=KTML_Bold=العثمانية الجديدة هي مشروع احتلال وإبادة ضد شعوب الشرق الأوسط=KTML_End=
خليل جمال
للدولة التركية منذ تأسيسها وإلى الآن أجندة علنية وسرية تريد تطبيقها على المنطقة، هذا إضافةً إلى سعيها لتنفيذ سياسات الإبادة بحق الكرد. وأطلقت جماعة وسلطة حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية على هذه الأجندة في عهد سلطة حزب العدالة والتنمية اسم العثمانية الجديدة. ويهدف هذا المشروع إلى إعادة السيطرة على العالم العربي- الإسلامي وبحر إيجه غرب تراقيا وأجزاء من البحر الأبيض المتوسط من جهة قبرص إضافةً لأجزاء من جورجيا والقوقاز. لأنه وبحسب هذا المشروع فمن الطبيعي أن تنفّذ الدولة التركية التي تعدّ نفسها امتداداً للإمبراطورية العثمانية مثل هذا الادعاء. وجعل البحر الأبيض المتوسط بحيرة تركية، والانتشار في أوروبا الوسطى إن كان ممكناً وجعلها جزءاً من هذا المشروع. وباختصار، تعني العثمانية الجديدة مشروع إعادة السيطرة على حدود الإمبراطورية العثمانية.
هل يمكن القيام بهذا بالطرق السلمية والدبلوماسية في ظل الظروف العالمية الحالية؟ أو هل من الطبيعي أن تحافظ الدولة التركية الفاشية على نهج مثل نهج الإبادة هذا؟ فلنتوقف عند هذه الأسئلة قليلاً؟
بعد هزيمة العثمانيين أمام الروس في حرب 93 (الحرب العثمانية- الروسية 1877- 1878)، خرجت العديد من المناطق في كردستان والبلقان عن سيطرتها أولاً في اتفاقية آياستافينوس ثم بعدها في برلين. وتزايدت هذه الخسائر في عهد حروب البلقان. ولهذا عقدت حكومة الترقي مع الإمبراطورية البروسية اتفاقيةً بشرط استعادة هذه المناطق التي فقدت السيطرة عليها. مقابل امتداد الهيمنة البروسية من روسيا إلى الهند. وكانت تطلق على هذا المشروع توسيع الشرق. وعلى هذا الأساس خاض العثمانيون الحرب إلى جانب إلى ألمانيا ضد الحلفاء بشكلٍ طبيعي. فيما اُرتكبت أكبر المجازر بحق الأرمن والسريان في ذلك الوقت. انهزمت الإمبراطورية العثمانية في الحرب. وفي سياق هذا يمكن القول أنّ اتفاقية اتفاقية سايكس- بيكو ومعاهدة سيفر كادتا تسلبان العثمانيين جميع الأراضي التي يسيطرون عليها. وقد رسمت الحدود التركية الحالية باستثناء أنطاكيا (اسكندرون) في المعاهدتين الأخيرتين لوزان والموصل.
ومن خصائص هذه الحدود أنّ فرنسا وبريطانيا تركتا لتركيا أكثر المناطق فقراً بمصادر البترول والغاز. هذا وبقيت العراق تحت السيطرة البريطانية، وسوريا ولبنان تحت السيطرة الفرنسية. وبقي أهم مصدرين للمياه في الشرق الأوسط؛ نهري دجلة والفرات بيد الدولة التركية الفاشية والمحتلة.
وخلال عام 1926 بقيت الموصل- كركوك أو جزء من باشور كردستان الذي يشمله الميثاق الملّي تحت السيطرة البريطانية. وقد بقي جزءاً خاضعاً للميثاق الملّي من سوريا لفرنسا خلال الاتفاقيات التي وقّعتها معها. وشكّل فقدان الموصل وكركوك ضربةً كبيرةً للدولة التركية الفاشية والمحتلّة. حدّت من قوتها بشكلٍ كبير. في ظلّ الظروف التي فرضتها هذه الأزمة السياسية الداخلية وظروف الحرب العالمية الثانية صعّدت الدولة التركية الفاشية من وتيرة ارتكابها للمجازر ضد الكرد. وفي هذا الصدد يُعرف مشروع المقاومة والمجازر، من شيخ سعيد وحتّى ديرسم. أي أن الدولة التركية الفاشية لجأت إلى إبادة الكرد وقمعهم خلال الحرب العالمية الثانية للقضاء على المعارضة الداخلية. وفي عام 1939 أجرت في لواء الاسكندون ذي الغالبية السكانية العربية استفتاءً مزيفاً ضمّت على إثره اللواء إلى حدودها وذلك بعد توقيعها اتفاقيةً مع فرنسا شريطة ألّا تشارك في الحرب إلى جانب الألمان.
وبسبب التخوف من قيام السوفييت بحصار تركيا بعد الحرب، تقرّبت الحكومات التركية من الغرب وانضمّت إلى الناتو. وحولّت هذه المرحلة لفرصة للقضاء على المعارضة اليسارية المحليّة وبعض الأقليات لاسيما تصفية الرومان.
