=KTML_Bold=موت المشروط.. لماذا ضربت تركيا البنية التحتية في شمال سوريا؟=KTML_End=
=KTML_Underline=محمد حبش=KTML_End=
لم يكن يدرك علي يوسف (63 عاماً)، وهو مزارع يعيش في قرية تقل بقل بريف ديرك على الحدود السورية التركية، أن الأصوات التي سمعها يوم 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، وهو يحرث أرضه، ستكون بداية لسلسلة غارات جوية تضرب بنى تحتية للمنطقة والتي ستؤثر بشكل كامل على حياته وحياة السكان لاحقاً.
يستذكر “يوسف” ذلك اليوم: “في البداية قُصِفت محطة الكهرباء بعدها محطة الغاز”. يضيف: “يريدون تجويعنا وتهجيرنا من أرضنا”.
خلال أسبوع واحد استهدفت المسيرات التركية 26 موقعاً في شمال شرقي سوريا، تركزت على البنى التحتية والمرافق الحيوية مثل حقول النفط والغاز.
تفيد أرقام حصرية أن حجم الخسائر التي لحقت بالمنطقة وصلت لنحو 81 مليون دولار أمريكي، وهي تكلفة تقديرية لإعادة تأهيل المرافق المتضررة، ناهيك عن التداعيات الاقتصادية المعيشية الخطيرة التي ظهرت في المنطقة، بعد القصف بفترة وجيزة.
يبحث هذا التحقيق في حجم الخسائر التي لحقت بمناطق الإدارة الذاتية والتأثير الذي خلفه القصف، وفيما إذا كانت تركيا بدأت بالفعل حرب استنزاف ضد مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.
=KTML_Bold=العيش في مدنٍ حدودية=KTML_End=
تركزت مناطق الاستهداف في مدينة كوباني، الدرباسية، تل تمر، القامشلي، تربه سبيه، ومدينة ديرك أقصى شمال شرقي البلاد.
بعد أسبوع من القصف التركي، ظهرت التداعيات الاقتصادية المعيشية على السكان. بدأت بانقطاع في التيار الكهربائي بشكل كامل لأكثر من شهر ونصف، بعد أن كانت ساعات التخديم تصل لساعتين يومياً وزادت أسعار أسطوانات الغاز لأكثر من 10 أضعاف، حيث كان سعر الأسطوانة الواحدة يبلغ 7 آلاف ليرة سورية، ليترفع إلى 75 ألف سورية.
كان سعر الأسطوانة الواحدة يبلغ 7 آلاف ليرة سورية، ليترفع إلى 75 ألف سورية.
قمنا بإجراء استطلاع مع سكان القامشلي، وأكد معظمهم وجود شلل كامل في موارد الطاقة مما أثر بشكل مباشر على مصادر رزقهم.
واحد من هؤلاء الأشخاص هو حسن خلف، الذي يعمل في إحدى المطاعم في القامشلي. تأثر عمله بشكل حاد بسبب ارتفاع سعر أسطوانات الغاز، قال: “لا يزال سعرنا كما هو، وإذا رفعنا السعر فلن يشتري أحد منا وسنضطر لإغلاق المطعم”.
يوسف علي (37 عاماً) من سكان القامشلي، يشير لنورث برس، أن أسطوانة الغاز ذات 75 ألفاً “متوفرة وفي أي وقت، لكن اختفى السعر الحقيقي للمادة، في ظل استغلال محتكرين للمادة”.
ومن جانبه، يقول علاء حسن وهو أحد سكان القامشلي، “اختفت بعد أن قصفت تركيا المرافق الحيوية وأساسيات العيش التي يعتمدون عليها”، مضيفًا: “نحن ندفع ضريبة هذه الحرب”.
=KTML_Bold=صمتٌ عن الإحصائيات=KTML_End=
لم تعلن الإدارة الذاتية حتى الآن عن حجم الخسائر التي تكبدتها جراء القصف التركي للبنى التحتية ومنشآت النفط، وكذلك لم تعلن عن مستوى تراجع الإنتاج سواء في قطاع الطاقة أو القطاعات الأخرى.
