=KTML_Bold=الحماية الذّاتيّة القوّة الأساسيّة للشّعب في روج آفا -1=KTML_End=
هيفي حسن
روج آفا هيَ أصغرُ أجزاء كردستان من حيث جغرافيّتها، وبالرّغم من صغر مساحتها إلّا أنّ روح المقاومة الّتي تتحلّى بها تجاوزت تلك الجغرافية.
روج آفا ساندت ودعمت مقاومات باكور شمال كردستان، و باشور جنوب كردستان، وبالرّغم من سياسات النّظام السّوريّ، ومحاولتها لتعريب المنطقة، إلّا أنّ شعب روج آفا حافظ على جوهره، وبات وطنَ مقاومةِ كردستان.
شبيبةُ روج آفا كان لهم مكانٌ في جبهات المقاومة بعموم كردستان، وقاوموا القوى الاستعماريّة، كما أنّ روج آفا احتضنت القادة الكرد على الدّوام عندما كانوا يواجهون المصاعب، ويتمّ مضايقتهم من قبل الاحتلال، فقد احتضنت هذه الجغرافيّة أمثال أوصمان صبري، نوري ديرسمي، البدرخانيين، نور الّدين زازا، جكر خوين، ومحمد شيخو.
كما أنّ شعب روج آفا كان يدعم أيّ حزب كرديّ يتشكّل، ويسعى إلى تقويته.
شعب روج آفا ناضل وكافح ضدّ سياسة التّعريب وحمى ثقافته ولغته إلى يومنا الرّاهن، لأنّه بعد تقسم كردستان إلى أربعة أجزاء عقب الحرب العالميّة الأولى، حُرم شعب روج آفا من حقوقه، حتّى أنّ مئات الآلاف من الكرد حُرموا من الجنسيّة من قبل النّظام السّوريّ، وتمّ اعتبارهم كأنّهم غير موجودين، بالإضافة إلى تعرّض شعب روج آفا بشكل عامّ للهجمات من قبل النّظام السّوريّ، ولمواجهة هذه الهجمات وهذه السّياسات، عزّز الشّعب حمايته الذّاتيّة مع الوقت.
شعب روج آفا تمكّن من حماية نفسه ووجوده بالرّغم من الظّلم والاستبداد الّذي كان يتعرّض له، ومع اندلاع ثورة روج آفا، شكّل الشّعب قوّات لحماية الشّعب، بالإضافة إلى ذلك باتت ثورة روج آفا أمل الشّعوب المُضطهدة بطليعة الحماية الذّاتيّة الّتي تطوّرت بفضل الشّعب.
عبر التّاريخ ارتُكبت المجازر بحقّ الشّعب الكرديّ، بسبب ضعف الحماية الذّاتيّة، ولكن ثورة روج آفا وبطليعة الحماية وتعزيزها، باتت قوّة وإرادة و أملاً لباقي المكوّنات السّوريّة.
ومن خلال هذا الملف سنتطرّق إلى المجازر الّتي ارتُكبت بحقّ الكرد في روج آفا، وكيف بدأ الشّعب مقاومة عبر الحماية وتطويرها، وكيف يدافع شعب منظّم عن وجوده.
قامشلو
واجه الكرد في روج آفا مجازر عدّة في ظلّ النّظام السّوريّ، ففي ال 12 من آذار عام 2004، واجه الكرد مجزرة جديدة، حيث استشهد 34 من الكرد عندما شنّ عناصر النّظام السّوريّ هجوماً على الكرد في مدينة قامشلو عقب مباراة كرة قدم، وبعد هذه الواقعة اتّخذ الكرد في المناطق الأخرى تدابير لحماية أنفسهم، وشكّلوا حماية لأنفسهم.
ومع اندلاع الثّورة السّوريّة في آذار عام 2011، تشكّلت وحدات الحماية في مدن روج آفا، وقامت بتنظيم نفسها في المنطقة، وكانت في بداية الأمر في أحياء مدينة قامشلو وخاصّة حيّي العنتريّة والهلاليّة.
بطليعة خبات ديرك وللتصدّي لهجمات النّظام السّوريّ وحماية الشّعب، تمّ تشكيل وحدات شبيبة روج آفا، حيث كان خبات ديرك وعدد من رفاقه يعقدون اجتماعاتهم ويتلقّون التّدريبات العسكريّة في المنازل بشكل سرّي.
الّذين تلقّوا التّدريبات، كانوا هم أيضاً يدرّبون شبّاناً آخرين، وخلال أشهر وصل عددهم إلى المئات، وشكّلوا قوّة للحماية.
بتاريخ ال 14 من كانون الثّاني عام 2012، وبمؤامرة نفّذتها الدّولة التّركيّة والنّظام السّوريّ، تمّ استهداف خبات ديرك وقتله، وعليه عاهد الشّبّان الّذين تلقّوا التّدريب على يده بالانتقام له، وقاموا بتشكيل وحدات حماية الشّعب.
