من كردستان والعراق وسوريا، إضافة إلى انخفاض حاد في منسوب المياه في دول المصب للنهرين، يشرف على تصميم وتنفيذ هذا المشروع العملاق كل من الإسرائيليين مصممَي السدود، شارون ألوز وروف، والمهندس يوشع كال.
– كما یعیش ما یُقارب مليوني نسمة من العرب في إسرائيل، وهم متجنسون بالجنسية الإسرائيلية ويشكلون نسبة 21٪ من إجمالي السكان، ويمثلونهم عشرة نواب في البرلمان الإسرائيلي (الكنيسيت) من مجموع مائة وعشرين نائبا، وهؤلاء العرب لهم الحق في زيارة أقاربهم وعوائلهم المشردة في العديد من الدول العربية كما يدرس بعضهم في الجامعات العربية.
في حین یعیش ربع ملیون كردي یهودي في إسرائيل، هاجر قسم منهم طوعاً إليها، بينما أُجبر البعض الآخر على ترك ديارهم عنوة والتوجه إليها في السنوات، التي تلت تأسيس الدولة الإسرائيلية عام 1948.
ألا يحق للكرد أن يُعاملوا إخوانهم من الكرد اليهود كما يعامل العرب إخوانهم من عرب إسرائيل!؟
– ناهيك عن ذلك، أن العديد من الدول العربية لها علاقات سياسية ودبلوماسية وأمنية، وعسكرية وتجارية، واقتصادية مع دولة إسرائيل من بينها (مصر، الأردن، الإمارات العربية المتحدة، عُمان، قطر، المغرب، السودان…) ويُرفرف العلم الإسرائيلي على أبنية السفارات والقنصليات، والمراكز التجارية الإسرائيلية في تلك الدول.
– ألم يكن توقيع اتفاقية “إبراهام للسلام مع إسرائيل” تحصيل حاصل التوجس العربي من التوسع الإيراني؟ لاسيما في منطقة الخليج، والتي تحمل في طياتها العديد من الأجندات السياسة والاقتصادية والعسكرية، وحتى الأمنية مع بعض الدول العربية، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا، هل يجوز أن يكون حلالاً للعرب إقامة علاقات مع إسرائيل، وحراماً على الكرد أن يحذوا حذوهم؟!
– إن ما تقوم به إسرائيل من انتهاكات صارخة، وجرائم مشينة واضطهاد بحق الشعب الفلسطيني، هي قليلة قياساً بما تقوم به الدول المحتلة لكردستان من انتهاكات أبشع وجرائم أفظع، واضطهاد أقسى بحق الشعب الكردستاني وحرمانه من أبسط الحقوق الإنسانية والمدنية.
إن كان للعرب الحق بالاعتزاز بعلاقاتهم مع كل من تركیا، وإیران والعراق، فلماذا لم يكلف الكردستانیون أنفسهم يوماً ما، من أن يعاتبوهم عما هم فاعلون؟! رغم أن بعضاً من تلك العلاقات كانت مشبوهة، وَأُقيمَتْ على حساب حقوق الشعب الكردستاني، وتطلعاته المشروعة في العيش بسلام، والتمتع بحريته، والتباهي بهويته القومية والوطنية، شأنه في ذلك شأن بقية شعوب المعمورة.
أفيقوا، وعودوا إلى رشدكم يا من تنظرون الى القضية الكردستانية بمنظار قاتم، وتنهالون عليها بشتى النعوت المغرضة، والتهم الباطلة والتشهير اللاذع، فصراع الشعب الكردستاني هو مع محتلي وطنهم كردستان وحدهم، كصراع الفلسطينيين مع إسرائيل، أفلا يحق للكرد على غرار الفلسطينيين الاستفادة من العلاقات، والقوى، والمنظمات، والشخصيات بغية إيجاد حل دائم لصراعهم الدامي المزمن؟
والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه هنا، هو من أين ينبع هذا الكم الهائل من الحقد، ومن الضغينة والافتراء، والسخط بحق الشعب الكردي المسالم؟ ولماذا؟!……
كفاكم أيها الحاقدون على الشعب الكردستاني هذراً وهذيانا، فإن بوابة تحرير فلسطين لن تمر من كردستان!!؟
أَما تَعِبْتم من شن حملات التشويه، ونشر المعلومات المضللة، والأخبار المزيفة عن الشعب الكردستاني؟ هي تجارة خاسرة لا تخدم مصالحكم، ولا تخدم القضية، التي تؤمنون بها، لأنها تصب في خانة المصلحة الإسرائيلية، ولن تَجْنُوا من هذه الأفعال إِلّا خيبة الأمل، والعودة بِخُفَيّ حُنَيِن.
فالأولى بكم يا من تكنون الضغينة للشعب الكردستاني، وتضمرون السوء لحركته التحررية، أَلّا تكيلوا الأمور المتعلقة بالشأن الكردستاني بمكيالين. العلاقات الكردية الإسرائيلية والكيل بمكيالين![1]