الأكراد في كازاخستان تقرير مفصل
جمهورية كازاخستان أو قزخستان أو قزقستان (كما تنطقها الشعوب التركية) أو قبجاق كما تسمى قديماً بالكازاخية، هي بلاد يقع معظمها في شمال آسيا الوسطى وجزئياً في نهر الاورال.
كانت هذه البلاد قديماُ مأهولة بالقبائل الرحل، ومحل نزاع على النفوذ بين الحضارتين الصينية والروسية، وفي عصور لاحقة سكنتها قبائل (الكازاك) الرحل الذين يمتهنون الصيد وتربية الماشية، وتعتمد تقاليدهم الاجتماعية على القبيلة والعشائرية، وفي القرن الحادي عشر اعتنق الكازاك الدين الإسلامي، وفي القرن الثالث عشر تعرضت بلادهم لغزو المغول بقيادة جنكيز خان، وفي القرن السادس عشر حتى القرن السابع عشر تعرضت إلى غزوات قادمة من الغرب، وبين سنوات 1820-1850م تم إلحاقها بالإمبراطورية الروسية القيصرية، ونحو عام 1850م هاجر الفلاحون الروس إليها، وأعلنت كجمهورية سوفيتية (جمهورية الكيرقيز) عام 1917م، ثم ألحقت بالإتحاد السوفيتي عند نشأته، وتحولت إلى جمهورية اشتراكية ذاتية الحكم ضمن الإتحاد السوفيتي الجديد عام 1920م. ومن 5 ديسمبر 1936م أصبحت جمهورية اشتراكية سوفيتية.
وفي السنوات اللاحقة لحكم (ستالين) أصبحت كازاخستان في إطار مخيمات العمل “Steplag” ومكانا لعدة عمليات تهجير خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وقد طالت أعراقاً كاملة مثل تتار القرم، والبولونيين، والشيشانين، وألمان الفولغا، وأكراد القفقاس.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق حصلت البلاد على استقلالها في 16 ديسمبر 1991م. وفي عام 1995م اعتمدت دستوراً جديداً، وتم بعد ذلك إجراء انتخابات تشريعية وإنشاء برلمان.
أقاليم دولة كازاخستان
عرفت كازاخستان دائما “ببلد آسيا الوسطى” بسبب الروابط اللغوية والثقافية والسياسية التي تربطها بالجمهوريات السوفيتية الأربعة السابقة من قرغيزستان وأوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان التي يعبر عنها بآسيا الوسطى.
تبلغ مساحة كازاخستان نحو (2،724,900) كم2، وبذلك تعتبر ثاني أكبر دول الإتحاد السوفييتي السابق مساحة، والرابعة آسياوياً بعد روسيا والصين والهند، والتاسعة عالمياً، والأولى في العالم الإسلامي.
يعتمد اقتصادها أساساً على النفط الذي يمثل 56% من قيمة الصادرات، و55% من ميزانية الدولة. وتمتلك احتياطات نفطية تعادل احتياطات العراق، ولكنها توجد في طبقات عميقة، مما يفسر التأخر في استغلالها. كما تعتبر إحدى أهم الدول المنتجة للغاز في آسيا، ولاحقاً أصبحت مكاناً لعدة مشاريع سوفييتية ناجحة، ومخابر نووية، ومركز بيكاونور الفضائي، وحملة الأراضي العذراء.
والعاصمة هي مدينة (أسطانا)، وفيها للغتان رسميتان، وهما: الروسية، والكازاخية، ونظام الحكم فيها جمهوري. ويبلغ تعداد السكان نحو (15) مليون نسمة حسب تقديرات عام 2006م، ونسبة السكان هي 53% من الكازاخ، و30% من الروس، مع وجود العديد من الأعراق والقوميات التي تربو على (120) قومية، من بينها: الأوكرانيون، الأوزبك، الكوريون، الألمان، الشيشان، الأكراد…
الديانات الرئيسة فيها هي الإسلام 60%، ويدين به الكازاخ وبعض الأقليات كالتتار، والبشكير، والأوزبك، والأكراد… والمسيحية الأرثوذكسية 30%، ويدين بها الروس، وبعض الأوكرانيون، والبلاروس. والمسيحية البروتستانتية 3%، وهناك أديان ومعتقدات أخرى بنسبة 7% .
التهجير القسري للأكراد إلى جمهوريات آسيا الوسطى:
أول هجرة كردية قدمت إلى كازاخستان ترجع الى عام 1937م، والثانية حدثت عام 1944م، والأخيرة 1989م لم تكن قسرية بل حدثت في قبيل انهيار الإتحاد السوفيتي السابق.
