=KTML_Bold=مجزرة جندريسة أسقطت ورقة التوت الأخيرة=KTML_End=
لزكين إبراهيم
على الرغم من أن الانتهاكات والجرائم لم تتوقف بحق الكرد ومقدساتهم وممتلكاتهم وتراثهم في مدينة عفرين منذ 5 أعوام، إلا أن مجزرة جندريسة تعتبر الشعرة التي قصمت ظهر البعير، والتي أسقطت ورقة التوت الأخيرة وكشفت عن عورة كل المشاركين في احتلال عفرين، وكشفت عن تلك الذهنية العنصرية والحقد الدفين لها حيال الشعب الكردي، ولتعري في نفس الوقت دور الأحزاب الكردية التي تتمسك بتبعيتها للائتلاف السوري الجناح السياسي لكافة المرتزقة الموجودين في عفرين.
يقودنا هذا كله إلى طرح سؤال، كيف عرّت مجزرة عفرين حقيقة كافة تلك الأطراف؟ وللإجابة على هذا السؤال سنضع كافة المشاركين في احتلال عفرين أو الداعمة لهذا الاحتلال أمام مسؤولياتهم في وقوع هذه المجزرة التي وقعت عشية نوروز 2023 بحق 4 مواطنين كرد من عائلة واحدة.
=KTML_Bold=أولا: عفرين باتت أخطر بقعة بالنسبة للكرد!=KTML_End=
مجزرة جندريسة كشفت بشكل واضح أنه يستحيل أن يتعايش الكرد في عفرين تحت مظلة الاحتلال التركي ومرتزقته؛ لأن العلة الرئيسية هو أن كل الذين أدخلتهم تركيا إلى عفرين هم من أشد أعداء الكرد، وممن تشبعوا بالحقد والعنصرية تجاه الكرد على مدى عقود طويلة وغالبيتهم متورطين في ارتكاب مجازر سابقة بحق الكرد، ويمكن تصنيفهم على النحو التالي:
1-منظمة الذئاب الرمادية: وهي منظمة قوموية تركية عنصرية، تُعتبر هذه المنظمة الجناح العسكري السري لحزب الحركة القومية القائم على أساس معاداة القوميات الأخرى كالكرد واليونان والأرمن وباقي المجموعات الدينية كالمسيحيين واليهود، ومعارضة القضية الكردية بشتى الوسائل، وهذه المنظمة مسؤولة عن ارتكاب الكثير من المجازر بحق الكرد.
2-البعثيون السابقون:وهم من أتباع النظام البعثي الذين انشقوا عن النظام وانضموا إلى ما يسمى المعارضة، ولكنهم لازالوا يحتفظون بالذهنية العنصرية تجاه الشعب الكردي الذي زرعه البعث في عقولهم.
3-الدواعش:وهم عناصر وقيادات داعش الذين هربوا حين هزيمتهم أمام قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي ولجأوا إلى المناطق المحتلة من قبل تركيا وانضموا إلى ما يسمى ب الجيش الوطني وهؤلاء يعتبرون الكرد كفاراً وملحدين ويجب قتلهم.
وفي المحصلة فإن القاسم المشترك بين كل تلك الأطراف التي جمعتها تركيا في عفرين تحت رايتها، هو العداء الشديد للكرد، وأن من ارتكبوا مجزرة جندريسة تشبعوا من ذهنية كل تلك الأطراف؛ لذا أقدموا على قتل الكرد بدم بارد دون أي حسابات، وهذا يعني أن عفرين تعتبر اليوم أخطر بقعة بالنسبة للكرد، ولا يمكن حماية الكرد فيها من المجازر بوجود أحد تلك الأطراف في عفرين.
=KTML_Bold=ثانياً: استنجاد المواطنين ب هيئة تحرير الشام يكشف عمق المأساة في عفرين=KTML_End=
إن الحدث الذي تلا المجزرة وكشف بوضوح عن عمق المأساة في عفرين؛ هو استنجاد أهالي ضحايا مجزرة جندريسة بهيئة تحرير الشام المصنفة على لوائح الإرهاب لحمايتهم من ظلم مرتزقة تركيا، الأمر الذي يثير التساؤل، لماذا لم يلجأ المواطنين إلى القواعد التركية في المنطقة أو إلى مراكز قيادة ما يمسى ب الجيش الوطني أو الحكومة السورية المؤقتة لنصرتهم؟.
والجواب الذي لا يقبل اللبس هو أن الكرد في عفرين يدركون جيداً أن كل تلك الجهات لا يختلفون بشيء عن المرتزقة الذين ارتكبوا المجزرة، بل إن الأخير ما كان ليتجرأ على ارتكاب هذه المجزرة لو لم يستمد القوة من تلك الأطراف ويدرك جيداً أنه لا عقاب على قتل الكرد.
ومن هذا المنطلق فإن كل من يدعو إلى محاسبة العناصر أو الفصيل الذي ارتكب المجزرة فمطلبه غير منصف، لأن المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على عاتق تركيا، بالإضافة إلى كل من ساند الاحتلال التركي لعفرين لأن الجميع مشتركين بتلك المجزرة.
