#عزيز الحاج#
كان من الطبيعي أن تثار ضجة كبيرة حول قرار البرلمان التركي بتأييد مطاردة مسلحي حزب العمال الكردستاني الذين يستغلون وجودهم في بعض أراضي كردستان العراق لتنفيذ عمليات تفجير وقتل داخل تركيا، وما تؤدي إليه من سقوط ضحايا سواء من جنود أو شرطة أتراك، وعلى الأخص من المدنيين الأبرياء. نقول هنا كنقطة ضوء إن حركات التحرير الشهيرة لم يقم يوما بعمليات عشوائية يكون المدنيون ضحاياها، فلا في فيتنام، ولا في أوروبا ضد الغزاة الفاشيين، ولا أيضا في كردستان العراق، حيث لم تكن قيادات حركنها المسلحة تعتدي على المدنيين العرب.
إن مسلحي هذا الحزب المتواجدين في أراضي كردستان العراقية هم بمثابة لاجئين سياسيين وضيوف على إخوانهم الأكراد، وللضيف واللاجئ السياسي في كل بلد حقوقه وواجباته والتزاماته، وقبل كل شيء عدم القيام بأعمال تسئ لمصالح البلد المضيف من قريب أو بعيد.
إن كفاح أكراد كردستان تركيا، وهم أكثر من 15 مليونا، في سبيل حقوقهم القومية، من إدارية، وثقافية، ولغوية، هو كفاح مشروع تماما نظرا لحرمانهم من أبسط هذه الحقوق، التي ينص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومبادئ وأهداف الأمم المتحدة، بل إن للأمة الكردية المجزأة بين تركيا والعراق وإيران وأقلية في سوريا الحق في تقرير المصير لحد تكوين دولة كردستان الكبرى.
هذا كله صحيح، وصحيح أيضا أن العمل السياسي القومي يخضع لضوابط وقواعد تفرضها الظروف السياسية، من محلية، وإقليمية، ودولية، في كل مرحلة، فالعمل السياسي الرشيد ليس هو الانسياق وراء العاطفة القومية مهما كانت نبيلة. إننا نعرف مثلا عشرات التصريحات لقيادات كردستان العراق في رفض الانفصال، وفي عدم الانسياق وراء عواطف شرائح من الشارع الكردي حتى إن تفهمنا نواياها وعواطفها الطيبة، ومخاوفها وهواجسها من مستقبل الأيام.
ما كان لنا أن نعلق لو أن حزب العمال يمارس عملياته من داخل الأراضي التركية، أما أن يمارسها من البلد الذي يستضيفه فإنه موقف ترفضه المصالح العراقية وقواعد العمل الدولي.
إننا هنا لا نريد التوقف عند دعوة زعيم الحزب أوجلان بعد اعتقاله للتخلي عن العمل المسلح وانتهاج العمل السلمي، وهو ذو أشكال كثيرة، كما لا نريد التذكير بقرارات أمريكا والاتحاد الأوروبي باعتبار الحزب إرهابيا، وهذا مفتوح لتبادل الآراء. كلا، ولكن نذكر بالتالي:
أولا، وكما قلنا، إن حزب العمال هو ضيف ولاجئ في بلد غير بلده الأصلي برغم أنه بين إخوان له في القومية؛
ثانيا، وبصرف النظر عن ذلك، فإن الكفاح المسلح ينتهي في النهاية إلى مآزق ومزالق تسئ للقضية نفسها ومهما كانت عدالتها، وهذا ما أشار له الأخ الدكتور عبد الخالق حسين في مقاله الأخير المنشور في 18 الجاري، وكنت قد تطرقت عشرات المرات لأضرار استخدام العنف في العمل السياسي لأن كل عنف يستثير عنفا مقابلا، وقد توصلت لهذا الاستنتاج في بداية الثمانيات، وأوضحته للأستاذ خالد القشطيني في حينه وسجله في كتابه عن اللاعنف.
إن الثورات المسلحة الناجحة، بالعمل العسكري أو الانتفاضة المسلحة، ومهما كانت شرعيتها وعدالتها، فإنها لابد أن تفجر نوازع العنف وثقافته في الشارع وبين القوى السياسية.
إن من حق أكراد العراق احتضان إخوانهم في القومية، والتضامن معهم من أجل الحقوق المشروعة، ولكن هذا لا يجب أن يعني الصمت عن عمليات عسكرية ضد بلد مجاور تجري من أراضيهم، لاسيما وإن للعراق وكردستان مصالح مشتركة مع تركيا، وتعاون متعدد الأشكال، ومن الواجب تعزيزها، خصوصا وإن أعداء العراق كثيرون، ولا ينبغي السماح بمن يريد أن يضيف لنا عدوا جديدا. نذكر أيضا أن بين القيادات الكردية العراقية وتركيا علاقات وثيقة منذ التسعينات المنصرمة، وكان بعض الاتفاقات الكردية – الكردية الهامة جدا يتم في تركيا، وصرح بيان حكومة إقليم كردستان بأن التجارة والاستثمارات التركية جوهرية لنمو اقتصاد المنطقة.
لقد وصلت الحالة من إحراج العراق والقيادات الكردية خاصة لحد جعل وزير الخارجية الأستاذ هوشياري، وهو كردي أيضا، يطالب حزب العمال بترك العراق، كما أن حكومة كردستان وقادة الاتحاد الكردستاني يبدون تفهما كبيرا للموقف التركي في حماية أراضيه ومواطنيه، ويعرضون وساطتهم لحل القضية سلميا، لأن أية عملية عسكرية تركية كبيرة داخل العراق تعتبر اعتداء على سيادتنا الوطنية، وسوف تضر بتركيا نفسها، ناهيكم عن العراق وكل المنطقة.
أخيرا، فنحن نعتقد أن حزب العمال أمام خيارين إما وضع السلاح جانبا والعيش في أمان بين أكراد العراق، وإما المغادرة كما طالب الأخ هوشيار زيباري، والذي أضاف:
عليهم ترك العراق لأهل العراق وأن لا يجلبوا مشاكل إضافية لما نعانيه. وتلكم كلمات حق وحكمة سياسية.[1]