بعد اتفاقية سايكس بيكو السرية (1916م) التي شاركت فيها كل من فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية من أجل اقتسام ممتلكات الإمبراطورية العثمانية فيما بينهما, قسمت كردستان إلى خمسة أجزاء، وتم إلحاق كل جزء بدولة مجاورة (سورية, العراق, تركيا ،إيران، أرمينيا)، علماً بأن القسم الشرقي من كردستان كان تحت سيطرة إيران منذ عام 1514م. وفي عام 1917م قامت الثورة البلشفية بقيادة (لينين) الذي كشف سر اتفاقية سايكس بيكو، وبذلك خسرت روسيا معظم حصتها من شمال كردستان، والتي ألحقت بالدولة التركية الحديثة, وبقي جزء صغير تابعاً للاتحاد السوفيتي. وردّاً على اتفاقية لوزان أعطت حكماً ذاتياً لذلك الجزء الصغير في الإتحاد السوفيتي، وسمّي ب (كردستان الحمراء) عام 1923م، وانتخب رئيساً لها السيد (غوسين غاجييف) أي حسين حاجيف، وعاصمتها لاجين, ومن مدنها كيلباجان, كوباتلي, زانغيلان, جليلابسكي.
بدأت فرحة الكرد تقرع على طبول الرقص الكردي، مهللين بكردستان الحمراء. ولكن بعد وفاة لينين واستلام ستالين عرش الشيوعية بدأ الحكام الأتراك يشممون رائحة النفط إلى أنف ستالين، وبدأ ستالين يتنازل لهم رويداً رويداً حتى اندلاع ثورة الشيخ سعيد بيران (1925)، فهرب أتاتورك إلى أحضان ستالين، وطلب منه أن يقضي على (كردستان الحمراء)، لأن الكرد في الشمال ينظرون إلى كردستان الحمراء، ويحاربون الأتراك دون هوادة من أجل استقلال كردستان, فلبّى طلبهم.
في مطلع الثلاثينات من القرن العشرين تم الاتفاق بين النظام التركي بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، والنظام الدكتاتوري الستاليني في موسكو، والقادة القوميون المتعصبون في أذربيجان بتنفيذ خطتهم في القضاء على الإقليم الكردي (كردستان الحمراء)، وقد تم لهم ذلك في عام 1930م. وفي العام نفسه وباتفاق ثلاثي (إيران، والاتحاد السوفيتي، وتركيا) تم القضاء على ثورة ( أكري داغ) في شرقي تركيا، والتي كانت بقيادة نور الدين باشا.
وبعدها بعدة سنوات أي عام 1937م قام (ستالن) بتهجير الأكراد قسراً إلى جمهوريات آسيا الوسطى (كازاخستان، وقيرغيزيا، طاجيكستان)، ونتيجة لذلك مات وقتل وفقد المئات منهم، ومن أسباب النقمة على الأكراد؛ فمنهم من يرى بأنهم يعيشون على الحدود التركية – السوفيتية، ولذلك اعتبروا يشكلون خطراً على أمن الدولة الروسية. فتم تشتيتهم على جمهوريات الإتحاد السوفيتي، مثل: أوكرانيا، مولدافيا، قرقيزيا، أوزبكستان، طاجيكستان، تركمانستان، كازاخستان.
وخلال فترة الحرب العالمية الثانية، وتحديداً في عام 1944م بدأ الإتحاد السوفيتي مرة أخرى بالتهجير القسري للكرد من جورجيا وأرمينيا إلى صحراء كازاخستان وأوزبكستان وقرغيزستان، وكان لهذه الهجرة فظاعتها الخاصة، فحين هجر الكرد من جورجيا مسقط رأس ستالين لا أحد يعرف سبب ذلك على وجه التحديد، ومنهم من يقول كان التهجير بحجة أن ستالين كان يكره كل من ينتمي الى العرق الآري، ومنهم الأكراد فهم والألمان من ذلك العرق، وهناك سبب آخر بأنه كان يعتقد بأن الأكراد يتجسسون لصالح الأتراك وإيران، علماً أنه كان هناك الكثير من الشبان الكرد مع الروس في الجبهة ضد النازيين، ولكن لم يتّضح إلى الآن لماذا غضب ستالين على الكرد، فهجّرهم قسراً بعربات القطار، وساق بهم إلى الصحراء في الشتاء القارص. ولا يزال الكرد يتذكرون بكل مرارة تلك الهجرة التي دفنوا خلالها خير أولادهم في محطات القطار، ولا يذكرون أين قبورهم حتى يضعوا باقة من الورود عليها؟!!
