#عزيز الحاج#
هي أوراق متناثرة، متباعدة زمنيا، تدفعني لكتابتها أحداث اليوم، وإلقاء نظرة أحيانا على أوراقي بالأمس.
من قبل، كنت في عنفوان النشاط، وتمام الصحة، واليوم هي متاعب الصحة، ووطأة الشيخوخة، ولكن الكتابة عندي تصل لحد الهوس الغريزي، منذ صباي، فتحثني على الكتابة ولو كانت بضعة سطور.
1 - من أوراق اليوم:
سمعت قبل شهور مغنيا فرنسيا يقول:
بمقدار ما تكون حقائبنا عامرة بالعاطفة، فنحن أغنياء. ليس ضروريا فتحها جميعا، بل المهم أن نعرف أنها موجودة هناك.
كلما أشاهد ريبورتاجا جديدا عن تلك الجمعيات الطوعية الأمريكية، والفريق المكلف بالتنسيق، واتخاذ القرار، أقول: ما أروع حب الآخر. العائلات التي تبدأ حياة جديدة تقول على لسان أم لوري: ما أسعدنا لرؤية كل هذه المئات التي جاءت للتعاطف معنا، وكم ستكون الحياة أفضل لو ساد مثل هذا الحب المتبادل. لم نكن نتصور وجود مثل هذه العواطف. أما عمال البناء والمقاولون، وفريق التنسيق بين الجمعيات، فقال ممثل عنهم في إحدى عمليات الإغاثة:
مر علينا أسبوع من العمل، كان أسعد أسبوع في حياتنا.
كم أومن بالإنسان حين أسمع عن، وأشاهد، تدفق العاطفة النبيلة، الصافية، وكم أكفر بالإنسان حين أعرف أن معظم المآسي والفظائع والجرائم، هي من فعل الإنسان؛ أما عندما يجتمع الغضب الحاقد لبعض أصناف البشر بغضب الطبيعة، فالكارثة مزدوجة.
أمامنا اليوم ضحايا إعصار بورما وفيضاناته. أكثر من 100000 قتيل، ومئات الآلاف من المشردين الذين لا يجدون حتى طعاما، وماءً صافيا، فيما الجثث تطوف، وثمة أطفال متروكون لوحدهم بعد فقدان عائلاتهم.. ليست هذه المحنة من فعل الطبيعة وحدها، بل هي كذلك بسبب سياسات وممارسات الزمرة العسكرية، الفاشية الحاكمة، التي تستخف بمآسي الجماهير، حتى أنها تمنع الإمدادات الدولية عن الضحايا وتعطل في المطارات عشرات الأطنان من الطعام واللباس تبرعات بعض المنظمات الإنسانية الدولية، وهذا مما دفع بالحكومة الفرنسية لطلب تدخل الأمم المتحدة لكي تلزم نظام بورما بقبول مساعدات الإغاثة الدولية. أما الصحفيون الأجانب فيُمنَعون منعا باتا من التواجد في البلد لمتابعة تطورات النكبة. إن هذا النظام الشمولي الدموي هو أيضا الذي يسحق بالنار والحديد حقوق الأقليات في البلد، ولكنه متحصن بالدعم الصيني المتواصل! إن موقف حكام بورما من ضحايا الإعصار والفيضانات نوع جديد من عملية إبادة، كالتي يمارسها في دارفور الحليف الآخر للصين، نظام الخرطوم الإسلامي.
أمس كنت أكلم شقيقتي في بغداد سائلا عن أحوالهم، فتحدثت عن هجمة الغبار الأصفر، [ الطوز كما يقول العراقيون]، وكيف ينفذ من الستائر، والنوافذ المغلقة فيخنق أنفاسهم وهم في الحر، ومع انقطاع الكهرباء. أردفت شقيقتي بقولها: لقد انصب علينا غضبان، فعل الغبار، وفعل البشر.
