=KTML_Bold=المرأة في تركيا تحت مقصلة القومية والسلطة=KTML_End=
هيفيدار خالد
تركيا البلد الذي يفتقد للحريات الفردية وحرية التعبير والرأي، يفتقد لحقوق المرأة والأطفال والمكونات والأطياف والثقافات غير التركية، بلد يواجه فيه الفرد عنصرية غير طبيعية إذا لم يكن من العرق التركي، بلد يقبع في سجونه آلاف المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي وآلاف النساء والناشطات في مجال حقوق المرأة والأطفال دون ارتكابهم أي ذنب، بالإضافة إلى رزوح الكثير من الإعلاميين والصحفيين والحقوقيين والمدافعين عن حقوق الإنسان في تلك السجون. تركيا البلد الذي لا بد أن تتعرض فيه لجرائم التمييز العنصري والكراهية والممارسات الفاشية وغير الأخلاقية، لا سيما إذ ما كنتِ امرأة في تركيا فإنكِ ستتعرضين لكل هذه الممارسات والانتهاكات أضعافاً مضاعفة.
جميع فئات المجتمع في تركيا تتعرض لممارسات وانتهاكات ومضايقات، في هذا البلد الذي اتّخذ من شعار، أمة واحدة، لغة واحدة، دين واحد، طائفة واحدة، منهجاً له، حيث إن الكثير من منظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية، المنظمات واللجان الحقوقية والقانونية، والمؤسسات والقنوات الإعلامية، والهيئات والمجموعات الثقافية، والأحزاب السياسية والمنصات والحركات والجمعيات النسوية المدافعة عن نضال المرأة وحقوقها الأساسية في الحياة تواجه صعوبات جمة.
فقد شهدت البلاد في عهد رئيس النظام التركي رجب أردوغان تراجعاً كبيراً وحاداً في حقوق المرأة، وعملت السلطات الحاكمة وبتوجيهات شرعنها أردوغان على تقييد الحريات المدنية للمرأة، إلى جانب تصاعد معدلات العنف ضدها، المرتبط مباشرة بخطاب الحزب الحاكم، حزب العدالة والتنمية وسياساته التعسفية، لتصبح حقوق المرأة في هذا البلد خارج حسابات أردوغان وأعوانه في السلطة.
شكلت ظاهرة العنف الممارس ضد المرأة، في الفترة الأخيرة واحدة من أكثر الظواهر الاجتماعية التي باتت تمثل خطراً كبيراً على المجتمع، وذلك في غياب القوانين التي تحمي المرأة من وباء العنف الذي تتعرض له نتيجة سياسات أردوغان الخاطئة والمجحفة بل والممنهجة بحقها. فانسحاب أردوغان من اتفاقية إسطنبول لمناهضة العنف ضد المرأة قبل سنة من الآن، على الرغم من ردود الفعل الإقليمية والدولية المنددة بقرار الانسحاب من قبل النساء وكافة المنظمات النسوية والحقوقية في البلاد، وعدم تراجعه عن الانسحاب، جعل من حياة المرأة في وضع صعب، فرجب أردوغان ونظامه أقدما على تطبيق وتنفيذ كل ما من شأنه تكريس الذهنية الذكورية والمفاهيم السلطوية التي تقلص من دور المرأة في المجتمع، وبالتالي القضاء على الجهود والمكتسبات التي حققتها عبر سنوات طويلة من النضال والكفاح المتواصل في تركيا ضد السياسات الإقصائية التي مورست بحقها وما زالت تمارس بأبشع أساليبها في وقتنا الراهن.
المرأة في تركيا محرومة من أبسط حقوقها الطبيعية في الحياة، على الرغم من أن النظام التركي وعبر وسائل إعلامه الخاصة يحاول إظهار صورة مغايرة لكل ما تتعرض له المرأة، لتبدو وكأنها تعيش حياة مثالية، لخلق نظرة خيالية بعيدة كلياً عن الواقع الذي تعيشه، بهدف التغطية على المشاكل التي تعاني منها بدلاً من إيجاد الحلول الجذرية لتجاوز هذه المعضلة.
