=KTML_Bold=في ذكرى عيد الشهداء.. ذهنية الإجرام العثمانية متأصلة لدى العثمانيين الجدد=KTML_End=
يحيي السوريون واللبنانيون في السادس من أيار كل عام، ذكرى استشهاد أكثر من 20 مثقفاً عربياً على يد العثمانيين؛ لأنهم ثاروا على ممارساتهم الإجرامية لكن هذه المجازر والإعدامات لم تقف أمام ثورة الأهالي، وهذا ما يجب أن يكون دافعاً ومشجعاً لشعوب المنطقة الثائرة ضد جرائم العثمانيين الجدد.
تعد الدولة العثمانية من أكثر الدول التي ارتكبت مجازر بحق شعوب المنطقة من العرب والكرد والسريان والأرمن..، وعلى الرغم من مرور أعوام كثيرة إلا أن هذه المجازر لا تزال مستمرة على يد العثمانيين الجدد المتمثل بحزب العدالة والتنمية وحلفائه في تركيا.
ووقعت بلاد الشام تحت الاحتلال العثماني منذ عام 1516 حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918، ومع وصول القوميين الأتراك وعلى رأسهم حزب الاتحاد والترقي إلى السلطة عام 1908، عملوا على فرض القومية واللغة التركية على كل القوميات الأخرى التي تعيش تحت الاحتلال العثماني، مرتكبين أبشع المجازر بحق كل من يعارضهم.
وبعد 1914 وعقب تعيين وزير البحرية جمال باشا قائدًا عامًّا للقوات التركية في بلاد الشام، شدد قبضته على بلاد الشام وفرض الضرائب والتجنيد الإجباري واللغة التركية، وازداد الأمر سوءاً بعد امتناع الدولة العثمانية عن تنفيذ القرارات الصادرة عن مؤتمر باريس عام 1913 والتي كانت تقتضي مشاركة العرب في الحكم، وتمتعهم بالحكم الذاتي ضمن الدولة العثمانية آنذاك، واستمرارها بسياساتها الشوفينية القائمة على فرض السيطرة ونهب الثروات، إلى جانب سياسات التتريك للتراث اللغوي والحضاري في البلاد التي كانت تحتلها وعلى وجه الخصوص في بلاد الشام (سوريا ولبنان) والعراق، الأمر الذي أدى إلى اشتعال جذور الثورة وخاصة بين فئات المثقفين والسياسيين والشيوخ الذين طالبوا بخروج المحتل العثماني.
وبهدف ترهيب هؤلاء زادت الانتهاكات والجرائم بحق الأهالي فاندلعت الثورة بقيادة المثقفين والسياسيين المعارضين للحكم العثماني ونظموا حملات تطالب فيها بالالتحاق بالثورة العربية الكبرى التي انطلقت من الحجاز لإسقاط حكم العثمانيين.
وعلى إثر ذلك أصدر جمال باشا أحكاماً بالإعدام على عدد من المثقفين والوطنيين من دمشق وبيروت في محكمة صورية في جبل لبنان، ونفذت السلطات العثمانية هذه الأحكام على دفعتين، الأولى في 21 آب 1915، والثانية في 6 أيار 1916 الذي أعدم فيه عدد أكبر، في كل من ساحة البرج في بيروت، التي سميت فيما بعد بساحة الشهداء، وفي ساحة المرجة في دمشق.
ثم قُتل جمال باشا السفاح في مدينة تبليسي عام 1922م على يد أرمني يدعى اسطفان زاغكيان، انتقامًا لما ارتكبه العثمانيون من مجازر بحق الأرمن عام 1915، ضمن حركة واسعة عرفت بعملية نيمسيس أي العقاب طالت جميع المسؤولين عن تلك الإبادة التي راح ضحيتها أكثر من مليون ونصف مليون أرمني.
ذهنية الإبادة متواصلة
ومع وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا تحدث رجب طيب أردوغان ومسؤولي هذا الحزب بشكل صريح عن ما أسموه إعادة أمجاد الدولة العثمانية وبأنهم العثمانيون الجدد، حيث عملوا على نفس الذهنية القائمة على التوسع والاستعمار وقتل كل من يحاول إيقاف مشاريعهم في المنطقة.