ومنهم من يقول بأن عشيق والدة ستالين كان كردياً واسمه (شيركو)، والبعض يقول بأن ستالين أراد أن يطهر بلده من الأقليات ومن بينها الكرد، ليحقق التوازن في الجمهوريات السوفيتية، والأغرب من ذلك بأن الكثير من الكرد كانوا يحاربون بجانب القوات الروسية ضد الألمان، وينشدون:(يعيش السوفيت، يعيش ستالين).
لقد شارك الإتحاد السوفيتي الذي ادعى بأنه نصير المظلومين من العمال والفلاحين والشعوب المقهورة في القضاء على الأحلام الكردية، وبدون سبب مقنع الى اليوم، ولم يتعض الكرد من غدر الشيوعيين الروس، بل وثقوا بوعودهم مرة أخرى عندما أسسوا (جمهورية مهاباد) في كردستان إيران عام 1946م، وبعد ذلك تخلوا عنهم وتركوا جمهوريتهم في مهب الريح.
كما هاجر الكرد طوعياً في عام 1989 إلى جمهوريات آسيا الوسطى بسبب الحرب القائمة بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم كارباخ (كردستان الحمراء)، وقد تركوا بيوتهم وجاءوا إلى كازاخستان وآسيا الوسطى حفاظاً على حياتهم .
مأساة الهجرة وقسوة النظام الشيوعي على الشعب الكردي!
تحدث الأكاديمي الكردي الدكتور نادير كريموفيج ناديروف عن هذه مأساة الهجرة التي حلت بالكرد، فيقول: أن أول هجرة كردية بدأت في عام 1937م، وقد شحنونا في عربات القطار المخصصة للمواشي والحيوانات، وقد هجروا في فصل الشتاء القارص، حيث الثلوج والصقيع القاتل،والجوع يأكل بطون الصغار، ولم نجد من يمدّ لنا يد العون, سار بنا القطار أكثر من عشرين يوماً، ومات الكثير من الأطفال والشيوخ والنساء بيننا خلال عملية الشحن، وكنا ندفنهم في محطات القطار، ولم يبلغوا السلطات الروسية عن مواتهم، لأنها ستلقي بجثثهم في الأنهار أو في العراء على الثلوج لتكون طعاماً للوحوش والذئاب، وكانوا يدفنونهم تحت الثلج، لافتقارنا إلى ما نحفر به الأرض، وتصوروا كيف يرى الإنسان عزيزا عليه وجثته أمامه ولا يستطيع دفنه بما يليق به، والأسوأ من ذلك أن ترى جثته تتفسخ ورائحتها تزكم الأنوف، إنها بحق مأساة لا يتصورها بني البشر، وبعد وصولهم إلى صحراء آسيا الوسطى، وتحديداً في منطقة مقفرة تغطيها الثلوج وخالية من الحياة والبشر تدعى (كاسكه بولاك)، أعطوهم الخيام التي لا تقي من البرد والثلج، فكانت كل خيمة تتسع لعشرة أشخاص، وكان الأطفال والنساء يسكنون معاً، بينما الرجال في خيم منفصلة، بهدف تشتيت العائلة الواحدة عن بعضها البعض، وعندما حل فصل الربيع بدأوا يبنون بيوتاً من الطين، ويسكنون فيها، وعندها شعروا بدفء الحرارة، وصارت الأحزان تتلاشى عن ملامح وجوهم.
ويتابع الدكتور ناديروف أحد الذين شاهدوا تلك المأساة: في إحدى ليالي شهر نيسان وصلت إلى تجمعنا في المخيم سيارات عسكرية، فاختبأ رجالنا في الوديان خوفاً منهم، وخرج من السيارة اثنان من (KGB= اسم جهاز المخابرات السوفيتي) وأخبرونا بأن مجيئهم هو بأمر من القيادة في موسكو القاضي بأخذ كل من بلغ الثامنة عشر إلى الخامسة والستين من الرجال لتشغيلهم في الدوائر الحكومية، من أجل كسب قوتهم وقوت عيالهم، فزغردت النساء وتهللنا نحن الأطفال بهذا النبأ السار مقلدين أمهاتنا. وهكذا تم تجميع ستين فرداً منا واركّبوهم في تلك السيارات ومضوا بهم…. ولم يعودوا بهم حتى يومنا هذا!! وكان من ضمنهم أخي وعمي وكثير من أقربائي.
