شنكال .. من ألم الإبادة إلى انتصار الإرادة - الجزء الثاني
بعد سقوط دكتاتورية صدام حسين في العراق وبروز الدور الكردي في المنطقة كبداية لحل قضيته، حررت كامل المناطق الكردية ومن بينها شنكال ودخلتها قوات البيشمركه سنة 2003، لتصبح بعدها من بين المناطق الكردية المتنازع عليها بين حكومتي إقليم كردستان وبغداد المركزية. وبسبب سياسات السلطة وما تبعته من تهميش وسلب لإرادة المجتمع أعُيد سيناريو الإبادة على شنكال وأهلها مرة أخرى لتنتهي بأكبر عملية إبادة جماعية في تاريخ الإنسانية بالعصر الحديث بتاريخ 03-08-2014.
ازدياد الخطر على شنكال و أكبر مجزرتين في ظل حكومة بغداد وإقليم كردستان
مركز الأخبار آلان روج
كان أهالي قضاء شنكال يأملون خيراً بعد التسويات التي جرت بين الحكومتين في العراق وظنوا بأنهم بعد توزيع المهام العسكرية والأمنية بين البيشمركه والشرطة الاتحادية العراقية سوف يعيشون بمأمن من الهجمات المتكررة عليهم وانتهاء عهد التعريب والتغيير الديمغرافي والصهر الثقافي والاجتماعي والقتل بسبب الدين الذي عاناه الإيزيديون سابقاً على يد الحكومات المتتالية على العراق.
إلا أنه لم يدم الاستقرار طويلاً حتى ارتكب ارهابيون محليون مجزرة مروعة في بلدتي سيبا شيخ و تل عزير بقضاء شنكال سنة 2007 بتفجير صهاريج مفخخة وسط تجمعات الأهالي راح ضحيتها المئات من القتلى والجرحى وتدمير معظم البلدة إثر التفجيرات الهائلة، وكان حينها الإيزيديون وبعض الجهات الكردية قد أشاروا بأن المجزرة حصلت بتواطؤ من مسؤولين في الحكومة العراقية وحزب البارزاني في شنكال من أجل انتزاعها كلياً والسيطرة على كامل مواردها للأخير.
مجزرة القرن 3-8-2014 كيف حصلت ولماذا ؟
بعد بروز داعش كتنظيم إرهابي في المناطق العراقية ذات الغالبية السنية ليهدد العالم كله في خطابه بعد سيطرته على مدينة الموصل بالكامل في شهر حزيران من عام 2014، بات حينها الخوف على الأقليات العرقية والدينية في المنطقة يزداد أكثر.
فبدعم من الدولة التركية عبر دبلوماسييها و استخباراتها ومرتزقتها في الموصل وإقليم جنوبي كردستان، وبتواطؤ من حكومة البارزاني انسحبت قوات البيشمركه والجيش العراقي من قضاء شنكال وولاية الموصل تاركة أهلها لقمة سائغة بيد الإرهاب ليرتكبوا أفظع إبادة بحق المدنيين من قتل و سبي و خطف وتشريد لا مثيل له عبر التاريخ الحديث.
لماذا شنكال وكيف مُهِدَ لمخطط المجزرة ..؟
لم تكن مرحلة ظهور داعش و توسعه وهجماته على المناطق الكردية مهد صدفة يسعى فيه هذا التنظيم الجديد لإنشاء دولة خلافة مثل ما كان يروج لها الغير، بل كانت مرتبطة بسلسلة المحاولات التي تهدف إليها الدولة التركية وحلفاؤها في المنطقة منذ 2003، من أجل مشروعهم في إبادة الكرد و بناء العثمانية الجديدة على جماجم شعوب المنطقة الأصليين والسيطرة على خط كركوك وموصل وحلب كبداية للتوسع.
فكانت سنوات 2013-2014 حاملة لأكثر وأشد الهجمات على الشعب الكردي في روجافاشمال سوريا من قبل مرتزقة جبهة النصرة وداعش وأحرار الشام المدعومة بشكل مباشر من قبل الدولة التركية وحلفائها ومنظمات الإخوان المسلمين، والتي امتدت من أقصى حدود عفرين في ريف حلب الشمالي إلى بلدة تل كوجر في أقصى الزاوية الشرقية الشمالية لإقليم الجزيرة، ناهيك عن الحصار المحكم من كافة الأطراف حتى الكردية المناصرة لسياسات أردوغان في إقليم جنوبي كردستان.
وبتوسع انتصارات الكرد، ضمن مضمار ربيع الشعوب المعلن في المنطقة عامة بالتزامن مع انكسارات الدولة التركية في سياساتها المعادية للكرد في سوريا، اتسع معها نطاق هجمات الإرهابيين والمرتزقة، التي تدعمها تركيا وحلفائها، على معظم المناطق الكردية، وكانت شنكال بالنسبة لهم نقطة ضعف كبيرة يمكن فيها إرضاء الأطراف المسيطرة عليها وتجميدهم، بالإضافة إلى أن شنكال ستكون بالنسبة لهم الضربة القاضية على الشعب الكردي ينهي فيها ثقافتهم و تاريخهم ويضعهم في حصار خانق أبدي ليقتلهم بها رويداً رويداً، بحكم استراتيجيتها الجغرافية التي تعتبر كدرع عظيم يحمي معظم الحدود في جزئي كردستان الغربي والجنوبي.