فيما كان لافتاً أن زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني حضر مباشرةً والتقى بأهالي الضحايا، ووعدهم بالاقتصاص من القتلة، لتتحرك قواته بالفعل وتسيطر على جندريسة بدون قتال بعد ما فر منها مرتزقة جيش الشرقية دون مقاومة، في مؤشر جديد بأن الجولاني يريد استغلال هذه الحادثة لتوسيع مناطق احتلاله وترسيم معالم ما تسمى ب الإمارة الإسلامية التي يعمل على تأسيسها في شمال غرب سوريا.
لذا فإن من المخاطر التي قد تواجه عفرين بعد هذه الأحداث هو أنه قد تتمدد هيئة تحرير الشام بشكل رسمي وتحتل كامل عفرين وتضمها إلى إمارة إدلب الإسلامية، وبذلك ستعمل هذه المرة وعبر الوسائل الناعمة إلى صهر ما تبقى من الكرد في عفرين عبر فرض ما تسمى ب الشريعة الإسلامية التي تتبعها الهيئة عليهم.
=KTML_Bold=ثالثاً: المجزرة عرّت ما يسمى الائتلاف والمجلس الوطني الكردي=KTML_End=
قد لا نبالغ إن قلنا إن الائتلاف المعارض وكافة الأطراف التي تتحرك تحت مظلته يتحملون مسؤولية تلك المجزرة، وذلك لسببين رئيسيين:
1-لأنه يمثل المظلة السياسية لكافة مرتزقة الجيش الوطني المحتلين لعفرين، والذي ساند ودعم الاحتلال التركي لعفرين، وشرعن الاحتلال، وخدعوا الشعب الكردي الذين بقوا في عفرين وقتلوا على يد المرتزقة.
2-تغطيته وقياداته على جرائم المرتزقة في عفرين، بل والادعاء بأن ما يجري من جرائم هي تجاوزات فردية، بالإضافة إلى دعواتهم لأهالي عفرين عن طريق قيادات فيما يسمى ب المجلس الوطني الكردي بالعودة إليها مدعين أن الوضع فيها آمن على الكرد.
وفي المقابل وبعد مرور أكثر من عقد على شراكة ما يسمى المجلس الوطني الكردي، لما تسمى المعارضة السورية، تحت ذريعة أن الائتلاف كيان معترف به شرعياً عربياً وغربياً وحجتهم أنهم باقون ضمن الائتلاف لنيل حقوق الكرد بطرق سياسية وشرعية، تلك الحجة لم تعد مقنعة في الوقت الراهن، لأن تركيا الداعم الرئيسي لهذا الائتلاف عاد لتطبيع العلاقات مع دمشق وتخلى عن فكرة إسقاط النظام وتغيير الحكم في سوريا وإيصال مرتزقته إلى السلطة؟ كما أنه لم يعد هناك شرعية لما تسمى المعارضة والائتلاف لدى الدول العربية التي بدأت هي الأخرى بالانفتاح على دمشق، وبدأت بإعادة العلاقات الدبلوماسية تمهيدا لإعادة دمشق لمقعدها في الجامعة العربية.
إذا ما المغزى من استمرار تمسك ENKS بهذا الائتلاف؟ وأي حقوق للكرد يرتجى من ائتلاف فاقد للإرادة والشرعية ولم يعد يضمن حتى بقاءه!
=KTML_Bold=رابعاً: المجزرة دقت المسمار الأخير في نعش الثورة السورية=KTML_End=
على الرغم من أن الحديث عن الثورة السورية بات مجازياً منذ عدة أعوام ولا يختلف أحد على فشل الثورة منذ هيمنة تركيا على قرارها، إلا أن مجزرة جندريسة أعلنت عن مقتل الثورة أخلاقياً وفكرياً وعملياً، لأنه لم يتبق من حقيقة الثورة ومبادئها التي خرجت مطالبة بالحرية والمساواة شيء، وعلى الرغم من أن احتلال عفرين وإسقاط تمثال الرمز الأسطوري الكردي كاوا الحداد في آذار 2018، كان التعبير الصريح عن تلك الذهنية التي باتت تقود ما تسمى الثورة، والتي بات هدفها الأساسي استهداف الكرد كشعب وليس كأحزاب وتوجهات وانتماءات، باعتبار أن كاوا الحداد؛ هو رمز الحرية والثورة لعموم الكرد وليس لحزب أو قوى كردية معينة، ولكن مع ذلك عملت تركيا وداعميها وحتى الأحزاب الكردية المنضوية تحت راية الائتلاف الجناح السياسي لكافة المرتزقة الموجودين في عفرين تمييع قضية احتلال عفرين وشرعنتها.
إلا أن مجزرة جندريسة كشفت زيف كل تلك الحجج والادعاءات باعتبار أن جريمة القتل وقعت بحق الكرد لأنهم كرد ويحتفلون بعيدهم القومي والوطني.