وبعد انهيار الإتحاد السوفييتي في العام 1991م، فتش في الأرشيف السوفيتي، فتبين إن الأكراد الذين تم أخذهم بالسيارات العسكرية قد تمت تصفيتهم ودفنهم في مقابر جماعية في مدينة (شمكينت) في جنوبي كازاخستان على حدود أوزبكستان. وتم اكتشاف تلك المقابر الجماعية في حديقة المدينة، وعثر فيها على رفات أكثر من مائتي شخص كردي تم قتلهم أثناء الهجرة القسرية الأولى عام 1937م، وقامت إدارة المدينة مشكورة ببناء نصب تذكاري للضحايا عام 1996م، ومتحفاً عام 2003م، ودعت الحديقة باسم (كين باباي)، لتذكر العالم بجرائم الأممية الشيوعية والنظام الستاليني الوحشي بما اقترفوه بحق الإنسانية، حقيقة لقد تشابه الدكتاتوران (ستالين) و(صدام حسين) في قتل الأكراد ودفنهم في المقابر الجماعية… وهكذا يتمت حكومة العمال والفلاحين العائلات الكردية المهجرة قسراً- وبلا سبب- وقضت على أحلامهم وشتتهم عن أقاربهم وصادرت أرضهم، وستبقى هذه الجريمة البشعة وصمة عار في جبين الشيوعية الى أبد الأبديين، فتعساً لحكومة العمال والفلاحين .
نصب تذكاري للمقبرة الجماعية لأكراد كازاخستان
ويروي السيد (محمد سلو بابايف) بعض ظلم الشيوعيين للأكراد،فيقول: أن السيد كنياز بدربيك تخرج في كلية لينينغراد، وكتب عدة رسائل إلى القيادة الشيوعية، وطلب بإرجاع كردستان الحمراء، لكن القيادة الشيوعية كانت تهمّش هذه الرسائل، فرُحِلَ السيد كنياز بدر بيك مع (150) من أفراد عائلته إلى تركيا بسبب هذه المطالب.
ويتابع الحديث فيقول: …كنت مديراً لأحد المراكز الزراعية في منطقة ماسيس التابعة لأرمينيا, وفي عام 1969 رشحوني لمنصب رفيع؛ لأنني كنت أجيد عدة لغات كالروسية، والأرمينية, والأذربيجانية، والكردية, وقال لي المسؤول الحزبي للمنطقة: أنت تستحق هذا المنصب، ولكنك لست أذربيجانياً، ولا أرمينياً؛ أنما أنت كردي؟ ولا يسمح للكردي بأن يكون في هذا المنصب الرفيع!! يقول: اتجهت إلى الجبل وصرخت باكياً عدة ساعات… هكذا كانت تعاملنا السلطة الشيوعية.
ويتحدث المهندس (زاهر عفدي صاديكوف) عن ظلم الشيوعية للكرد، فيقول: لا أريد أن أتذكر الكثير، ولكني أريد قول هذا، إنه في عام 1980 جرت في موسكو الألعاب الأولمبية، فقررنا أن نحضر تلك الأولمبياد، وقبل سفرنا بأربعة أيام اجتمع بنا المدير العام للشركة، وقال: لا أريد أن أزعج أحداً منكم، ولكن لا يستطيع بعضكم حضور الأولمبياد! وأخرج ورقة من حقيبته، وقال: هذا القرار من موسكو: لا يسمح بالدخول إلى موسكو كل من الأكراد والقرباط قبل بدء الأولمبياد بأسبوع. لقد تجمّدت في مكاني، قارنونا بالقرباط وأنا نائب المدير العام. وأشار المدير بأصبعه إليّ وقال: هذا أمر من موسكو….بعدها اتجهت إلى مكتبي وبكيت لساعات…. لكن ما العمل؟ هكذا قدرنا وكأنَّ على جبيننا مكتوب علينا أن نظلم أينما كنا…!!!
ويقول الاقتصادي (د.عزيز زيا بدرخان عالييف): في عام 1944م كان والدي في الجبهة يحارب النازيين الألمان، وقامت الحكومة الشيوعية الستالينية بتهجير عائلتنا قسراً إلى آسيا الوسطى، هكذا كان يحاربنا ستالين, تصوّروا الأب في الحرب يدافع عن حكومة ستالين، وستالين يقوم بتهجير الكرد من ديارهم و ديار أجدادهم!!
ويقول (زاهر عفدي) مسئول العلاقات الخارجية في الجمعية الكردية الكازاخستانية: كانت القوميات الأخرى تكره الأكراد، مثلاً في أرمينيا، كان الكردي (ماماد سليمان باباي) مسئولاً في الحزب الشيوعي، وكانت له مكانته، وعندما رشح لمنصب حزبي رفيع رفض من قبل القيادة الحزبية الشيوعية، بسبب كونه كردي، وعندما ذهب إلى المسؤول الحزبي في يريفان، قال له: حرام أن تكون كردياً، وأنت المثقف الواعي؛ لكنك كردي، ولا أستطيع أن أوافق على ترشيحك.