حينها عقد اجتماع سري في العاصمة الأردنية عمان في حزيران 2014، حضره ممثلون عن الأتراك و حزب البارزاني وإسرائيل والسعودية وأمريكا، وكانت مسألة التخطيط لسقوط الموصل بيد الإرهابيين قد ذكر فيها، فسيطر داعش بعدها بأسبوع على الموصل و بدأ بالتوسع في المنطقة. بعدها عقد عدة اجتماعات متتالية بين حزب الديمقراطي الكردستاني و الحكومة التركية واستخباراتها في الإقليم لتنسحب بعدها قوات البيشمركه، والذي قدر عددهم ب 18 ألف، من قضاء شنكال بالكامل ويتركوا مصير أهلها بيد داعش.
إلى جانب ذلك فقد كان امتداد ثورة حركة التحرر الكردستانية في شنكال يهدد تركيا والكتل المحافظة من العرب والكرد في العراق خاصة آل النجيفي وحزب البارزاني، حيث كانت حركة الحرية والديمقراطية الإيزيدية TEV-DA تعمل وبشكل سري في تنظيم الشعب ذاتياً بعد تفجيرات 2007، بسبب فقدان الشعب الإيزيدي الثقة بالحكومتين، وكانت الحركة تعمل دون الإعلان عن نفسها في البداية وتعاني من عمليات اعتقال ممنهجة وحظر مشدد من حكومة الإقليم بهدف كبح حركتها داخل المجتمع الإيزيدي وما تحمله من مشروع شعبي يكفل حمايتهم ذاتياً.
يوم 3-8-2014 الأسود زاد عدد الفرمانات إلى ال 74
بعد سقوط الموصل بيد داعش قامت مرتزقتها بالهجوم على بعض القرى الشرقية والجنوبية لجبل شنكال وصولاً إلى بلدة ربيعة المحاذية للحدود مع روجافا، بهدف محاصرتها كلياً قبل الهجوم، إلا أنها لم تفلح كثيراً لأن وحدات حماية الشعب أمنت حدودها ودخلت بلدة ربيعة بالإضافة إلى تحريرها لبلدة جزعة المحاذية للحدود مع شنكال لتحميها من الخلف، فقامت المرتزقة في ليلة الثالث من شهر آب عام 2014 بهجوم واسع على شنكال، بعد حشد عناصره وانسحاب 18 ألف مقاتل من عناصر البيشمركه والجيش العراقي من القضاء مع سلاحهم الثقيل والخفيف.
حاولت مجموعات متطوعة من الأهالي التصدي بأسلحتهم الخفيفة لهجمات داعش في القرى المحاذية لخطوط داعش مثل كرزرك و سيبا شيخ إلا أن عدم التكافؤ في العدد و السلاح حال دون نتيجة واستشهد على إثرها العشرات من الرجال والشباب ولاذ المدنيون في منتصف تلك الليلة نحو الجبل هرباً من بطش داعش.
وصل من وصل إلى الجبل بعد مغامرة الموت سيراً بالأقدام، ومات من مات في الطريق تعباً أو عطشاً أو جوعاً، و خطف وقتل من بقي في قريته ولا يدرك بأن البيشمركه والقوات العراقية قد فرت وتركتهم فريسة لداعش، و سبي آلاف النساء مع أطفالهن وهن يحاولن الفرار من سواد داعش في تلك البرية المليئة بالخوف، ليفقد أكثر من 2000 حياتهم بحسب بعض المعلومات الشبه المؤكدة من جهات حقوقية.
كما أفادت التقارير الصادرة من مديرية الشؤون الإيزيدية فإنه تم العثور حتى الآن على 43 مقبرة جماعية في قضاء شنكال، وأن عدد المختطفين يصل إلى أكثر من 6417 بين رجال و نساء وأطفال، مازال مصير معظمهم مجهولاً، بالرغم من تحرير وإنقاذ المئات منهم من قبل وحدات حماية الشعب والمرأة في معاركها ضد داعش في الرقة ومنبج ودير الزور.
هذا وتعتبر مجزرة شنكال، التي تعرف لدى المجتمع الإيزيدي بالفرمان ال 74، من أكبر المجازر في القرن الحادي والعشرين وأكثرها وحشية بحق الإنسانية والأقليات الدينية، حيث قامت المرتزقة بقتل الإيزيديين بطرق وأساليب بشعة وبشكل جماعي، وقامت باغتصاب الأطفال والنساء و بيعهن في أسواق النخاسة إلى جانب استغلال الأسرى كعبيد لحفر الأنفاق و بذل الأعمال الشاقة أو كدروع بشرية للسيطرة على منطقة ما أو الحماية من الطيران والهجمات على نقاطهم.[1]