في ال 12 من آذار عام 2012، شنّ النّظام السّوريّ هجوماً على أهالي قامشلو الّذين تظاهروا لاستذكار المجزرة الّتي ارتكبها في عام 2004 بقامشلو، وأقدموا على قتل أحد الشّبان المشاركين في التّظاهر، وعليه توسّعت رقعت التّظاهرات وشهدت مدن ديرك، درباسية، عامودا، عفرين، سري كانيه، كوباني، وحلب، مظاهرات حاشدة.
مع تصاعد حدّة هجمات النّظام السّوريّ، نظّم الشّعب في مدن روج آفا أنفسهم من أجل حماية أحيائهم، وكانت هذه بداية مناوبات الحماية، وبسبب عدم وجود السّلاح، كان الشّعب يحمل السّكاكين والمطارق، والعصيّ ليحموا بها أحيائهم.
في شهر أيلول من العام ذاته، أسَرَ أهالي حي العنترية بمدينة قامشلو عدداً من عناصر المخابرات السّوريّة، عند محاولتهم اعتقال شبّان الحيّ لاقتيادهم للخدمة الإلزاميّة العسكريّة الإجباريّة، وفي تلك الفترة أجريت مفاوضات، وتمّ حينها الاتّفاق على إطلاق سراح عناصر المخابرات، مقابل أن يخرج النّظام السّوريّ من بعض أحياء المدينة.
في ظلّ الثّورة السّوريّة الّتي تحوّلت فيما بعد إلى أشبه بحرب أهليّة، كانت هناك بعض التّنظيمات المرتبطة بأجندات خارجيّة وتتلقّى الدّعم منها، وكانت هذه التّنظيمات بمثابة وكلاء لتلك القوى الخارجيّة في سوريا، بالإضافة إلى النّظام السّوريّ، ولكنّ الشّعب الكرديّ في روج آفا، لم يرجّح هاذين الخطّين، أو النّهجين، ومن هذا المنطلق، ووفق توجيهات القائد عبد الله أوجلان فيما يخصّ الإدارة الذّاتيّة، والحماية الذّاتيّة، وعليه اتّخذ الشّعب نهج الخطّ الثّالث أساساً له.
في ال 19 من تموز عام 2012 انطلقت ثورة روج آفا من خلال إعلان مقاطعة كوباني، ولكن تنظيم الحماية الذّاتيّة في روج آفا كان أقدم من هذا التّاريخ.
حلب / حي الشّيخ مقصود
مدينة حلب هي إحدى المناطق الّتي تعدّ أساساً لمقاومة الحماية الذّاتيّة، حيث أبدا الكرد الّذين نزحوا إلى حي الشّيخ مقصود بمدينة حلب مقاومة تاريخيّة قلّ مثيلها، وبتجربة مقاومة الحماية الذّاتيّة تمّ الوصول إلى مقاومة شمال وشرق سوريا.
في حي الشّيخ مقصود، وبعد بدء الحرب في سوريا عام 2011، وللتصدي لهجمات المرتزقة والنّظام السّوريّ، قام الكرد والعرب والأرمن بحماية حيّهم وفق أُسس الحماية الذّاتيّة، ونظّموا مناوبات في المساجد والكنائس، وشوارع الحي.
من الّذين كانوا طليعيّين في مقاومة الحماية الذّاتية بمدينة حلب، وعرفت باسم أم المقاومة، كانت كولي سلمو، أم المقاومة، الّتي نفذت من النّظام السّوريّ، أطلق النّظام عليها الرّصاص، وقتلوها بعد مدّة، فالأهالي الّذين سمعوا نبأ استشهاد أم المقاومة، كولي سلمو، نظّموا أنفسهم، وبدؤوا بمقاومة الحماية الذّاتيّة.
الشّعب الّذي لم يسمح للمرتزقة والنّظام السّوريّ بدخول حيّهم، كانوا أساس بناء الحماية الذّاتيّة.
سري كانيه
من المدن الّتي كانت أساس تأسيس الحماية الذّاتيّة وتعزيزها، مدينة سري كانيه في إقليم الجزيرة، و الآن هي محتلّة من قبل الدّولة التّركيّة.
الدّولة التّركيّة لتفتح باب لها على سوريا لدخول المنطقة، استخدمت المرتزقة الّتي تدعمهم لاحتلال سري كانيه، ففي شهر كانون الأول عام 2011، أدخلت الدّولة التّركيّة 3 آلاف مرتزق من جبهة النّصرة إلى سوريا عبر مدينة هتاي التّركيّة، والّتي يقابلها مدينة إدلب السّوريّة، فيما حاولت إدخال ألف مرتزق من جبهة النّصرة إلى مدينة سري كانيه، عبر مدينة سري كانيه في باكور شمال كردستان، والّتي غيّرت الدّولة التّركيّة اسمها، وسمّتها جيلان بنار.
وفي الأيام الأولى من عام 2012، اندلعت اشتباكات قويّة بين قوّات الحماية في سريه كانيه ومرتزقة جبهة النّصرة، وعلى إثر هذه الاشتباكات لم يتمكّن المرتزقة من دخول مدينة سري كانيه.