ويروي السيد (ساري حسينوفيح اصلانوف) أحد الأكراد الذين خاضوا المعارك السوفيتية ضد فنلندا وألمانيا – في الحرب العالمية الثانية- عن الهجرات القسرية التي تعرض لها الكرد من قبل ستالين، ويقول:ليعرف الكرد بأننا شعب خلقنا لنحرر الشعوب الأخرى، ونفكر بجيراننا، ونشعر بآلام الآخرين قبل أن نفكر بأنفسنا، ومشكلاتنا، وقضيتنا، وعلينا أن نتعلم من الاعيبهم الماكرة، ووعودهم الكاذبة. لقد ولدت في عام 1918م، في قرية (نكلاكيفي) التابعة لمنطقة أسبيسكي في جمهورية جورجيا السوفيتية الاشتراكية، وبعد الانتهاء من دراستي المتوسطة اتجهت إلى (يريفان) عاصمة أرمينيا، وهناك تابعت دراستي في المعهد التربوي، في قسم اللغة الكردية اللاتينية في عام 1936م.
وبعد تخرجي عملت مدرساً لمدة سنة في قريتي، وبعد ذلك تزوجت، ثم طلبت للخدمة العسكرية أيام الحروب السوفيتية – الفنلندية، وأرسلت إلى جبهة القتال، وهناك حاربت أعداء السوفيت في فنلندا ومن ثم في ألمانيا، ولم استطع البوح بأنني كردي، وأتذكر مئات الشهداء الكرد الذين قضوا في هذه الحرب؛ لأنهم كانوا في مقدمة الجيش الروسي.
بعد الانتصار على الفنلنديين اتجهت إلى أوكرانيا، وبعدها إلى مالدافيا، ومن ثم إلى بولونيا وحررت مع الجيش الروسي كل المدن التي دخلوها، وفي 22 -6-1941م نقلوني مرة أخرى إلى الجبهة ضد ألمانيا الفاشية حتى وصلنا إلى النمسا، وهناك رفع علم الانتصار في فينا، وقد جرحت في عام 1943، وبقيت أكثر من ستة أشهر في المشفى، وبعد العلاج التحقت بالجيش حتى انتصرنا على ألمانيا، وفي عام 1945 بقيت سنة في النمسا، ثم أرسلوني إلى أهلي في عربات القطارات بفرح وأغاني الانتصار.
رجعت إلى قرية (نكلاكيفي) في جورجيا، وعندما اقتربت منها شعرت بأن الوضع غير طبيعي، وأن الخراب قد حل في قريتي، وعندما اقتربت من بيتي وجدت فيه عائلة جورجية فسألتهم: “هل تعرفون أين أهلي؟ فقالوا: هجّروا الى آسيا الوسطى، وعند رجوعي سمعت صوتاً ًيصرخ نحوي، فإذا هي مُدَرِسة القرية السيدة (أولغا) فقالت لي: “يا ساري، كتب لك صديقك (علي الشان) رسالة يقول فيها: “بأنه موجود في كازاخستان”.
اضطررت أن ابقي هناك حتى أستلم أوراقي التي تثبت بأنني حاربت الألمان، وكنت من أبطال الحرب، ثم استلمت كل أموالي، واتجهت صوب كازاخستان. وفي حدود شهر تقريباً كانت أفتش عن أهلي حتى وصلت إلى مدينة (ألماتا) العاصمة، وفي السوق الأخضر التقيت بشقيق زوجتي، وأخذته بالأحضان وبكيت، فقال لي:”أننا استلمنا خبراً في عام 1943 بأنك استشهدت في الحرب لكن – الحمد الله- الخبر ليس صحيحاً، وسألته عن أهله وأقاربه؟ فقال: أنهم بخير، ويسكنون في (جمبول) التي تبعد عن المآتا حوالي 48كم، فأخذني إليها، وبتُ عنده في تلك الليلة، وفي الصباح الباكر ذهبت خارج البيت وشاهدت زوجته وهي تنشر الغسيل، فركضت صوبها وقلت: هل هذا خيال أم حقيقة؟ هل رأيتي زوجتي (جيجاك)، فبكت، وقالت: يا أخي ساري، هي ماتت بالنسبة لك (أي تزوجت شخصاً آخر).
ويتابع ساري الحديث:……عندما انتصرنا على الألمان فرحنا كثيراً بأننا انتصرنا على الظلم. لكن عندما أتيت فرحت معاً بالانتصار، وندمت لأننا كنا نقول نحارب الظلم والفاشية. حقاً الفاشية هو النظام الشيوعي الذي هجر أهلي قسراً، وأخذ يبكي… ثم يصمت قليلاً …ويقول: كم هو صعب جداً أن يلحق الظلم بالكرد، الكثير منهم استشهد في الحرب مع الفاشست، وأهل هؤلاء الشهداء هجروا قسراً رغماً عنهم، فستالين أكبر فاشي في العالم، ولم استطيع القول بأنه ضد الكرد فقط، وإنما هو ضد كل القوميات الأخرى، وضد الإنسانية جمعا.
