#شه مال عادل سليم#
المشهد الاخير ..
لم ترى او تسمع شيئا ..
ومرت الايام .
في احد الايام استدعاني ضابط الامن وقال لي:- سوف نطلق سراحك واعتذر عن التقصير , كنت ضيفا خفيفا , المسالة كانت اشتباه .. .... اعتذر منك وعليك ان توقع على تعهد بعدم الحديث عن كل ما جرى لك .... هددني وقال بحرف واحد ( انك لم تر او تسمع شيئا .... الويل لك اذا تحثت عن اوضاع السجن او ما يجرى فيه) ....
طلب مني ان اعطيه اسم احد الاشخاص من عائلتي للكفالة .... وفعلا وبعد عدد ساعات حضر عمي و اطلق سراحي من المسلخ الرهيب بعد تقديم كفالة مصدقة وتعهد خطي مني بعدم الحديث عن كل ما جرى لي في مسلخ امن صداّمي ..
اكتفي بهذا القدر من توثيق هذه الشهادة من فيلم تراجيدي طويل ابطاله روبوتات صدامية وضحاياهم الذين لا حول لهم ولا قوة في مسالخهم الرهيبة ..
لواذكر كل التفاصيل السجن و المعاناة و الظلم الذي وقع عليّ وعلى الذين كانوا معي في مسلخ امن اربيل لخرجت بموسوعات .. اما التعذيب النفسي والذي كان اشد ايلاما بحيث يحفر القلب و العظم , والمه اشد من التعذيب الجسدي , الامر الذي اتركه لقاري هذه السطور ليتصوّره .
في كلا المرتين كنت محجوزا بقرار اللجنة الامنية في اربيل و لم احاكم وتهمتي كانت مشاكس ومن عائلة (مخربة) فقط لا غير ...!!
نعم هكذا اسقبلوني في مسلخ امن اربيل . . ولم تجرمحاكمتي من قبل اية محكمة. لقد بقيت محجوزا ولم ارَ وجه الجلاد، لانهم كانوا يعذبونني وانا معصوب العينين وموثوق اليدين ....كنت اسمع اصواتهم فقط ... وهم يضحكون , يمرحون ,يسخرون ويلفضون كلماتهم البذيئة وهم في حالة سكر وانفلات .
علقوني وضربوني وهددوني بالقتل وربطوا يدي الى الخلف وسحبوا اقسام اسلحتهم بوجهي ليعدموني، وقالوا لي قل ما عندك !! وسالوني عن امنيتي , ما هي وصيتي قبل الاعدام ... وقد صمت ولم اجيبهم بشيئ . . نعم ما زالت اثار ذالك التعذيب البشع محفورة على جسدي وفي ذاكرتي رغم مرور مدة طويلة عليها ..
هل قدمت شكوى خلال سجنك او بعد اطلاق سراحك ** ؟ !!
وعندما شاهدت محاكمة المجرم صدام واعوانه و سمعت اسئلة السيد( نجيب النعيمي) وهو يستفز الشاهد ويهينه باسئلته التي قد يعتبرها البعض ساذجة وانا اعتبرها خادعة ومهينة، لأنه نسى او تناسى ان الضحية كانت في احد مسالخ صدام وليس في سجون الخمس نجوم السويدية .. لقد ايقض النعيمي بدفاعه الأليم عن الطاغية تلك الذكريات المؤلمة واهاجها من سباتها الطويل.
نعم، لقد احسست بالاهانة والاستهزاء من قبله بي وبزميلاتي وزملائي الذين استشهدوا تحت التعذيب الوحشي او الذين ما زالوا على قيد الحياة اي( شهداءاً احياء )، واثارت اسئلته لديّ مشاعر الغضب و الاشمئزاز، وارى في حقيقتها مظهراً صارخاً من مظاهر الاستهتار بالضحايا وبذوي الشهداء و بالقانون وبالقضاء العراقي الجديد .
لذلك قررت ان لااسكت وان ادون هذه الشهادة المتواضعة ضد الذين كانوا يجدون لذة في التعذيب و في تقتيل الابرياء في دولة القرقوش صدام .... لقد استفزني السيد النعيمي و زميله الاردني عندما سالوا المشتكي في كل جلسات المحاكمة :- هل قدمت شكوى خلال سجنك او بعد اطلاق سراحك ؟!!
