سهيل الزهاوي
في زمن العنف المنظم ضد حزبنا الشيوعي والحركة الديمقراطية العراقية والكردستانية ، لم يكن امامنا خيار غير التواصل والعمل من اجل اعادة الاتصال بالركائز والتنظيمات المقطوعة . كان لريكاي كردستان وصحافة الحزب الاخرى مهمة شاقة في ذلك الظرف الدقيق الذي كانت تمرّ به كردستان بشكل خاص و العراق بشكل عام، و كان عليها ان تخوض نضالا مستمرا من اجل تثبيت دورها كأداة تعبئة و لايصال صوت الحزب الى الجماهير الواسعة.
كان من الصعب ايصال اعداد كبيرة من ادبيات الحزب من معاقل الانصار الى داخل المدن ويعود السبب الى الحجم الكبير للهجمة الشرسة للنظام البائد من جهة ، و الى نتائج الاقتتال الداخلي بين فصائل البيشمركة من جهة اخرى .
و كان لزاما علينا ان نفكر لايجاد بدائل و وسائل اخرى لايصال صوت الحزب الى الجماهير ، رغم المحاولات المتواصلة مع قيادة الحزب آنذاك لتزويدنا بأجهزة الطباعة ، الاّ ان هذه المحاولات باءت بالفشل بسب تخوّف الحزب من انكشاف امرنا للاجهزة الامنية . . وحذر الحزب هذا، كان نابعاً من تجارب مريرة سابقة مرّ بها .
لم نقطع الامل ، كنا نفتش عن البدائل لتكثير ادبيات الحزب في داخل المدن ،الى ان توصل الرفيق عمر محمد رسول الى اختراع رونيو شعبية التى يمكن من خلالها طبع اكثر 100 صفحة في ساعة واحدة ، و حينذاك لم نمتلك آلة طابعة حتى يتسنى لنا طبع الاستنسل. وكنا في بحث دائم من اجل الحصول على آلة طابعة كوسيلة لتكثير ادبيات الحزب.
في فجر ذات يوم من ( 1985) وقبيل عقد المؤتمر الرابع للحزب الشيوعي العراقي في تشرين الثاني من نفس العام،اعلنت السلطة الفاشية قرار منع التجول في السليمانية عبر مكبرات صوت كانت تحملها طائرات هليكوبتر و كانت تحوم في سماء المدينة وتطالب اهالي المدينة بتسليم الخونة على حد تعبيرهم . فقد داهمت مفارز الاجهزة الامنية وقوات الجيش اللاشعبي الدورالسكنية الامنة وتم اعتقال العديد من المواطنين الابرياء واعدمت مجموعة منهم في مساء نفس اليوم ، كما هدمت العديد من الدور السكنية وانفلت اعداداً غير قليلة من العوائل .
قررت منظمة الحزب في السليمانية اصدار بيان يندد بالعمليات الجبانة و يدعو الى التصدي لافعال السلطة العنفية وبهدف رفع معنويات الجماهير. فقد طبع البيان الرفيق ئالان ممتاز نوري علي بخط اليد على الاستينسل وفي اول تجربة تم طبع اكثر من الفين نسخة ، وبعد مرور ثلاثة ايام على منع التجول وزعت البيانات على الدور السكنية في جميع انحاء مدينة السليمانية.
التقط الشهيد علي بوسكانى احدى النسخ من هذه البيانات وبعد ان علم ان منظمة الحزب لا تمتلك آلة طايعة ، بعث لنا آلة طابعة ونقلها بسيارته الى دار الرفيق الفقيد شيخ علي البرزنجي ، ومن هناك تم نقلها الى مخبئها الجديد من قبل الرفيقات جيران البرزنجي وخرمان محمد رسول ونشتمان احمد . و اصبح في متناول منظمة الحزب امكانية اعادة طبع ريكاي كوردستان وتكثير الادبيات الاخرى باللغتين العربية والكردية .
في مساء صيف حار من عام 1986 ، بعدما تمّ اعادة طبع ريكاي كوردستان على الاستينسل ، و جرى تكثيرها بالرونيو الشعبية بالتناوب من قبل الرفيقة خرمان و الرفيق عمر وكاتب هذه الاسطر في دار تم تأجيرها لأغراض العمل الحزبي تقع في بداية الشارع المؤدي الى مديرية امن السليمانية . و بينما نحن منهمكون في تنظيم البريد الى المنظمات الحزبية . .
فجأة و في الساعة الحادية عشر من ذلك المساء سمعنا من يطرق الباب ، وبسرعة هائلة جمعنا الادبيات وتوجهنا بها نحو السطح وتمكنت الرفيقة خرمان من القاء الادبيات في داخل برميل (خزّان) الماء واوعزنا الى النساء والاطفال بالذهاب الى الأفرشة المفروشة فوق السطح لغرض النوم . .
وكان عليّ ان اهرب من فوق السطوح الا انني تراجعت بعدما نبهني الرفيق عمر باشارة واضحة من الطابق الاول ، بان هدف مفرزة الامن هو وضع كمين فوق السطح لحماية مديرية امن السليمانية لهذا السبب بقيت في مكاني ، فبعد ان عرفوا من النقاش معهم ان العائلة نائمة فوق وللدار سطح واحد ،انسحبوا الى البيوت القريبة .
وفي نفس الليلة وبهمة عالية جرى كوي جرائد ريكاي كوردستان بالمكواة بعد ان تبللت نسخها بماء البرميل؟ وفى اجواء من المرح والنكات تم اعادة لف البريد بعد ان جففت النسخ، وارسل في اليوم الثاني الى المحطات الحزبية تحمله الرفيقة الفقيدة ئايشة كول المعروفة حاجي زن وهي والدة الرفيقة خرمان ، والرفيق عمر.[1]