لم أعرف لماذا هجروا الكرد؟ ولكني أعتقد بأنهم كانوا يريدون مثل بقية القوميات أن ترحل من جورجيا موطن ستالين. فالسلطة الشيوعية أرهبت جميع الأقليات ولكن بشكل خاص الشعب الكردي، فطهروا جورجيا من بقية القوميات، وهجروهم ثلاث هجرات، وأرهقتهم في قعر دارهم لدرجة بان الكثير من الكرد سجلوا قوميتهم أتراكاً أو أذربيجانيين، ليس فقط أرهقوا الكرد وإنما قتلوهم ودمروا شعورهم…
فيما بعد عاش المناضل (ساري) في (جاناتورمز)، وعمل في سافخوز (الجمعية الفلاحية) كونه مشاركاً في الحرب العالمية الثانية، ورفع العلم السوفيتي فوق مدينة (فينا)، وحصل على عدة جوائز، لكنه بقي دون هوية أو جنسية حتى 1959، حتى سجل نفسه وقال أنا كردي. وعندما رأى بأن الموظف كتب بدل ذلك أذربيجاني، فقال له: لكني كردي، فقال له: ألست مسلماً؟ فقال: نعم. لكنني كردي، فقال له لا فرق بيننا نحن مسلمين، فقال: إذا لا يوجد فرق فسجلني كردي، وسجل نفسك كردي أيضاً، فصرخ به وقال: أذهب وسجل نفسك كردي في مكان آخر، والله سيغضب منك لأنك ترفض بان تكون أذربيجانياً مسلماً، وخرج من عنده بدون هوية ….؟؟؟!!!!!
وفي عهد خروشوف سمح للجميع بالعودة الى ديارهم، وفي عام 1959م أراد (ساري) الرجوع إلى مسقط رأسه (نكلاكيفي) في جورجيا، لكن منع من دخولها، فاتجه الى أذربيجان وعمل في تعليم المهن حتى عام 1971، ثم تعب من معاملة الأذربيجانيين له الذين كان تعاملهم أبشع من الأتراك مع الكرد، فعملوا على طمس الهوية الكردية عن أكرادها، ولم يسمحوا لأحد بالتحدث باللغة الكردية حتى في منازلهم، وكانوا يضايقونهم، ويرددون: بأن المسلمين أخوة، وعلينا أن نتعلم الأذرية، ونقول: نحن أذريين. ونتيجة للمعاملة السيئة رجع (ساري) إلى كازاخستان بإرادته، من أجل قضاء بقية حياته مع أقربائه هناك… .
وخلاصة القول، لقد تم طرد الأكراد وتهجيرهم قسراً من الدول القفقاسية (جورجيا، أرمينيا، أذربيجان) منذ أعوام 1937، 1940-1946م إلى جمهوريات آسيا الوسطى، ومات الكثير منهم برداً ومرضاً وجوعاً، وأمر طردهم صدر من القيادة العليا في موسكو أيام الدكتاتور (ستالين)، وستبقى هذه المأساة المفجعة تبين للعالم الحر كيف كان الروس يعاملون الأكراد المسالمين في زمن الدولة الشيوعية التي كانت تتبجح بنصرة المظلومين والكادحين والمزارعين والعمال، فتعساً لتلك الأفكار التي كشف زيفها، وانهار بسببها الاتحاد السوفيتي من الوجود، وتفكك الى غير رجعة، ورحم الله أكراد روسيا الأبرياء الذين قتلوا ظلما وعدوانا، أنه قدر الكرد أن يظلموا في كل مكان يتواجدون فيه….!!! .