نعم يا استاذ نعيمي انا سجين سياسي , كنت في احد مسالخ صدام و نجوت باعجوبة ولم ارى بحياتي وجه الجلاد الذي كان يعذبني , لماذا ؟ اسألهم وهم ادرى بذالك .. لم اكن اعرف متى كان ياتي النهار ولا كيف كان الليل ينقضي ...
لا تقل لي صفْ الزنزانة ولا غرف التعذيب، لانني لم ارى شيئاً غير الظلام , كنت معصوب العينين حتى وانا داخل الزنزانة , كيف ؟ اسئلهم وهم ادرى بذلك ... اترك المشاهد الاخرى من هذه الشهادة اليك , تصورها كما تشاء !! , اقول لك وبكل صراحة لم اعترض ولم اشتكي ولم اقدم دعوى قضائية , اتعرف لماذا ؟ لانني كنت سجينا في احد مسالخ صدام !! لانهم هددوني بقتلي وقتل عائلتي لو نطقت بكلمة عمّا كان يدور في السجن او ان كشفت شيئاً عن اوضاع المسالخ وما كان يجرى فيها من تعذيب و تجويع ومسخ لكرامة الانسان , كيف لي ان اقدم شكوى ؟ وضد من ؟ والى من ؟!! هل الى الذي بناها وصاغ نظامها الوحشي ورصد لها المليارات من العملات الصعبة ؟!
ان كنت تدري يا استاذ نعيمي فتلك مصيبة وان كنتَ لاتدري فالمصيبة اعظم !! فان كنت لاتدري اخبّرك . . قبل ان يطلقوا سراحي قالوا لي بحرف الواحد ((( انت لم ترى , لم تسمع شيئاً . . لذلك يجب ان لا تتكلم والا الكاتم في انتظارك !! ))).... صدق ام لا تصدق هكذا كانت مسالخ و سجون صدام ..... اعرف جيدا سوف تقول لي شهادتك باطلة لانك كنت قاصرا وقتذاك . قل ما تشاء واطعن في الشهادات , نحن شهود عيان ونبقى نسرد قصصنا الحقيقية , التراجيدية . . شئت ام ابيت حتى لا تتكرر الماساة في بلادنا مرة اخرى.
ان (( منظمة السجناء الاحرار)) *** ستبقى تناضل من اجل رفع الحيف الذي لحق بسجناء الراي ومن اجل ارجاع الحقوق المسلوبة الى اصحابها، وان لديها الوثائق الكافية عن الجرائم التي ارتكبت بحق اناس ابرياء استشهدوا تحت التعذيب ..... نعم فنحن لا زلنا نتذكر تلك الايام العصيبة التي كنا نتمنى فيها الموت في كل لحظة لنرتاح الى الابد ... نحن ضحايا التعذيب نعرف ماذا يعني التعذيب الجسدي و النفسي وماذا يعني جلاد , اغلال , سجون , ومعتقلات , اقبية مظلمة, ادوات التعذيب ومسالخ امن , استخبارات و مخابرات صدام .
لم يتركوني حتى بعد اطلاق سراحي , حيث استمرت الاجرات البوليسبية بحقيّ. لم اتحمل التحقيقات المستمرة ومراقبة رجال الامن لي, كانت الاجهزة الامنية في اربيل قد امرت عملاءها من النساء و الرجال بمراقبة منزلنا و جمع المعلومات عن تحركي و تحرك افراد عائلتي , اما المداهمات و التفتيش لمنزلنا فكانت مستمرة ....... كانوا يداهمون منزلنا بمرافقة المختار المحلة ا و بدونه وكنا نتعرض للمسائلة والاستفزاز ... وفي احد الايام لم نفتح ( لزوار الفجروخفافيش الليل) الباب الخارجي , كسروا الباب و اقتحموا البيت بطريقة ارهابية سافرة .....
التفتيش كان عبارة عن عملية اقتحام مسلح لا اكثر ولا اقل ولاسباب تافهة , كانوا يستدعون كل افراد عائلتي امام ضابط الامن للمسائلة.... كانوا يدققون اسماء الاشخاص الموجودة في المنزل , اسئلة استفزازية , معرفة سبب زيارة الضيف ان وجد و تدقيق في هويتهم وكانوا يتعرضون ايضا للمسائلة و عن سبب زيارتهم لنا , كانوا يتجولون باسلحتهم ويفتشون الغرف ويستعرضون قوتهم وقسوتهم امامنا..... لقد حجزوا بيتنا و كسروا الابواب و الزجاج النوافذ و كتبوا على الحيطان ( دار محجوز , دار الخونة ) وسرقوا كل ما نملكه من الاشياء و خاصا مكتبة الوالد و كتبه الثمينة ..........