وفي سوريا ومع انطلاق الأزمة السورية احتلت تركيا مناطق سورية عديدة اعتبارًا من آب 2016 حيث احتلت مدن جرابلس والباب وإعزاز ثم أكملت ذلك في20 كانون الثاني 2018 حيث شنت دولة الاحتلال التركي هجمات على عفرين استمرت إلى 18 آذار/مارس من العام ذاته حتى احتلال المدينة، وخلال فترة شهرين فقط ارتكبت تركيا 12 مجزرة بحق سكان عفرين، ولا تزال عمليات القتل والتغيير الديمغرافي مستمرة هناك حتى اليوم.
واستمر الاحتلال التركي في نهجه بقتل المدنيين، خلال هجومه على مدينتي سري كانيه وكري سبي/ تل أبيض، في شهر تشرين الأول 2019.
سيناريو مشابه لإعدام المثقفين في شمال وشرق سوريا
وفي أسلوب مشابه لإعدام الدولة العثمانية للمثقفين والمعارضين لها، تقوم دولة الاحتلال التركي باستهداف متواصل للمدنيين بالإضافة إلى استهداف ممثلي شعوب المنطقة وقيادات عسكرية وسياسية ومدنية ساهمت في تحقيق الاستقرار في شمال وشرق سورية وذلك بهدف ترهيب شعوب المنطقة ودفعهم للاستسلام.
ولعل أكثر المجازر دموية خلال هجمات الاحتلال التركي على مدينة سري كانيه، استهداف موكب المدنيين يوم 13 تشرين الأول 2019 بقصف مباشر، ما أدى إلى سقوط 13 مدنيًّا بينهم صحفيون، وإصابة أكثر من 70 آخرين.
وكذلك المجزرة التي ارتكبها مرتزقة تركيا بحق الأمينة العامة لحزب سوريا المستقبل هفرين خلف في 12 تشرين الأول 2019 على الطريق الدولي M4 بين تل تمر وعين عيسى.
ولا تزال تركيا تستهدف مناطق شمال وشرق سوريا بالطيران المسير والقذائف المدفعية والصاروخية وتهدد باحتلال مناطق سورية جديدة، وأسفرت الهجمات الاحتلالية على شمال وشرق سوريا خلال عام 2022 وحده، عن استشهاد 119 مواطناً، بينهم 15 طفلاً و58 مقاتلاً، وإصابة 292 شخصاً، بينهم 48 طفلاً و23 مقاتلاً، بالإضافة إلى فقدان 59 عنصراً من قوات حكومة دمشق لحياتهم وإصابة 91 عنصراً.
كما استُهدفت 29 مدرسة، و4 مراكز صحيّة و10 مساجد ومعابد دينية والعشرات من محطات النفط والكهرباء والغاز وشبكات الاتصال والمرافق الخدميّة. فيما استُخدمت الأسلحة المحظورة مرّتين.
لا فوارق جوهرية
رئيس حزب سوريا أولاً، سلمان شبيب، تحدث حول ذلك، قائلاً: الحقيقة في الجوهر لاتزال السياسة العثمانية الاستعمارية الاستيطانية، سياسة قمع الشعوب واضطهادها ومصادرة حقوقها هي نفسها مع بعض التعديلات الشكلية وخاصة في عهد حزب العدالة والتنمية الذي اعتبر نفسه الوريث الشرعي للحقبة العثمانية وإنه امتداد طبيعي لها وأعلن بالتنظر او بالسردية التاريخية التي تبناها وحتى بكل ممارساته على الأرض سواء ضد الشعوب التي تعيش ضمن حدود تركيا الحالية أو شعوب دول الجوار التي تتعرض مباشرة للأطماع والعدوانية التركية إنه يريد إعادة مسيرة التاريخ والحياة إلى الوراء ويطمح لإعادة إحياء العثمانية بكل تاريخها الأسود.