الوجود الكردي في كازخستان:
أكراد من كازاخستان
إن أغلب الأكراد الموجودين اليوم في جمهوريات آسيا الوسطى وخصوصاً في كازاخستان قد انحدروا من منطقة جبال القفقاس (أرمينيا، ومن كردستان الحمراء في أذربيجان، وجورجيا) بعد التهجير القسري الذي تعرضوا له من قبل السلطة الشيوعية الستالينية, وعندما وصلوا إلى كازاخستان تمركزوا في ثلاثة أقاليم، وهي: ألمآتا، جامبو، جمكند، وبتحديد سكنوا في مناطق تراز وريفها، شمكينت وريفها، المأتأ وريفها, كسكيلين, إيسك, زريا فاستوكة, جانا ترمز, كمسمولسكايا, عشقي بولاك, تولكي كورغان…
وقد أشار الدكتور نادر نادريوف إلى أن الشعب الكازاخي استقبل الكرد بالترحاب واللطف، لكنهم كانوا يخافون من السلطة الشيوعية آنذاك، ويشاطره الرأي السيد حسين ساري أصلان الذي يقول بأن الكازاخ المسلمين عاملوا الكرد معاملة حسنة، ومع مرور الزمن أصبحوا أصدقاء لهم وجيران، ويسجل لهم الدور الإنساني في المحافظة حياة الكرد وبقائهم على قيد الحياة، فقد هجر الكرد قسراً في أيام الشتاء ذات البرد القارص، وأخذهم الكازاخ إلى بيوتهم، وهناك بقوا ما بين أعوام (1945 -1957) لا يستطيعون التحرك من مكان إقامتهم الى أي مكان آخر، إلا بإذن من السلطة الموجودة في المنطقة، وبموافقة عليا من اللجنة الحزبية الشيوعية.
في كازاخستان اليوم تعيش جالية كردية يقدر عددها بما يزيد عن (22) ألف كردي. ويقدر الدكتور محمد البرازي عددهم الفعلي برقم يتجاوز (100) ألف نسمة، ولو أجريت إحصاءات دقيقة هناك فسوف يتخطون الرقم السابق، ولكن إحصاءات عام 2010م تقدر عددهم بنحو (43) ألف كردي فقط، وسبب ذلك أنهم عندما تم تهجيرهم إلى كازاخستان سجلوا قوميتهم كأذربيجانيين أو أرمن أو أتراك خوفاً على حياتهم من السلطات الروسية، علماً بأن الدولة الكازاخستانية لم يكن لها أي طرف في الموضوع، وليس لها عداوة تاريخية أو سياسية مع الأكراد، وقد صرحت وزارة الداخلية الكازاخستانية عن ذلك، وقالت: بأن الأكراد هم الذين قاموا بتسجيل أنفسم تحت مسميات القوميات الأخرى.
لذلك قامت (جمعية الصداقة الكازاخستانية الكردستانية) على إعادة الهوية القومية لبعض الكرد المسجلين باسم قوميات أخرى، فتم تصحيح الهوية القومية لنحو (3) آلاف كردي، وهذا العمل تستحق الشكر عليه .
كما يحتل بعض أكراد كازخستان مراكز مرموقة في مفاصل الدولة، فبرز منهم عدة شخصيات في المجال العلمي، ومنحتهم الدولة أوسمة رفيعة تقديراً لما قدموه من خدمات عادت على البلاد بالسمعة الطيبة، والفوائد الجمة. ويقف في مقدمتهم الأكاديمي د. عزيز زيا بدرخان الحائز على جائزة الدولة الذهبية من الدرجة الأول، حيث قلده هذا الوسام رئيس الجمهورية (نور سلطان نزربايف) بتاريخ 27 نيسان عام 2012م تقديراً لجهوده التي قدمها لدولة كازاخستان
العشائر الكردية في كازاخستان:
توجد عدة عشائر كردية في كازاخستان, منها: عشيرة بروكه، وتنقسم إلى قسمين: الأولى، بشكه، وأغلب أبناء هذه العشيرة متعلمون ويحملون الشهادات العليا مثل الأكاديمي د.نادير كريموفيج ناديروف العالم النفطي المعروف، والحائز على الجوائز العالمية. والثانية، قركه، وأبناء هذه العشيرة نسبة التعليم بينهم قليلة، ولا يوجد بينهم أسماء معروفة، ويسمونهم أكراد القفقاس، وهناك عشيرة الجلاليه, ومرتفه, وميليه, والإيزيديون. ويسكن الكرد في الأرياف والمدن، ولكن الأغلبية تسكن في مناطق :ألماتا، وشمكينت، وتراز، وأريف.
تقول الأمهات الكرديات هناك:”أينما كنا لم ننس عاداتنا و تقاليدنا”. وللأسف فإن أغلب النساء الكرديات هناك أميات, وتوجد نسبة محددة بينهن ممن أكملن دراستهن, حيث يتزوجن وهن في ريعان الصبا، ولذلك لم يستطعن إكمال دراستهن. ولباس المرأة الكردية في كازاخستان ينقسم إلى قسمين: جيل الشابات ويلبس الشكل الحضري، أما المسنّات فيلبسن الكوفي، ويزينّها بالفضة والخفتان الكردي، وهذا اللباس يذكرنا بلباس نساء أكراد سورية لا سيّما في منطقة (كوباني)، إذ إن النساء هناك يلبسن اللباس نفسه، فالكوفي غير موجود في كردستان العراق وإيران وتركيا, لكنه موجود في سورية.