كنت مشبوها بنظرهم لانني سجين سياسي ومن عائلة معروفة بنضالها ضد النظام البعثي , لذا بقيت فترة قصيرة بعد اطلاق سراحي في مدينتي اربيل , وفي احد الايام ابلغني مختار المحلة ان اراجع دائرة امن اربيل للاجابة على بعض الاسئلة , فتلاشت مخاوفي و ترسخت ثقتي في ان الامر لا يعدو ان يكون بعض الاستفسارات الروتينية لذالك قررت ان التحقت بصفوف الانصار ( اﻠﭙﻴﺸﻤﻪرﮔﻪ ) وبقيت هناك اشاركهم الحياة الصعبة والنضال ضد الدكتاتورية الى ان اصبحت شاهدا على جريمةالعصر(الانفال) ****
التي رايت فيها ما لا تصدقه العين و لا العقل ولكن هذه المرة لم اكن معصوب العينين...... لذا رايت كيف كانوا يحرقون القرى , ويفجرون اعين الماء ويقتلون الابرياء في عملية الانفال الاكثر من سيئة الصيت والتي استخدم فيها السلاح الكيمياوي المحرم دوليا .... نعم كتب عليّ ان اكون شاهدا على تلك الجرائم البشعة التي ارتكبت بحق شعبنا الكوردي .
ولا انسى تصريح المجرم طارق عزيز الذي قال (نعم .... قصفناهم بالكيمياوي و لو كان لدينا سلاح اقوى لقصفناهم به ) ويقصد قصف( حلبجة الشهيدة) ***** في 16 / 3 / 1988 مما ادى الى استشهاد 5000 مواطن خلال الدقائق العشر الاولى مع اكثر من 10000 مصاب تشوهت وحرقت اجسادهم بالسموم الكيمياوية ( غاز الخردل وغازالاعصاب) وقصفت بشكل مكثف بقنابل( النابالم و العنقودي) المحرمة دوليا .
ختاما اقول لكل من دافع ويدافع عن صدام وحزبه الفاشي ... بانهم شركاء لهذا النظام مع كل ما اقدم عليه واقترفه من الجرائم البشعة بحق الشعب العراقي , والادانة الاهم هي للنخب المثقفة التي باعت ضمائرها مقابل كوبونات النفط و دولارات سرقت من الشعب العراقي .....
ان المقابر الجماعية , و دهاليز ومسالخ الامن والمخابرات , بمقاصلها وحبال اعدامها وكل ادوات التعذيب فيها تبقى وصمة عار في جبين صدام ومن يطبلون ويزمرون له من العرب وغير العرب ....... اسالكم ....
الا تخجلكم هذه المقابر الجماعية؟ الاتخجلكم شهادات المعتقلين واهالي الضحايا ؟ هل تستحق كل ثروات الارض ان يبيع الانسان ضميرة ويشارك الجلاد جريمته ويطبل للدكتاتور صدام المتوحش ؟ من مزقكم وشتت شملكم ؟ من جلب لنا الويلات و المصائب والتفرقة بكافة انواعها ؟ لم يسجل التاريخ ان حاكما تلذذ في تشريد شعبه وقتله وفنائه مثلما فعل صدام , وان من لم تاخذه الرحمة بافراد بيته فلا يؤمل منه خيرا بالنسبة للاخرين ..... لكن الغريب ان تنطلق اليوم وبعد كشف كل هذه الجرائم اصوات عربية و غير عربية تناصر المجرم صدام وتطالب بالافراج عنه ... يقول صالح العرموطي , نقيب المحامين الاردنيين انه سينضم الى فريق الدفاع عن صدام ..... !!
لااعرف هل انتم مخدوعون ام ماجورون؟ لذا اقول لكم :- فعلا .. ان كنت لا تستحي فافعل ما شئت !!!