وأشار شبيب إلى أنه لا يمكن إيجاد فوارق جوهرية بين الذهنية التي كانت تدير الحقبة العثمانية وذهنية الحقبة الحالية ذهنية اعتبار كل الشعوب هي ملحقات واتباع لخدمة السلطنة وأطماعها وفي سبيل تحقيق هذه الأطماع كل الممارسات مباحة وحتى أكثرها وحشية ولا مكان عندها لحقوق شعوب أو أفراد أو سيادة دول واستقلالها فحدود أطماعها تحددها ما تملك من قوة غاشمة وجبروت غير إنساني وغير أخلاقي.
وأوضح أن الأهداف التي تعلنها حكومة أردوغان هي إعادة احياء الإمبراطورية العثمانية على حساب شعوب ودول الجوار وخاصة سوريا والعراق واحتلال مناطق واسعة من الأرض السورية تضم مئات المدن والبلدات والقيام بفرض عملية تتريك ممنهجة لها وخاصة عمليات التغيير الديمغرافي كلها تعيد التاريخ العثماني القديم مع استخدام وسائل وإمكانيات جديدة.
جرائم لا تسقط بالتقادم
وبدوره أعرب الكاتب والمحلل السياسي المصري، إبراهيم شعبان عن حزنه الشديد لتذكر ذكرى إعدامات المثقفين على يد سفاحين الدولة العثمانية 6 أيار /مايو، والشهير بيوم الشهداء كل عام. قائلاً: إنها مناسبة حزينة لكن لها دلالات كثيرة.
وأوضح الدولة العثمانية التي سطت على قلب المنطقة العربية عدة قرون، كانت غاية في الجهل والتخلف والظلم وللأسف فحتى اللحظة لم يتم تأريخ هذه الفظاعات في إمبراطورية الظلام العثمانية التركية كما ينبغي.
وأشار إبراهيم شعبان إلى أن ذكرى يوم الشهداء يظل يوما حياً في وجدان المثقفين العرب ليس فقط لأنه اليوم، الذي سالت فيه دماء عدد من كبار المثقفين العرب على يد سفاح العثمانيين، الجزار جمال باشا، ولكن لتذكر هذه السياسات والجرائم الكريهة التي لا تسقط بالتقادم، ولابد من إحياءها على أوسع نطاق والمطالبة بتعويضات لذوي الشهداء وأسرهم وأحفادهم الموجودون الآن، كما فعلت العديد من الدول المستعمرة في الغرب أمثال فرنسا وإيطاليا وبلجيكا في ممارساتها الاستعمارية في قلب إفريقيا.
وتوقف شعبان أمام يوم 6 أيار/مايو 1916، والذي شهدت فيه كل من دمشق وبيروت، إعدام الأتراك 7 من كبار المثقفين والقوميين العرب، كان من ضمنهم الأمير عمر الجزائري حفيد الأمير عبد القادر الجزائري، والكاتب رشدي الشمعة، والشاعر والأديب شفيق بك مؤيد العظم، والشاعر رفيق رزق سلوم، والمفكر والصحافي عبد الحميد الزهراوي. وإعدام 14 فرداً من النخبة المثقفة، في بيروت حيث تضمنت القائمة كل من الكاتب والصحافي عبد الغني العريسي، والمفكر سليم الجزائري، والمؤلف والشاعر عمر حمد، والشاعر والصحافي جورج حداد وغيرهم.
وتابع: أن القائمة تضم عدداً كبيراً من كبار المثقفين العرب، ما بين 1915-1917 وهي السياسة التي نفذها جزار الدولة العثمانية جمال باشا بصلف وعدوانية شديدة للمدارة على فشل حملته على مصر آنذاك، وهزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى وتفسخ إمبراطوريتهم. حيث ساق هذا السفاح المزيد من كبار المثقفين العرب لحبل المشنقة، وذلك سعياً لإجهاض الحركة القومية العربية، بكل من سوريا ولبنان وإيقاف الانتقادات والمطالبة بخروج العثمانيين.
