#منيرة أميد#
لا يخفى على الكثيرين حجم المآسي التي تعرض اليه الشعب العراقي بكل قومياته وأديانه وطوائفه في ظل النظام البعثي الفاشي الساقط، ولكن يبقى ما تعرض اليه الكورد الفيليين له خاصيته المنفردة حيث تجسمت كل تلك المآسي فيهم لانهم كانوا مستهدفين لعدة عوامل ومنها انتمائهم القومي والطائفي وانتساب ابنائهم الى قوى سياسية كانت ترى السلطة انها معادية لها وكذلك لثقلهم الاقتصادي وخاصة في الجانب التجاري حيث كانوا يتحكمون بأقتصاد السوق، كل تلك العوامل ولد الغل في قلب سقط متاع وجدوا طريقهم الى السلطة والحفاظ عليها لا بد ان يكون معبداً بدماء الشرفاء من الشعب العراقي... ومن هنا جاءت خططهم الجهنمية لابادة الكورد الفيليين في العراق لا وبل تباهوا بفعلتهم الشنيعة تلك ورددوها في اعلامهم المقيت متفاخرين ... فلم يتوانوا من قلع الكورد الفيليين من جذورهم وقتلهم وتهجيرهم بما عليهم من ملابس ومصادرة كل ما يملكون من املاك واموال ووثائق ثبوتية ودراسية وائتمانية وحتى شهادات التخرج، لا وبل احتجزوا فلذات اكبادهم والذي لم يعرف قبور لاي منهم ولليوم... سقط النظام وجاء وقت تضميد الجراح ووضع قواعد لكي لا تتكرر تلك المآسي، فكان لا بد من نتعلم من الدرس ومنها وضع شواخص لتلك الجرائم لتكون عبرة للاجيال المقبلة ... ومن هذا الباب نشطت اكثر من جهة رأت نفسها ملزمة بمتابعة قضايا الكورد الفيليين ان تسعى لتنفيذ نصب يخلد تضحيات الكورد الفيليين وشهدائهم .
الفكرة ولدت عند الكثيرين ولكن بقيت من ستكون الجهة المنفذة تلك كانت لوحدها حكاية ولكن الجميع اجمع ان الحكومة بدوائرها المعنية باقامة مثل هذه النصب هي التي يجب ان تقوم بهذه المهمة على ان تقوم المنظمات التي رأت نفسها معنية بالدفاع عن حقوق الكورد الفيليين ان تتحمل طرح هذه القضية وتسهيل تنفيذها ... ونظراً لعدم وجود مرجعية واحدة للكورد الفيليين وعدم التفافهم حول تنظيم واحد ينظم ويوحد جهودهم كما فعل غيرهم ، تعددت المساعي في هذا الاتجاه. ولكوني قد اخذت على نفسي عهداً ان اتابع قضية اهلي مع كافة الجهات الرسمية وغيرها وبضمنها الكورد الفيليين انفسهم ... تابعنا الموضوع وخاصة وانه تولدت لدينا فكرة وضع نصبا مصغراً يرمز الى مأساة الكورد الفيليين في كل البلدان التي توزع فيها الكورد الفيليين في المهاجر والتي تسمح بمثل هذه الامور ... كانت الخطوة الاولى باتصال ببلدية مانشستر التي لم تمانع على الفكرة وحددت المكان ... وخاصة مع وجود نصب لشهداء حلبجة في قلب المدينة وكان المقترح أن لا يبعد عنه نصب الكورد الفيليين كثيراً... العادة في هذا البلد ان يكون النصب عبارة عن صخرة يكتب عليه الهدف منه مع زرع شجرة عندها يرمز الى ضحايا ذلك النصب –بينما فكرتنا كانت ان نقوم بوضع نصب مصغر مشابه لنصب مماثل سيكون مكانه في قلب العاصمة بغداد ... ومن خلال المتابعة والاتصالات وتبادل الافكار مع اكثر جهة فيليية في بغداد وجمع الاقتراحات المختلفة والذي استغرقت وقتاً كبيراً ... لكن الجميع اجمع على:
*انشاء نصب ومتحف قريب منه في منطقة الاكثر تواجد للكورد الفيليين ( الساحة المقابلة لسينما فردوس سابقاُ) في شارع الكفاح
*طرح الموضوع لفنانين لتقديم نماذج مقترحة
* يكون للفيليين دور في الاختيار
* التنفيذ يترك للجهات الحكومية المعنية بعد حصول على الموافقات الاصولية وطرحها في البرلمان
بعد مرور ما يزيد من عام كانت النتائج:
طرح الموضوع في البرلمان وحصل على موافقة الجميع وحتى الاعتراض الوحيد على مكان النصب الذي ابلغنا به في وقته اثبت انه كان عاري عن الصحة!؟
ابلغنا وزير الهجرة والمهجرين السابق الدكتور صمد عبدالرحمن انه حصل على موافقة الحكومة لاقامة النصب والمتحف وكذلك تم تحديد مكانه (يكون قريب من مناطق الكورد الفيليين والتي شهدت مجمل نضالاتهم) اي بالضبط كما حلمنا .