انتهى
* مسلخ امن اربيل ..... احدى مسالخ امن صداّمي .......كانت بناية سجن الامن هذه واحدة من اكبر مراكز ترويع وتعذيب ابناء اربيل قبل انتفاضة اذار 1991 المجيدة , و كانت تستخدم اضافة الى ذالك , مركزا لتنفيذ الاعدامات الكيفية بحق المواطنين الابرياء , اثناء التحقيق معهم او لمجرد الاشتباه فيهم ....
** السيد نجيب النعيمي .... يستفز الشاهد ويهينه باسئلته المهينة, ولا اعرف هل نسى او تناسى ان الضخية كانت في احد مسالخ صدام !!
*** منظمة السجناء الاحرار .. منظمة مستقلة , اعضائها من السجناء الراي وتناضل من اجل رفع الحيف الذي لحق بسجناء الراي ومن اجل ارجاع الحقوق المسلوبة الى اصحابها ورد الاعتبار للضحايا السجون ومسالخ صدام وشلته القذرة ..
تستند الجمعية على ارشيف النظام البعث المنهار الذي استعيد بواسطة دوريات غداه سقوط الصنم في عموم مسالخ العراق ....
**** الانفال .... الاسم الذي اطلق على عمليات ابادة تعرض لها الشعب الكوردي عامي 1987 , 1988 , والتي راح ضحيتها اكثر من 182 الف مواطن كوردستاني وتم فيها حرق وهدم اكثر من 5000 فرية , وكان على حسن مجيد الملقب ب على الكيمياوي له دور مشهود في تلك العملية الاجرامية والذي كان حاكما عسكريا ومشرفا على كوردستان ... الانفال تعد احدى اكبر جرائم القتل الجماعي في القرن العشرين ........
جدير ذكره ان جريمة الانفال , لم تقتصر على الهجمات العسكرية وضرب المناطق و القرى الكوردستانية بالاسلحة المحرمة دوليا ( القنابل العنقودية , النابالم , غاز الخردل , غازالاعصاب ( سارين ) و الخ ...) عبر ثماني هجمات او مراحل فحسب , بل كانت سياسة ذات جوانب متعددة بدات بهدم واحراق القرى وانفلة سكانها وتلتها عمليات تصنيف المؤنفلين وسوق النساء والاطفال و الشيوخ الى السجون والمعتقلات في جنوبي العراق, على سبيل المثال سجن نقرة السلمان اكثر من سيئة الصيت ( راجع سجن نفرة السلمان في مذكرات شهود عيان , شهادات الناجين من المذابح واقوال عوائل الضحايا , شه مال عادل سليم )...
اما الذكور ممن تتراوح اعمارهم بين اربعة عشرة وخمسين سنة تم دفنهم في قبور جماعية قتلوا بالرصاص في رؤوسهم واعينهم معصوبة وايديهم موثوقة الى الخلف او دفنوا احياء في مقابر الجماعية بطول البلد وعرضه ....
هنا اريد الاشارة الى مقابر جماعية تقع قرب مركز ناحية( بصية )التابعة لمحافظة ذي قار , والتي دفن فيها 13 الف كوردي اعزل وهم احياء ....... و الحفرة الاخرى ( للبارزانيين ) الذين اخطتفوا ما بين ( 31- 7 الى 10- 8 -1983 ) في مجمعات ( بحركه , قوشتهﭙﻪ , ديانا , هه رير ) وبلغ عددهم ( 8 ) الاف مواطن ( من الذكور فقط.)....ومقابر جماعية اخرى على طريق بين النجف و السماوة وبالتحديد في منطقة (الشنافية) والتي ضمت 40 الف كوردي اعزل.....
بدات العمليات الانفال في شباط 1988 بمنطقة( وادي جافايه تي) وانتهت في ايلول العام نفسه بمنطقة (بهدينان) على الحدود العراقية التوركية وكنت من احد الشواهد على هذه الجريمة البشعة بحق الانسانية .....
***** حلبجة مدينة كوردية جميلة .... تبعد حوالي 15 كم عن الحدود مع ايران و 78 كم عن مدينة السليمانية ,قبل الضربة الماساوية كان عدد نفوسها اكثر من 70000 نسمة , تقع المدينة في سهل شهرزور وسط بساتين الفواكه من الاجاص , التين , الرمان والعنب ....تسمى ايضا عروسة شهرزور لجمالها وخصوبة ارضها...[1]