الزواج عند أكراد كازاخستان يكون في سن مبكرة، فالبنات يتزوجون في سن الثامنة عشرة أو العشرين, وأغلب الزواج يكون متفقاً عليها مسبقاً من قبل الأب والأم، فيخطِبون، والأولاد يوافقون، ولا يجوز أن يرفض طلب الأهل، ويتزوجن من الأقرباء أي من ابن العم، علماً أن زواج الأقرباء كان ممنوعاً في زمن الشيوعية .وعلى العموم فأن أكراد كازاخستان لا يزالوا الى اليوم محافظين على اللغة والعادات والتقاليد الكردية، بالرغم من ابتعادهم عن الوطن والأقرباء في القفقاس وكردستان الكبرى.
وهم يتعاملون بشكل جيد مع الأذريين والأتراك المحليين والأرمن. و يكتبون الآن بالكردية اللاتينية. وأغلبهم يجيدون اللغات الأرمنية أو الأذربيجانية أو الروسية. ومعروفين من قبل الجميع، وهناك الكثير منهم من يعمل في الجامعات، والمدارس، ومنهم: الأطباء، ورجال الأعمال. كما يعمل بعضهم في التجارة، والمقاولات، والتدريس، والرعي والزراعة.
من الأدباء والشعراء الكرد في كازاخستان:
يوجد عدد لا بأس به من الأدباء والشعراء الكرد في كازاخستان، مثل:الشاعر والكاتب حسن حجي سليمان، وهو أيضاً رئيس تحرير جريدة (جينا كرد). والشاعر مجيد سليمان، صاحب قصيدة:”ولاتي مه كردستانه، جيي مه سكه ني مه كردانه، ولات كانيا زيرانه كرد هه مو برانه”. التي تغنيها الفنانة الكردستانية المشهورة (كلستان برور).
وهناك الكاتب كنياز إبراهيم، والدكتور نادر كريموفيج نادروف مؤلف كتاب “نحن كرد كازاخستان”، ويعكف على تأليف كتاب” أكراد العالم”، وله مقالات عن الملا مصطفى البرزاني باللغة الروسية، ومؤلفات تدرَّس اليوم في أمريكا ومعظم الدول الأوربية، وفي روسيا، وكازاخستان. وهناك الكاتب والناقد والشاعر علي عبد الرحمن. وله العديد من المؤلفات .
الجمعيات الكردية في كازاخستان:
في عام 1992م تشكل اتحاد الجمعيات في كازاخستان، وتأسست الجمعية الكردية في عام 1993م باسم ( يه ك بون)، واختير المؤسس د. عزيز زيا بدرخان عالييف أول رئيس للجمعية من عام (1993 -1995م)، وتلاه السيد بدر الموسى (1995-1997م)، ثم تلاه البروفيسور كنياز إبراهيم ميرزايف عام 1997م، ثم الأكاديمي الدكتور نادر كريموفيج نادروف (1997-2003م)، ثم عاد السيد كنياز إبراهيم ميرزايف لرئاسة الجمعية مرة أخرى، ويحتل السيد زاهر عفدي مسؤولية العلاقات الخارجية لهذه الجمعية.
ولدى اتحاد الجمعيات الكردية فروع عديدة؛ في كل من مدن: شمكينت, و تاكي كورغان, وكركندي, وألمآتا. ولدى هذه الفروع فرق موسيقية؛ مثل: فرقة كردستان الموسيقية، ومقرها في كسكيلين. وفرقة ميديا الموسيقية، ومقرها في جانا ترمز. وفرقة ميديا الموسيقية، ومقرها في شمكينت. وفرقة الدبكات الكردية. وفرقة الفلكلور الكردي للأطفال.
وقد شاركت هذه الجمعية في متحف إتحاد الجمعيات الكازاخستانية، وحصلت على قسم في المتحف تحت اسم (الجناح الكردي)، كما شاركت أيضاً في الأندية الرياضية في اتحاد الجمعيات الكازاخستانية، وحصل فريق كردستان على المركز الثالث، وقامت الجمعية بفتح قسم لتدريس اللغة الكردية في مدرسة الأحد، وحصل مدرسو اللغة الكردية على الجوائز الفخرية، وطبعت كتب باللغة الكردية بالأحرف اللاتينية من أجل تدريسها في المدارس الكردية، وهذه الجمعية تحتفل بالأعياد القومية، مثل: عيد المرأة، وعيد نوروز، وتشارك في الأعياد الوطنية والقومية الكازاخستانية. كما أن اتحاد الجمعيات الكردية في كازاخستان يصدر جريدة فصلية .
مقالة منشورة في موقع خبر 24 لدكتور . محمد علي الصويركي[1]