حصلت نورث برس على وثائق حصرية، تُظهر خسائر وتكاليف إعادة تأهيل المواقع التي قصفتها تركيا، والتي تصل إلى قرابة 81 مليون دولارًا أمريكيًا.
وتنقسم هذه التكاليف على القطاعات التالية:
قطاع التعليم: تعرضت 3 مدارس لدمار جزئي ومدرسة واحدة لدمار كلي، والتكلفة التقديرية لإعادة تأهيلها حوالي 60 ألف دولار أمريكي.
قطاع الزراعة: تعرضت صوامع حبوب لدمار كامل، وكانت السعة التخزينية لها 400 م2، وتُقدر التكلفة الأولية لإعادة تأهيلها حوالي 400 ألف دولار أمريكي.
قطاع الصحة: تعرض مشفى للأطفال كان قيد الإنشاء ومستوصف في ريف كوباني للدمار، وصلت الخسائر الإجمالية لهذا القطاع إلى 370 ألف دولار أمريكي.
قطاع الطاقة: تعرض 11 موقعًا للقصف، وكان لهذا القطاع النصيب الأكبر من التضرر، وصلت التكلفة الأولية للخسائر إلى 80 مليون دولار أمريكي.
“هذه الحرب تدعو السكان للاحتجاج ضد الإدارة الذاتية بصورة غير مباشرة من خلال تجويعهم”.
يقول مسؤول في مكتب الطاقة في الإدارة الذاتية، إن المشكلة لا تقتصر على المبلغ اللازم لإعادة تأهيل المرافق المتضررة، بل المشكلة الأكبر هي عدم قدرتهم على إدخال قطع الصيانة لأجزاء المرافق المتضررة من منشآت الطاقة، ما ينذر بمخاطر تتعلق بمستقبل الإدارة في شمال شرقي سوريا.
يقول الخبير الاقتصادي خورشيد عليكا، المقيم في ألمانيا، إن الهدف من قصف تركيا للبنى التحتية والموارد الحيوية هو إيقاف عمل مؤسسات الإدارة الذاتية وانهيارها، وعدم توفير التمويل اللازم لها لتأمين رواتب العاملين معها وتقديم الخدمات اللازمة للسكان. وبالتالي، “فإن هذه الحرب تدعو السكان للاحتجاج ضد الإدارة الذاتية بصورة غير مباشرة من خلال تجويعهم”.
=KTML_Bold=النار تنفح في الشمال ولهيبها يصل دمشق=KTML_End=
بعد القصف التركي لمنشآت النفط، أعلنت الحكومة السورية عن عطلة رسمية في مؤسساتها، لمدة تسعة أيام عدا أيام العطل الرسمية، مرجعةً السبب للظروف التي تشهدها سوق المشتقات النفطية وتأخر وصول توريدات النفط إليها.
وتفاقمت أزمة المحروقات في مناطق سيطرتها، لتخفض الكميات الممنوحة للسيارات السياحية الحكومية من الوقود بنسبة 40 %.
يتهم غسان يوسف، وهو مدير مركز دراسات مقره دمشق، قوات سوريا الديمقراطية بتهريب النفط إلى العراق ويقول إن الحكومة السورية لا تستفيد أو تعتمد على النفط المتواجد في شمال شرقي سوريا.
يعود ويضيف أن”ما تحصل عليه الدولة من نفط المناطق الشرقية يكون عن طريق وسطاء وتقوم بدفع ثمنه وكأنها تشتري من دولة أخرى”.
بينما يرى مسؤولون في الإدارة الذاتية أن صمت دمشق حيال القصف التركي هو نوع من غض النظر عن انتهاك السيادة السورية ولم تتعامل مع الاستهداف الممنهج للبنى التحتية على أنه استهداف مباشر لمؤسسات وطنية سورية.
ولم يخفِ المتحدث الرسمي باسم العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، كمال عاكف، تأثير القصف التركي لمنشآت النفط على دمشق قائلاً: “بجميع الأحوال أي تصعيد تركي ضد مناطقنا يؤثر على عموم الجغرافية السورية”.
