#عزيز الحاج#
من الصدف المثيرة تزامن عيدي الربيع وعيد النضال الكردي... نوروز. وكما لا تيأس الأشجار عندما يجردها الشتاء من ثوبها الأخضر الجميل ومن موسيقى الطيور، فتقاوم حتى تتدفق فيها الحياة بكل عنفوان، فكذلك الشعوب المناضلة من أجل حريتها، لا بد من انتصارها في آخر المطاف، مهما طال وتوحش شتاء الأنظمة الغاشمة واستهتار صناع الكراهية وأبطال التهميش والإقصاء.
الأمة الكردية المجزأة مرت منذ أواخر القرن التاسع عشر وليومنا بسلسلة مراحل وأطوار من النضال والمطبات السياسية والهزات وتدافع المصالح والمناورات الدولية والإقليمية. وكان الدم الكردي ينهمر انهمارا مرة بعد مرة في انتفاضات وعمليات تمرد مسلحة، وبقيادات كانت أحيانا تشتط وتنحرف، ولا تحسن قراءة موازين القوى، فيقع الشعب ضحية أخطاء قادته وعدوانية الشوفينية والحسابات الدولية. ومع أن اتفاقية [سيفر] بعد الحرب الدولية الأولى أقرت لأكراد تركيا بحق الدولة المستقلة، إلا أن هذا المكسب سرعان ما طمر في سوق السياسات والمساومات الدولية والتركية.
وفي إيران، تأسست بعد الحرب العالمية الثانية جمهورية مهاباد ذات الحكم الذاتي، ولكنها راحت ضحية الغدر السوفيتي ووحشية النظام الإيراني، وصولا لنظام الفقيه الذي كافأ المشاركة الكردية الفعالة في الثورة بحملة وحشية على القرى الكردية والحزب الديمقراطي الكردستاني، بعد أن أطلق خميني لقب أبناء الشيطان على الأكراد. ثم لاحق زعيم الحزب الكردستاني الفقيد قاسملو إلى فينا لاغتياله غدرا مع رفيقيه.
وعرف العراق سلسلة انتفاضات وحركات كردية مسلحة، كانت تقمع، علما بأن الانتداب البريطاني منح الأكراد حق استعمال لغتهم الخاصة وتعيين موظفين أكراد في الإقليم، وهي حقوق كانت تضرب باستمرار. وكانت القيادات الكردية معرضة للوقوع في فخاخ المطبات، كما وقع مثلا مع رفع السلاح ضد حكم عبد الكريم قاسم الذي أعاد من المهجر المرحوم الملا مصطفى البرزاني واعتبر رسميا أن العراق شراكة بين العرب والأكراد.
أما أكراد سوريا، فقد حرموا من الجنسية ومن حقوق أولية كثيرة تحت كابوس نظام الرسالة الخالدة. ولعل الفرصة قد جاءت أخيرا لتصحيح هذا الوضع الشاذ.
نوروز عام 2013 يعود وثمة أحداث خطيرة ذات علاقة بقضية الشعب الكردي المجزأ، والذي يبلغ تعداده الثلاثين مليونا.
ففي تركيا، مفاوضات جارية بين الحكومة والمناضل عبد الله أوجلان من سجنه حول صيغة للحل العادل السلمي والمتدرج للقضية الكردية في تركيا- علما بأن أكراد تركيا يبلغون 15 مليونا وهم الجزء الكردي الأكثر عددا. ثمة انتظار وتلهف لنتيجة هذه المفوضات التي اضطرت إليها الحكومة الإسلامية الأردوغانية لأسباب داخلية [انتخابية] وإقليمية. والسؤال هو عن مدى جدية وصدقية حكومة أردوغان، وهل هي تريد حقا حلا عادلا بتلبية الحقوق الإدارية والثقافية واللغوية للشعب الكردي، أم إنها تناور وتتكتك ظرفيا لتغدر في وقت لاحق؟ وهل قد تخلت حقا عن شعار الإخوة الإسلامية للتملص من استحقاقات القضية الكردية؟ الأيام القريبة ستكشف.
في العراق أزمة ساخنة بين المالكي وحكومة إقليم كردستان. والمقربون من المالكي يواصلون شحن أجواء الكراهية والتحريض ضد الإقليم لحد أن أحدهم راح يفبرك حكاية أن إسرائيل في كردستان وتسلح الأكراد. ولعل من الواجب تذكير رموز دولة القانونيين - إن نسوا وليسوا متناسين!- بان مرشدهم خميني، الذي أقسموا بأن يذوبوا فيه [ كما ذاب في الإسلام]، هو الذي حارب الجنود العراقيين بالسلاح الإسرائيلي فيما عرفت بفضيحة إيران غيت.
ليس هنا مكان استعراض مظاهر هذه الأزمة العراقية وخفاياها وأبعادها وعلاقتها بالأزمة السورية والحسابات الإيرانية وفشل المالكي في ولايتيه. ولا نكرر الحديث عن أخطاء القيادات الكردستانية، ولاسيما تشبثها بمقولة شيعي- كردي التي تنافي مبدأ المواطنة، وما بني على تلك المقولة من تحالفات إستراتيجية مع الأحزاب الإسلامية الشيعية على حساب التعاون مع القوى والتيارات العلمانية الديمقراطية. وأيضا الموافقة على تجاوز نتائج الانتخابات الأخيرة لتمكين المالكي من العودة، خلافا للتقاليد الانتخابية في الدول الديمقراطية. ولا نتوقف عند عقود البترول، التي كان يمكن التحكيم فيها لو صوت على قانون النفط والغاز المعد منذ ست سنوات، ولكن المالكي نفسه تعمد التهرب من طرحه على البرلمان للتصويت عليه.
ما نريد التأكيد عليه هنا هو أن من الواضح كون حكومة المالكي تواصل التصعيد وتوتير الأجواء والتحريض بينما العراقيون يقتلون يوميا بالعشرات، وبينما أموال العراق تنهب ومنها ما يذهب لخزانة الأسد. والعراق قد تحول لدولة الفشل والفساد والطائفية والمليشيات. إن شحن الأجواء ضد أكراد العراق سياسة حمقاء، وقد تكون نتائجها كارثية. وذهب بعض الملالي العراقيين من تلاميذ خميني للتصريح بأن الإمام الغائب عائد لكي يقاتل الأكراد- طبعا باعتبارهم أبناء الشيطان!!
هكذا يهل نوروز وسط دوامات مشاكل وقضايا كردية شائكة ومتنوعة، ومتداخلة أحيانا. ومهما يكن، فالقضايا العادلة ستكون لها في النهاية الكلمة الأخيرة والفاصلة، والخذلان سيكون مصير أبطال الشوفينية والطائفية والكراهية.
وقبل إنهاء هذه الكلمة، لابد من تحية الأخ المناضل مام جلال طالباني في محنة المرض؛ وتحية المناضل عبد الله أوجلان في سجنه وتثمين جهوده الصادقة من أجل الحل السلمي العادل. كما نحيي ذكرى الشهيدات الكرديات الثلاث ضحايا الاغتيال في باريس: سكينة كاسيز ورفيقتيها فيدان دوغان وليلى سويلمز. مجدا لهن ولجميع شهداء النضال.[1]