حرب ذهب ضحيتها 50 مليونا:
تحل ذكرى نهاية الحرب الدولية الثانية، التي كلفت البشرية أكثر من 50 مليون قتيل، عدا الجرحى، والمعوقين. فمن المسئولون غير وحوش آدمية محسوبين على البشر، النازية، والفاشية، في مخططاتهما للسيطرة على العالم، وفرض القهر والخنق وحرق الأقليات؟
لم تكن دروس الحرب كافية لبعض البشر، ولا مآسيها المروعة عبرة، فقد نشأت بعد الحرب أنظمة شمولية قمعية، متعددة الأصناف، والماركات، ومن ستالينية وماوية، وصولا لنظامي البعث قي دمشق وبغداد، والنظام الإسلامي الشمولي في طهران. إن المشترك بين الجميع احتقار الإنسان والحياة، والتضامن والحب، وسحق كل حرية بالحديد والنار. إنهم بالعكس تماما لما يقوله المغني الفرنسي عن حقائب العواطف.
الكابوس!
قبل ثلاثة أيام اصطادني مرة أخرى الكابوس البشري إياه، فتحول ليلي لسلسلة من كوابيس مروعة، لولا صورة خاطفة لأمي وأنا واضع رأسي في حضنها.
دعوني أحدثكم عن هذا الكابوس الآدمي، وهو لبناني فرنسي، يسكن عمارة مقابلة منذ سنوات، ولكن لم يحدث أن سلمنا الواحد على الآخر إذا مر الواحد بالآخر؛ كابوس لي، بطاقيته السوداء، وسحنته الكريهة. اقترب مني قبل شهور فجأة وسألني عمن أكون، وقبل أن أجيب راح يهاجم بعنف فرنسا، والفرنسيين الصليبيين، الذين نهبوا بلداننا، وأفقرونا، وأضاف رغم ذلك يريدون وضع ضوابط للهجرة. بالطبع لم يسلم بوش الإرهابي الكبير من هذيانه الذي يدعوه العراقيون بالخرط. لقد تحملته، ولم أجب، لمعرفتي أن مجادلة الجاهل والمغرض تنقلب عليك، وقديما قيل إذا جادلت الجاهل غلبك.
تصورت أن الأمر سيقف على ذلك اللقاء العابر، ولكنه ظل يتحين فرصة لرؤيتي، ولو من بعد كيلومتر، ليقبل علي، ويمطرني بمحاضرة جديدة، مكررة، ولذا صرت أتهرب منه، وأبدل طريقي، ولكنه غالبا ما يصيدني، وكأن له رقيبا علي! تظاهرت أكثر من مرة أنني بحاجة ماسة للذهاب لدورة المياه، غير أنه ظل يتشبث كما يتعلق العلق. ذات مرة ضقت ذرعا مرة، وتركته مودعا، شبه راكض، قائلا عفوا، يجب أن أدخل المرحاض حالا، وأنا أقول له مع نفسي:
ولماذا لا ترجع لحضن حزب الله؟ لماذا تقبل مساعدات الصليبيين، الذين يوفرون لك السكن، والمورد، والعلاج الطبي؟؟. أما اللقاء الأخير غير المتوقع أيضا، والذي سبب لي الكوابيس في النوم، فقد أضاف فيه سلسلة من التصريحات والنعوت المبتكرة. قال أولا إن مسألة بن لادن هي قضية ثأر بين عائلتي بوش وبن لادن، لأن بوش الأب قتل والد أسامة! أما عن فرنسا فركز من جديد كل حقده عليها وقال:
أنا حامل شهادة دكتوراه وهذه شهادتي، وخدمت اللغة الفرنسية 40 سنة، ومع ذلك فحين أردت الجنسية الفرنسية طالبوني بتبديل اسمي الأصلي، وهو أحمد. لم أصح في وجهه أنه كذاب لأن ملايين من المهاجرين العرب والمسلمين، ممن يحملون الجنسية الفرنسية، محافظون على أسمائهم، ولا أحد يريد أن يفرض عليهم اسما أجنبيا. الشيء الوحيد أنهم في الأسئلة يسألون عما إذا كان الشخص يريد الحفاظ على اسمه، أم تبديله.