قد يفسر الصمت على أنه موافقة ضمنية من دمشق على ضرب حلفاء واشنطن، فبعد سنوات من انهيار العلاقات بينها وبين أنقرة، يمضي قطار التطبيع أسرع مما كان متوقعاً. وهي إشارة واضحة إلى أن مصالح السلطتين تشابكت ضد الحكم الذاتي حليف واشنطن في سوريا.
مصالح متضاربة.. ولكن!
بعد استهداف أنقرة للمرافق الحيوية والبنى التحتية، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية تعليق عمليتها مع التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فجاء الرد من واشنطن على ضرورة إيقاف تركيا لتصعيدها ودفعت بالمزيد من الدعم العسكري إلى قواعدها العسكرية بريف الحسكة، كما كثفت عملياتها المشتركة مع قوات سوريا الديمقراطية ضد “داعش”.
يطالب مسؤولو الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية حليفها واشنطن بضرورة إيقاف تركيا عن شن ضربات جوية تستهدف قاداتها في محاربة “داعش” وإطلاق تهديدات بشن غزو جديد في شمال شرقي سوريا.
لكن من جهته يرى الباحث في معهد نيولانس، ومقره واشنطن، كلفن ويلدر، أن واشنطن لديها أولوية في التعامل مع أنقرة، وهي إيقاف تركيا عن المضي في قضم المزيد من الأراضي في شمال شرقي سوريا.
ويشير أن “الضربات الجوية والقصف المدفعي أقل أولوية بالنسبة لواشنطن، فهي لن تستخدم نفوذها في هذا الإطار وليست مستعدة للتلويح بتطبيق حزمة من العقوبات بسبب الطائرات المسيرة بغض النظر عما تسببه من دمار وقتل”.
فشلت أنقرة في عهد الرئيس جو بايدن بالحصول على ضوء أخضر لشن هجوم بري ضد قوات سوريا الديمقراطية، وذلك خلاف ما حدث في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2019، حينما هاجمت تركيا كلا من مدينتي رأس العين وتل أبيض الحدوديتين بعد انسحاب القوات الأمريكية منها.
لذا يكاد يفقد السكان الأمل في تحقيق سلامٍ مستدامٍ مع الجارة التركية، فلا تكاد أصوات طبول الحرب تخفت. حتى تصدح مجدداً، وسط مخاوف من تكرار سيناريوهات سابقة عاشها الكرد من قتل ونزوح على مدار السنوات السابقة.
وينقسم سكان شمال شرقي سوريا، بين متخوف من تكرار التجارب السابقة وواثق بالحليف الأمريكي.
محمد عبد الله عامل على عربة لبيع الذرة وسط مدينة القامشلي، كان من بين المتخوفين، يقول لنورث برس: “نحن خائفون، أميركا لن تساعدنا، لقد خانتنا في عدة مناطق سابقاً في عفرين ورأس العين وتل أبيض هي مهتمة بالنفط وبمصالحها”.
أما عدنان حسن، هو أيضاً من سكان القامشلي بدى أكثر ثقة، مشيراً إلى أن قوات سوريا الديمقراطية تعمل ضمن منظومة دولية تحت مظلة التحالف الدولي وبالتالي “هي ملزمة بحمايتها وحماية المنطقة”.
وعماد فيصل سائق لسيارة أجرة في القامشلي أضاف على رأي “حسن”، أن قوات سوريا الديمقراطية كانت صادقة مع واشنطن لذا “لا تستطيع الأخيرة التخلي عنا، لقد حاربنا داعش سوياً”. يقول فيصل.
انعدام للاستقرار يعيشه سكان شمال شرقي سوريا، فلا استراتيجية واضحة لواشنطن، ولا تغيّر في موقف دمشق من الإدارة الذاتية ولا سلام يلوح في الأفق مع تركيا، ليبقى الهاجس المسيطر في هذه الجغرافية. الاستعداد للمعارك المؤجلة.[1]