تعاني المرأة في تركيا من الاعتداء الجسدي والاضطهاد والتعنيف الذي يصل إلى حد القتل. المرأة يجب أن تقتل، يجب أن تموت، يجب ألا تفكر، المرأة يجب أن يعتدى عليها، المرأة يجب أن تسجن، يجب ألا تطالب بحقوقها، وعليها أن ترضخ للعادات والقوانين التي تفرض عليها من قبل زوجها أو أشقائها أو والدها أو الأوصياء عليها، ولا تخرج عن طاعة السلطة ولا تتحرك بعيداً عن قوالب ذهنية الدولة المتحكمة بروحها وفكرها وكل شاردة وواردة منها، ليصل الأمر بها هناك أنها لا تستحق الحياة.
النساء المعتقلات في السجون التركية وفي كافة مجالات الحياة المختلفة، يومياً يتعرضن لانتهاكات منافية لحقوق الإنسان، حيث كشفت قبل أيام عضوة لجنة المرأة التابعة لجمعية حقوق الإنسان في أزمير جميلة كايا في تقرير، أن العشرات من المعتقلات يواجهن الانتهاكات عبر أساليب الضغط والتعذيب غير الإنسانية. ومن المفيد هنا التذكير بالحالة الصحية للسياسية الكردية آيسل توغلوك المعتقلة في السجون التركية والتطرق للسياسة التي تمارسها السلطات بحقها، فرغم إصابتها بمرض الزهايمر وفقدان الإدراك، ترفض سلطات النظام التركي إطلاق سراحها حتى الآن، والجميع يعلم أن عدم إطلاق سراحها والإبقاء عليها في السجن ليس أمراً قانونياً ولا عادلاً، بل التزمت سلطات النظام التركي الصمت حيال قضية آيسل توغلوك، والعشرات من الناشطات النسويات اللواتي يعانين من أمراض وما زلن يقبعن في السجون بتهم وحجج واهية حتى الآن.
وأكدت جميلة كايا أن البطالة زادت بين النساء، ممّا عرض المئات منهن للعنف الاقتصادي، وقالت إن النساء اللواتي كن محميات وفق اتفاقية إسطنبول يتعرضن اليوم للملاحقة والمحاكمة، ونوّهت إلى أن أشكال الانتهاكات المرتكبة بحق المرأة متعدِّدة ومختلفة بدءاً بالضرب وصولاً إلى القتل.
من جانبها، أعلنت منصة سنوقف قتل النساء في تقريرها الشهري، أن 24 امرأة قتلن وفقدت 20 أخريات حياتهن بشكل مثير للريبة خلال شهر تموز فقط. وتزداد قائمة الانتهاكات بحق المرأة في كل ثانية دون أي توقف.
نعم المرأة اليوم في تركيا محاصرة من كافة الجهات، مفهوم الدولة القومية والسلطة الذكورية يقمع روحها وفكرها ويجعلها عرضة لشتى أنواع العنف الممارس بحقها. ومع تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد نتيجة سياسات أردوغان الخاطئة ازداد وضعها سوءاً. لذا فهي اليوم بحاجة إلى فكر حر وإرادة حرة من أجل إحداث تغيير جوهري في حياتها وبالتالي في المجتمع بأكمله.
على جميع النساء في تركيا تكثيف جهودهن ونضالهن المشترك والتصدي للسياسات القمعية التي تمارس بحقهن وتعزيز دورهن في كافة مجالات الحياة من خلال تنظيم صفوفهن وتطوير ذواتهن من كافة النواحي، وترسيخ تنظيمهن في الحياة الاجتماعية وتفعيل القوانين التي تحمي المرأة من العنف وتطالب بحقوقها دونما توقّف.[1]