في أواسط الأربعينات قرأت كتابا جميلا جدا لمؤلفه المصري الدكتور حسين فوزي، بعنوان رحلة سندباد عصري، يصف تفصيلا يوميات رحلة علمية استغرقت تسعة شهور في مياه البحرين، الأحمر والهندي، وكانت في السفينة معهم القطة الشقراء مشمشة، التي تحولت بعد العودة إلى نجمة الصحافة المصرية. كتب فوزي:
قضيت أهم أدوار التكوين في أوروبا، فتمكنت أواصر حبي لحضارة الغرب، وتقوت دعائم إعجابي؛ ولما ذهبت للشرق، عدت لبلادي وقد استحال الحب والإعجاب إيمانا بكل ما هو غربي.
طرائف ذات علاقة بالعقليات المهيمنة:
في اليوم التالي من لقاء الكابوس اللبناني سرّى عني، وخفف من الوطأة، الصديق عبد الخالق حسين، زادتنا أفضاله، بإرساله نص فتوى لصاحبة الفضيلة أم أنس، قرأها على موقعها الألكتروني. الفتوى تحرم على المرأة الجلوس على كرسي، أو كنبة، لأنها في جلستها تفتح الفخذين فيأتي رجل من الإنس، أو الجن، فينكحها؛ إضافة إلى أن الكراسي، والكنبات، صناعة غربية نعوذ بالله منها. على الهامش نقول لهذه الشيخة الفاضلة: أليس الحاسوب والأنترنيت ابتكارا غربيا؟ فلماذا تستخدمينه يا ستي!
لقد قرأت كثيرا من الفتاوى منذ التسعينات، ولكن هذه الفتوى جديدة علي تماما. قرأت مثلا أن على الرجل أن لا يجلس على كرسي كانت امرأة جالسة عليه، وتركته للتو، لأن رائحتها وأنفاسها الأنوثية، ستغريه بالشيطان؛ وقرأت عن وجوب الحذر من الطماطم والخيار، لكونهما رمزين جنسيين..ألخ. أما تحريم الجلوس على الكرسي، فهذا جديد، وهو تحليق من الشيخة في دنيا الفتاوى.
إن الملاحظ هو أن فتاوى الأكثرية الساحقة من رجال الدين المسلمين، وعلى اختلاف المذاهب، تدور حول محور الجنس، وفتنة المرأة. فهل هذا مجرد صدفة؟؟!! هنا يستحسن أن نردد ما قاله الدكتور حسن حنفي في القاهرة منذ أيام. قال إنه إذا كانت المرأة تفتن الرجل، فهل ليس هناك رجال يفتنون المرأة؟ إذن لماذا لا يتحجبون، ويتقنعون!
في الفترة نفسها قرأت أن آية الله قربان آذادي في إيران، أصدر فتوى بتحريم لعابة باربي، وأقراص الموسيقى المدمجة، والأفلام الغربية، التي يظهر أن الشبان الإيرانيين يميلون لها.
أما المسكينة اللعبة باربي، فقد سبق لآيات الله منذ التسعينات منعها وتحريمها، لأن فيها الفتنة، ونظرا لانتشارها عهد ذاك في إيران، فقد استعاضوا عنها بدمية إسلامية، محجبة، ذات عباءة، وبيديها القرآن، وسجادة الصلاة. هذا الاختراع الإيراني راج ينتشر بسرعة في الدول الإسلامية وفي دول عربية خليجية.
أتذكر اليوم بالمناسبة، وعند مراجعة أوراقي القديمة، أنني سبق في حينه أن نشرت على لسان آية الله منهم أبياتا بتوقيع مستعار، منها:
شعلة الفتنة باربي إنها تملأ قلبي
عاشق يبغي وصالا وهي غضبى لا تلبي
لا أنام الليل إلا وهي طول الوقت جنبي
ألعن الحلوة في الفتوى لكي أملأ جيبي
ولدى العودة أبكي راجيا غفران ذنبي![1]