#ياسر المندلاوي#
عن علاقة الأكراد بالدين الإسلامي يذكر(محمد أمين زكي) في كتابه (تأريخ السليمانية) ما يلي: (يفهم مما أورده إبن الفقيه إن الشعب العربي إستطاع قبل إنبلاج النور الإسلامي، وعلى عهد الحكومة الساسانية أن يدخل (شهرزور)، بيد أن الذي يوثق به هو أنه في عام (21 ه) وفي أيام خلافة (عمر بن الخطاب، رضي الله عنه) حاول (عمر عزرة بن قيس) أن ينهض من (حلوان) لغزو (شهرزور) فيفتحها. لكنه أخفق في هذه المحاولة، وأغلب الظن، إن (عتبة بن فرقد) قد سار إليها في السنة التالية، فتمكن بعد معارك عنيفة من الإستيلاء عليها، ولكن بعد أن مني سكانها بضحايا كثيرة وخسائر جسيمة. أما جيش الصحابة فقد إستشهد الكثيرون منه، سواء أكان في المعركة أو لسع العقارب). ثم يورد الكاتب في هامش الصفحة ذاتها توضيحا لطريقة الإستيلاء على المنطقة بعد هذه المعارك ويؤكد إنها كانت (صلحا لا عنوة). وفي الصفحة التالية يضيف قائلا: (وكانت هذه المنطقة لبعدها عن مركز الخلافة بعدا شاسعا، كثيرا ما يثور سكانها، وتقع فيها القلاقل والإضطرابات، من ذلك ثورات الخوارج، وأمثالها) . وبناء على ذلك نستطيع القول إن سيطرة الدولة الإسلامية على المناطق الكردية كانت شكلية في معظم الأحيان، إذ كانت هذه المناطق تدار من قبل الزعماء الأكراد أنفسهم وتخضع لنفوذهم المباشر. وقد وجد ذلك تعبيره في قيام العديد من الدول والإمارات الكردية في العهد الإسلامي بلغ مجموعها( خمس وثلاثين إمارة وشبه إمارة، قام معظم هذه الحكومات والإمارات في أنحاء كردستان نفسها وقليل منها ظهر في خارجها من البلاد المجاورة التي نقل إليها الكرد أو إنتقلوا بأنفسهم في مناسبات أليمة مختلفة، كشرقي إيران وجبل لبنان وبلوجستان وفارس). وكان لضعف سيطرة الدولة الإسلامية أثارا واضحة في طبيعة تمثل الأكراد للديانة الجديدة التي تحولوا إليها من الديانة (الزرادشتية) دون المرور بالمسيحية، إلى درجة يمكن القول معها إن هذا التحول في الديانة لم يك عميقا، إذ جرى الإبقاء على العديد من المعتقدات السابقة التي في مجملها إنعكاس للبيئة الجغرافية المتنوعة حيث (جعلتهم أكثر ميلا للإعتقاد بالأشياء الملموسة منهم إلى الإيمان بالرموز المجردة). وهذا الميل كان سببا في وصف بعض الكتاب للكردي بأنه يقف بين المسلم والكافر، وربما نجد في هذا الميل أيضا السبب في نزوع الأكراد إلى تطوير المعتقدات الإسلامية، عدا عن نزوع مجموعات عديدة منهم إلى الإنحراف عن الإسلام كالعلي اللهية والشاباك والكاكائية واليزيدية. وهذه الديانات والمذاهب ( تحاول أن تترجم الرموز الدينية المجردة إلى معان واقعية ملموسة). كما ويفسر ميل الأكراد للإعتقاد بالأشياء الملموسة ( إيمانهم الشديد بالأولياء والشخصيات الدينية). وعلى ضوء هذه الحقائق يمكننا التأكيد على الرأي الذي طالما إجتمع عليه الرحالة والكتاب الذين عايشوا الأكراد. وهو قوة تأثير رجال الدين فيهم إلى جانب النزعة التسامحية التي يتصفون بها إزاء الأديان الأخرى. (وهم بذلك يمثلون تلك الجماعات البشرية التي لا يسوقها إيمانها الديني إلى التعصب). وهكذا فإن فاعلية العوامل الدينية في التأثير على الحركات الكردية، سلبا وإيجابا، لم تكن بمعزل عن هذه الآلية التي تربط الأكراد بالدين الإسلامي والتي إنعكست في ظاهرة الهيمنة المباشرة للقيادات الدينية على الحركات الكردية. ومن الطبيعي القول بأن تلك الهيمنة ما كانت لتتحقق لو إعتمد الشيوخ على النفوذ الديني دون توظيف قوة الولاءات العشائرية والقبلية في المجتمع الكردي. وبموازاة هذه الظاهرة يمكن الجزم أيضا بأن غياب الحركات ذات الطابع الديني الصرف، وعدم تبلور التيارات السياسية الدينية في كردستان، على الرغم من تلك الهيمنة للقيادة الدينية، يعكس بنفس القوة ذات الآلية التي تربط الأكراد بالدين الإسلامي...يتبع.[1]