ومنذ حينه اي قبل 5 سنوات أصبح الموضوع بين مد و جزر بالارتباط مع الاوضاع السياسية الغيرالمستقرة في بغداد وخاصة المكان المقترح (الصدرية) شهد تفجيرين هائلين اتى على كل المكان واضاف ضحايا اخرين وشهداء جدد الى قافلة شهداء الكورد الفيليين...حتى بات سؤال اخر يطرح نفسه، هل عادت تلك الساحة ملائمة مع ما فيها من خراب مكاناً مناسباً لاقامة نصب!؟ أم وجود النصب فيها وما يحيطها من خراب سيكون شاهداً اكبر على حجم المأساة التي حلت فيها بعد تهجير وقتل اهلها!؟
وعادت قصة النصب مجدداً تطرح نفسها بقوة هذه المرة مع قرب الاحتفال ببغداد عاصمة للثقافة ومع أشتعال حرب جديدة استعرت في بغداد سلاحها ( النصب والتماثيل) ورموزها!؟
ما بين سطور تلك الاخبار جاء توكيد ان نصب الكورد الفيليين سيقام اخيراً في بغداد عاصمة الثقافة. وفي خبر يتناول رفع النصب و التماثيل في بغداد نشرت جريدة (المدى) قبل يومين كتاباً صادراً بتاريخ 17/9/2012 من أمانة مجلس الوزراء والموجه لامانة العاصمة بغداد يؤكد على أمر ديواني رقم (48) لسنة 2006 تدعو ، امانة بغداد الى تنفيذ نصب الكرد الفيليين في تقاطع منطقة حافظ القاضي/ شارع الرشيد، فضلا عن تخصيص الساحة الاقرب الى مقر الجامعة المستنصرية في منطقة شارع فلسطين لإقامة جدارية ساحة المهجرين العراقيين وتشترط على الامانة التنسيق مع وزارة الثقافة لتكليف احد الفنانين لتصميم النصب وتخويل عقيل المندلاوي بمتابعة ذلك..
الخبر اثار اهتمامنا جداً ومن عدة جوانب :
* دعوة صريحة لاقامة النصب
* مكانه ساحة حافظ القاضي وليس الوثبة كما كان سابقاً
* تكليف احد الفنانين لتصميم النصب
المفرح ان موضوع النصب ما زال قائماً ولم ينتسى منذ عام (2006) ، ولكن لا نعلم لماذا غير مكانه الى ساحة القاضي ورغم ان هذه الساحة ليست اقل اهمية من المكان السابق وخاصة اذا علمنا ان هذه الساحة تحمل اسم احد ابناء الكورد الفيليين وكان أحد أعمدة الاقتصاد العراقي منذ اربعينيات القرن المنصرم كما انه يقع على تقاطع مهم وشارع اهم من شوارع بغداد وهو شارع الرشيد.
لا نعلم لماذا يطلب ان يكلف فنان بتصميم النصب رغم علمنا ان النصب قد اكمل من قبل الفنان التشكيلي مقداد أحمد وتم تسليمه لامانة العاصمة عام 2007 !؟ الا اذا كان الحديث هو عن نصب المهجرين .
في النهاية نتوجه الى الحكومة العراقية ونطلب منها ان تحقق بعض من حلمنا في ان نرى نصب الكورد الفيليين في احدى ساحات بغداد الذي ضحوا بالغالي والنفيس من اجلها، فربما يكون الحلم الاسهل تنفيذه بعد ان صعب علينا ان تتحقق احلامنا الاخرى في استعادة الحقوق والاملاك والكشف عن مصير أبنائنا ثم الهوية والعودة للوطن.[1]