وفي ربيع عام 2012 عاود المرتزقة المدعومة من قبل الدّولة التّركيّة هجومهم على سري كانيه، ومرّة أخرى اندلعت الاشتباكات القويّة في المدينة، واستمرّت لفترة طويلة، قُتل خلالها عدد كبير من عناصر المرتزقة، ولكن هؤلاء المرتزقة الّذين استهدفوا النّساء المشاركات في مقاومة الحماية اُجبِروا على التّراجع بفضل مقاومة الحماية الذّاتيّة العظيمة الّتي أبداها الشّعب والمقاتلون، ولكن الهجمات استمرّت حتّى شهر تمّوز من العام ذاته.
بعد ال 19 من تمّوز، وبطليعة وحدات حماية الشّعب والمرأة الّتي شاركت في مقاومة الحماية الذّاتيّة، تصدّت هذه الهجمات، ومنعت المرتزقة من دخول المدينة، وأجبرتهم على التّراجع.
تأسيس وحدات حماية الشّعب''
بعد اشتعال شعلة ثورة روج آفا وتحقيقها عدّة انتصارات أعلنت معها عن تأسيس مقاطعات كوباني والجزيرة وعفرين، وإخراج النّظام من هذه المقاطعات، وبات الشّعب هو صاحب الإرادة والحماية الذّاتيّة لهذه المقاطعات، وإدارتها.
كما تشكّلت القوّات الثّوريّة الّتي حملت اسم وحدات حماية الشّعب YPG الّتي عقدت كونفرانسها الأوّل عام 2012، وفيها أعلنت بشكل رسميّ عن نفسها، واستطاعت خلال فترة وجيزة أن تحظى بدعم كافّة مكوّنات الشّعب وشهدت انضماماً واسعاً من الشّبيبة إلى صفوفها.
واستطاعت أن تنظّم الشّعب على أساس الحماية الذّاتيّة، وتطوير أساليب الحماية وذلك باعتمادها على فلسفة الدّيمقراطيّة وحماية الطّبيعة وحرية المرأة، وباتخاذها هذه المبادئ أساساً لها استطاعت حماية الأرض والشّعب بدون تفرقة بين المكونات والأطياف في المجتمع.
وخاضت هذه القوّات مقاومة بطولية في كلّ من سري كانيه وكوباني والحسكة وتبعتها باقي مدن ومناطق روج آفا في مواجهة مرتزقة جبهة النّصرة وداعش وغيرها من المرتزقة الّذين هاجموا المنطقة، وتمكّنت من تحرير المنطقة كاملة.
ولم تحدّد هذه المقاومة في إطار روج آفا فقط، بل توسّعت لتصبح وحدات الحماية هي أمل باقي شعوب ومكوّنات شمال وشرق سوريا الّذين بادروا بالانضمام إلى صفوفها من كرد وعرب وسريان وإيزيديّين وغيرهم.
ومع إعلان غرفة علميّات بركان الفرات تمّ تأسيس جبهة ثوريّة مؤلّفة من كافّة مكوّنات الشّعب السّوريّ لمواجهة داعش وكافّة الجهات الّتي كانت تهدف لشنّ الهجمات على شمال وشرق سوريا.
الإعلان عن تأسيس وحدات حماية المرأة
في عام 2011 وما بعد بدأت المرأة في روج آفا تنظيم نفسها على أساس الحماية الذّاتيّة أيضاً، واتّخذت المرأة مكانتها بين قوّات الحماية الذّاتيّة الّتي تشكّلت في المدن والبلدات والأحياء، والّتي كانت تشارك في حماية المنطقة، لتشكّل تلك الّنساء نواة لتشكيل وحدات حماية المرأة الّتي تمّ الإعلان عنها بشكل رسميّ بتاريخ 4 نيسان 2013.
وباتت هذه القوّات وجهة لانضمام الآلاف من النّساء من المنطقة والعالم إليها لتتوسّع وتكبر يوماً بعد يوم، وتصبح الأمل في حماية وتحرير المرأة.
وخلال مساعي المجموعات المرتزقة ذات الذّهنيّة الذّكوريّة السّلطويّة والمدعومة من قبل الدول ذات الأنظمة القوميّة والدّينية والشّوفينية التي هاجمت المنطقة، استطاعت هذه الوحدات إثبات نفسها كقوّة لا يستهان بها في مواجهة تلك المجموعات وكسرها وهزيمتها، وبذلك ذاع صيتها في عموم العالم، وباتت النّساء يقصدْنَ هذه الوحدات للانضمام إليها من كافّة العالم.
إنّ وحدات حماية الشّعب والمرأة ليست قوّات عسكريّة دولتية، بل هي قوّات شعبيّة تدافع عن كافّة المكوّنات في مناطقها، وبانضمام الشّعوب إليها استطاعت حماية نفسها والمنطقة، وأصبحت نموذجاً جديداً للقوّات في العالم الّتي ألهمت الشّعوب كيفيّة حماية نفسهم بنفسهم.[1]