=KTML_Bold=الوجع القديم والجديد=KTML_End=
علي حسين فيلي/ الإبادة الجماعية هي جريمة يمكن أن تمسّ ضمير المجتمع الإنساني وتصبح موضوع بحث قانوني في إطار القانون الجنائي الدولي.
وإذا كانت الإبادة الجماعية تنطوي على جنبة حقوقية بالنسبة للمدعي العام، إلا أنها بالنسبة لي كإنسان وصحفي كوردي فيلي، فهذه مناسبة لإيلاء الاهتمام بالذكرى ال 43 للإبادة الجماعية للشريحة التي انتمي إليها وفرصة لمراجعة سياسة المجرمين، وليس لتوجيه العتاب واللوم الى الشعب العراقي لأن الذي جرى في الماضي شكل انقساما للمجتمع على طرفي نقيض، أي طرف مؤيد للنظام السابق وطرف آخر ضده.
هذا البلد لديه أكبر مصنع لخلق المبررات، ولكن من أجل تحقيق العدالة وفقا للحقوق والقانون الدولي، من المهم معرفة تلك الحقائق التي تم تأكيد بعض منها في المحكمة الجنائية العليا، من أجل الحفاظ على الحقائق كما هي للأجيال القادمة.
صدام كان اثناء ارتكاب الجرائم شخصا نسي أن الأيام لن تتركه ابدا، على الرغم من أن حبل المشنقة وضع حدا لشهواته الإجرامية، ولكن يتوجب ان نحصل على الاجابة على السؤال عن سبب السكوت المميت للمجتمع المحلي والخارجي عن جريمة كبرى كهذه.
وقطعا كان ضحايا هذه القضية أناساً مدنيين ومواطنين أبرياء من هذا البلد، وأساتذة جامعات وأطباء وطلاباً وتجاراً ورجال أعمال وفنانين وعمالاً ومهنيين... تم تغييبهم بعيدا عن جميع قيم وأعراف العدالة بقرار من السلطة في تلك الفترة.
أذن من حق ذوي الضحايا أن يعلموا:
- لماذا أصبحوا هدفا للإبادة الجماعية؟
- كيف تم تغييب ابناء هذا المكون من الابناء والاباء والاخوات والاخوان؟ واين دفنوا؟
- لماذا تمت مصادرة جميع الوثائق والأموال والممتلكات الخاصة بالتزامن مع موجات تهجير هؤلاء المدنيين الابرياء؟
- ماذا حصل لاحقا للكورد الفيليين والمجتمع العراقي وماذا فعل الناس تجاه هذه الجريمة وتبعاتها؟ مثلا، عندما تم اعتقال وتهجير أُسرة ما، ماذا فعل جيرانها؟
بعد عشرين عاما من القضاء على الجناة وتواصل معاناة نصف قرن من هذه الجريمة، لا يمكننا أن نقتصر على تفسير وتبرير القتل الجماعي والتهجير والتغييب لانتمائهم القومي والديني (المذهبي) المختلف.
مثل هذه الجرائم لا تستهدف شخصا واحدا فقط، فالتعذيب ليس فقط لانتزاع الاعتراف من السجين، بل أيضا لإجبار المجتمع على التزام الصمت. وينطبق الشيء نفسه على عمليات الإعدام والتغييب. تخبرنا المجزرة الجماعية حقيقة ما كان يجري في العراق وقتذاك، ولماذا التزم أغلب العراقيين الصمت حيال الجريمة.
عندما فقدت آثار غالبية أسر الضحايا بسبب الاعتقال والتهجير ومصادرة ممتلكاتهم، كان ذلك يعني أن الضرر وقع على المجتمع العراقي بشكل عام.
بعد سقوط نظام البعث زرعت العدالة الانتقالية الأمل في قلوب المظلومين، ولكن العدالة لا تنحصر في المحاكمة وإنزال العقوبات، بل أنها محاولة لضمان عدم تكرار تلك الأنواع من الكوارث.
في المحكمة الجنائية العليا، فيما يخص هذا الملف، لم نواجه قصة واحدة فقط، لكننا رأينا مجموعة من القصص المأساوية التي كان لكل ضحية فيها تجربته الخاصة. يجب أن نلجأ إلى العدالة لنجد الحقيقة وإذا لم نصل إلى الحقيقة فلن نصل إلى العدالة.
هناك القليل من القصص المسموعة والكثير من القصص غير المسموعة عن الإبادة الجماعية للفيليين. إن مثل هذه الجريمة في المجتمع ليست إبادة جماعية للضحايا وأُسرهم فحسب، بل هي أيضًا مأساة من المفترض على المجتمع السليم أن يتحدث عنها ويضع نفسه في مكان الضحايا!
يقول رسام ونحات ألماني: إن الحديث عما حدث للضحايا ليس مهما فقط لتذكرهم؛ ولكن الهدف هو منع تكرار حدوث الجرائم. لا يمكننا أن نكون متفرجين في صمت.
من اجل ألّا يموت حب العدالة يتوجب علينا اظهار الحقائق، واعانة الضمير الحي للمجتمع، ليتحول اليوم السنوي للجريمة الى ذكرى تاريخية، وتأسيس عرف الاستذكار والحديث عن الحكايات غير المروية لهذه الجريمة يصبح مانعا من نسيانها[1]