عزّزت الدولة التركية الفاشية منذ معاهدة الموصل ولوزان وحتّى الوقت الحالي، داخل المجتمع والسلطة على السواء، الذهنية الفاشية التي تقوم على أساس حلم استعادة الأراضي التي فقدتها.
مع حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية أصبحت هذه الذهنية نسخةً جديدةً عن الذهنية التركية الإسلامية للاتحاد والترقي وذلك رغم تسميتها بالعثمانية الجديدة. وكما كان الحال في ظلّ الحرب العالمية الأولى، صعّد أنصار الاتحاد والترقي الجدد من هجماتهم ضد المعارضة الديمقراطية للحد الذي وصل إلى مستوى الإبادة. كانت هذه القوة تتمثّل بالمثقفين الأرمن والسريان، الذين كانوا روّاد التنوير خلال الحرب العالمية الأولى، ومنظماتهم الديمقراطية.
تولّى الكرد الأبوجيون وحزب العمال الكردستاني لعب هذا الدور في الحرب العالمية الثالثة. إنّ حركة التحرر الكردستانية التي كان من المفترض أن يتم القضاء عليها في عهد سلطة حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية هي أكبر عقبةٍ تقف بوجه انتشار مشروع العثمانية الجديدة. لأنّه وفي ظلّ السلطة الحالية فإن الكرد وحركة التحرر الكردستانية كانا الفاعلين الأساسيان اللذين وقفا بوجه الاستيلاء على المنطقة والعقبة التي تقف بوجه حدود الميثاق الملّي. لن تتمكن هذه الذهنية الظالمة من تحقيق أحلامها بوجود الكرد وحركة التحرر الكردستانية. لذا كان ينبغي القضاء على حزب العمال الكردستاني ثم المعارضة الديمقراطية بأسرها.
بالتمعّن في هذا، نلاحظ تزايد الهجمات ضد القوى الديمقراطية في تركيا بالتزامن مع تزايدها ضد حزب العمال الكردستاني أو الكرد الآبوجيين. ومجزرتي برسوس ومحطة أنقرة تشيران إلى هذا. قيام الزعيم الفاشي أردوغان بتهديد الفنانة الديمقراطية سيزين آكسو بالتزامن مع هجوم داعش على سجن الصناعة في الحسكة، والحكم بأشد العقوبات في قضية حديقة كازي بالتزامن مع انطلاق الهجوم على غاري ليستا من قبيل المصادفة. وشهد عهد عبد الحميد وضعاً مماثلاً. إذ أسسوا الألوية الحميدية بعد القضاء على انتفاضة شيخ عبيدالله وارتكبوا المجازر بحق الأرمن بعدها. واستمر هذا في عهد السلطان حميد. في البداية كُسرت مقاومة الكرد ثم أُدرجت حّتى الأطراف التي لم تتبنَّ القضية الكردية والتي كانت تصف نفسها بالقوى اليسارية والديمقراطية، في مشروع التصفية، وذلك رغم وقوفها مع الدولة التركية الفاشية.
بعد كل هذه الحقائق ينبغي الوقوف على قضية الميثاق الملّي قليلاً والتي يتم تداولها كثيراً خلال الفترة الماضية.
ذكر الميثاق الملّي أول مرة داخل البرلمان التركي عام 1920 ورسمت الحدود التركية وفقها. الحدود المرسومة في هذا المخطط تعني العهد الوطني التي تشمل جنوباً محافظة حلب (بما فيها إدلب) ودير الزور، الموصل، كركوك، كويسنجق والسليمانية. أي الجغرافية التي حدُّدت اليوم كشمال وشرق سوريا هي وفق الميثاق الملّي للأتراك. ولهذا يتم تتريك إدلب، عفرين، الباب، إعزاز، جرابلس، كري سبي وسري كانيه. أي أنّ ذات السياسة التي تنتهجها إسرائيل تجاه فلسطين تحت اسم الأرض الموعودة تقريباً تُنتهج على هذه المنطقة أيضاً. ولهذا فإن من يعتبرون هذا الوضع سياسةً ضد حزب العمال الكردستاني فهم إمّا في غفلة من أمرهم أو يرتكبون الخيانة.
وهذا ينطبق على كامل باشور كردستان ومنطقة الموصل- كركوك. حزب العمال الكردستاني والكريلا هما العاملان الرئيسيان اللذين منعها تحقيق هذا. ولهذا عندما يشنون هجوماً على الكريلا فإنهم يخلقون وهماً بأنّ هذا الهجوم يستهدف الكريلا فقط. تهدف هذه الهجمات إلى تصفية كردستان ومجتمعها. وهذه مجرد بداية. إذ سوف ينطلقون من هناك باتجاه الأراضي العربية وتحقيق الحلم العثماني. هذا هو المشروع.