وأشار إلى أنه وللأسف، تواصل السلطات التركية نفس سياسات الاستعمار والإبادة ضد شعوب المنطقة، وبالخصوص شمالي سوريا والعراق وضد الكرد. فالقتل والتصفية سياسة عثمانية أحياها حزب العدالة والتنمية في تركيا بتصرفات غاشمة، كما أن الأتراك أنفسهم وبقيام دولة أتاتورك، كانوا قد ودعوا هذه السياسات ولكن أردوغان وبالعثمانية الجديدة، التي يحييها ذكّر العالم من جديد بهذه الجرائم.
التصالح مع هذه الذهنية غير مبرر
وعلى الرغم من التاريخ الدموي للاحتلال العثمانية وجرائم تركيا الحالية التي لم تقتصر على السوريين فقط، إنما شملت ليبيا والعراق وأرمينيا حيث ارتكبت تركيا ومرتزقتها جرائم حرب بحق شعوب هذه الدول من خلال تدخلها المباشر في الحرب واستخدام المرتزقة السوريين للتهرب من مسؤولية الجرائم التي ترتكبها باسم هذه المجموعات المرتزقة، إلا أن بعض الأنظمة والسلطات تتجه للتصالح معها.
وفي سوريا وعلى الرغم من العداء الذي دام لسنوات بين الاحتلال التركي وحكومة دمشق وما مارسته تركيا من سياسات سعت من خلالها لإسقاط نظام الحكم في سوريا وحولت البلاد إلى مكان آمن للإرهابيين والمقاتلين الأجانب إلا أن دمشق وتحت ضغط روسي من جهة وللحفاظ على مصالحها الخاصة من جهة أخرى تجري مفاوضات مع تركيا لتطبيع العلاقات بينهم.
كذلك مصر ودول الخليج عملت خلال الأشهر الماضية إلى إطلاق مسار تطبيع للعلاقات مع تركيا التي عملت على تهديد استقرار هذه الدول ودعمت جماعات إرهابية فيها. بالإضافة إلى انه ورغم ما يعانيه العراق من أزمات مائية واقتصادية واحتلال تركيا لمناطق عراقية عديدة إلا أن السلطات دائماً ما تفضل التفاوض والتصالح معها.
السياسي المصري، إبراهيم شعبان، تحدث حول ذلك بالقول: إنه لا يجد بالفعل أي خلاف بين هذه الذهنية التي كانت سائدة وقت العثمانيين واليوم في تركيا، كما أن التصالح مع هذه الذهنية غير مبرر. للأسف الاتراك وخصوصاً في عهد أردوغان لم يبيضوا ساحاتهم ووجوههم، مع الدول العربية وللأسف سياسات الغطرسة لا تزال تتصدر أفعالهم في المنطقة.
وبدوره السياسي السوري، سلمان شبيب، تحدث في سياق مشابه بالقول: في ظل استمرار الحزب الحاكم في تركيا وفي ظل بقاء أردوغان وعصابته مع نفس سياسة ونهج الأطماع والعدوانية لتحقيق مشاريع مجنونة تهدد استقرار المنطقة والأمن الدولي وتشكل خطراً على دول الجوار وشعوبها وحتى على تركيا نفسها من خلال زجها في مغامرات ستشكل في المستقبل تهديداً لحدتها واستقرارها لا أعتقد أنه يمكن التصالح مع هذه العقلية قبل أن تتصالح تركيا مع نفسها ومع واقعها وحدودها وتعترف بحقوق الشعوب داخلها وفي دول الجوار وتحترم حدود هذه الدول وسيادتها.
يجب توحيد النضال
ووجه شبيب رسالة إلى شعوب المنطقة، قائلاً: المطلوب لمواجهة هذه العدوانية والأطماع التركية المتجددة بشكل دائم هو وعي الشعوب وخاصة قواها السياسية والمجتمعية للمخاطر الجدية التي تشكلها هذه الأطماع وهذه السياسات عليها وعلى مستقبلها وتوحيد نضالها ومقاومتها بكل الاشكال المتاحة لإحباط هذه المشاريع التركية العدوانية ويقع على عاتقنا كسوريين مهما كانت مواقعنا مهام وطنية إضافية تتمثل بالعمل على تحرير أرضنا المحتلة وإفشال كل مخططات تتريكها وإلحاقها.
[1]