حامد الكناني كاتب
في مراحل مختلفة من التاريخ الإيراني كانت مواقف رجالاتها السياسية لافتة في بعض المواقف، لكن التناقضات زادت سرعة وتيرتها بعد أن وصل رجال الدين إلى السلطة بقيادة الخميني عام 1979، ومن تلك المواقف ما وثقه الأرشيف البريطاني خلال العقد الأخير من القرن الماضي عن علي أكبر ولايتي الذي كان يشغل منصب وزير خارجية إيران حينها.
وتتحدث الوثيقة البريطانية عن تفاصيل أحداث في تركيا جرت عام 1992، كان العنصر الأكثر غرابة فيها يتعلق بولايتي المشارك في مؤتمر وزراء خارجية دول المنطقة في العاصمة التركية أنقرة لمناقشة الوضع في العراق في تلك الفترة.
وتشير الوثيقة المفرج عنها أخيراً إلى أن وزير الخارجية الإيراني علي أكبر بعد عودته من تركيا عقد مؤتمراً صحافياً في طهران أعلن فيه تصريحاً مثيراً للجدل، أثار استغراب الدول المشاركة في الاجتماع، لا سيما الجهات التركية والبريطانية، حين زعم أنه أبلغ تركيا رسمياً قلق إيران بخصوص العمليات العسكرية التركية في شمال العراق، وأنه وصف تلك العمليات بأنها تشكل انتهاكاً للسيادة الوطنية العراقية، وهو ما نفته السلطات التركية مؤكدة أن المسؤول الإيراني لم يتطرق إلى هذا الموضوع بتاتاً.
تضارب روايتي تركيا وإيران
وجاء في نصه الوثيقة أنه خلال مؤتمر صحافي لمناسبة عودته من أنقرة في 16 -11- 1992، رحّب وزير الخارجية الإيراني ولايتي ترحيباً واسعاً بنتائج اجتماع وزراء خارجية الدول الإقليمية في شأن العراق، وشدد على إجماعهم على أهمية الحفاظ على وحدة أراضي العراق ومنع تشكيل أية دولة مستقلة داخل حدود العراق، ومع ذلك وخلافاً للرواية التركية ادعى ولايتي عند عودته أنه أعرب رسمياً عن قلق إيران في بشأن العمليات العسكرية التركية شمال العراق، واصفاً ذلك بأنه انتهاك للسيادة الوطنية.
ويذكر السفير البريطاني الذي بعث البرقية إلى مرجعه في لندن أنه عرض كلمة ولايتي على زميله التركي الذي قال إن الأتراك فوجئوا بتصريح وزير الخارجية الإيراني، إذ لم تثر إيران ولا سوريا الموضوع في أنقرة، لقد أطلعتهما تركيا بشكل كامل (على البيان) واستمعت كلتاهما بأدب، ويفترض أن تصريحات ولايتي كانت فقط من أجل الاستهلاك المحلي.
كانت تركيا في فترة ما بعد حرب الخليج واندلاع أزمة الكويت في أغسطس (آب) 1990، متعاونة مع الغرب بشكل عام ومتخندقة مع الولايات المتحدة الأميركية ضد العراق بخاصة، وقرار تركيا في يوليو (تموز) 1991 بالسماح بنشر قوة غربية متعددة الجنسيات على أراضيها اعتبره المراقبون في ذلك الوقت أتى دعماً لموقف الرئيس جورج بوش الأب، وكانت الموافقة على نشر قوات برية في قاعدة سيلوبي وقوات جوية في قاعدة إنجرليك وقبول أنقرة المشاركة في القوة متعددة الجنسيات، مؤشرات على رغبة تركية في الانخراط في المشروع الأميركي في المنطقة، وقد يكون هذا ما أثار قلق طهران.
كما تشير الوثيقة البريطانية بوضوح إلى أن وزير خارجية إيران كان قلقاً بشدة على سلامة ووحدة أراضي العراق، وكانت بعض المصادر الإيرانية في تلك الفترة تتحدث عن أن السياسة التركية قد تكون متوافقة مع خطة سرية أميركية لإنشاء دولة كردية في شمال العراق.
لكن في ما بعد تشير الوثائق البريطانية العائدة للفترة التي تلت عمليات تحرير الكويت إلى تكثيف المعارضة العراقية نشاطها على الساحتين الأوروبية والأميركية، إذ استغلت موقف المجتمع الدولي والغضب الإقليمي الناتج من الغزو العسكري العراقي لدولة الكويت في الثاني من أغسطس (آب) 1990، ونقلت فعالياتها إلى الساحة الغربية، ولا سيما بريطانيا.
وكان القسم الأكبر من نشاط المعارضة العراقية ذا طابع عسكري، وكان يدور قرب الحدود الإيرانية - العراقية، حيث مقار معسكرات لميليشيات عراقية مدعومة من إيران، وهو الأمر الذي تغير بعد تلك المرحلة، إذ بدأ النشاط السياسي والدبلوماسي المعارض في عواصم العالم الغربي.
من هو علي أكبر ولايتي؟
ولد علي أكبر ولايتي في قرية رستم آباد الواقعة في منطقة شميران – طهران عام 1945، ودرس الطب وتخصص في طب الأطفال بشهادة دكتوراه من جامعة طهران، ثم شهادة أخرى في أمراض الالتهابات من إحدى الجامعات الأميركية، وانتخب نائباً في البرلمان عن مسقط رأسه خلال الانتخابات البرلمانية عام 1979.
وشغل منصب نائب وزير الصحة في حكومة محمد علي رجائي، ورشحه علي خامنئي بعد فوز الأخير في منصب رئاسة الجمهورية عام 1981 رئيساً للوزراء لكنه لم ينجح.
وقد شغل ولايتي منصب وزير الخارجية مدة 16 عاماً، وهو اليوم مقرب جداً من المرشد علي خامنئي ويعمل مستشاراً له في الشؤون الدولية.[1]