وبالطبع، لا يقتصر الميثاق الملي على هذا. فالعلاقات بين اليونان والدولة التركية متأزّمةٌ دائماً. ورغم أنّ كلا الدولتين عضوتان في الناتو، إلّا أنهما في موقع دفاعي هجومي دائم بوجه بعضيهما. لأن الجزر الواقعة غرب تركيا وبحر إيجه تخضع للميثاق الملّي. كما أنّ قبرص بأكملها كذلك. ذهنية الميثاق الملّي هذه هي السبب الرئيسي للأزمة في شرق البحر الأبيض المتوسط.
كما أنّ هجوم الدولة التركية الفاشية على قره باغ إلى جانب الأذربيجان جرى أيضاً في هذا السياق. والوجود التركي في ليبيا أيضاً يتعلّق بحدود العثمانية الجديدة التي يرغبون بالوصول إليها.
يقوم مناصرو الاتحاد والترقي الجدد يستخدمون الحزب الديمقراطي الكردستاني كحصان طروادة على الحدود الشرقية للميثاق الملّي، كما يستخدمون الإخوان المسلمين أيضاً لخدمة هذا المشروع. إذ تستخدمهم هذه السلطة الفاشية المصلحية لخدمة مصالحها وما إن تنتهي مصلحتها هذه حتّى تقوم بما تستطيع للقضاء عليهم. وقتل جمال خاشقجي الذي يذكر اسمه كثيراً مؤخراً من أكثر الأمثلة وضوحاً على ذلك. كما نعلم ما الذي قاموا به تجاه جماعة فتح الله كولن.
هذه جميعاً رغبات السلطة الفاشية لحزبي العدالة والتنمية والحركة القومية. حسناً، هل هناك فرصةٌ لتحقيق هذه الأمور؟
تشمل حدود الميثاق الملّي عشرات الشعوب. احتلّ العثمانيون هذه الأماكن تحت ضغط السلاح وأبادوا العديد من المجتمعات. كما تحررت المناطق ذاتها من السيطرة العثمانية تحت ضغط السلاح على يد قوى أخرى. ولكن قبل استخدام السلاح كانت الدولة العثمانية تعتمد على القوى الأخرى اقتصادياً وسياسياً. عزّزوا الموقف الداخلي. وتم التقسيم بالسلاح. لذا تعتبر الحرب العالمية الأولى التقاسم الجديد للسيادة ونهاية الإمبراطوريات القائمة. والإمبراطوريات العثمانية في بروسيا، النمسا- المجر والإمبراطورية الروسية أمثلةٌ على ذلك. وبهذا حُيّدت الإمبراطوريات القديمة، وحلّت محلها القوى الرأسمالية، المحدّثة والمهيمنة. وهذا وضع جديد من ناحية التاريخ السياسي- الاقتصادي. وإن لم يُقيّم هذا الوضع الجديد بشكلٍ صحيح، فمن غير الممكن تقييم الوقائع الحالية المحتملة أيضاً بشكلٍ صحيح.
ولهذا فمهما قامت الدولة التركية بشنّ الهجمات وارتكبت عمليات الإبادة بحقّ الشعوب فإنها لن تتمكن من أن تصبح إمبراطوريةً مرةً أخرى. لا الكرد ولا القوى الإقليمية والعالمية الأخرى ستسمح بهذا. سينظّم الكرد أنفسهم ويناضلوا بناءً على فلسفة القائد آبو وسينتصرون حتماً. تشير مقاومة الكريلا ضد الاحتلال والخيانة في مناطق الدفاع المشروع، ومقاومتي أهالي مخمور والإدارة الذاتية لشنكال ضد جميع أشكال الخيانة وهجمات الإبادة؛ إلى الإصرار على الحرية. ومقابل هذه المقاومة فإن العثمانية الجديدة تفقد إضافةً إلى المواطنة الحرة المتساوية، فرصة العيش المشترك مع الكرد والشعوب الأخرى يوماً بعد يوم.
ولهذا، فإن مفهوم الميثاق الملّي أو العثمانية الجديدة لا تشير سوى إلى ذهنية الدولة التركية الفاشية. وسينتصر نهج المقاومة والحرية الآبوجية على هذه الذهنية بكلّ تأكيد. لا واقع الأمر في المنطقة ولا العالم يقبلان تأسيس إمبراطوريات جديدة. أردوغان الذي كان يفكر بأنّه سيصبح إمبراطوراً ببناء القصر، فشل في تعلّم الدرس من التاريخ مثله مثل أنصار الاتحاد والترقي.
يمكن أن تحقق أحلام العثمانية الجديدة للدولة التركية بعض النتائج خلال فترةٍ قصيرة عبر الانتصارات العسكرية، إلّا أنّها ستصطدم بجدار المقاومة الشعبية. سيبني الكرد الآبوجيون جدار المقاومة الأساسي هذا بجهود نسائهم ورجالهم. وقوة هذا الجدار لن تتزايد ضد الاحتلال فحسب بل بالمقاومة ضد الخيانة أيضاً.
ولهذا وبالاستناد إلى مقولة حان وقت الدفاع عن كردستان علينا أن ننضم بشكلٍ فعّال إلى نضال إنهاء الاحتلال والخيانة ضد الإمبراطورية العثمانية وجميع أشكال هجمات الإبادة.[1]