مي خلف
لم تحمل المعطيات التي كشفتها صحيفة فايننشال تايمز الأمريكية حول استيراد دولة الاحتلال الإسرائيلي ل 77% من حاجتها النفطية من شمال العراق عبر إقليم كردستان، أخباراً مفاجئة للمطّلعين على تطور العلاقات الإسرائيلية مع حكومة كردستان العراق على مر السنين.
وفي حين قد يرى البعض أن ثورات وأحداث الربيع العربي، وما تبعها من إعادة تشكيله للعوامل الجيوسياسية في المنطقة كانت عاملاً مهماً في بدء الإعلان عن العلاقة المتينة التي تربط الاحتلال الإسرائيلي بحكومة كردستان العراق، تثبت قراءة التاريخ أن هذه العلاقات بدأت منذ عقود طويلة، ومرت بعدة مراحل تطور نقلتها من السرية إلى العلن.
وتعود جذور العلاقة بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وكردستان العراق إلى ما قبل النكبة الفلسطينية بعدة سنوات، فبحسب الباحثة المتخصصة بالعلاقات الكردية-الإسرائيلية، عفرا بنجو، فإن العلاقات الكردية الإسرائيلية تعمقت بسنوات الخمسين من القرن الماضي، وذلك اتباعاً لمبدأ عدو عدوي صديقي؛ باعتبار أن النظام الحاكم في العراق كان معادياً لقيام دولة الاحتلال في أرض فلسطين.
وعليه؛ كان توطيد العلاقة مع أكراد العراق في الإقليم الشمالي جزءاً من سياسة دولة الاحتلال للخروج من العزلة الإقليمية على إثر القطيعة مع الدول العربية المحيطة بها. فكانت سياسة تحالف الأقليات وحمل شعارات وحدة المصير والتشبيه بين التجربة الإسرائيلية في إقامة دولة قومية وبين المشروع الطموح للأكراد بإقامة دولتهم، ركيزة العلاقات للعقود اللاحقة.
إلى جانب الخروج من العزلة الإقليمية، تضمن تعزيز العلاقات الإسرائيلية الكردية مصالح أخرى متعلقة بتلك السنوات، فقد أرادت حكومة الاحتلال من أكراد العراق مساعدتها على مواجهة الأنظمة العراقية المتعاقبة. ووصلت العلاقات إلى أوج ازدهارها بين عامي 1965 و1975، عندما قدمت دولة الاحتلال، سراً، دعماً عسكرياً للأكراد، وقامت بتدريب قوات البيشمركة الكردية وتزويدها بالسلاح، إلى جانب تقديم دعم مدني، مثل بناء مشافٍ ميدانية، وإعداد وطباعة كتب تدريس اللغة الكردية.
وبالمقابل، حصلت دولة الاحتلال على معلومات غنية حول يهود العراق، وعلى مساعدتهم للخروج منه والذهاب لدولة الاحتلال. لكنها كانت تطمع بالحصول على مساندة كردية فعالة في حال توتر الجبهة الشرقية التي تضم العراق والأردن وسوريا، وهو ما لم يحصل.
وتوترت العلاقات مع كردستان بمنتصف السبعينيات بعد خيبة الأمل التي أصابت الاحتلال بسبب عدم مساعدة كردستان له خلال حرب أكتوبر 1973، المعروفة أيضاً بحرب الأيام الستة، وهو ما أدى إلى وقف الدعم الإسرائيلي لكردستان، خاصة بعد توقيع إيران على اتفاقية الجزائر عام 1975 مع نظام البعث العراقي.
- الربيع العربي فتح شباك الفرص
ومن ضمن ما يلاحظه كل من يتابع الصحف الإسرائيلية منذ اندلاع أحداث الربيع العربي عام 2011، أن قصص الأقلية الكردية، سواء في العراق أو تركيا أو سوريا، احتلت حيزاً كبيراً في إعلام الاحتلال، فلا يكاد يمر يوم إلا وأُورِدت أخبار وتقارير أو تصريحات رسمية عن كردستان.
فعلى ما يبدو أنه بعد انهيار الأنظمة العربية التي قامت على أساس قومي هش بعد الحرب العالمية الثانية، فتح الفراغ السياسي شباك الفرص، ودفع دولة الاحتلال الإسرائيلي للتفكير بالاستفادة من الفوضى التي تعم المنطقة وإعادة حساباتها فيما يخص تعزيز العلاقات مع كردستان، ولكن هذه المرة بشكل معلن.
وفي هذا السياق، بحسب ما عليه اطّلع الخليج أونلاين، صرّح رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بشكل معلن خلال شهر أبريل/نيسان 2014 بدعمه لقيام دولة كردية مستقلة، وتبعه بذلك وزير الخارجية السابق أفيغدور ليبرمان، ورئيس الدولة الأسبق شمعون بيريتس.
كما غطّت الصحف العبرية بشكل واسع عدة قصص لجنديات بجيش الاحتلال الإسرائيلي انضممن للقتال إلى جانب قوات البيشمركة الكردية في العراق وفي سوريا كذلك. وإضافة لصفقات النفط الضخمة التي تعقد بين البلدين، تتكرر الأخبار عن استفتاءات تجري في كردستان لفحص تقبل الشعب لتعزيز العلاقات مع دولة الاحتلال، والتي يتبين منها أن الاحتلال مرحب به وسط الشارع الكردي هناك.
لكن على الرغم من الاستعداد المعلن من الجانب الإسرائيلي لتعزيز العلاقات مع كردستان، يبقى هناك عدة أسئلة شائكة على الاحتلال الإجابة عنها، مثل علاقة الاحتلال بالأقلية الكردية في سوريا والحدود المسموحة للتعامل معها، فهي بالنهاية تقع جغرافياً بحدود دولة معادية، بحسب التعريف الإسرائيلي.
هذا، إضافة للأقلية الكردية في تركيا، التي قد يختلف التعامل معها لكونها تابعة لنظام الحكم في تركيا ولا تتمتع بحكم ذاتي كما في العراق، وهو ما قد يؤثر أكثر على علاقات أنقرة-تل أبيب، ولكونها تضم حزب العمال الكردستاني الذي لا يزال بعرف المجتمع الدولي جماعة إرهابية، والذي شارك في الثمانينات بحرب لبنان ضد دولة الاحتلال.[1]