وما يؤكد السقوط الفكري والأخلاقي للثورة السورية هي إسقاطهم بأنفسهم لكافة رموز الثورة والحرية وتمسكهم بالذهنية العنصرية والسلفية والإرهابية بدلاً منها، فلا يمكننا الاستغراب ممن أسقطوا تمثال كاوا الحداد وهو رمز الحرية للشعب الكردي في عفرين لأنهم أنفسهم من أسقطوا تمثال إبراهيم هنانو؛ رمز الثورة السورية وأحد أبرز قادة الثورة ضد الاستعمار الفرنسي في آذار عام 2015 في مدينة إدلب قبله!
فالعملية الثورية كلها مرتبطة بذهنية الثورة، ولا يمكن التحدث عن الثورة وعملية التغيير والتحول دون القيام بتحويلات وتغييرات كبيرة وجذرية في الفكر والذهنية، ولكن مرتزقة تركيا بكافة تسمياتهم والتي تدعي أنها تحمل لواء الثورة السورية التي انطلقت عام 2011 نراها اليوم لا تملك أي برنامج ثوري من أجل الشعب السوري وابتعدت كثيراً عن المطلب الجماهيري.
وبالتالي كيف لهكذا معارضة أن تتحول إلى قوى ديمقراطية ولا تعترف بغيرها ولا تقبل بوجوده أو تمارس سياسة الإنكار والإبادة ضده؟ كيف لها أن تدعي الثورة والمعارضة ضد الدولة ومؤسساتها الموجودة وتمثل ذهنية الدولة نفسها!؟ إذاً هناك وضع غير سليم في مجال الذهنية والفكر.
=KTML_Bold=الرؤية:=KTML_End=
من خلال ما تقدم يمكننا القول صراحة أن الثورة السورية فشلت وماتت في مهدها، والعلة الأساسية في ذلك هو عدم قدرة الثورة تغيير ذهنيتها وتنظيفها من الأفكار العنصرية والجهادية وعدم اتخاذها الشعب قاعدة أساسية لنضالها الثوري، وعدم قيامها بتغيير جذري في ذهنية المجتمع، لأن أي ثورة أو تغيير حقيقي يجب أن يستهدف قيام مجتمع ديمقراطي سياسي أخلاقي، أي تحقيق قيم المجتمع الطبيعي وفق زمان ومكان الذي تتم فيه هذه التغييرات والتحولات.
والسبب الرئيس في عدم وضوح الرؤية في الانتفاضات الحاصلة في الشرق الأوسط ضمن إطار مرحلة ربيع الشعوب، هي هذه النقطة بالذات أي عدم وجود نضال جدّي وحقيقي بصدد تغيير الذهنية أو خلق ذهنية جديدة ضمن المجتمع؛ لأن الذهنية القديمة لا تبني الجديدة، بل الذهنية الجديدة تبني الجديدة.
هذه المجزرة عرت الجميع، وأكدت أن سياستهم لم تخدم طيلة العقد الماضي سوى سياسات تركية وشرعنة احتلال تركيا ومرتزقتها للمناطق الكردية، وان الائتلاف بعد هذه المجزرة في جندريسة وبعد كل المتغيرات في سياسات تركيا والسياسات العربية والغربية تجاه سوريا يعني أنهم فاقدون للإرادة والشرعية، ولا يملكون حتى إبداء موقف عملي حيال ما يتعرض له السوريون في المناطق التي يصفونها بالمحررة.
هناك سيناريوهات خطيرة محتملة تنتظر عفرين ما بعد مجزرة جندريسة.
السيناريو الأول: قد يزداد الانتهاكات والملاحقات بحق الكرد في عفرين بعد خروجهم في احتجاجات تنديداً بالمجزرة، وبعد رفعهم لبعض الأعلام الكردية، وقد تكون هذه هي حجج جديدة بيد المرتزقة لملاحقة من تبقى من الكرد؛ لذا يجب على كافة الأحزاب والمنظمات والوسائل الإعلامية الكردية زيادة التركيز على متابعة أوضاع عفرين ما بعد هذه المجزرة وفضح أي جرائم جديدة او تحركات انتقامية من قبل المرتزقة بحق الكرد.
السيناريو الثاني: قد تستغل هيئة تحرير الشام هذه الحادثة وتحتل كامل عفرين وإلحاقها ب الإمارة الإسلامية التي يعمل الجولاني على تشكيلها في شمال غرب سوريا.
وعليه يجب على كافة الأطراف الكردية الاتفاق على لائحة مطالب موحدة يتم تقديمها إلى كافة المحافل الدولية ومجلس الأمن، ويكون على مقدمة تلك المطالب إنهاء الاحتلال التركي لعفرين وإخراج كافة المرتزقة، وتحويل عفرين إلى منطقة منزوعة السلاح تحت إشراف أممي وإعادة كافة سكانها المهجّرين إليها.[1]