#عزيز الحاج#
حبيب كريم والقيادة المركزية...
يصعب علي وعلى المتابعين الموضوعيين والنزيهين، الذين كانوا في صميم الأحدث المارة في عامي 1967 و1968 ، متابعة سلسلة هذر وهذيان وهلوسات [ 14 حلقة بالتمام] هذا المريض المحموم، الذي لم يكن لا في العير ولا النفير، بل مجرد سائق سيارة حزبية تحت تصرف عزيز الحاج، في هذه الصحيفة الجديدة، التي استعارت اسم موقع تقدمي يساري معروف لتروج لأكاذيب هذا وذاك، ولاسيما ضد شخص الحاج. وقد سبق لي تكذيب بعثي سابق افترى من هذا المنبر نفسه، ربما لتأييدي لحرب إسقاط النظام السابق، ولرفضي ما سمي بالمقاومة الوطنية المزعومة، وإدانتي للإرهاب القوماني - الإسلامي.
القارئ الغشيم يتصور أن هذا البطل الخرافي الجديد، [الذي تتلمذ على السوبر بهلوان نوري، واشتراه كرقيب عليَّ يحصي ويراقب حركاتي، ثم لينقلب عليه اليوم ويهاجمه بلا رحمة،]، يدعي أنه كان قياديا في الحزب الشيوعي العراقي، فهو يتحدث بانبهار عن وكرنا القيادي متعمدا دوما ألا يذكر في أي مركز كان لأنه كان بلا منصب ما، وكيف دخل عزيز محمد ووجده مع أعضاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي في بداية عام 1967، وكيف شتم الراحل عامر عبد الله، قائلا له كيف صرت شيوعيا! كان يجب أن تكون بعثيا، ثم طرده من الدار- الوكر القيادي فهرب!!! وهناك: !!! عزيز الحاج الذي كان يخشى عزيز محمد، وبعد سطور عزيز محمد الذي كان يخاف عزيز الحاج!!! وكيف أن الحاج قال له في أول دقائق من وصوله الدار الحزبية المخصصة له سمعت الكثير عنك من شاكر محمود في براغ، وكأنه رمز شيوعي كبير كانوا يحدثونني عنه قبل وصولي بغداد، والحال، وكما كتبت في شهادة للتاريخ، فإنني لم أسمع باسم هذا الشخص إلا عند بقائي في الدار الحزبية مع عائلته. ثم إن سلام عادل أرسل الحاج لبراغ لأنه كان يعتبره مخربا، والحال أن كل مهماتي الحزبية بعد الثورة كانت المقالات والمحاضرات والعمل بين المثقفين. وكان سلام عادل صديقا قديما وليس مجرد رفيق مسؤول، وهو الذي رشحني للجنة المركزية رغم معارضة بهاء الدين ورغم تحفظي في البداية إذ كنت قد قرفت من المسؤوليات القيادية منذ أواخر السجن. وأما سفري لموسكو فبراغ، فكما ورد في مذكراتي وفي مقالاتي الأخيرة على هامش السيرة السياسية، لأن البعثيين وضعوني في قائمة الاغتيالات بسبب نشاطي الفكري ضد تنظيرات البعث والناصرية حول الوحدة الفورية. وهناك أيضا ومثلا، خرافة أن اللجنة المركزية قررت في أحداث 5 حزيران من عام 1967 خروج مظاهرة في بغداد يتصدرها عزيز الحاج، ولكنه جبن فلم تخرج المظاهرة. الغبي وحده يصدق أن قيادة حزب شيوعي سري، مطارد من رجال الأمن والعشرات من كوادره في السجون يقرر تعريض عضو في المكتب السياسي لخطر اعتقال أكيد بتصدره لمظاهرة تتحدى الحكومة! وهنا أيضا اختلطت التواريخ والأوضاع بفعل هلوسة حمى الحقد والتفاخر، فتصور أخونا أنه يتحدث عن أيار 1959 زمن قاسم، وعن مظاهرة الشيوعيين وفي المقدمة قادة الحزب.
وهناك التشنيع لأنني كنت أصف عبد الكريم قاسم بابن الشعب البار، وكأن هذا اللقب كان كبيرا لزعيم كان يؤمن بشعبه ونذر نفسه وحياته لصالحه، وعلما بأن مظاهرة أيار مارة الذكر كانت تهتف- وفي المقدمة القيادة الشيوعية- بشعار عاش زعيمي.. عبد الكريمِ.
الجاهل الذي يقرأ هذه الحلقات تتكون عنده أن القادة الشيوعيين كانوا يتآمرون بعضهم على بعض، وأن الحزب الشيوعي كان مجرد ساحة قتال ومكائد، ولم يكن بينهم من هو صالح غير فرد واحد هو اليوم حي يرزق في السويد قرب هذا الرجل المهووس بحب الظهور والحقد المركز. ومن يدري، فربما سينقلب عليه هو الآخر غدا أو بعد غد حين يكتشف أن الإغراء لم يكسبه الكثير! وإذ يكرر أسطوانة أن الحاج كان يخاف انكشاف الوكر الحزبي ويخشى الخروج، فالجواب أن المغامر المشتغل في العمل السري هو وحده الذي لا يخشى الوقوع بين أيدي البوليس. وأضيف أنني غالبا ما كنت أسوق السيارة بنفسي ووحدي، وأننا ذات ليلة سهرنا عائليا في شارع أبي نواس، وفيما بعد سهرنا في حدائق قرب القناة في الرصافة. ومرة خرجت من الدار وحدي ماشيا باحثا عن تكسي، فلما عثرت على سيارة ذهبت لعيادة زوجة هذا الرجل نفسه في مستشفى الكرخ، ناسيا الخطر الأمني. وكان ذلك مغامرة حقيقية وخطأ، ولكنه كان شعوري بالواجب تجاه العائلة.
هذه بضع لقطات من بهلوانيات وعنتريات وافتراءات رجل يزعم اليوم أن حبيب محمد كريم اشترى الحاج بثلاثة آلاف دينار أمام عينيه هو لغرض شق الحزب الشيوعي. والمؤسف أن نشرات سرية شيوعية كانت قد اتهمتني بمرافقة عناصر مشبوهة لكردستان، قاصدة سفرة لي مع حبيب، وبصحبة المرحوم حسين الكمر، لمنطقة بالك، للقاء رفاقنا ومنهم الراحل عبد الحميد الصافي، وأيضا للقاء رفاق تنظيم اللجنة المركزية للنقاش. وهو ما تم فعلا. ولم ندبر السفر بمعرفة وحضور الرجل المريض، بل ولا كان يعرف بالسفر. وأما قصتي مع حبيب، وهو قريبي، فإنني بعد تسلمي الإشراف على العلاقات الوطنية، ذهبت بصحبة السكرتير الأول لدار الصديق الغالي المرحوم حافظ القاضي في حي دراغ بالكرخ لبحث سبل التعاون مع الحزب الديمقراطي الكردستاني خارج الإقليم. أخذني السكرتير بسيارته، وفيما بعد، التقينا في نفس الدار للتفاوض وكنت وحدي وأسوق السيارة بنفسي. فكيف جاءت معلومة رجل لم يزر دار القاضي ولم يسمع عنه إلا بعد أن انتهت الأمور ونشرت معلومات منوعة ومبتورة ومشوهة غالبا، وكتبت مجلدات!! إنما هي نتف وقصص ومعلومات مبتورة سمعها من هنا وهناك، وبعضها صحيح وورد في كتبي نفسها، ولكنه لم يستطع هضم ما سمع وقرأ، فراح يؤلف كالروزخون المبتدئ وفق مرامه وللغاية التي وضعها أمام ناظريه، وهو التشهير الرخيص بالحاج وشتم قياديين سابقين آخرين في الحزب الشيوعي [وهذا إن كانت هذه الحلقات كلها من إنشائه وهو الذي لم أشاهده خلال شهور بقائي معه يقرأ صفحة من كتاب!؟؟]
لعل هذه الحملة التشهيرية المهووسة جزء من حملة منظمة نتابعها اليوم ضد الحركة اليسارية العراقية، كجزء من حرب إعلامية ضد القوى والشخصيات العلمانية والتقدمية العراقية. ومما قرأت أيضا بهذا الصدد مقال في موقع إيلاف باسم د. سوزان الخالدي، تدعي كاتبته أن الحزب الشيوعي كان يمارس الطائفية ضد الشيعة منذ 1959، وأنه عادى المرجعية الشيعية التي أدانت تشجيع الحزب للإباحية والانحلال الخلقي؟ والحال أن المرجعية هي التي شنت حملة تكفير وتجريم ضد عبد الكريم قاسم والشيوعيين معه بعيد صدور القانون المدني للأحوال الشخصية الذي ساوى الجنسين في الميراث. وحسبما يرد في كتاب الشيعة والدولة القومية لحسن العلوي فإن زعيم حزب الدعوة، الذي كان قد تأسس في ذلك العام نفسه وليس قبل الثورة، ومنظره ومرشده، المرحوم محمد باقر الصدر كان ينشر بتواقيع مستعارة مقالات ضد الثورة وقاسم والشيوعيين في صحيفة الحزب الإسلامي العراقي، الذي كان حزب الإخوان المسلمين في العراق.
كلا وألف كلا، لا حبيب ولا زعيمه الراحل مصطفى البرزاني كان لهما أي دور أو مجرد تشجيع لقيام حركة القيادة المركزية. وكما بينت ذلك مرارا، ومنها في شهادة للتاريخ وقبله في حدث بين النهرين وأماكن أخرى، فإن البرزاني أبدى انزعاجه من الحركة عند مقابلتي له مع المرحوم دارا توفيق، بل وعرض عليَّ التوسط، فأجبت بلباقة بأن المشكلة بين إخوان. وكما بينت أيضا، فإن البرزاني كان وفيا للسوفيت، والسوفيت انزعجوا من حركتنا، وأدانوها واضطهدوا من أيدها أو انخرط فيها من الطلبة العراقيين الشيوعيين في موسكو خاصة. وقد طُرد جمشيد الحيدري من البلاد، وجرى فيما بعد اعتقاله في قصر النهاية. وعن قصة الدنانير، فلو كان عندنا ثلاثة آلاف دينار في ذلك الوقت العصيب علينا ماليا، فربما لما غدر بي الرجل المهووس إياه- شفاه الله وأمثاله!
إن التاريخ لا يرحم أحدا. وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح.[1]